ملامح القيادة الميدانية للإمارات بين زمنين

ملامح القيادة الميدانية للإمارات بين زمنين

ملامح القيادة الميدانية للإمارات بين زمنين


06/02/2023

إبراهيم سعيد الظاهري

أحداث ضخمة وتغييرات جذرية عايشتها المنطقة والعالم على مدى أكثر من تسعة عشر عاما مضت، تمثل الفترة بين عام 2003 الذي شهد قرار القائد المؤسس الشيخ زايد عليه رحمة الله، تعيين ابنه الشيخ محمد بن زايد نائبا لولي عهد إمارة أبوظبي، ثم وليا للعهد، وهو القرار الذي حسم ترتيب سلم أولويات الانتقال للسلطة في إمارة أبوظبي وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وعام 2022 حين انتخب أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، محمد بن زايد رئيسا للدولة.

تلك الأحداث والتغييرات وضعتنا أمام حقائق جديدة، جعلتنا ندرك، بوعي ويقين، حكمة القائد المؤسس، ونفاذ بصيرته، ونظرته الاستشراقية للمستقبل، وهو يتخذ ذاك القرار الذي تحصد الإمارات ثماره اليوم، حيث الأمن والأمان، والفخر والاعتزاز بما وصلت إليه من مكانة معتبرة، وما تلعبه من دور محوري لا غنى عنه على جميع الأصعدة محليا وإقليميا ودوليا.

وقد رأت فيه النخب السياسية والقبلية والثقافية الإماراتية قرارا صائبا، واعتبرته تأكيدا وتعزيزا لما يتمتع به محمد بن زايد من دراية سياسية، وخبرة قيادية، ورؤية حكيمة، سواء في المجلس التنفيذي لأبوظبي أو المجلس الأعلى للبترول وكذلك هيئة أركان القوات المسلحة وولاية العهد حتى انتخابه رئيسا للإمارات.

وهذا ما لفت إليه الأنظار في الأوساط العالمية باعتباره رجل دولة، يتمتع بعلاقات دبلوماسية واسعة مع قادة وزعماء دول العالم، ورؤساء المنظمات الدولية، ويحوز ثقتهم وتقديرهم، الأمر الذي تنعكس آثاره الإيجابية على كثير من القضايا المشتركة عربيا وإقليميا وعالميا.

وسيرا على نهج والده المؤسس، ثم شقيقه الشيخ خليفة بن زايد رحمهما الله، أسهم محمد بن زايد بفاعلية في صوغ الشأن المحلي في إمارة أبوظبي، وكذلك السياسة الخارجية والدفاعية للدولة الاتحادية عموما، مستندا في ذلك إلى معطيات فكرية وثقافية ذات علاقة واعية بالتراث المدون والشفهي لشعب الإمارات، وكذلك مستجدات التطور المعرفي العالمي في مختلف المجالات، خاصة بعد أن أصبح العالم شريكا في مواجهة الكثير من آثار القضايا المعاصرة المؤثرة في صناعة المستقبل.

وهذا ما يفسر حرص محمد بن زايد على تأسيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى حاضنة لكبار الباحثين الإستراتيجيين العالميين وخبراء السياسات الدولية.

وظل هذا الرأي، أو بالأحرى اليقين، يتعزز طوال السنوات الماضية، خاصة عندما أخذ القائدان محمد بن زايد ومحمد بن راشد يشكلان حضورا ذا ثقل في أكبر إمارتين في بنيان الاتحاد السباعي الذي يعتبر، بإجماع الدارسين المحايدين والخبراء المنصفين، التجربة الأعظم تمازجا وتماسكا وتوحدا، والأكثر تأثيرا وجذبا لاهتمامات العرب المعنيين بالعمل السياسي الناضج على الصعيد القومي.

ووجد هذا الرأي صداه، وتأكدت مصداقيته في تلازم قيادة ميدانية شابة في أبوظبي، العاصمة السياسية للدولة، مع قيادة ميدانية شابة أيضا في العاصمة الاقتصادية دبي وهذا ما تحقق في أكثر من مناسبة، ووجد تفهما في بقية إمارات الدولة ومدنها.

يشترك القائدان في قيادة المؤسسة العسكرية للدولة، ويتعاونان في صناعة الوحدة المأمولة للقوات المسلحة للدولة، وهذا هو العمل والأمل الأكثر احتراما في نفوس مواطني الإمارات باعتباره استجابة لدواع وطنية وقومية، فضلا عن الجوانب الأخلاقية، الأمر الذي أكسبهما خبرات مشتركة سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وعزز فكرة القيادة الميدانية الشابة للإمارات التي طالما طرحت في أوساط النخب الإماراتية واقعا ملموسا لا بد أن ينال عناية المعنيين بالتحولات العربية في بواكير القرن الحادي والعشرين.

إن ملامح حقبة جديدة في العمل الوطني الإماراتي بدأت تتشكل، وتطرح نفسها على هذه البنية القيادية الشابة وهذا ما يجعل تصديها لمهام العمل الوطني مقرونا بالنجاح دائما، استنادا إلى تراكم خبرات الجيل المؤسس وما يميزها من قدرات، وكفاءات، ونهج متوازن وفق رؤية لا تكتمل بغير اكتفاء اقتصادي، وعمق ثقافي، وتماسك اجتماعي، هو الأنجح على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ولعل من أبرز المهام على الصعيد المحلي إعادة صوغ مصادر الاقتصاد الوطني القائم على النفط، بتنويع عوائده، وتعظيم منافع التبادلات التجارية والاستثمارية الضخمة، فضلا عن تنشيط السياحة، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة جسر اتصال وتواصل بين شعوب هذا الكوكب، ومهوى أفئدتهم، ومجمع ثقافاتهم، ومنطلق آمالهم وطموحاتهم.

وعلى نفس المنوال، جاء الارتقاء بمستوى المشاركة الشعبية إلى فضاءات أرحب. فالمأمول أن تتسع الصيغ المنظمة لانتخابات أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، في ظل تأكيد القيادة السياسية الحرص على ممارسة كل من أتم السن القانونية حقه في الإدلاء بصوته أو الترشح لعضوية المجلس. ولعل العودة للأخذ بنظام الصوتين أكثر حيوية وتشويقا، وأعظم تأثيرا في العملية الانتخابية.

وانطلاقا من إيمانها بأهمية المصداقية والشفافية، وتعزيز العمل الوطني، تحرص القيادة السياسية على الحيادية التامة في انتخاب رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وتشجيع المنافسة الشريفة بين المرشحين للرئاسة.

ومن المأمول من القيادة السياسية التوجه نحو زيادة عدد أعضاء المجلس عما هو عليه الآن، لاسيما بعد التغييرات التي شهدتها دول المنطقة في هذا الصدد.

ولا تفوتنا الإشارة إلى نجاح القيادة الميدانية الشابة في إشراك المرأة في هذه العملية، والاستجابة إلى الدعوات المطالبة بمشاركة أكبر للكفاءات النسائية التي أثبتت وجودها في ميادين الدراسات العلمية المتخصصة، واستثمار كفاءتهن على صعيد مجلس الوزراء والمجلس الوطني.

من هذه الزوايا يمكن تفهم أهداف وغايات ذلك القرار الذي اتخذه القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، في 2003، والذي تحصد الإمارات ثماره اليوم في ظل قيادة محمد بن زايد والذي يعد ركيزة أساسية لعملية سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وثقافية تتصدى فيها القيادة الميدانية للإمارات للأحداث التي يعيشها العالم، وتتعامل معها وفقا لعالم متغير، قوامه: ثقافة الحرية، وحقوق الإنسان، والانتقال الحر للمعلومات، وبناء تجربة عربية متقدمة في هذا الميدان بعد أن تحولت تجربة الدولة الاتحادية إلى حقيقة ملموسة، فضلا عن كونها نموذجا رائدا يحتذى به.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية