ملامح مستقبل "داعش" في الصومال بعد مقتل البغدادي

أفريقيا

ملامح مستقبل "داعش" في الصومال بعد مقتل البغدادي


25/11/2019

تصاعدت وتيرة الغارات العسكرية الأمريكية على فرع داعش في الصومال، منذ مقتل زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي"، في عملية عسكرية أمريكية في شمال غرب سوريا، في 27 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: داعش أو كيف يأتي شرنا مما هو أبعد؟
ويأتي هذا في الوقت الذي يعمل فرع التنظيم في الصومال التمدّد إلى إثيوبيا، كما استمرّ الفرع منذ مقتل البغدادي على تنفيذ هجمات ضدّ المقرات التابعة للجيش الصومالي والقواعد العسكرية الأمريكية، آخرها الهجوم الذي استهدف القاعدة العسكرية الأمريكية في "بلدوكلي"، قرب مدينة "ونلوين"، بإقليم شبيلي السفلي جنوب الصومال، نهاية الشهر الماضي.

في حال تمدّد "داعش" إلى إثيوبيا أو حدثت عمليات "هجرة" فإنّ المشهد في المنطقة مرشّح لمزيد من التعقيد الجهادي

وبحسب تقديرات لقوات أفريكوم، في نهاية العام الماضي، يصل عدد مقاتلي التنظيم في الصومال نحو 250 شخصاً، مقابل حوالي سبعة آلاف فرد في صفوف حركة الشباب، لكن من المرجّح تزايد هذا العدد بعد فرار كثير من عناصر داعش في كلّ من سوريا والعراق إلى دول أخرى، من بينها الصومال، كملاذ يراه التنظيم منطقة واعدة يمكن أن يلعب دوراً في التمركز فيها، وإفشال المشروعات التي ترمي إلى ترسيخ السلام فيها.
وقد سارع فرع داعش في الصومال بالتعهّد بالولاء للأمير الجديد لتنظيم داعش، بعد مقتل أبي بكر البغدادي، ونشر فرع التنظيم صوراً على موقع "تلغرام" لحوالي عشرة مقاتلين يقفون وسط الأشجار، مع صوت مسجّل يقول إنّهم تعهدوا بالولاء لخليفة البغدادي، أبي إبراهيم الهاشمي القرشي.

سارع فرع داعش في الصومال إلى التعهّد بالولاء للأمير الجديد لتنظيم داعش

مقتل البغدادي: هل ستكون فرصة للقاعدة؟
ويتوقّع محللون وخبراء في التنظيمات الإرهابية أن تشكّل العملية الأمريكية النوعية، التي قتل فيها البغدادي أدّت إلى انهيار معنويات أتباعه وتشتّتهم؛ بل ودخول عناصر التنظيم في خلافات وصراعات تعزّز الانقسام، فبعد مقتل البغدادي، توقع تقرير لصحيفة "ديلي بيست" أن يسعى تنظيم القاعدة المنافس التاريخي لداعش لتجنيد مسلحي التنظيم مستغلاً موت البغدادي.
وقال التقرير: "الحواجز بين التنظيمين ازدادت على مرّ السنين، ما أشعل فتيل مواجهات مميتة وحروب علاقات عامة، ولم يكن البغدادي الحاجز الوحيد الذي يمنع أعضاء داعش من الانضمام إلى القاعدة، ومن غير المرجح أن يؤدي مقتله إلى تقليص النزاعات القائمة بين التنظيمين المتشددين".

اقرأ أيضاً: هل ينتقم أردوغان من أوروبا بورقة داعش؟
وقال تقرير الصحيفة؛ إنّ القاعدة ظلت لأعوام دائمة الانتقاد لداعش، ولم تعترف به عندما أعلن إنشاء دولة "الخلافة"، ولم تخلُ خطابات أيمن الظواهري من توجيه اللوم للبغدادي والتنظيم، واستشهدت الصحيفة بأمثلة على هذا النهج الجديد، وعلى سبيل المثال؛ دعا عادل أمين، القيادي في "حركة الشباب المجاهدين" المرتبطة بتنظيم القاعدة في مقال له تمّ تداوله على نطاق واسع بين مؤيدي داعش إلى "العودة إلى الطريق الصحيح".

اقرأ أيضاً: كيف تتجلى صورة الدولة في عقل تنظيم داعش؟
وفي مجموعات دردشة لأتباع القاعدة، قام مؤيدون للقاعدة بالتذكير بالصراع القائم بين التنظيمَين وسقوط مقاتلين على يد داعش، وفتح هؤلاء نقاشات حول "الفرصة" التي تمثلها وفاة البغدادي، فالعديد من مقاتلي ومسؤولي داعش الإعلاميين كانوا في الأصل ينتمون لتنظيم القاعدة، وبعد موت "الخليفة" وتدمير "الخلافة"، أصبحت لدى القاعدة فرصة كبيرة لاستعادة العديد منهم، بحسب الصحيفة.
التمدّد إلى إثيوبيا
وعلى خلاف هذه الأخبار السيئة التي يعيشها التنظيم في معقله الأساس، فإنّه يسعى للتمدّد في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث يحافظ على مواقعه في الصومال رغم الضربات الأمريكية، كما يسعى إلى إيجاد موطئ قدم له في دول الجوار، خاصة إثيوبيا.

تتواصل اتهامات منظمة العفو الدولية بارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب سرّية في الصومال؛ مؤكدة أنّ هناك استخفافاً مروعاً بالمدنيين

فقبل شهر فقط؛ تداولت بعض وسائل الإعلام الإثيوبية أنّ السلطات الإثيوبية اعتقلت أعضاء تابعين لتنظيم داعش، فرع الصومال، عندما كانوا يعملون على تجنيد إثيوبيين مؤخراً، وهو دليل يؤكد أنّ المنطقة قد تتعرض لعمليات عنف جديدة، لإثارة الذعر وتعطيل التحركات الساعية لتسوية أزماتها ورفع مستوى الأمن والاستقرار، ومن جانبه؛ أعلن فرع داعش في الصومال أنّه سيطلق مواد جهادية باللغة الأمهرية، وهي خطوة يمكن تفسيرها بأنّها تهدف إلى كسب مجندين في إثيوبيا المجاورة.
وجاء هذا الإعلان في شريط فيديو مدته ثلاث دقائق، تمّ نشره الشهر الماضي من قبل مواقع التنظيم وتداولته بعض وسائل الإعلام الرسمية، وتضمّنت كلمات الفيديو أحد الهتافات الأكثر شهرة في الدولة الإسلامية باللغة الأمهرية، ووعد التنظيم بإصدار المزيد من المواد باللغة التي تعدّ واحدة من اللغات الأكثر استخداماً في إثيوبيا.

قائمة الموقوفين بتهمة التجنيد لصالح داعش في إثيوبيا

ويعتقد مات برايدن، المحلل السياسي في الشؤون الأفريقية، أنّ تنظيم داعش يتواصل مع الجالية المسلمة في إثيوبيا في محاولة للاستفادة من الاضطرابات العرقية والسياسية المستمرة في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.
وقال برايدن، للقسم الصومالي في إذاعة صوت أمريكا: "باعتقادي؛ يرى داعش إثيوبيا فرصة سانحة. نحن نعلم أنّ التنظيم يقوم بتوسيع نفوذه وأنشطته في جميع أنحاء أفريقيا بقوة، ومع أنّه حقّق حتى الآن نتائج متواضعة، فإنّه مستمّر على هذا الاتجاه".

اقرأ أيضاً: "قوارير داعش" ... المغرب يفتح ذراعيه لضحايا البغدادي
ويرى الخبراء أنّ شريط الفيديو باللغة الأمهرية يؤكّد أنّ فرع التنظيم في الصومال يضمّ عناصر إثيوبية، كما أظهر فيديو أصدره الفرع، في كانون الثاني (ديسمبر) 2017، جهادياً من إثيوبيا يتحدث باللغة الأمهرية، وعرّف عن نفسه باسم "أبو زبير الحبشي"، والأمر ذاته أكّده عضو سابق في فرع داعش في الصومال، تحدّث مع إذاعة صوت أمريكا القسم الصومالي، وقال: إنّ "المجموعة تضمّ حوالي ثمانية إثيوبيين من بين ما يقدَّر بنحو 300 عضو".

فشل الغارات الأمريكية
نفذت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" نحو 55 غارة جوية، عام 2019، ضدّ الشباب ومقاتلي داعش في الصومال، مقارنة بـ 47 غارة جوية نفذتها عام 2018، ووفق البيانات التي قدمتها أفريكوم؛ فقد استهدفت ثماني هجمات فقط منها مقاتلي داعش في الصومال، بينما تركّزت بقية الهجمات على مواقع لـ "حركة الشباب المجاهدين".
وقد استهدفت غارتان أمريكيتان جديدتان، بين 30 أيلول (سبتمبر) و1 تشرين الأول (أكتوبر)، مواقع للحركة، في أعقاب هجوم نفذته الحركة على قاعدة عسكرية أمريكية، تتمركز فيه قوات الكوماندوز الصومالية المعروفة باسم (داناب/ الصاعقة).
وصرحت الملازمة ديزيريه فريم، المتحدثة باسم أفريكوم، في أيلول (سبتمبر) هذا العام؛ أنّ هناك من 650 إلى 800 من موظفي وزارة الدفاع الأمريكية يتواجدون في الصومال، وتشمل هذه الأرقام أفراداً مدنيين وعسكريين.
وقالت فريم لصحيفة "ميليتوم تايمز": إنّ الشباب يقدّر عددهم بين 5000 إلى 7000 مقاتل، ويسيطرون على 20% من الصومال، وأفادت تقارير حديثة من الأمم المتحدة بأنّ مقاتلي حركة الشباب يتكيفون مع الضربات الجوية المستمرة من القوات الأمريكية من خلال العمل في المناطق الحضرية.

غالبية الهجمات الأمريكية تركّزت على مواقع لـ "حركة الشباب المجاهدين"

وفي حين تدّعي أفريكوم أنّه لم يصب أيّ مدني أو يُقتل في غاراتها، تتواصل اتهامات منظمة العفو الدولية بارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب سرّية في الصومال؛ حيث توثق في تقريرها الصادر، في30  أيلول (سبتمبر) الماضي، بعنوان "الجيش الأمريكي يبدي استخفافاً مروعاً بالمدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية في الصومال" حالات مزارعين مدنيين استهدفتهم الغارات الأمريكية على أنّهم "إرهابيون من حركة الشباب المجاهدين"، دون أيّ دليل على وجود صلة لهم بالجماعة المسلّحة.
وبالنظر إلى كلّ هذه المتغيرات، فإنّ تنظيم داعش في الصومال يعمل على توسيع رقعته الجغرافية، ولا يبدو أنّه يتأثر كثيراً بالعمليات العسكرية الأمريكية، وفي حال تمدّده إلى إثيوبيا، أو حدوث عمليات "هجرة" واسعة من معاقل داعش في الخارج، فإنّ المشهد برمّته في المنطقة مرشّح لمزيد من التعقيد الجهادي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية