مناورات واشنطن وتل أبيب: هل هي آخر رسالة أمريکية لطهران؟

مناورات واشنطن وتل أبيب: هل هي آخر رسالة أمريکية لطهران؟

مناورات واشنطن وتل أبيب: هل هي آخر رسالة أمريکية لطهران؟


06/12/2022

رغم المشهد الداخلي، في إيران، المتخم بالاحتجاجات المستمرة لأكثر من شهرين متواصلين، وذلك منذ وفاة الشابة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية شرطة الأخلاق، وكذا تعميم الرؤية الأمنية لمواجهة تلك الأحداث، إلا أنّ تنامي التوترات بين إيران والولايات المتحدة على خلفية الملف النووي، فضلاً عن التصعيد الإقليمي بين الأولى وإسرائيل، ما يزال مستمراً وله تداعيات جمّة.

واستبق النظامُ الإيراني انطلاقَ موجة احتجاجات جديدة، بإعلانه الأسبوع الماضي، حلَّ "شرطة الأخلاق"؛ في خطوة فُسّرت تراجعاً من النظام أمام الضغط الشعبي المستمر منذ وفاة أميني أثناء احتجازها لدى هذا الجهاز بدعوى "سوء الحجاب"، يوم 16 سبتمبر (أيلول) الماضي في طهران، وفق صحيفة "الشرق الأوسط".

وأعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، إلغاء "شرطة الأخلاق" من قبل السلطات المختصة.

وجاء الإعلان المفاجئ بعدما قال منتظري الخميس الماضي إنَّ "اللجنة العليا للثورة الثقافية"، التي يرأسها الرئيس إبراهيم رئيسي، وتضم أعضاء يختارهم المرشد علي خامنئي، ستعلن موقفَها من قضية الحجاب خلال 15 يوماً.

وسارعت قناة «العالم»، التابعة للتلفزيون الرسمي الإيراني، إلى القول إنَّ "إلغاء (شرطة الأخلاق) فُسر تراجعاً من الجمهورية الإسلامية في بعض وسائل الإعلام الأجنبية في قضية الحجاب والعفة وتحت تأثير الاضطرابات".

وقالت الصحفية والناشطة في حقوق المرأة، مسيح علي نجاد، على "تويتر": "هل تلغون (شرطة الأخلاق)؟ هذه فقط الخطوة الأولى؛ الناس يريدون أن تُلغى (تُحل) الجمهورية الإسلامية القسرية". وأضافت: "عندما نقول نحن الإيرانيات: لا للحجاب الإجباري، فهذا يعني: لا للجمهورية الإسلامية".

مناورات أمريكية إسرائيلية.. ما القصة؟

وفي ما يبدو أنّ نووي طهران الذي انسحب من المتن إلى الهامش نتيجة التظاهرات التي تشهدها غالبية مدن وأقاليم طهران، يعاود الحضور، مجدداً، مع ارتفاع التوترات في المنطقة مع تل أبيب، وقد بدأت الأخيرة بتنفيذ واحدة من أكبر المناورات الجوية العسكرية مع واشنطن، لمحاكاة استهداف مواقع نووية إيرانية. ومن ثم، تتضمن هذه المناورات رحلات جوية طويلة المدى قد يحتاجها الطيارون الإسرائيليون للوصول إلى إيران.

الباحث المصري محمد ربيع: التدريبات تأتي في سياق اتفاقية عسكرية بين واشنطن وتل أبيب

سبق لصحيفة "وول ستريت" جورنال الأمريكية، أن نقلت عن مسؤول إسرائيلي، لم تفصح عن هويته، قوله إنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، رفضه إسقاط التحقيقات في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع نووية إيرانية، والتي يطالب فريق التفاوض الإيراني غلقها قبل إحياء الاتفاق النووي، غير أنّ إسرائيل شددت على عدم وجود قيود تحول بينها وبين استهداف البرنامج النووي الإيراني، وكذا مواقع نفوذ الحرس الثوري في سوريا.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفق الصحيفة الأمريكية، إنّ تل أبيب تقوم بحملة قصوى لتجميد المحادثات النووية، ومنع الوصول إلى اتفاق نووي.

الباحث المتخصص في العلوم السياسية، محمد ربيع لـ"حفريات": البرنامج النووي سيظل يبعث بتوترات عنيفة بين إيران وواشنطن، خاصة أنّ المفاوضات لم تسفر عن جديد أو تقدم

وفي حين يصر الرئيس الأمريكي على الخيار الدبلوماسي لإنهاء أزمة الملف النووي مع إيران، فإنّ لجنة الأمن القومي الإيراني تلمح، بين الحين والآخر، إلى وجود بدائل في حال رفضت القوى العظمي الاتفاق النووي.

وفي ما يتصل بالمناورات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب، يوضح موقع "العربية نت"، أنّ القوات الجوية الإسرائيلية تعتبر هذه المناورة أحد أكبر تدريباتها منذ سنوات، حيث تحاكي مع سلاح الجو الأمريكي ضربات هجومية ضد البرنامج النووي الإيراني. وستجرى المناورات فوق البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل. وستشمل التدريبات تزويد الطائرات بالوقود، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من كلا القوتين.

تهديدات إيران وأمن إسرائيل

وتردف: "وقعت واشنطن وإسرائيل اتفاقية من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل في الدفاع عنها في أوقات الحرب. وقد أجرى الجيشان العديد من مناورات الدفاع الجوي المشتركة في السنوات الأخيرة. وتواصل إيران، التي تمتلك أكثر من 1000 صاروخ باليستي قصير ومتوسط المدى، تهريب الأسلحة إلى الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، مثل حزب الله والذي يقدر أنّ لديه ترسانة من حوالي 50000 صاروخ على الحدود الشمالية لإسرائيل".

واللافت أنّ إسرائيل تضع الخيار العسكري، واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، كأولوية قصوى، حيث ترى تقارير عديدة أنّ ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية البالغة 58 مليار شيكل، سوف ترتكز في العام القادم، على التهديدات الإيرانية في المنطقة، وسوف يتم تخصيص نفقات لهذا الأمر بحوالي 3.5 مليار شيكل.

وخلال زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، إلى الولايات المتحدة، قبل أسبوع، طرح مسألة التهديدات الإيرانية مع عدد من المسؤولين الأمريكيين، منهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي وقائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا.

 إسرائيل تضع الخيار العسكري، واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، كأولوية قصوى

وكان وزير الدفاع المنتهية ولايته بيني غانتس، قد صرح، مطلع الشهر، أنّ "لدى إسرائيل القدرات لضرب المنشآت النووية الإيرانية. ويتعين على رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو النظر في المسألة بعناية قبل تنفيذ أي خطوة في هذا الشأن. وإسرائيل لديها القدرة على التصرف في إيران. لدينا الجاهزية والقدرات والخطط طويلة المدى التي نديرها، ونحن بحاجة إلى الاستعداد لهذا الاحتمال، وسنحتاج أيضاً إلى النظر في هذه المسألة بعناية فائقة قبل تنفيذها".

نووي طهران الذي انسحب من المتن إلى الهامش نتيجة التظاهرات التي تشهدها غالبية مدن وأقاليم طهران، يعاود الحضور، مجدداً، مع ارتفاع التوترات في المنطقة مع تل أبيب

إذاً، أزمة البرنامج النووي الإيراني سوف تظل تبعث بتوترات عنيفة في العلاقة بين إيران وواشنطن، خاصة أنّ المفاوضات حول البرنامج النووي لم تسفر عن ثمة جديد أو تقدم، حسبما يوضح الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، محمد ربيع، مشيراً لـ"حفريات" إلى أنّه، وفي سياق التدريبات المشتركة بين واشنطن وإسرائيل المتعلقة بمحاكاة استهداف مواقع نووية في طهران، يمكننا النظر إلى كونها "محاولة من قبل واشنطن للحديث عن عدم استباعد الحل العسكري ضد طهران إذا ما هددت أمن إسرائيل، لا سيما أنّ إيران تعطي العديد من الأسلحة إلى تنظيمات موالية لها، مثل حزب الله، والأخير يشكل، بدوره، أكثر من تهديد أمني وسياسي لدول الإقليم، ومنها إسرئيل".

طعنة مؤلمة في الخاصرة الأمريكية

ولكن هذا الأمر لا يعني أن تتخلى واشنطن عن الدبلوماسية، بشكل تام ونهائي، في التفاوض بينها وبين طهران، وفق ربيع، مؤكداً أنّ "التدريبات تأتي في سياق اتفاقية عسكرية بين واشنطن وتل أبيب. وهذه الاتفاقية تؤشر إلى التزام الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل في الدفاع عنها في أوقات الحرب، وقد أجرى الجيشان العديد من مناورات الدفاع الجوي المشتركة في السنوات الأخيرة".

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، نزار جاف، أنّ هذا التطور الأخير قد "يکون آخر رسالة أمريکية من نوعها لطهران"، مضيفاً أنّ "المناورات الجوية المشترکة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والتي انطلقت بين يومي الثلاثاء الخميس الماضيين، بينما تم وصفها بأنّها الأضخم بين الدولتين على الإطلاق، لايمکن أبداً النظر إليها باعتبارها مجرد حدث عادي أو طارئ؛ بل إنّها، وفي ضوء الأحداث والتطورات الجارية على أکثر من صعيد، تعد بمثابة تطور غير عادي بالمرة، مما يستوجب تحليله بدقة ونبش مابين السطور".

هذه المناورات تأتي في ذروة أحداث وتطورات دولية غير مسبوقة، منها "الجمود الذي قد يصل إلى الانهيار في المحادثات الدولية الجارية مع إيران بشأن برنامجها النووي، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوکرانية، وكذا الدور الايراني فيها. ويبدو واضحاً أنّ إيران تسعى من أجل التصعيد والاصطياد في المياه العكرة من خلال الاستفادة القصوى من الحرب في أوکرانيا، مع ملاحظة أنّ إيران قد تجاوزت الخطوط الحمراء بالنسبة للغرب، وأمست في حالة اصطفاف واضحة وإستراتيجية إلى جانب موسكو"، يقول جاف.

ويردف: "إرسال إيران لمسيراتها وخبرائها لبوتين من أجل استخدامها ضد أوکرانيا، تعد خطوة إيرانية بهدف جعل الروس يقفون إلى جانب طهران في صراعها الدولي بخصوص برنامجها النووي، وذلك بصورة أقوى من السابق. لکن المهم، هنا، هو قراءة الموقف الروسي وکيفية تعامله مع الخطوة الإيرانية؛ إذ إنّ الدب الروسي ليس بذلك الأليف الذي يمکن لطهران توظيفه حسب مصالحها البراغماتية، بل إنّ له أهدافه المباشرة التي من الممکن أن تتعدى الحدود التقليدية، لاسيما في ظل السعي الروسي الصيني من أجل جعل العالم متعدد الأقطاب. وأغلب الظن أنّ الروس وبعد العديد من الاتفاقيات الإستراتيجية التي تم تدشينها مع إيران، فإنّهم من الممکن أن يسعوا إلى انتزاع إيران من تبعيتها الإستراتيجية للغرب، وجعلها تتبع الشرق؛ وهذا هو بيت القصيد وموضع الألم الأمريکي الغربي، فضلاً عن القلق الإسرائيلي، خصوصاً أنّ الروس ومن أجل الطموح الجيوسياسي قد يسمحون لإيران بأن تصبح بمثابة کوريا شمالية أخرى للعالم".

وفي المحصلة؛ فإنّ هذه المناورات المشترکة تعد بمثابة "تکشير أنياب" أمريکية ضد إيران، على خلفية تماديها في مجال برنامجها النووي، وكذا علاقاتها مع روسيا وتجاوزها الحدود المسموح بها، بحسب المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني. ويختم: "هذه الخطوات الإيرانية تعد بمثابة تغيير في الخريطة الجيوسياسية الدولية، الأمر الذي لا تسمح به الولايات المتحدة؛ لأنّها ستکون بمثابة طعنة مؤلمة في الخاصرة الأمريكية".

مواضيع ذات صلة:

لماذا تصر إيران على شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية؟

ماذا يعني أن تكون المنشآت النووية الإيرانية في عهدة الحرس الثوري؟

الحوثي مدعوماً بالحرس الثوري الإيراني يعيث تهديداً براً وبحراً وجواً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية