من الحرب الدائمة إلى الحرب الأبدية: السياسة الخارجية الأمريكية 2023

من الحرب الدائمة إلى الحرب الأبدية: السياسة الخارجية الأمريكية 2023

من الحرب الدائمة إلى الحرب الأبدية: السياسة الخارجية الأمريكية 2023


كاتب ومترجم جزائري
24/05/2023

ترجمة: مدني قصري

المقال التالي لـ كارين جوي جرينبيرج Karen Joy Greenberg المؤرخة والأستاذة الجامعية والمؤلفة الأمريكية. وهي أيضاً مديرة مركز الأمن القومي في كلية الحقوق بجامعة فوردهام.

"حان الوقت"، أعلن الرئيس بايدن في نيسان (أبريل) 2021 "لإنهاء الحرب التي لا نهاية لها" التي بدأت بغزو أفغانستان بعد وقت قصير من الهجمات الإرهابية المأساوية على الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2021. وبالفعل، في وقت مبكر من آب (أغسطس) وفي حالة من الفوضى وبصورة كارثية قام الرئيس في النهاية بإجلاء آخر القوات الأمريكية من ذلك البلد.

بعد مرور عامين على هذا الإعلان يجدر التفكير في موقف الولايات المتحدة عندما نتحدّث من ناحية عن هذه الحرب التي لا نهاية لها ضد الإرهاب، ولكن أيضاً عن الحرب بشكل عام. لقد اتضح أنّ الحرب على الإرهاب لم تنته بعد، على الرغم من أنها توارت خلف الحرب في أوكرانيا والصراعات المحتدمة في جميع أنحاء العالم، والتي غالباً ما تتورط فيها الولايات المتحدة. في الواقع  يبدو أنّ هذا البلد يترك خلفه حالياً وبسرعة كبيرة حالة الحرب الدائمة ويدخل إلى ما يمكن أن يسمَّى عصر الحرب الأبدية.

بالطبع، من الصعب حصر كل بؤر التوتر ولو نقاط الاشتعال المحتملة التي تبدو جاهزة للانفجار في جميع أنحاء العالم والتي من المحتمل أن تشمل الجيش الأمريكي بطريقة أو بأخرى. ومع ذلك، ففي الوقت الحالي قد يكون من المفيد استعراض المناطق التي من المرجح أن تشهد صراعات في المستقبل.

روسيا والصين

في أوكرانيا، في كل أسبوع يمرّ يبدو أنّ الولايات المتحدة حريصة في النهاية على تضخيم مشاركتها في الحرب مع روسيا، ممّا يزيد من توسيع الخط الرفيع الذي يفصل بين الحرب بالوكالة وبين المواجهة المباشرة بين القوّتين العسكريتين العظميين على كوكب الأرض. على الرغم من أنّ الاستراتيجية التي تهدف إلى تجنب هذه المواجهة المباشرة لا تزال سارية المفعول فإنّ أشكال الدعم لأوكرانيا التي كانت من التابوهات بالأمس القريب أصبحت تحظى اليوم بالقبول أكثر فأكثر  بمرور الوقت.

في أوكرانيا، في كل أسبوع يمرّ يبدو أنّ الولايات المتحدة حريصة في النهاية على تضخيم مشاركتها في الحرب مع روسيا

منذ بداية آذار (مارس) خصّصت الولايات المتحدة، وهي واحدة من بين أكثر من 50 دولة تقدم شكلاً من أشكال الدعم لأوكرانيا، في 33 مناسبة، مساعدات لهذا البلد، بمبلغ إجمالي يزيد عن 113 مليار دولار في شكل مساعدات إنسانية وعسكرية ومالية. في الوقت نفسه وافقت إدارة بايدن على توفير المزيد من الأسلحة الأكثر فتكاً، بما في ذلك مركبات برادلي القتالية، وبطاريات صواريخ باتريوت ودبابات أبرامز، في حين يزداد الضغط أكثر فأكثر للحصول على أسلحة أقوى، مثل أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACM) و F-16 . وكما أشار إليه تقرير حديث صادر عن مجلس العلاقات الخارجية فإنّ مساعدة واشنطن لأوكرانيا "تتجاوز بكثير" مساعدة أي دولة أخرى.

في الأسابيع الأخيرة امتدّ مسرح التوترات مع روسيا إلى ما وراء أوكرانيا، لا سيما في القطب الشمالي حيث يرى بعض الخبراء في هذا التوسع إمكانية نشوب صراع مباشر بين روسيا والولايات المتحدة، إذ يصفون هذه المنطقة بـ "نقطة ساخنة قادمة". علاوة على ذلك أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً إمكانية تخزين الأسلحة النووية التكتيكية في البلد المجاور، بيلاروسيا، والتي قد تكون حركة استفزازية أكثر منها لفتة مهمّة، لكنها تظل نقطة توتر جديدة بين البلدين.

الكونجرس وافق دون معارضة تُذكر على هذا الانتقال من الحرب اللامحدودة إلى الحرب الأبدية. عندما يتعلق الأمر بتمويل مثل هذا المستقبل يُبدي أعضاؤه حماسة بلا حدود

وبصرف النظر عن أوكرانيا فإنّ للصين وزنَها الثقيل عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بحرب محتملة مع واشنطن. ففي مناسبات عديدة صرّح جو بايدن علنًا أنّ الولايات المتحدة لن  تظل مكتوفة الأيدي في حال شنّت الصين غزواً لجزيرة تايوان. ومن المهم الإشارة إلى أنّ المبادرات الرامية إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ قد تكثفت في الأشهر الأخيرة.

في شباط (فبراير) الماضي، على سبيل المثال، كشفت واشنطن النقاب عن خطط لتعزيز وجودها العسكري في الفلبين، من خلال احتلالها لقواعد في الجزء الأقرب من هذا البلد من تايوان. ومما يثير الكثير من القلق أنّ الجنرال مايك مينيهان من سلاح الجو ذهب إلى حد الإشارة إلى أنّ هذا البلد قد يدخل قريباً في حالة حرب مع الصين. "آمل أن أكون مخطئاً. لكنّ حدسي يخبرني أننا سنخوض حرباً في عام 2025"، هذا ما كتبه في مذكرة لعناية الضباط العاملين تحت قيادته، متوقعاً هجوماً صينياً محتملاً على تايوان. كما استعرض الجنرال مجموعة من التكتيكات العدوانية ومناورات التدريب على الأسلحة استعداداً لمثل هذا اليوم. وقد جهّز المارينز ثلاثة أفواج لحملة محتملة في المحيط الهادئ، مع إجراء عمليات محاكاة المعارك في جنوب كاليفورنيا.

كوريا الشمالية وإيران والحرب على الإرهاب

كما يُنظر إلى كوريا الشمالية وإيران في واشنطن على أنهما تهديدات في طور الإعداد.

انخرطت كوريا الشمالية والولايات المتحدة منذ أشهر عديدة في حرب أعصاب نووية، من خلال أداء استعراضات للقوة، بالصواريخ ومناورات تحت الماء. أطلقت كوريا الشمالية في منتصف أذار(مارس) صاروخاً باليستياً عابراً للقارات قادراً على حمل رأس حربي نووي والوصول، نظرياً على الأقل، إلى القارة الأمريكية. وعلى حد تعبير زعيمها كيم جونغ أون كان الهدف من هذا الصاروخ "ضرب أعداء بلاده بإرعابهم". في الأيام الأخيرة من شهر أذار (مارس) أطلق جيشه طائرة بدون طيار تحت الماء ذات قدرات نووية، قاطعاً بذلك مرحلة إضافية في المواجهة. في تلك الأثناء ضاعفت واشنطن تعهداتها الأمنية لكوريا الجنوبية واليابان، واستعرضت عضلاتها في المنطقة، ورفعت مستوى تهديداتها من خلال إجراء أكبر تدريبات عسكرية مشتركة شاركت فيها القوات المسلحة لكوريا الجنوبية.

كشفت واشنطن النقاب عن خطط لتعزيز وجودها العسكري في الفلبين

أمّا بالنسبة لإيران فإنّ هذه الأخيرة تتعاون أكثر فأكثر مع روسيا المتعثرة، سواء تعلق الأمر بإرسال طائرات بدون طيار إلى روسيا أو لتلقي أسلحة إلكترونية من هذا البلد. ومنذ أن سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة من المعاهدة النووية لخطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران في أيار (مايو) 2018 ما انفكت التوترات تتصاعد وتتفاقم بين واشنطن وطهران. في هذا الشأن توصل المراقبون الدوليون إلى استنتاج مفاده أنّ إيران ربما تكون بالفعل على وشك أن تصبح قادرة على تصنيع اليورانيوم المخصب لأغراض نووية. في الوقت نفسه رفعت إسرائيل من تهديداتها بضرب إيران ومن ثمّ جرّ الولايات المتحدة إلى هذه الأزمة.

من ناحية أخرى هناك صراعات أصغر حجماً تنفجر في جميع أنحاء العالم، ويبدو أنّ العديد منها قد يدفع واشنطن إلى الانخراط فيها بشكل أكثر نشاطاً. فهكذا على سبيل المثال أثار الرئيس بايدن خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إمكانية نشر قوّة متعدّدة الجنسيات بقيادة كندا في هايتي للمساعدة في إنهاء عنف العصابات المدمّر الذي يعوث فساداً في هذا البلد. وفي هذا الصدد صرح مسؤول في مجلس الأمن القومي لـ NPR Edition Morning Edition قبل القمة: "نعتقد أنّ الوضع على الأرض لا يمكن أن يتحسن ما لم يكن هناك تدخل مسلح من شركائنا الدوليين". لكن ترودو تخلى عن القيام بهذا الدور. أمّا ما الذي ستفعله الآن واشنطن التي تخشى موجة من المهاجرين الجدد فأمرٌ لا يزال غير واضح.

بالنسبة للحرب في أوكرانيا هناك شعور مشترك على نطاق واسع بأنها ستستمر وتدوم إلى ما لا نهاية. يرى بعض الخبراء أنّ سنوات طويلة من القتال تلوح في الأفق

كما يجب التذكير أيضاً أنَ الحرب الدائمة على الإرهاب مستمرّة، وإنْ كان ذلك بشكل مختلف نوعاً ما وأقلّ  حدة. على سبيل المثال ، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة قد غادرت أفغانستان إلا أنها تحتفظ بالحق في شنّ غارات جوية "فوق الأفق"over-the-horizon  (أي ضربات جوية من خارج البلد المستهدف). وحتى يومنا هذا تواصل قوات الولايات المتحدة شنّ ضربات ضد حركة الشباب الإرهابية في الصومال، على الرغم من أنّ عدد هذه القوات أقل بكثير مما كانت خلال رئاسة ترامب، عندما وصلت ضربات الطائرات بدون طيار إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من 200 ضربة. حتى الآن أطلقت إدارة بايدن 29 ضربة من هذا النمط خلال العامين الماضيين.

كما تستمر الهجمات الأمريكية بواسطة الطائرات بدون طيار في سوريا. ففي الآونة الأخيرة، ردّاً على هجوم بطائرة بدون طيار على القوات الأمريكية والذي أسفر عن مقتل مقاول أمريكي وإصابة آخر، بالإضافة إلى خمسة جنود نفّذت إدارة بايدن ضربات ضد الميليشيات المدعومة من قبل إيران. وفقاً للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي فإنّ الرئيس بايدن لم يستبعد حتى الآن المزيد من الإجراءات الانتقامية على أراضي هذا البلد. وكما قال لمارجريت برينان on Face the Nation في نهاية شهر آذار (مارس)، في إشارة إلى داعش في سوريا: "لدينا أقل من 1000 جندي في عين المكان يقاتلون هذه الشبكة التي، على الرغم من تقلصها إلى حد كبير إلا أنها لا تزال نشطة ومثيرة للقلق. لذلك سنواصل هذه المهمة.

فضلا عن سوريا والعراق (حيث لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بـ 2500 جندي) تُركز الحرب على الإرهاب في الوقت الحالي على أفريقيا. ففي منطقة الساحل، في الجزء من القارة الواقع مباشرة أسفل الصحراء الكبرى، والذي يضم تشاد والنيجر ونيجيريا وموريتانيا والسودان، على سبيل المثال لا الحصر، يبدو أنّ إرث إرهاب الأمس القريب والحرب في أوكرانيا يتقاربان ويتضافران، مما أدى إلى نشوء ظروف من عدم الاستقرار والعنف المدمر، وإلى تفاقمِ ما وصفه مسؤول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID روبرت جنكينز بـ "عقود من الوعود الكاذبة".

وكما كتب الصحفي والتر بينكوس مؤخراً فإنه "من دون عِلم الجمهور تستمرّ في منطقة الساحل الحربُ التي قادتها الولايات المتحدة على الإرهاب على مدى عقدين من الزمن". ووِفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي 2023 فقد أصبحت هذه المنطقة اليوم "بؤرة الإرهاب". يقع أكبر وجود أمريكي في غرب أفريقيا، في النيجر التي، كما أفاد نيك تورس "تستضيف أكبر وأغلى قواعد الطائرات بدون طيار التي يديرها الجيش الأمريكي"، وهي مخصّصة أساساً لمحاربة الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام والقاعدة وداعش. وقد وَجدت الأسلحة القادمة من الحرب في أوكرانيا طريقَها إلى هذه الجماعات الإرهابية، في حين أدت كوابيس الطقس الناجمة عن تغير المناخ وتفاقم انعدام الأمن الغذائي وتزايد نزوح السكان، إلى حالة من عدم الاستقرار بشكل متزايد في المنطقة. ولتعقيد الأمور أكثر فأكثر عَرضت مجموعةُ فاغنر، وهي منظمة المرتزقة الروسية شبه العسكرية المساعدةَ الأمنية على بلدانٍ في منطقة الساحل، مما زاد من رفع احتمالات اندلاع أعمال العنف. لذلك فقد ظلت القوات والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة تنمو بسرعة مع توسع الحرب على الإرهاب في أفريقيا.

دعمٌ تشريعي للحرب الأبدية

تعكس الإجراءات التشريعية التي اتخذها الكونغرس بشكل صريحة انزلاق البلاد نحو الحرب الأبدية. صحيح أنّ الحركة المؤيدة لساحة معركة أوسع لم تبدأ مع صراعات القوى العظمى التي تهيمن على عناوين الأخبار اليوم. لقد منح تفويضُ الكونجرس باستخدام القوة العسكرية (AUMF) في 2001 والذي مهد الطريق لغزو أفغانستان، للرئيس سلطةً غير محدودة تقريباً لتنفيذ أعمال هجومية لصالح الحرب ضد الإرهاب، ولكن مع عدم تحديد عدو بعينه ومع عدم تحديد أيّ حدود جغرافية أو زمنية. منذ خريف عام 2001، وكما تنبأت به النائبة باربرا لي (ديمقراطية من كاليفورنيا) التي صوّتت بمفردها ضد استخدام القوة العسكرية AUMF فقد جاء ذلك التفويض بمثابة "شيك على بياض" للرئيس للسماح باستخدام القوة في أي مكان تقريبًا.

أشار برايان فينوكين، وهو مسؤول قانوني سابق في وزارة الخارجية، إلى أنّ الحفاظ على الكثير من "البنية التحتية القانونية والمؤسَّسِيّة والمادية التي ما فتئت منذ عقود تدعم هذه الحرب ضد الإرهاب تتوسّع الآن إلى منطقة الساحل، بغض النظر عن النتائج المتوقعة. وكما أخبرني به كولين كلارك، وهو خبير في الإرهاب في مجموعة صوفان Soufan (مجموعة صوفان شركة عالمية للاستشارة في مجال الاستخبارات والأمن) فلم تحقّق أيّ حرب عالمية ضد الإرهاب أيّ انتصار أبداً على الإرهاب. الإرهاب تكتيك. ولا يمكن هزيمته بالكامل، بل تخفيفه ومراقبته فقط".

ومع ذلك لا يزال تفويضُ الكونجرس باستخدام القوة العسكرية (AUMF) لعام 2001 ساري المفعول ويمكن استخدامه بطريقة أوسع على نطاق عالمي. ففي هذا الشهر فقط صوّت الكونجرس ضد إلغائه.

الولايات المتحدة غادرت أفغانستان إلا أنها تحتفظ بالحق في شنّ غارات جوية

من المؤكد أنّ مجلس الشيوخ قد ألغى مؤخراَ تصاريح استخدام القوة لعامي 1991 و2002 التي كانت أساس حرب العراق عام 1991 وغزو هذا البلد عام 2002. كما تم رفضُ تعديل جديد اقترحه السناتور ليندسي جراهام (جمهوري من ساوث كارولينا) يهدف إلى إنشاء تفويض من الكونجرس باستخدام القوة العسكرية  ضد الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة. وكما أظهرته الاشتباكات العسكرية الأخيرة في سوريا فإنّ منح تصاريح جديدة لم يثبت أنه ضروري.

يبدو أنّ الكونجرس قد وافق دون معارضة تُذكر على هذا الانتقال من الحرب اللامحدودة إلى الحرب الأبدية. بالفعل، عندما يتعلق الأمر بتمويل مثل هذا المستقبل يُبدي أعضاؤه حماسة بلا حدود. لقد نمت ميزانية البنتاغون بشكل فلكي خلال العامين الماضيين في سياق تضاعف سيناريوهات الحرب المحتملة. في كانون الأول (ديسمبر) وقّع الرئيس بايدن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023 الذي منح البنتاغون ميزانية غير مسبوقة قدرها816,7  مليار دولار، بزيادة 8٪ عن العام الماضي (حيث رفع الكونغرس التمويل الذي اقترحه البيت الأبيض بـ 45 مليار دولار).

أصبحت الطلبات الخاصة بميزانية 2024 معروفة الآن. وكما أفاد ويليام هارتونج، الخبير في البنتاغون فإنّ الكونجرس مع 886 مليار دولار، أي بزيادة 69 مليار عن ميزانية هذا العام، على وشك أن يعتمد "أول ميزانية في تاريخه قدرُها تريليون دولار"، وهو تطوّر وصفه بأنه "جنون". وتابع: "استراتيجية ذات أمد غير محدود تهدف إلى دعم الوسائل لكسب حرب مع روسيا أو الصين، وخوض حروب إقليمية ضد إيران أو كوريا الشمالية، ودعم حرب عالمية ضد الإرهاب والتي تتوقع عمليات في 85 دولة على الأقل، هي الوصفة لصراع لا نهاية له.

أين ذهب مفهوم السلام؟

بالنسبة للحرب في أوكرانيا هناك شعور مشترك على نطاق واسع بأنها ستستمر وتدوم إلى ما لا نهاية. يرى بعض الخبراء أنّ سنوات طويلة من القتال تلوح في الأفق، خاصة وأنّ المسؤولين الأمريكيين مترددون على ما يبدو في السعي لتحقيق السلام.

وإذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز قد حثّا الرئيسَ الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على النظر في محادثات من أجل السلام فإنهما على ما يبدو لا يملكان سوى القليل من الأوهام بشأن المدة المحتملة للحرب. من جانبه أوضح زيلينسكي أنه عندما يتعلق الأمر بروسيا "ليس لدينا ما نقوله لبعضنا البعض وليس هناك مِن شخص يمكن أن نتحدث معه هناك". وفقاً لألكسندر جابوف، الباحث البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي يمكن تلخيص الحالة المزاجية في موسكو وكييف بـِ "أعطِ فرصة للحرب"، عكس  "أعطِ فرصة للسلام"، وهي الرسالة الشهيرة للسلام خلال حرب فيتنام ،

يبدو أنّ الصين هي الاستثناء عندما يتعلق الأمر بقبول حرب طويلة الأمد في أوكرانيا. فحتى قبل زيارته لروسيا في نهاية شهر آذار (مارس) عرض الرئيس شي جين بينغ التفاوض على وقف إطلاق النار، مع إصدار  وثيقة موجزة حول مخاطر استمرار الحرب وحول مزايا السلام عن طريق التفاوض، لا سيما في ما يتعلق باستقرار سلسلة التموينات وتأمين محطات الطاقة النووية والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية العالمية التي تسببها الحرب. يبدو أنّ القمة بين شي وبوتين لم تحرز تقدماً كبيراً حول هذه المسألة.

في الولايات المتحدة ظلت الدعوات لإجراء محادثات سلام جد ضئيلة. من المؤكد أنّ مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة قال في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للنادي الاقتصادي في نيويورك: "عندما تظهر فرصة للتفاوض، وعندما يصبح بالإمكان تحقيق السلام لا بد من اغتنام هذه الفرصة. لكن لم تظهر أي رغبة حقيقية في المفاوضات الدبلوماسية من أي نوع كان في واشنطن. بالفعل كان رد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي على الرئيس شي: "نحن لا نؤيد الدعوات لوقف إطلاق النار في هذا الوقت. ففي رأيه أنّ الروس سوف يغتنمون الفرصة "لزيادة تعزيز مواقعهم في أوكرانيا ... وإعادة بناء وإعادة تجهيز وتجديد قواتهم حتى يتمكنوا من استئناف الهجمات على أوكرانيا عندما يرون ذلك مناسبًا".

ومما يثير القلق أنّ الدعوات الأمريكية للسلام والدبلوماسية تميل إلى ترسيخ الحرب الجارية أكثر فأكثر. في هذا الشأن اقترح مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز، في سياق دعوته إلى إنشاء دبلوماسية مستقبلية من أجل السلام، أنّ مواصلة الحرب وحدها هي التي تمكننا من تحقيق مثل هذا الهدف: "لا يمكن لدبلوماسية جديرة بهذا الاسم أن تحظى بالنجاح إلا إذا وافقت روسيا على أن لا تُركِّع أوكرانيا وتذلّها. ولهذا  يجب على الولايات المتحدة وحلفائها ألا يتردّدوا في دعمهم لأوكرانيا". وبحسب هذا المنطق فإنّ المزيد من الحرب ولا شيء آخر غير الحرب هو الذي سيحقق السلام. لا يزال الضغط لتزويد أوكرانيا بأسلحة قوية بشكل متزايد ثابتاً من كلا اليمين واليسار. وكما قال روبرت ويكر، أكبر مسؤول جمهوري منتخب في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ: "إن هذا النهج وهو الأفضل والأسرع والأسرع من شأنه أن يمنح الأوكرانيين فرصة حقيقية لتحقيق النصر".

سواء تعلق الأمر بأوكرانيا ، أو بما يتصل بالتوترات الناشئة عما يسمَّى بـ "الحرب الباردة الجديدة" في آسيا، ناهيك عن حرب الولايات المنحدة التي لا نهاية لها ضد الإرهاب، فإننا نعيش اليوم في عالم تُقبل فيه الحرب بشكل متزايد كحالة دائمة. فعلى الجبهات القانونية والتشريعية والعسكرية أصبحت الحرب حجر الزاوية لمفهوم الأمن القومي. وكما يزعم العديد من النقاد فإنّ هذا تمليه جزئيًا دوافع اقتصادية، مثل ملء جيوب عمالقة الأسلحة بمليارات الدولارات سنوياً، ولكن جزئياً أيضاً من خلال ما يعتبر حماسة أيديولوجية، أي الديمقراطية مقابل الاستبداد، فضلاً عن الإرث الذي لا ينضب من الحرب على الإرهاب.

كل هذا مُحزنٌ للغاية، حيث أنّ الأولوّية صارت للقتل والدمار بدلاً من أن تكون للحياة والسلام الحقيقي. لا يبدو أنّ قادتنا قادرون على تصوّر أي نوع من السلام من دون المزيد من الأسلحة والمزيد من العنف والمزيد من الصراع والمزيد من الموت.

تُرى، مَن لا يزال يتذكر الفترة التي كانت الحرب العالمية الأولى فيها تُعرف باسم "الحرب من أجل إنهاء الحرب"؟ لسوء الحظ يبدو أننا دخلنا عصر الحرب الأبدية. علينا على الأقل أن نعي ونقرّ بهذه الحقيقة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/de-la-guerre-perpetuelle-a-la-guerre-eternelle-la-politique-etrangere-americaine-en-2023/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية