من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته

من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته


06/01/2022

يواصل الحشد الشعبي العراق محاولاته في تحسين صورته التي تضررت كثيراً في الأعوام الأخيرة أمام العالم عموماً، والعراقيين على وجه الخصوص، وذلك من خلال انخراطه في المشهد الثقافي والاجتماعي عبر أندية رياضية وقنوات تلفزيونية ومؤسسات لإنتاج المسلسلات والأفلام السينمائية التي تروّج لـ "بطولات" عناصره.

لقطة من مسرحية من إعداد الحشد الشعبي العراقي في البصرة في 26 كانون الأول/ديسمبر 2021 (أ ف ب)

ولم يقتصر اقتحام ميليشيات الحشد، المُقرّبة من إيران، على المشهد الثقافي بالرياضة والإنتاجات السينمائية، لتقتحم هذه المرّة عالم المسرح، بمسرحية تروّج للحشد ولنظام الخميني ورموزه.

جنود الحشد على المسرح!

في إحدى ساحات البصرة في جنوب العراق حضر رجال وأطفال ونساء لمتابعة مسرحية من إعداد الحشد الشعبي تستعرض إنجازات هذه الميليشيات، وتروي "ملحمة" من آدم إلى مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني بضربة أمريكية في العاصمة بغداد.

لقطة من مسرحية من إعداد الحشد الشعبي العراقي في البصرة في 26 كانون الأول/ديسمبر 2021 (أ ف ب)

ومع بدء عرض "أضخم عرض مسرحي في العراق: قيامة الأرض"، بحسب إعلان ترويجي للمسرحية، يعلن أحدهم: "هيئة الحشد الشعبي تقدّم عملاً مشتركاً بين الفنانين العراقيين والإيرانيين"، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس".

وفي باحة مفتوحة تابعة لمقر للحشد، انطلق العرض الذي شارك فيه نحو (140) ممثلاً، منهم عراقيون من طلاب معهد الفنون الجميلة، إلى جانب مسلّحين من عناصر الحشد يؤدون دور المقاتلين في المسرحية.

 

العرض الذي امتدّ على مدى ساعتين يسلط الضوء على أحداث تاريخية بارزة في الدين الإسلامي، وتتوالى أمام أنظار المشاهدين، وسط مؤثرات خاصة وانفجارات وأحصنة وجمال، أحداث تعود إلى آلاف الأعوام

 

ولا تخلو مختلف إنتاجات الحشد من اللعب على المشاعر الدينية والاستقطاب الطائفي، حيث إنّ العرض الذي امتدّ على مدى ساعتين، يسلط الضوء على أحداث تاريخية بارزة في الدين الإسلامي، وتتوالى أمام أنظار المشاهدين، وسط مؤثرات خاصة وانفجارات وأحصنة وجمال، أحداث تعود إلى آلاف الأعوام.

حرب باردة واستقطاب طائفي

بدأت مسرحية الحشد، المعروضة في مدينة البصرة ذات الأغلبية الشيعية، بظهور آدم واقفاً وسط دخان أبيض وتحت شجرة الثمرة المحرّمة، ثمّ يظهر نوح معتلياً سفينته.

وبطبيعة الحال لا تتوانى الميليشيات الموالية لإيران في العراق والمنطقة عن اللعب على الوتر الطائفي والخلافات بين الشيعة والسنّة، عبر إعادة إحياء وقائع أكل عليها الزمن وشرب منذ قرن ونصف القرن، ومحاولة بناء وعي شيعي مفاده أنّهم في وسط معادٍ، وأنّ إيران وميليشياتها هي الحامي لهم؛ إذ إنّ العرض ينتقل من نوح إلى "واقعة الطف" التي قُتل فيها الإمام الحسين حفيد الرسول محمّد، عليه السلام، في كربلاء في العام 680 م، على أيدي جنود الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، ثم تنتقل أطوار المسرحية بعد ذلك مباشرة إلى مواجهة داعش.

 

تحرص فصائل الحشد على إنتاج الكثير من الأفلام والمسلسلات في إطار "الدبلوماسية الشعبية" التي تعتمدها هذه الفصائل في كسب المجتمع الشيعي، الذي بدأت تبرز فيه أصوات معارضة لوجود الفصائل الإيرانية

 

وفي هذا الجزء يبرز فصل المعارك ضد تنظيم داعش، مع أصوات إطلاق نار وانفجارات، ورايات الجهاديين السوداء ورجال ملتحين مسلحين في مواجهة مقاتلي الحشد.

يُشار هنا إلى أنّ الحشد لا يتوانى أيضاً عن استغلال ورقة المعارك التي خاضها مع الجيش العراقي والتحالف الدولي ضد داعش لتحسين صورته المتضررة جرّاء ممارساته في العراق.

اقرأ أيضاً: هل يعيد الحشد الشعبي خريطة التحالفات لمواجهة تنظيم داعش؟

وتنتهي المسرحية بمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني (يناير) 2020 بضربة طائرة بدون طيار أمريكية في مطار بغداد.

بعد ذلك، يظهر على المسرح مقاتلون من الحشد رافعين نعشي "القائدين" وصورتين لهما، وأخرى للخميني مؤسّس الجمهورية الإسلامية.

 

اقرأ أيضاً: خطر "داعش" يخيّم من جديد على العراق

وفي معرض تعليقه على العرض، قال مخرج المسرحية الإيراني سعيد إسماعيلي: "من وجهة نظر الحرب الباردة، ينبغي علينا أن نكون رياديين، وأن تكون أسلحتنا وأدواتنا جاهزة دوماً، ولا بدّ لنا أن نكون مزوّدين بأحدث الأسلحة في الحرب الناعمة، وبالتالي في المساحات الثقافية والفنية"، مشيراً إلى أنّه يسعى لعرض المسرحية في مدن عراقية أخرى.

ليست الأولى

وتحرص فصائل الحشد على إنتاج الكثير من الأفلام والمسلسلات في إطار "الدبلوماسية الشعبية" التي تعتمدها هذه الفصائل في كسب المجتمع الشيعي، الذي بدأت تبرز فيه أصوات معارضة لوجود الفصائل الإيرانية، لذا يسعى الحشد إلى التقرب من الناس أكثر، وإلى بناء علاقات مجتمعية على أسس ثقافية ورياضية، غير الصورة العسكرية التي عُرف بها.

 

اقرأ أيضاً: ما الذي تعنيه سيطرة داعش على معاقل بوكو حرام؟

وسبق للحشد أن أصدر في العام 2020 فيلم "سيدة الجنّة"، عن قصة حياة السيدة فاطمة الزهراء منذ ولادتها حتى استشهادها، وفق منظور متطرّف، للكاتب ياسر الحبيب، وهو رجل دين شيعي مثير للجدل.

وتسبب الفيلم في إثارة انقسام حاد داخل المجتمع العراقي، فقد دعمه الشيعة في العراق، ورفضه السنّة؛ بسبب عدم توافق روايته مع معتقداتهم.

 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: أبو ولاء العراقي روج لداعش في ألمانيا.. تفاصيل

ورغم ما أثاره الفيلم من انقسام حاد، وانضمام الكثير من رجال الدين الشيعة للمطالبين بمنعه بسبب أثره السلبي على النسيج الاجتماعي العراقي خصوصاً والإسلامي عموماً، قام عناصر من الحشد بتوزيع ملصقاته على جدران العتبات المقدّسة والأماكن العامّة.

 

تعيد فصائل الحشد بتأسيسها هذا النادي الرياضي إلى الأذهان تجربة حزب الله في لبنان، الذي يملك "فريق العهد"، المُتوّج عام 2019 بلقب كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم

 

وإلى جانب الاستقطاب الطائفي الذي تمارسه فصائل الحشد، تستغلّ مشاركتها في المعارك ضد داعش والتغني بدعمها إيرانياً في خطابها الثقافي، مثل  فيلم "الأنفاس الأخيرة"، الذي تدور أحداثه حول جنديين في الحشد الشعبي يساعدان امرأة بالبحث عن ابنها الوحيد وإنقاذه من داعش.

الحشد في مدرّجات الجماهير

ولا تقتصر محاولات فصائل الحشد الترويج لنفسها بغير صورتها الحقيقية على المسرح والسينما، بل تتعداها إلى الرياضة وبحضور قوي في المجتمع الرياضي، ففي 22 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2020، أعلنت الميليشيات أنّها تسعى للدخول إلى عالم الرياضة، بتأسيس نادٍ ينافس في البطولات المحلية، وربما يصل إلى الإقليمية.

 

اقرأ أيضاً: الحشد وداعش عدوان في صداقة دائمة

لكن في أقلّ من شهر، تسرّبت وثيقة من وزارة الرياضة، نشرتها وسائل إعلام عراقية، تعلن فيها موافقتها على تأسيس النادي، الذي سخر عراقيون من مجرّد طرح فكرة تأسيسه، وراحوا يتخيلون على مواقع التواصل تشكيلة الفريق المنتظر وتوزيع مهام الدفاع والوسط والمهاجمين بين "العصائب والنجباء وبدر"، وجميعها ميليشيات ذات أغلبية شيعية، تنضوي تحت الحشد الشعبي، المتهم بتنفيذ حوادث اغتيالات وحرق مقرّات.

وبعد عامين من قرار الحشد اقتحام الرياضة العراقية بتأسيس النادي الذي حصل على دعم مادي ومعنوي مباشر من سياسيين ونواب محسوبين على الميليشيا الإيرانية، أصبح له عدة فرق تقتحم أفرع الرياضة مثل فريق لكرة القدم وفريق لكرة السلة وآخر للفنون القتالية وغيرها.

والشهر الماضي أعلن النادي افتتاح أكاديمية رياضية في العاصمة بغداد، تفتح أبوابها مجاناً للفئات العمرية المختلفة، وفق ما أوردته وسائل إعلام محلية.

 

اقرأ أيضاً: صعود داعش في أفغانستان.. ما علاقة الانسحاب الأمريكي؟

وتعيد فصائل الحشد بتأسيس هذا النادي إلى الأذهان تجربة حزب الله في لبنان، الذي يملك "فريق العهد"، المُتوّج عام 2019 بلقب كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.

 

تسعى فصائل الحشد من خلال دعم وتمويل الأندية الرياضية إلى استقطاب قاعدة جماهيرية في المدرجات الرياضية تربط السياسة بالرياضة في هتافاتها ومواقفها

 

في المحصّلة، لا تكون هذه الأندية بمعزل عن السياسة، ولا عن الصراعات الحزبية والطائفية، حيث إنّ الفصائل تسعى من خلال دعمها وتمويلها إلى استقطاب قاعدة جماهيرية في المدرجات الرياضية تربط السياسة بالرياضة في هتافاتها ومواقفها.

يُذكر أنّ الحشد الشعبي، وهو تحالف لميليشيات شيعية مسلحة موالية لإيران، قد تأسس في العام 2014 إثر فتوى من المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، حضّت العراقيين على القتال ضدّ تنظيم داعش.

 

اقرأ أيضاً: مذكرات منشق داعشي.. ماذا جاء فيها؟

وكان الحشد يحظى في بداية تشكّله بدعم شعبي كبير، لا سيّما داخل البيئة الشيعية، لكنّ هذا الدعم سرعان ما تبدّد بعد انتهاء الحرب عملياً على "داعش"، حينما انخرطت قياداته في السياسة، وأصبحت ميليشيات الحشد جزءاً راعياً لمنظومة الفساد التي تسيطر على البلاد منذ أعوام.

وقد تُرجم تراجع شعبية الحشد عملياً، بتكبّد "تحالف الفتح"، الذراع السياسية للحشد الشعبي هزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في الـ 10 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد خسر أكثر من ثلث مقاعده، بسبب تبعيته العمياء لإيران، ومسؤولية فصائله عن القمع الدامي الذي تعرّضت له الانتفاضة الشعبية ضد الفساد التي قامت عام 2019



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية