"من داخل الإخوان المسلمين".. تلميع للصورة يناقض الحقائق

"من داخل الإخوان المسلمين".. تلميع للصورة يناقض الحقائق

"من داخل الإخوان المسلمين".. تلميع للصورة يناقض الحقائق


03/09/2020

بحكم إقامته في الغرب، لعب دوراً بارزاً في تقديم نسخة محدثة من جماعة الإخوان المسلمين إلى الرأي العام العربي والعالمي، باعتبارها قادرة أن تهب إلى أي بؤرة أزمات في العالم الإسلامي وعلاجها؛ عبر ترسيخ قيم السلام والعمل المشترك داخل المجتمع وفي العالم أجمع، إنه يوسف ندا المفوض السابق للشؤون الدولية والعلاقات الخارجية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يعده البعض أهم رموز التنظيم الدولي للجماعة اليوم.

من السجن إلى سويسرا

 سيمر ندا، المولود في 17 أيار (مايو) من العام 1931 بالإسكندرية لأسرة مصرية ثرية، بفترة اعتقال عصيبة في الخمسينيات بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر المعروفة بـ"حادثة المنشية" حيث قضى ما يقرب من سنتين في سجن العباسية الحربي، ثم سيسافر إلى ليبيا، مستغلاً خلافات عبد الناصر مع إدريس السنوسي آخر ملوك ليبيا والرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.

تكمن أهمية السيرة الذاتية التي سجلها ندا بكونها رواية مسؤول تنظيمي رفيع المستوى بالجماعة

ستبدأ ثروته في التضخم، وسيصبح "ملك الأسمنت في البحر المتوسط"، كما سيمنحه بورقيبة جواز سفر تونسياً سيكون طوق نجاة له من عدة أزمات، ثم سيهرب من ليبيا بعد قيام ثورة الفاتح من أيلول (سبتمبر) من العام 1969 إلى اليونان، وسيستقر بعدها في مقاطعة كامبيونا الإيطالية التي تقع داخل الحدود السويسرية؛ ليستئنف "الرجل الغامض" نشاطه الاقتصادي والسياسي من تلك المقاطعة في خدمة جماعة الإخوان المسلمين.

مع الإخوان المسلمون ووحدة المصير

تكمن أهمية السيرة الذاتية التي سجلها ندا مع الصحفي دوجلاس تومسون في كتاب يحمل عنوان "من داخل الإخوان المسلمين" في أنها رواية مسؤول تنظيمي رفيع المستوى بالجماعة، حيث يتطابق مسار حياته مع تاريخ الجماعة وتحالفاتها وتحولاتها صعوداً وهبوطاً، بداية من لحظة الصدام التي عايشها مع الدولة المصرية في عهد عبد الناصر ودفع ثمنها سنتين من عمره، ومروراً بالفصل الختامي من حياة الجماعة عبر اندلاع "ثورة 30 (يونيو) من العام 2013، وانتهاءً بمحاولة لملمة أشلاء الجماعة وبث الروح فيها من جديد.

غلاف الكتاب

ويعد ندا الذي وصل إلى منصب المفوض للشؤون الخارجية بها، مخزن معلوماتها وأسرارها، فبحكم منصبه شارك ندا في أنشطة الإخوان السرية والعلنية حتى لقبته وسائل الإعلام بـ"الرجل الغامض".

تعمد عدم التطرق إلى تحالف عبد الناصر مع الإخوان المسلمين في بداية عهد الثور

وبالطبع لا يستطيع عضو جماعة الإخوان المسلمين أن يبدأ حديث الذكريات دون أن يفتتحه بالسردية الإخوانية الكبرى عن قصص تعذيب آلاف المعتقلين من الجماعة في سجون عبد الناصر، تكشف السردية عن مظلومية الإخوان الأبدية مع الدولة الحديثة، وكبداية أساسية للطعن في شرعية النظام المصري الحاكم الذي يحتكم لمفهوم الغلبة، واستدراراً لتعاطف القراء الذين سيقرأون ذلك الكتاب في نسخته الإنجليزية وباقي اللغات الأوروبية، ثم يمر على مرحلة السادات مرور الكرام برغم أنها شهدت أكبر قدر من الانسجام والدعم المباشر وغير المباشر، وانتهاء بمرحلة مبارك التي نعتها بالفساد والاستبداد، وهي المرحلة نفسها التي وصلت فيها شعبية الإخوان إلى الذروة بحكم التفاهمات المعروفة تحت الطاولة.

يتطابق مسار حياة يوسف ندا مع تاريخ الجماعة وتحالفاتها وتحولاتها صعوداً وهبوطاً

واللافت أن ندا تعمد عدم التطرق إلى تحالف عبد الناصر مع الإخوان المسلمين في بداية عهد الثورة وإصراره على عدم حل الجماعة واستثنائها باعتبارها جمعية وليست حزباً، فالجماعة سعت لقيادة الثورة، برغم ركوبها قطار الثورة متأخراً، وعندما تبين لها استحالة السيطرة على عبد الناصر نفذت "حادث المنشية"؛ لتتدهور العلاقة بينهما.

ولكن كيف يجهر ندا بتلك الحقائق في كتابه الموجه أساساً إلى الرأي العام الغربي، وكيف يربط جماعته بذلك الذي طالما وصفوه بـ"الفرعون" الذي ارتبطت سيرته في العقل الإخواني الجمعي بنهش أجساد المعتقلين أحياء وبسياط الجلادين الذي يمزق ظهورهم، كما ارتبط في العقل الغربي بالشعبوية والاستبداد.

التسامح حل لأزمات العالم الإسلامي

سيجيد ندا اللغة التي تطرب آذان الجمهور الغربي، حيث سيكثر من الحديث عن التعددية والتنوع والتسامح، الذي سيصبح حلاً للمشكلة الفلسطينية، بحسب رأيه، وسيسعى لتسويق جماعة الإخوان المسلمين لدى النخب الغربية الحاكمة، عبر الحديث عن إمكانيات وقدرات الجماعة في تقديم وإنجاح مبادرات لرأب الصدع، وعلاج الأزمات التي قد تظهر في العالم الإسلامي عبر اتصالاته الوثيقة برجال الدول النافذين،  فالجماعة التي وصفها بأنها أقوى جماعات الإسلام السياسي مفتخراً بأنها تضم ما يقرب من 100 مليون عضو، تمتلك -كما يقول- شبكة علاقات واسعة في العالم الإسلامي كله، وقد قام يوسف ندا وفقاً للكتاب ببذل مجهود جبار في حل الأزمة بين الحكومة الجزائرية وجبهة الإنقاذ، كما قام بإمداد اليمن بوثائق مهمة ساعدتها في حل نزاعها مع إريتريا حول جزر حنيش ومبادرات ووساطات أخرى يفتخر ندا بسردها.

إيران وعقود من التعاون والمؤامرات

ومن أوراق اللعب التي أجاد ندا توظيفها والإعلان عنها، ورقة علاقته الوثيقة بإيران التي تعود إلى ما قبل الثورة؛ حيث كان بعض المفكرين الإيرانيين القريبين من الخميني على علاقة بالجماعة مثل مساعد الخميني وموضع ثقته صادق قطب زاده، كما زار وفد من الإخوان الخميني في مقره بفرنسا، وذهب وفد إلى طهران مهنئاً الخميني بنجاح الثورة، وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة من متانة تلك العلاقات في حل "أزمة رهائن السفارة الأمريكية"، ولكنها تراجعت بعد طلب ندا من الجانب الأمريكي أن يطلب الرئيس كارتر ذلك من المرشد السابق عمر التلمساني شخصياً.

ويصرح يوسف ندا قائلاً إنه بعد أزمة الرهائن طلب رضا صدر، وزير التجارة الإيراني وقتئذ، منه العون باعتباره يعمل في مجل النقل البحري والتدخل لتسهيل نقل المواد الغذائية إلى بلاده لسد الفجوة ومواجهة الأزمة، مضيفا أنه نقل إلى الإيرانيين 100 ألف طن من الصلب، و450 ألف طن من القمح، وخسر في هذه العملية 5 ملايين دولار.

تكشف السردية الإخوانية لندا عن مظلومية الإخوان الأبدية مع الدولة الحديثة

ستتوطد هذه العلاقة أكثر عبر الدعم غير المشروط للإخوان المسلمين أثناء فترة حكمهم لمصر وسيتحالفان ضد المملكة العربية السعودية بعد الثورة عليهم في العام 2013، حيث كشف موقع "إنترسبت" الأمريكي المعني بشؤون الاستخبارات عن قمة سرية عقدها قياديون من الحرس الثوري الإيراني مع 3 من أبرز قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في نيسان (أبريل) من العام 2014 في تركيا، بشأن تكوين تحالف ضد السعودية باعتبارها العدو المشترك للطرفين، بحسب برقية سرية مسربة من وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية.

 سعى ندا لتسويق جماعة الإخوان المسلمين لدى النخب الغربية الحاكمة

السياسة غالباً ما تفرض منطقها ولا عزاء للمبادئ؛ فقد كشفت ثورة المصريين على حكم الإخوان المسلمين عن وجههم الحقيقي، فالجماعة برغم ادعائها أنها إسلامية التوجه فها هي تتحالف مع الإيرانيين ضد "الأشقاء" في السعودية التي اتخذت موقفاً حاسماً في الوقوف ضد مخططات التخريب الإخوانية في العالم العربي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية