من هو حلقة الوصل بين الحكومة السّعودية ومرجعيّة النّجف؟!

من هو حلقة الوصل بين الحكومة السّعودية ومرجعيّة النّجف؟!

من هو حلقة الوصل بين الحكومة السّعودية ومرجعيّة النّجف؟!


12/09/2022

حسن المصطفى

عشرات الأسئلة انهالت عليَّ من كل حدب وصوب، تسألني عن الشخصية التي كانت حلقة وصلٍ بين الحكومة السعودية والمرجعية الدينية في النجف؛ بعدما تحدثت في حوار مع الزميلة إيمان الحمود، ضمن برنامج "ساعة خليجية"، عبر "راديو مونت كارلو الدولي" يوم 6 أيلول (سبتمبر) الجاري، عن علاقة الاحترام المتبادلة بين المملكة العربية السعودية من جهة، ومرجعية آية الله السيستاني من جهة أخرى، وأعطيت مثالاً عن الترتيبات التي اتخذت إبان موسم الحج الماضي، وهو موسم كان غاية في النجاح والتنظيم وحسن الضيافة.

السؤال عن اسم الشخصية التي تعمل في هذا الحقل، هو سؤال تفصيلي فضولي لا قيمة له برأيي، بل نوع من البحث في الاتجاه الخاطئ. لأن الأسئلة الحقيقية يجب أن تكون كالتالي: ما هو الهدف من هذه العلاقة، وما الذي ترمي إليه، وما الذي أنجزته، وكيف يمكن تعزيزها والبناء عليها، وهل يمكن أن تكون علاقة مستدامة، وهل هي أنموذج في منطقة تعج بالاضطرابات والخطابات الطائفية والميليشيات المسلحة؟!

هذه النقاط الجادة وسواها من ملفات العمل الحقيقي هي ما يجب التنبه لها، ونقاشها، والعمل عليها، لأن في ذلك مصلحة عامة، ليس للسعودية ومرجعية النجف وحسب، بل لأمن المنطقة والخليج العربي واستقرارهما.

الحكومة السعودية من عادتها العمل على الملفات الشائكة برويّة وهدوء، بعيداً من إثارات الإعلام أو مزاجية الجمهور العام الذي قد لا يلتفت قطاع منه إلا للظاهر، من دون أن يدرك الأبعاد الاستراتيجية للسياسات الخارجية العامة التي تنهض بها الرياض.

الدبلوماسية السعودية ليست منغلقة على طريقة واحدة، بل تأخذ أشكالاً متنوعة، تتطور، تراعي المتغيرات، وتسعى إلى بناء جهود التواصل. من هنا، أستطيع أن أسمّي انفتاحها على "مرجعية النجف" بـ"الدبلوماسية الروحية" التي تسعى من خلالها إلى بناء علاقات احترام متبادل مع مختلف القيادات الروحية الحكيمة، من مختلف الأديان والمذاهب، بهدف حفظ السلم الأهلي وترسيخ احترام التعددية والحرية الدينية، وأيضاً مواجهة خطابات الكراهية والتعصب والطائفية، وحصار الآثار المدمّرة للميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تمارس العنف باسم المقدس!

ليس آية الله السيستاني وحده من تعاملت الحكومة السعودية مع بعثته الدينية باحترام، بل هذا فعل من صميم خدمة زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي وضيافتهم.

قبيل فترة وجيزة، زار المملكة آية الله إسحاق فياض، وهو مرجع ديني يحظى بمكانة مرموقة في الحوزة العلمية في النجف، وفي مقر إقامته في المدينة المنورة قدِمَ إليه السفير السعودي في العراق الأستاذ عبد العزيز الشمري، ووقف على احتياجاته. وقبل الفياض كان زعيم "تيار الحكمة" العراقي، السيد عمار الحكيم، في ضيافة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والعام الفائت احتضنت مكة المكرمة "ملتقى المرجعيات العراقية"، تحت مظلة "رابطة العالم الإسلامي".

ليست القيادات الدينية العراقية وحدها من تنفتح عليها الحكومة السعودية، بل هذه السياسة التي تروم ترسيخ الأمن والاستقرار والاعتدال، منهجية تواصلية مع مختلف الجهات المؤمنة بالسلمِ والبعيدة من استخدام الدين في السياسة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، علاقة الاحترام مع رئيس "منتدى أبو ظبي للسلم" العلامة الشيخ عبد الله بن بيه.

من يراقب الخطوات الإصلاحية الكبيرة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان، وتحديداً في مضمار "إصلاح الخطاب الديني" و"نبذ التطرف"، يعِ أن ما تمارسه الرياض ليس فعلاً تكتيكياً مرحلياً، ينقضي سريعاً، بل هي "رؤية" ترمي إلى أن يكون المستقبل متخففاً من التطرف والصراعات المذهبية.

ضمن سياق هذه "الرؤية" تأتي جهود رئيس "رابطة العالم الإسلامي" الشيخ محمد العيسى، الذي تجده يسعى في زياراته المتنوعة إلى التقاء قيادات من مختلف الأديان: مسيحية، يهودية، بوذية.. وسواها؛ كما أن خطاب العيسى الصريح والمباشر النابذ للعنف والعنصرية، يرسّخ يوماً بعد آخر رحمانية الدين.

هنالك "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، الذي نُقل مقره أخيراً إلى البرتغال، وهو جهة فاعلة في تدريب القيادات الشابة على قيم التعددية واحترام التنوع البشري والثقافي.

هذا نزر يسير من منهاج أوسع، يعتمد "الدبلوماسية الثقافية" و"الدبلوماسية الروحية"، كأداة من أدوات تحقيق السلام.

ما تقدم هو ما يجب على المتابعين الكرام التنبه له، عوض الانشغال بماهية واسم من يقوم بتلك المهامِ الجليلة، التي تنهض بها شخصيات لا تحب الظهور الإعلامي والأضواء، بل يهمها تحقيق النتائج الإيجابية وخدمة وطنها بصدق وشفافية، مؤمنة بأن العمل الوطني، هو عمل مؤسساتي، تشترك في بنائه أجهزة الدولة المتنوعة، وهو ليس من جنس العمل الفردي، مهما كانت أهمية الفرد، لأن التحرك الفردي سيكون محدوداً، محاطاً في بعض الأحيان بالنوازع الذاتية؛ فيما العمل المؤسساتي يفتح آفاقاً لأن تجتمع العقول، فتثمر أنجع الآراء والخطط المستقبلية. 

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية