مَن يضيء ولو شمعة في نفق لبنان المعتم؟

مَن يضيء ولو شمعة في نفق لبنان المعتم؟

مَن يضيء ولو شمعة في نفق لبنان المعتم؟


15/01/2023

لا كهرباء في لبنان، لا محاسبة للمسؤولين، في ظل محاصصة أكلت الأخضر واليابس، أمام إخفاق كل دعوة إلى المهنية والكفاءة، ووحده الشعب من يدفع الثمن. ما بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزارة الطاقة والمياه التي احتكرها وزراء حزب التيار الوطني الحرّ منذ (13) عاماً، اتهامات متبادلة على خلفية انقطاع آخر تغذية كانت توفرها شركة كهرباء لبنان، وهي تغذية لم تكن تتعدى 30 دقيقة، بينما يدفع المواطن أرقاماً كبيرةً للحصول على الكهرباء من المولدات الخاصة.

سياسة وكهرباء

يدور سجال وتتبادل الاتهامات بين الرئيس نجيب ميقاتي من جانب، والتيار الوطني الحرّ، على خلفية اتّهام الطرف الثاني للأول بعدم الإيفاء بوعده بتوفير 62 مليون دولار سلفةً من الخزينة العامة، لشراء 66 ألف طن متري من الغاز أويل، كانت كفيلة بتأمين تغذية من شبكة الكهرباء العامة تُقدر بـ 10 ساعات يومياً، دون تحديد المدة التي تكفي فيها هذه الشحنة لتأمين الكهرباء.

ما سبق هو الخلاف الأخير بشأن أزمة ممتدة منذ أعوام.

ويرى رئيس قسم التنشئة السياسية بحزب القوات اللبنانية، شربل عيد، بأنّ الخلاف السياسي انعكس على موضوع الكهرباء. وأفاد لـ"حفريات" بأنّ لطرفي الأزمة روايات مختلفة، تدينهم بالأساس، سواء ميقاتي أو وزارة الطاقة.

فدى مكداشي: الكهرباء هي المصدر الأساسي للصفقات!

وذكر أنّ وزارة الطاقة التي تخضع لوزراء التيار الوطني الحرّ منذ عام 2009 حتى اليوم، حيث تراكمت عليها ديون تبلغ 40 - 45 مليار دولار، تعتبر نصف المديونية العامة، وهي من أموال المودعين. وتساءل القيادي بالقوات؛ إذا كان التيار الوطني يلوم ميقاتي هذه المرة، فأين هي وعودهم على مرّ الأعوام بتأمين تغطية كهرباء 24 ساعة يومياً، وإلى أين أوصلتنا كل الحلول التي جربوها سوى مراكمة الديون.

من جانبها، قالت الكاتبة الصحفية في موقع "لبنان الكبير" فدى مكداشي، بأنّ ستة وزراء تابعين للتيار الوطني الحرّ تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ 13 عاماً، وقد حُكي الكثير عن كيفية عمل الوزارة، والصفقات والسمسرات التي بدأت بقطاع المحروقات، ثم وصلت إلى إنشاء السدود الفاشلة.

وتابعت لـ"حفريات"، بأنّه ليس خافياً على أحد أن الكهرباء اعتبرت المصدر الأساسي للصفقات بدءاً بالفيول وصولاً الى بواخر إنتاج الكهرباء. وقالت "الكل يذكر مفاوضات الوزير جبران باسيل على الأسعار والعمولات، وأخيراً ما يسمى مقدمي الخدمات التي إذا دُقق بموضوعهم فحدث ولا حرج".

تقديرات صندوق النقد الدولي: الامتناع عن تنفيذ خطّة إصلاحية لقطاع الكهرباء سيؤدّي إلى خسائر شهرية تُناهز 70 مليون دولار أمريكي، وأكثر من 800 مليون دولار أمريكي سنوياً

ويتصل الخلاف الأخير بخلافٍ سابق حول عقد جلسات مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال؛ حيث يرى ميقاتي ومعظم القوى السياسية عدا التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية وسواهما، أنّ للحكومة الحقّ في عقد الجلسات، بينما يرى المعارضون أنّ ذلك يخالف الدستور.

وعقد مجلس الوزراء جلسته الأولى منذ الشغور الرئاسي بنصاب مكتمل مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد تراجع وزيرين من المقاطعين.

ومنح حضور وزير الصناعة جورج بوشكيان بالمخالفة لقرار تكتله النيابي "تكتل لبنان القوي" برئاسة التيار الوطني الحرّ، الجلسة الثلثين اللازمين للانعقاد. ويطالب ميقاتي بعقد جلسة للحكومة لإصدار مرسوم بالسلفة المقررة للكهرباء، وهو ما يرفضه التيار الوطني الحرّ، من باب رفضه لانعقاد الحكومة، ورفض ممارستها لمهام رئاسة الجمهورية كاملةً. وكان حزب القوات اللبنانية طرح بديلاً يتمثّل في إصدار مراسيم جوالة دون انعقاد الحكومة إلا في حالات الضرورة القصوى.

مسؤولية العونيين

ونصّ القانون رقم (462) لعام 2002 على إنشاء القواعد والمبادئ والأسس التي ترعى قطاع الكهرباء، بما في ذلك دور الدولة في هذا القطاع، والمبادئ والأسس التي تنظمه وقواعد تحويل القطاع المذكور أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص. وأهم الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك إنشاء الهيئة الناظمة "هيئة تنظيم قطاع الكهرباء".

شربل عيد: الجهات المانحة لن تموّل قطاع الكهرباء طالما ظل الفساد مستمراً

ولم يجد هذا القانون المطلوب كشرط أساسي لإصلاح القطاع والحصول على قروض لتمويل قطاع الكهرباء، التنفيذ حتى بعد مرور 21 عاماً، وقام مجلس النواب بإدخال تعديل مؤقت عليه عام 2006 بقانون رقم (775) "لمدة سنة واحدة، ولحين تعيين أعضاء الهيئة (هيئة تنظيم قطاع الكهرباء) واضطلاعها بمهامها، تمنح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة والمياه" وهو المعمول به حتى اليوم.

في السياق ذاته، أوضحت الكاتبة فدى مكداشي، بأنّ إصلاح المؤسّسات المملوكة من الدولة وقطاع الطاقة تحديداً، أحد الشروط المسبقة الخمسة الرئيسية للانتعاش الاقتصادي في لبنان. وذكرت أنّ تقديرات صندوق النقد الدولي أشارت إلى أنَّ الامتناع عن تنفيذ خطّة إصلاحية لقطاع الكهرباء سيؤدّي إلى خسائر شهرية تُناهز 70 مليون دولار أمريكي، وأكثر من 800 مليون دولار أمريكي سنوياً.

السياسي اللبناني شربل عيد لـ"حفريات": الجهات المانحة لن تموّل قطاع الكهرباء طالما ظل الفساد مستمراً وليس لديها ثقة في وزارة الطاقة وشركة الكهرباء

من جانبه، ذكر القيادي بالقوات اللبنانية، شربل عيد، بأنّ الجهات الدولية المانحة مثل صندوق النقد أبدت استعداداً لتمويل الكهرباء بشروط، منها؛ رفع تعريفة الاستهلاك وتأسيس الهيئة الناظمة. وشدد على أنّ الجهات المانحة لن تموّل قطاع الكهرباء طالما ظل الفساد مستمراً، وليس لديها ثقة في وزارة الطاقة وشركة الكهرباء. وأشار إلى أنّ مزاعم التيار الوطني حول تأخير تأسيس الهيئة الناظمة بوضع حكومة تصريف الأعمال الحالية واهية؛ كان لديهم 13 عاماً من المسؤولية دون حلّ المشكلة.

ومطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، رفعت وزارة الطاقة تعريفة الكهرباء بمعدل 1000%، وتحركت من سعر واحد سنت للكيلو واط / ساعة إلى 10 سنتات، لأول 100 كيلو واط/ ساعة مستهلكة، و27 سنتاً لكل كيلوواط / ساعة للاستهلاك فوق ذلك، ونفس السعر لغير الاستهلاك المنزلي.

وتُحسب التعرفة والرسوم الجديدة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة الذي سوف يحدده مصرف لبنان، على أن تعدل هذه التعرفة كل شهر أو شهرين، وبحسب كلفة الإنتاج الحقيقية المعتمِدة على سعر النفط العالمي ومشتقاته، بحسب بيان مؤسسة الكهرباء. تقدر الليرة بنحو 1522 ليرة لكل دولار وفق مصرف لبنان، و38 ألف ليرة لكل دولار وفق منصة صيرفة، وتخطى الدولار حاجز 42 ألف ليرة في السوق السوداء.

الفساد يُعطل

يعني ذلك أنّ شرط تعديل تعريفة الكهرباء قد تحقق، ودخل العمل به منذ شهرين. يقول القيادي بالقوات اللبنانية شربل عيد، إنّ وزير الطاقة قدم دراسة بأنّ هذه التعريفة تمكن من شراء الفيول لتوليد الكهرباء، ورغم ذلك لا توجد تغذية من الشبكة العامة سوى نصف ساعة، وكان عليهم تأمين الكهرباء ثم رفع التعريفة. ونوه بأنّ تكلفة إنتاج الكهرباء من المفترض أنّ تكون أرخص على شركة الكهرباء من المولدات الخاصة.

كان التعويل في حلّ أزمة الكهرباء جزئياً على استقدام الغاز الطبيعي من مصر عبر الأردن وسوريا إلى محطات التوليد في لبنان، بتمويل من البنك الدولي، على أنّ يؤمن الغاز المصري 450 ميغاواط، توفر 4 ساعات من الكهرباء للبلاد. فضلاً عن اتفاق لاستجرار 400 ميغاواط كهرباء من الأردن عبر سوريا، بتمويل من البنك الدولي أيضاً.

اللبنانيون بين تكلفة كهرباء المولدات المرتفعة أو الشموع

ومنذ توقيع الاتفاقيتين في حزيران (يونيو) 2022 لم يُحرز تقدم في سبيل تحقيق ذلك، رغم إعلان الدول الأخرى جاهزيتها. ورداً على سؤال حول أسباب تعطيل الاتفاقيتين، أجابت الصحفية فدى مكداشي، بأنّ الجهات المورّدة لم يعد لديها أي ثقة بعمل الأجهزة الرسمية اللبنانية ووزارة الطاقة، ولذلك ونتيجة المفاوضات القائمة مع صندوق النقد الدولي تم الطلب من الحكومة اللبنانية تنفيذ شروط وإصلاحات تتعلق بعمل الوزارة.

وأضافت بأنّ خطة الكهرباء الحكومية أقرت في آذار (مارس) 2022، وبالرغم من أنها تضمنت وعداً بزيادة التغذية مقابل رفع التعرفة إلا أنها إلى الآن عاجزة عن تأمينها في ظل تهرب الوزارة المعنية من القيام بالإصلاحات المشروطة. وأشارت مكداشي إلى شروط معقدة وضعتها مؤسسة كهرباء لبنان تضمنت متطلبات كثيرة منها، الحاجة إلى تمويل أعمال التشغيل والصيانة والمحروقات.

ويعيش لبنان أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، وبلغت ديون الدولة 100 مليار دولار بحسب إحصاءات. وتسببت الديون الحكومية في انهيار النظام المصرفي في البلاد، نتيجة إقراض المصارف أموال المودعين لمصرف لبنان الذي بدوره أقرضها للحكومة العاجزة عن السداد.

وتشتد أزمة الكهرباء في ظل شغور رئاسي بعد إخفاق مجلس النواب في انتخاب رئيس للبلاد، منذ انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

مواضيع ذات صلة:

مَن يهدد الميثاقية الطائفية في لبنان؟

لبنان: هل هناك رئيس محتمل خارج هذه الأسماء الأربعة؟

مراقبون لـ"حفريات": نتنياهو يلوّح بضرب إيران وإلغاء الاتفاق مع لبنان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية