ناشطة إيرانية: الحجاب الإلزامي مثل جدار برلين

ناشطة إيرانية: الحجاب الإلزامي مثل جدار برلين

ناشطة إيرانية: الحجاب الإلزامي مثل جدار برلين


20/11/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

أوّل شيء يُلاحَظ بشأن مسيح عليّ نجاد هو شعرها: كتلةٌ من الخُصَل المُلتفّة التي تتركها مفكوكةً مثل هالة مشعّة أحياناً، وتربطها أحياناً، دائماً تقريباً مع زهرة تثبّتها فوق أذنها اليسرى. هذا ليس تعليقاً لا مُبرّر له على مظهرها، لكنّه في قلب معركةٍ جلبتها إلى باريس، هذا الأسبوع، للتّحدّث إلى الرّئيس إيمانويل ماكرون.

عليّ نجاد هي الوجه والصّوت الدّوليّان للنّساء الغاضبات في إيران اللواتي يتعرّضن للضّرب، والسّجن، بل والقتل بسبب خلعهن الحجاب الإلزاميّ وإظهارهن شعورهن. اليوم، في باريس، لديها رسالة واضحة جدّاً للرّئيس الفرنسيّ وغيره من القادة الغربيّين: توقّفوا عن مصافحة رجال الدّين الإيرانيّين، توقّفوا عن التّعامل مع إيران.

تقول: «أريد أن أسأل الرّئيس ماكرون عمّا إذا كان يريد الوقوف مع أولئك الذين يقتلون النّاس، ويحتجزون الرّهائن، ويضطّهدون النّاس، ويحاولون قمع ثورة سلميّة، أم أنّه يريد أن يقف إلى الجانب الصّحيح من التّاريخ؟».

وتضيف: «أريده أن يكفّ عن التّفاوض مع الجمهوريّة الإسلاميّة حتّى اليوم الذي يتوقّف فيه النّظام عن قتل النّاس. أريده أن يستدعي سفراءه، وأن يتّصل بحلفائه ويطلب منهم جميعاً تخفيض علاقاتهم الدّبلوماسيّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة، وطرد جميع دبلوماسييها ووضع الحرس الثّوريّ الإسلاميّ على قوائم المنظّمات الإرهابيّة».

بداية النهاية

وتتابع: «لا أطلب من قادة الدّول الدّيمقراطيّة أن يأتوا وينقذونا. لا أريدهم أن ينقذونا. أريدهم أن يتوقّفوا عن إنقاذ الجمهوريّة الإسلاميّة. هذه الانتفاضة المستمرّة هي مجرّد بداية النّهاية للجمهوريّة الإسلاميّة. نحن في القرن الحادي والعشرين وليس من المقبول أن تقتل تلك الحكومة الأطفال، أو المراهقين، أو طالبات المدارس بسبب الرّقص، أو كشف الشّعر، أو الغناء، أو الرّغبة في التّمتع بحياة طبيعيّة».

مسيح علي نجاد: الحجاب الإجباري مثل جدار برلين، بمجرد سقوطه ستنتهي الجمهورية الإسلامية بأكملها

هناك أكثر من 42 مليون امرأة في إيران يجبرن على تغطية رؤوسهن في الأماكن العامّة منذ ثورة 1979 التي أطاحت بالشّاه. اندلعت الموجة الحالية من الاحتجاجات ضدّ نظام طهران في أيلول (سبتمبر)، بعد وفاة مهسا أميني، وهي امرأة كرديّة تبلغ من العمر 22 عاماً، على يد شرطة الآداب الإيرانيّة المشهورة بتطبيقها الوحشيّ لقانون الحجاب الإلزاميّ.

منذ ذلك الحين، خرجت فتيات ونساء إيران إلى الشّوارع تحت شعار «المرأة، الحياة، الحرّيّة»، في تحدٍّ صريح للملالي الذين يحكمون إيران. أحرقوا الحجاب، وقصّوا شعورهنّ - وهو أمر تحرّمه بعض السّلطات الإسلاميّة - وتحدّوا قوّات الأمن المسلّحة، ونشروا مقاطع فيديو على وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

الآن، في أسبوعها الثّامن، على الرّغم من حملة القمع الدّمويّة، لا تُظهر «ثورة النّساء» أيّ علامة على زوالها. اعتُقل حوالي 14 ألف متظاهر، منهم ألف اتّهموا بارتكاب جرائم، بعضها يُعاقب عليه بالإعدام. جافيد رحمان، المقرّر الخاصّ المعنيّ بحالة حقوق الإنسان في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، قال لمجلس الأمن التّابع للأمم المّتحدة، الشّهر الماضي، إنّ قوّات الأمن قتلت ما لا يقلّ عن 277 شخصاً.

«رجال الدّين الجَهَلَة»

عليّ نجاد، وهي صحافيّة وناشطة تبلغ من العمر 45 عاماً، تُعدّ شوكة في خاصرة النّظام الإيرانيّ، أولئك الذين تسمّيهم «رجال الدّين الجَهَلَة» الذين يتّهمونها بأنّها عميلة لجهات أجنبيّة ويحذّرون من أنّ أيّ أحد يرسل إليها مقاطع فيديو احتجاجيّة - والتي تمرّرها بدورها عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ - سيُسجَن.

مسيح عليّ نجاد، وهي صحافيّة وناشطة تبلغ من العمر 45 عاماً، تُعدّ شوكة في خاصرة النّظام الإيرانيّ، أولئك الذين تسمّيهم «رجال الدّين الجَهَلَة» الذين يتّهمونها بأنّها عميلة

في إيران، تعرّضت والدتها البالغة من العمر 70 عاماً للتّهديد، واعتقل شقيقها، وظهرت أختها على شاشات التّلفزيون مندّدةً بها. في نيويورك، حيث تعيش عليّ نجاد في المنفى منذ عام 2009، وجّه مكتب التّحقيقات الفيدراليّ اتّهامات لأربعة أشخاص بالتّآمر لاختطافها. في آب (أغسطس)، ألقت الشّرطة القبض على رجل كان يتسكّع حول منزلها، في بروكلين، وعثرت على بندقية «أي كي-47» محشوّة في سيّارته. هي وزوجها، كامبيز فروهر، وهو مراسل سابق لبلومبرج، موجودان الآن في منزل سرّيّ من اختيار مكتب التّحقيقات الفيدراليّ للمرّة الثّامنة.

يقول فروهر: «إنّه المنزل الثّامن على الأقلّ. فقدنا القدرة على العدّ. الأمر مذهل».

في فندق الخمس نجوم الفاخر في باريس، حيث يقيم الزّوجان - بدعوةٍ من الإليزيه - يُراقب حارس أمن قويّ البنيّة بشكل واضح عليّ نجاد. والحماية التي توفّرها الشّرطة الفرنسيّة أقلّ جلاءً بشكل بسيط.

تقول: «عندما تكون الجمهوريّة الإسلاميّة في السّلطة، لا أحد بأمان. عندما جاء مكتب التّحقيقات الفيدراليّ إلى منزلي قبل عام وقال إنّ حياتي في خطر، لم أستطع التّعامل مع الأمر على محمل الجدّ. يتلقّى الإيرانيّون تهديدات بالقتل كلّ يوم. لكنّهم أظهروا إليّ بعض الصّور من حياتي، لزوجي، وابن زوجي، ولي أنا داخل منزلي، في حديقتي أسقي زهور عبّاد الشّمس…».

وتضيف: «لست خائفة. أشعر بالذّنب عندما أتحدّث عن حياتي الشّخصيّة، لأنّ النّاس [في إيران] يُقتلون في الشّوارع. حياتي محض مثال صغير على وحشيّة هذا النّظام القاتل والحديث عن هذا لا أريد منه الحديث عنّي. أنا فقط أمنح صوتاً للنّساء والرّجال الإيرانيّين الشّجعان الذين يقولون لا للجمهوريّة الإسلاميّة».

مسيح علي نجاد تخاطب المتظاهرين في تجمع حاشد في لوس أنجلوس في أكتوبر لدعم النساء الإيرانيات

وتتابع: «لا يُخيفني أن أتعرّض للرّصاص أو القتل. المخيف هو رؤية قادة الدّول الدّيمقراطيّة يصافحون أيدي أولئك الذين يقتلون شعبي أو أولئك الذين يريدون قتلي.

تقول إنّ الزّعيم الإيرانيّ عليّ خامنئي يجب أن يُعامل مثل فلاديمير بوتين: «خامنئي يُساعد بوتين... كلّ الدّيكتاتوريّين متّحدون، ولذلك يجب أن يتّحد قادة الدّول الدّيمقراطيّة».

يُخفي مظهر عليّ نجاد الواهن والوديع غضباً شديداً. يمكنها أن تحافظ على نبرة تهجّميّة شبه سلسة تنحرف من الغضب إلى الوشوك على البكاء. تُبقي غطاء على كلا التّطرّفين؛ العبوس المثّلث على جبهتها والصّوت المترنّح يُخفيان على الفور ابتسامة.

نجاد: لا يُخيفني أن أتعرّض للرّصاص أو القتل. المخيف هو رؤية قادة الدّول الدّيمقراطيّة يصافحون أيدي أولئك الذين يقتلون شعبي أو أولئك الذين يريدون قتلي

إنّها غاضبة بشكل خاصّ من أنّه في خضم انتقادهم الغرب بشدّة، يسعى أعضاء النّظام الإيرانيّ في كثير من الأحيان إلى العلاج في مستشفيات أوروبا ويدرس عدد من أولادهم ويعيشون في رفاهية في الولايات المتّحدة. ومع ذلك، تكنّ عليّ نجاد ازدراءً خاصّاً للنّساء الغربيّات اللائي يخضعن للمطالب الإيرانيّة بالتحجّب. لن تسامح كارين بيرس، سفيرة المملكة المتّحدة لدى الأمم المتّحدة، على تغطية رأسها خلال زيارة لطهران في عام 2017.

اضطّهاد النّساء ليس جزءاً من ثقافتنا

تقول: «كانت تلك إهانة للنّساء الإيرانيّات اللواتي يُقتلن لرفضهن الحجاب. هل تعلمين ماذا كانت إيرانيّة في هذا المنصب لتفعل؟. كانت لتقول: «اللعنة عليك، هذا ليس من شأنك». لكن هؤلاء النّساء الغربيّات قلن: «بالتّأكيد، سأغطي شعري، فهذه ثقافتك». إنّ اضطّهاد النّساء ليس جزءاً من ثقافتنا، والإكراه ليس جزءاً من ثقافتنا، والقوانين الهمجية ليست جزءاً من ثقافتنا. عندما تقول السّياسيّات الغربيّات إن الحجاب الإلزاميّ هو ثقافة الإيرانيّات أو الأفغانيّات، فهذه إهانة لشعوبنا».

تقول عليّ نجاد إنّها لا تناضل من أجل أن تحظر إيران الحجاب، ولكن حتّى يكون للنّساء والفتيات حرّيّة الاختيار بين ارتدائه أو عدم ارتدائه. وتضيف: «عندما بدأتُ الحملات، كان النّاس يسألونني عن سبب إثارتي ضجّة كبيرة حول قطعة صغيرة من القماش. الحجاب الإلزاميّ لا يتعلّق بقطعة قماش صغيرة. يمكن أن يتسبّب في جَلدك، ويمكن أن يتسبّب في سجنك، ويمكن أن يتسبّب في تعريضك للاغتصاب والقتل».

وتتابع: «الحجاب الإلزاميّ مثل جدار برلين: بمجرّد سقوطه ستنتهي الجمهورية الإسلاميّة بأكملها. لهذا السّبب يخاف الملالي. ملايين الفتيات والنّساء في إيران يقفن الآن جنباً إلى جنب ويقلن لا؛ إنّنا مستعدّات للموت، ولن نعيش في إذلال».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كيم ويلشر، الغارديان، 12 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2022




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية