"نعم" دستورية لسعيد... هل يرضخ الإخوان لإرادة التونسيين؟

"نعم" دستورية لسعيد... هل يرضخ الإخوان لإرادة التونسيين؟


27/07/2022

في خضم حملة شرسة تشنها حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، على الدستور الجديد قبل حتى صياغته وخروجه إلى النور، نجح التونسيون في تخطي العراقيل التي وضعتها الحركة؛ حيث أسسوا لـ "جمهورية جديدة" لا وجود فيها للحركة الإخوانية ومشتقاتها، بالتصويت بـ "نعم" في دستور يضع نهاية لتسييس الدين على غرار ما قامت به النهضة خلال قيادتها لما يُطلق عليه "العشرية السوداء".

ومساء أمس، نقلت إذاعة "موزاييك" التونسية عن فاروق بوعكسر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قوله: إنّ نسبة التصويت بـ "نعم" بلغت 94.60% أي (مليونان و 607884) ناخباً، وبلغت نسبة الإجابة بـ "لا" 5.40%؛ أي (148) ألف و(723)، في انتصار جديد للرئيس التونسي قيس سعيّد الذي بدا صلباً في مواجهة ألاعيب حركة النهضة منذ قرارات 25 تموز (يوليو) 2021، ومضى قُدماً في إنقاذ تونس من قبضة الإخوان، وتصحيح مسار "ثورة الياسمين"، قبل أنّ تبدد الحركة الإخوانية رحيقها بالكامل.

 حملات تشكيك وإرباك

لم يكد التصويت في الاستفتاء الدستوري ينتهي أول من أمس، حتى فاضت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف التغريدات والمنشورات، التي تبدو للوهلة الأولى مدارة بعناية من جهة ما، في تحرك كورالي منسق لطالما أجادته كتائب جماعة الإخوان المسلمين الإلكترونية، لتصدير ترند وهمي وحشد أصوات لا وجود لها إلا في الواقع الافتراضي.

اللافت أنّ التغريدات والمنشورات، ذات الاختلافات الصفرية، كلها انصبّت على هدف واحد وهو التشكيك في نزاهة عملية التصويت. وعلى الرغم من ذلك، خرج الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد بأقل قدر من الخروقات، وبنتيجة قد تقضي ليس فقط على ألاعيب النهضة، بل أيضاً على محاولات الحركة العودة إلى المشهد السياسي إلى الأبد.

فاروق بوعكسر: نسبة التصويت بـ "نعم" بلغت 94.60% أي (مليونان و 607884) ناخباً

في المقابل، لم تتخلَّ الجماعة وذراعها التونسية عن كارتها المفضل، أو بالأحرى الرشاوى الانتخابية واللعب على وتر الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي كانت النهضة سبباً رئيسياً فيها، فقد اعتقلت الأجهزة الأمنية (6) أشخاص، بينهم شقيق شخص مصنف على أنّه "إرهابي"، أثناء توزيعهم رشاوى انتخابية للتأثير على إرادة الناخبين وإقناعهم بالتصويت بـ"لا" بدلاً من "نعم"، على حدّ قول "موزاييك".

اعتقلت الأجهزة الأمنية (6) أشخاص، بينهم شقيق "إرهابي"، أثناء توزيعهم رشاوى انتخابية للتأثير على إرادة الناخبين وإقناعهم بالتصويت بـ "لا"

 

محاولات شبيهة رصدتها جمعية "شباب بلا حدود" التونسية، التي تراقب نزاهة العملية التصويتية عبر (330) ملاحظاً، فقد نقلت عنها "موزاييك" قولها: إنّه تمّ تسجيل (7) محاولات للتأثير على إرادة الناخبين في محيط مراكز الاقتراع.

إلى ذلك، أكد بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات أنّ الاستفتاء ''دار في الداخل وفي الخارج بشكل محكم، رغم حملات التشكيك ومحاولات الإرباك".

 معضلة الإقبال

بحسب النتائج التي أعلن عنها رئيس هيئة الانتخابات التونسية أمس، فإنّ نسب المشاركة بلغت 30.5%، فقد أدلى (2.830.094) ناخباً بصوته في الاستفتاء الدستوري، وهو عدد كبير قياساً بالمشاركين في انتخابات 2019، مع الأخذ في الاعتبار انشغال التونسيين بإجازات الصيف، وغياب المنافسة، ومحدودية الحملة الانتخابية، وهو الأمر الذي أكده محمد التليلي المنصري المتحدث باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

واعتبر المنصري نسب المشاركة "معقولة" نظراً لعدة ظروف، من بينها تنظيم الاستفتاء في فترة الصيف حيث ينشغل أغلب التونسيين بقضاء عطلتهم، إضافة إلى انطلاق العمل على تنفيذ الرزنامة منذ شهرين وسط وضع اقتصادي وسياسي صعب.

وفي حين زعم "النهضاويون" ضعف نسب المشاركة بسبب دعوات الحركة الإخوانية للمقاطعة، أكد المنصري أنّ نسبة المقاطعين في كل المسارات الانتخابية لم تتغير، فقد تم تسجيل 60% خلال الاستفتاء.

المنصري: نتائج الاستفتاء الأولية المعلنة تُعتبر نهائية في حال لم تتلقَّ الهيئة أي طعون في غضون (3) أيام

ووفقاً للمنصري، فإنّ نتائج الاستفتاء الأولية المعلنة تُعتبر نهائية في حال لم تتلقَّ الهيئة أي طعون في غضون (3) أيام، وبالتالي تصبح نهائية بتاريخ يوم 30 تموز (يوليو) الجاري. وأوضح أنّه في حال تلقي الطعون ضد نتائج الاستفتاء، فإنّ النتائج النهائية ستعلن يوم 28 آب (أغسطس) 2022، بعد إعلان المحكمة الإدارية أحكامها بطوريها الابتدائي والاستئنافي .

بوعسكر: الاستفتاء دار في الداخل وفي الخارج بشكل محكم، رغم حملات التشكيك ومحاولات الإرباك

المشاركة التي فاقت التوقعات باقترابها من حاجز الـ (3) ملايين ناخب، رغماً عن محاولات النهضة، تُعدّ بمثابة الضوء الأخضر للرئيس قيس سعيّد للمضي قُدماً فيما أطلق عليه "تصحيح المسار" لتطهير تونس من خطايا "العشرية السوداء" التي قادتها حركة النهضة الإخوانية، فقد تعهد سعيّد، في تصريحات تلفزيونية من شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد الاحتفالات بنجاح الاستفتاء، بـ"محاسبة كل من أجرم في حق البلاد".

أبواب مغلقة

يبدو أنّ كل الأبواب مغلقة أمام حركة النهضة للطعن في نتائج الاستفتاء أو تغييرها، فقد أصبح دستور "الجمهورية الجديدة" واقعاً جديداً، وقد أوضح الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري، في مداخلة لـ"موزاييك"، أنّ "المقاطعين لا يحق لهم الطعن في هذه النتائج"، الأمر ذاته الذي ينطبق على كافة الأحزاب والتيارات السياسية التي تحالفت مع النهضة أو تبنّت دعوات المقاطعة نفسها.

ووفقاً للغابري، فإنّ القانون ينص على أنّ ''كل الأطراف والجهات التي شاركت في الاستفتاء لها مصلحة في الطعن في النتائج الأولية للاستفتاء".

 جزر منعزلة

على الرغم من الجزم بعدم أحقية المقاطعين في الطعن على نتائج الاستفتاء، بدت رموز المعارضة التونسية، ومن بينهم أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، وحمة الهمامي رئيس حزب العمال وكأنّهم يعيشون في جزر منعزلة، ولا يدركون حقيقة الواقع الجديد من حولهم، وإقرار الدستور بمشاركة بنسب تقترب من (3) ملايين ناخب، وهو رقم كبير مقارنة بانتخابات 2019.

وفي حين شكك الشابي وموسي والهمامي في "شرعية" الاستفتاء، وزعموا أنّه كشف تراجع شعبية سعيّد، نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن محللين سياسيين تأكيدهم أنّ النتائج أظهرت أنّ سعيّد يحوز على ثقة واسعة من الناخبين التونسيين الباحثين عن التغيير.

واعتبر المحللون أنّ من الخطر ألّا يستوعب سياسي محترف تغير الوضع بالمطلق، خصوصاً إذا كان من دعاة التغيير، متسائلين كيف يمكن لسياسي مثل الشابي أو الهمامي أو موسي الوقوف ضد رغبة الناس في تغيير الأوضاع والخروج من حالة الفوضى التي عاشتها البلاد خلال الأعوام الـ (10) التي سبقت قرارات 25 تموز (يوليو) 2021؟

واستغرب هؤلاء المحللون كيف يمكن أنّ يكون الكلام مزايدات باسم الفعل الديمقراطي بدلاً من العمل الإيجابي لصالح تونس في هذه المرحلة الحرجة.

ووفقاً للمحللين، فإنّ كلام الشابي، حليف حركة النهضة الإخوانية، يقف عند نقطة وحيدة هي عدم الاعتراف بقيس سعيّد، بغضّ النظر عن أصوات الناس ومصلحة البلاد في التغيير، خاصة محاولاته لتحريض صندوق النقد الدولي لكي يوقف أيّ دعم لتونس ما بعد الاستفتاء، وهو كلام خطير يكشف عن أنّ رئيس جبهة الخلاص فقد هدوءه المعتاد، وخرج عن شعارات قديمة تضع تونس فوق كل اعتبار.

 

بحسب النتائج، التي أعلن عنها بوعسكر، فإنّ نسب المشاركة بلغت 30.5%، وهو عدد كبير قياساً بالمشاركين في انتخابات 2019

 

ويمرّ الاقتصاد التونسي بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية؛ نتيجة لسياسات الإفقار التي اتبعتها حركة النهضة خلال قيادتها لما يُعرف بـ"العشرية السوداء"، أدت إلى تخلف تونس عن سداد ديونها الدولية، ممّا دفع سعيّد إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار التفاوض على برنامج مساعدات قد يتيح لتونس قرضاً دولياً يترواح بين (3 و4) مليارات دولار، غير أنّ شروط الصندوق اصطدمت برفض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد.

مواضيع ذات صلة:

بعد الاستفتاء: الرئيس التونسي في مواجهة استحقاقات أخرى

استفتاء تونس: التاريخ لن يعود إلى الوراء... هل أُغلق باب عودة النهضة إلى الأبد؟

التونسيون يصوتون على دستور جديد.. هل ينقذ البلاد من عشرية الإخوان السوداء؟‎



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية