نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في تونس: أزمة حقيقية أم افتعال للأزمات؟

نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في تونس: أزمة حقيقية أم افتعال للأزمات؟

نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في تونس: أزمة حقيقية أم افتعال للأزمات؟


09/02/2023

نتيجة الصعوبات المالية التي تعيشها البلاد وارتفاع نسبة التضخم، تتواصل أزمة نقص المواد الأساسية وفقدانها في تونس، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، فيما لا تزال العديد من المواد الأساسية مثل؛ السكر والقهوة والحليب ومشتقاته، غائبة عن رفوف المتاجر، ما صعّب الأوضاع المعيشية للتونسيين.

هذه الأزمة، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية، عدّها شق واسع من التونسيين وحتى الرئيس التونسي نفسه، مفتعلة وغير بريئة، التقطت لحظات ضعف الدولة، التي تمرّ بظروف اقتصادية صعبة نتيجة، العشرية التي حكمت خلالها حركة النهضة الإخوانية، وأنّ أطرافاً بعينها تحاول تأليب الرأي العام التونسي ضدّ سعيّد.

بالمقابل، اعتبرها البعض "أزمة معقدة ومركبة" ناتجة عن صعوبات تعاني منها المالية العمومية للبلاد، إلى جانب غياب وجود استراتيجية للأمن الغذائي في البلاد.

مَن المستفيد من افتعال الأزمة؟

فيما تعد صناعة الأزمة ممارسة قديمة استخدمت للسيطرة على الأفراد والمؤسسات بهدف تحقيق مصالح وأهداف صانعي الأزمة على حساب الطرف المقابل، اتهم الرئيس التونسي مراراً أطرافاً لم يسمِّها بافتعال الأزمات، الأمر الذي دفع الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى التأكيد على ضرورة العمل من أجل تكوين مخزون استراتيجي.

وذلك لإجهاض المحاولات السياسية اليائسة لافتعال الأزمات، مشيراً إلى أنّ تواصل ظاهرة اختفائها تقف وراءه قوى تعمل على تأجيج الأوضاع للاستفادة منه سياسياً في إشارة إلى اتحاد الشغل الذي يحاول توظيف الصعوبات الاجتماعية لاستعادة نفوذه السياسي الذي تآكل بعد مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.

أزمة معقدة ومركبة

وقالت الرئاسة التونسية في بيان نشرته نهاية الأسبوع الماضي، في صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، إنّ الرئيس قيس سعيّد وصف شح بعض المواد وفقدانها من الأسواق بأنّها "ظاهرة لم تعرفها تونس حتى زمن الأزمات الاقتصادية الكبرى في العقود الماضية".

وتشكو المحال التجارية الكبرى وصغار التجار من نقص الحليب والقهوة والسكر وزيت الطبخ، وحددت المتاجر الكبرى بعض المواد الأساسية ومنها العجين، بعلبتين فقط.

وعبّر عدد من المواطنين عن غضبهم من فقدان المواد الأساسية وارتفاع أسعارها بشكل كبير، فيما يرى خبراء أنّ الأمر متعلق بارتفاع التضخم والعجز التجاري وارتفاع بعض المواد في السوق العالمية نتيجة للحرب في أوكرانيا.

تعد صناعة الأزمة ممارسة قديمة استخدمت للسيطرة على الأفراد والمؤسسات بهدف تحقيق مصالح وأهداف صانعي الأزمة

 

وخلال اجتماع عقده في قصر قرطاج مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، والمديرة العامة للديوانة نجاة الجوادي، تطرق سعيّد إلى أسباب فقدان عدد من المواد الغذائية أو ندرتها، مشيراً إلى أنّ تلك الظاهرة والتي وصفها بـ"غير الطبيعية" لم تعرفها تونس حتى حين شهدت أزمات اقتصادية كبرى في العقود الماضية.

وأكد الرئيس التونسي في الاجتماع على أنّه "لم يعد يخفى على أحد أنّ من يقف وراء تواصل هذه الظاهرة، يسعى بكل الطرق إلى تأجيج الوضع الاجتماعي حتى يستفيد سياسياً.

وأوضح بأنّ الشعب التونسي لم تعد تخفى عليه هذه الأسباب ويطالب بمحاسبة كل من أجرم في حقّه وكل من يسعى إلى تجويعه والتنكيل به، مشدّداً على أن تتولى كافة الجهات المعنية في الدولة تحمّل مسؤولياتها.

ويخوض اتحاد الشغل، منذ فترة عملية ليّ ذراع مع السلطة السياسية، في سياق مساعيه للحفاظ على نفوذه السياسي الذي تضخم بشكل لافت خلال الأعوام العشرة التي أعقبت انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، قبل أن يتآكل هذا النفوذ مع انطلاق مسار 25 تموز (يوليو) 2021.

ما مصلحة النهضة؟

في الأثناء، تحاول حركة النهضة الإخوانية، بعد هزيمتها سياسياً ودحرها شعبياً، اللعب على وتر الأزمات، لإحداث قلق في الشارع، أملاً في أن تتاح لها ثغرة تستطيع من خلالها ضرب البلد، إذ تحاول، بحسب تلميح سعيّد، افتعال الأزمات بين الحين والآخر، أملاً في ضرب العلاقة بين الرئاسة والتونسيين الداعمين لسعيّد، الذين اختاروا مسار 25 تموز (يوليو) 2021.

وكان الباحث السياسي إدريس حميد، قد أكد في تصريحات سابقة لـ"اليوم السابع" المصرية، أنّ حركة النهضة تحاول تشويه رئيس الجمهورية رغم انتخابها له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مشيراً إلى أنّ الحركة وبعض الأحزاب المتحالفة معها تعمل بعد فقدانها السلطة على إحداث أزمة اقتصادية داخل تونس.

تحاول حركة النهضة الإخوانية، بعد هزيمتها سياسياً ودحرها شعبياً، اللعب على وتر الأزمات

وبحسب معهد الإحصاء الحكومي، صعدت نسبة التضخم في تونس خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى رقمين، مسجلة 10.1 % وهي النسبة الأعلى التي تسجل في البلاد منذ نحو 40 عاماً، كما ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 14.6 %.

ولمواجهة هذا الانزلاق المالي، تسعى تونس للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات لا تحظى بقبول النقابات الاجتماعية، وتشمل خفض الإنفاق وتجميد الأجور وتخفيضات في دعم الطاقة والغذاء.

تحاول حركة النهضة الإخوانية بعد هزيمتها سياسياً ودحرها شعبياً اللعب على وتر الأزمات لإحداث قلق في الشارع

 

وقال الرئيس التونسي قيس سعيّد إنّ الأفعال التي يأتيها البعض في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد ترتقي إلى مرتبة "التآمر على أمن الدولة" الداخلي والخارجي.

أزمة اقتصادية تتصاعد

وكان البنك المركزي التونسي قد حذّر من أنّ تراكم الصعوبات لعدة أعوام من شأنه أن يجعل التعافي الاقتصادي صعباً كما سيعمل ذلك على إضافة المزيد من الضغوط على التوازنات المالية.

وبحسب التقرير، فإنّ "عدم قدرة الاقتصاد على التدارك على عكس أغلب بلدان العالم التي تمكنت خلال 2021 من تجاوز الانعكاسات الوخيمة للأزمة الصحية العالمية، يعود إلى ضعف هيكلي".

وأكد أنّ بقاء مستوى العجز في مستوى عال "مُثير للقلق بالنظر إلى حجم النفقات، وفتور النمو بما من شأنه تهديد استدامة المداخيل، خاصة وأنّ تمويل مثل هذا العجز يطرح تحديات حقيقية، باعتبار أنّ حجم الدين العام ارتفع 10.5 مليار دينار (3.33 مليار دولار)".

كان البنك المركزي التونسي قد حذّر من أنّ تراكم الصعوبات لعدة أعوام من شأنه أن يجعل التعافي الاقتصادي صعباً

وتظهر بيانات حكومية أنّ العجز في الميزانية الحالية تراجع بنسبة 75% على أساس سنوي خلال النصف الأول من 2022 وسط ارتفاع في الإيرادات المالية للبلاد.

وارتفعت نفقات الأجور بنسبة 5.3% لتتجاوز 3.28 مليار دولار مشكلة ما نسبته 55.2% من إجمالي الإنفاق العام، فيما طالب صندوق النقد الدولي تونس مراراً بضبط فاتورة الأجور، والتي تشمل نسبة مرتفعة من إجمالي النفقات، لتحقيق الاستقرار في المالية العامة.

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في حل لغز الاغتيالات السياسية في عهد "النهضة"؟

بين التوتر والمهادنة.. هكذا كانت علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس

سيخلف مجلس الإخوان... هذه تركيبة برلمان تونس الجديد وأولوياته



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية