نهاية المونديال... غاب الشغف وعادت رتابة الأخبار السياسية

نهاية المونديال... غاب الشغف وعادت رتابة الأخبار السياسية

نهاية المونديال... غاب الشغف وعادت رتابة الأخبار السياسية


22/12/2022

مي الشريف

الحرب الأوكرانية، والإغلاق في الصين، واحتجاجات إيران، وفقر الطاقة، معظمها أخبار لها تبعاتها المحلية والإقليمية والعالمية، لكنها لم تكن تتناسب مع أجواء كرة القدم ومنافسات كأس العالم 2022. لذا كانت قطر الدولة المستضيفة ومنظمة "فيفا" والرعاة والشركات المعلنة، فضلاً عن المنتخبات المشاركة، متخوفين من أن تسحب أخبار المعارك والأوبئة البساط عن أجواء الملعب الأخضر، وتطغى الأخبار السياسية على بطولة ينتظرها عشاقها كل أربع سنوات، وتخفت أجواؤها الإعلامية وما يصاحبها من قصص مثيرة وأحداث رياضية ممتعة.

انسحاب عناوين التوتر

لكن ما جرى هو العكس، مع انطلاق المونديال اختفت معه بشكل تدريجي العناوين المحذرة من متحورات كورونا، وتطورات الغزو الروسي، ولم يعد العالم يعتني بمتابعة إمدادات السلاح ودعوات التهدئة، ولا حتى الشتاء القارص الذي يعيشه الأوكرانيون بلا كهرباء، وتخلى القراء عن مراقبة أزمة شحنات الحبوب وما سببته الحرب على العالم من أزمات في الغذاء والطاقة، وذلك في مقابل الاهتمام بمن يحصد الكأس وانحسار التنافس بين النجمين الفرنسي كليان إمبابي والأرجنتيني ليونيل ميسي.

وعلى رغم تصاعد تأثير معركة كييف في الأوروبيين من نواح عدة، إلا أن منتخباتهم قررت نقل معركة حقوق المثليين معها إلى الملعب المستطيل، وتصدرت صورة المنتخب الألماني وهو مكمم الأفواه احتجاجاً على عدم السماح له بارتداء شارة "دعم المثلية" التي أشعلت برامج الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي. بالمقابل لم تكترث القنوات الإخبارية بالقدر ذاته حول محاولة الانقلاب في ألمانيا على يد ما يسمى "مواطني الرايخ"، وهي مجموعة يمينية متطرفة أرادت الاستيلاء على الحكم والتخطيط لاقتحام البرلمان بهدف تأسيس حكومة ملكية.

على رغم خطورة ما حدث في ألمانيا وتجنيد نحو ثلاثة آلاف فرد من أفراد النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب لاحتواء الانقلاب بعمليات مداهمة موسعة شملت 11 ولاية، وأثره إذا اقترنت تداعياتها بزيادة تأزم الوضع الاقتصادي، وآثارها السلبية في قطاعات حيوية عدة مثل: الاستثمار، والسياحة، واحتمالية الفوضى والإرهاب وصولاً إلى حرب أهلية، لا سيما وأن برلين تمثل جزءاً رئيساً وفاعلاً من حلف الناتو وتجمع أوروبا الغربية في السنوات الأخيرة، وفي الوقت نفسه هي أيقونة للمعسكر الشرقي لأوروبا، لكن مع هذا كله كان الاهتمام الإعلامي منصباً على مشاركة "الماكينات" في المونديال وخروجها المبكر محملة بقضايا ورسائل سياسية بثتها عبر ملاعب قطر، فكانت النتيجة خسارة في السياسة وهزيمة في الكرة.

احتجاجات إيران دخلت شهرها الثالث والرابع خلال فترة المونديال، وعلى رغم تأثيرها في العملة الإيرانية وقطاعي النفط والغاز، وتداعياتها الإقليمية والعالمية، إلا أن أخبارها هي الأخرى أصيبت بالسكون في مقابل الاهتمام بمشاركة المنتخب الإيراني في المونديال وتقلب نتائجه بين الخسارة بسداسية من إنجلترا والفوز بثنائية أمام ويلز، والهزيمة في مباراة كروية بطابع سياسي أمام الولايات المتحدة الأميركية.

على رغم قرب اليوم الدولي للتأهب للأوبئة في 27 ديسمبر، والمخاوف من ظهور متحورات جديدة لفيروس كورونا، فإن المشاهد التي تصل إلينا من المدن الصينية ضمن مظاهرات إغلاقات كورونا وعنف السلطات مع الرافضين لتلك الإجراءات التي كانت قنوات الأخبار تتناقلها ويتداولها المستخدمون بكثرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، باتت هي الأخرى متوارية خلف أحداث المونديال، حتى ظن كثيرون أن الصين عاد النبض إليها واستعادت الحياة طبيعتها، لكن الحقيقة أن أهميتها تضاءلت وسط هيمنة كرة القدم على نقاشات مواقع التواصل، وانشغال ملايين بمطالعة أنباء البطولة بحماس متأملين انتصار منتخبات بلادهم أو المنتخبات التي يناصرونها أو النجوم الذين يعشقونهم.

ومن الأردن في الظروف العادية يعد حدث مقتل نائب مدير شرطة معان عبدالرزاق الدلابيح بالرصاص الحي من الأحداث ذات المردود السياسي والأمني الذي لن تتوقف الأخبار عن تداوله لتداعيته وأثره في زعزعة استقرار بلد كبير كالمملكة الأردنية، بخاصة في ظل وجود احتجاجات في مدينة معان الجنوبية، وإعلان عشيرة الضحية منح الحكومة مهلة ثلاثة أيام ونصف اليوم للكشف عن هوية القاتل، وزيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بيت عزاء الدلابيح عشية عزاء، إلا أن زخم وصول المغرب إلى الدور قبل النهائي كان صداه الأعلى في العناوين الإخبارية والأكثر تداولاً ومتابعة في الساحة العربية حاملاً معه تطلعات الشعوب العربية للنصر والتميز في كأس العالم.

الشغف والوتيرة السعودية

 الاستخفاف بالأخبار السياسية لدى القراء لم يكن متعمداً، فالشغف الكروي الذي بدأ منذ أكثر من شهر، زادت وتيرته السعودية عندما فاجأت العالم بتغلبها على منتخب الأرجنتين بقيادة اللاعب الاسطوري ليونيل ميسي في المباراة الافتتاحية بالمجموعة، تلاه فوز اليابان على الماكينات الألمانية في أول مبارياتهما، ومما زاد حدة الإثارة توالي سقوط القوى الكروية العظمى، فرفاق اللاعب الكوري الجنوبي سون هيونغ مين هزموا البرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو، وهو نفس ما فعله رفاق المغربي أشرف حكيمي بفوزهم على بلجيكا في دور المجموعات، وفي الأدوار الإقصائية على كل من وإسبانيا والبرتغال، وقبلها تعادلت تونس مع الدنمارك وفازت على الفرنسيين أبطال كأس العالم 2018، وأسقطت الكاميرون منتخب السامبا البرازيلي المدجج بالنجوم، إضافة إلى قوة مباراتي هولندا ضد الأرجنتين وإنجلترا ضد فرنسا، وانتهاء بأفضل نهائي في مباريات كرة القدم بين منتخبي الديوك وراقصي التانغو.

شعوب العالم عانت في السنوات الثلاث الأخيرة تداعيات الجائحة، وهيمن الاكتئاب عليهم في 2022 جراء الأزمة الاقتصادية بركودها وتضخمها، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وويلات الحروب ودمارها، فباتت مهيأة للانتقال مع الأخبار من أحداث تكدير صفو الإنسانية إلى أنباء تحمل التجديد والإثارة والشغف، وهو ما حققه كأس العالم بالفعل.

انتهى المونديال بمبارياته وفعالياته، ورحل بدموع الخاسرين وأهازيج الفائزين، وقضى الشغف نحبه بصافرة حكم المباراة النهائية، وأفلت شمس الإثارة الكروية التي استهوى دفؤها سكان الكرة الأرضية، وباتت العودة لأخبار السياسة مسألة حتمية، وهيمنة رتابة أنباء الحروب والنزاعات والاحتجاجات على عناوين الصحافة والنشرات الإخبارية، فماذا ينتظر المتابعون ورواد وسائل التواصل الاجتماعي لتجديد شغفهم ومحو نزعة التشاؤم من وجوههم؟

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية