هاني نسيرة لـ"حفريات": جماعة الإخوان قطعت الطريق أمام مسار الإصلاح الديني

الدكتور هاني نسيرة لحفريات: لماذا تحولت نهضتنا إلى نهضة معاقة؟

هاني نسيرة لـ"حفريات": جماعة الإخوان قطعت الطريق أمام مسار الإصلاح الديني


08/06/2023

أجرى الحوار: عماد عبد الحافظ

مرت مصر، كالغالبية من المجتمعات الإسلامية، بفترة طويلة من التراجع الحضاري؛ بسبب عدد من العوامل والأسباب المتراكمة التي يُعدّ أغلبها عوامل ذاتية تمثلت في الاستبداد السياسي والجمود الفكري الذي أصاب المجتمع. ومنذ اتصال مصر بالغرب من خلال البعثات العلمية التي بدأها محمد علي في الربع الأول من القرن الـ (19)؛ بدأت مرحلة جديدة تمثلت في قيام الدولة الحديثة وبداية مشروع النهضة الذي قاده عدد من رواد التنوير في محاولة لإصلاح المجتمع على كل المستويات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية، حتى يستطيع الخروج من أزمته واللحاق بركب المجتمعات المتقدمة التي كانت قد سبقته بشكل كبير، وتعويض الفجوة الهائلة التي نشأت نتيجة لذلك.

وقد استطاع ذلك التيار عبر العديد من رموزه أن يغرس بذور التغيير في المجتمع، وأن يساهم في العديد من الإصلاحات في البناء الاجتماعي، وأن يعمل على ترسيخ العديد من القيم الحضارية التي كانت غائبة عن ثقافة المجتمع آنذاك، لكن على جانب آخر كان هناك تيار في المجتمع يتسم بنزعة سلفية محافظة، يرى في جهود الإصلاح تلك محاولة للانسلاخ من الهوية الإسلامية وتقليد للغرب يهدد تماسك المجتمع من خلال تهديد أهم مكوناته وهو الدين؛ ومن ثم عمل هذا التيار على التصدي لكل فكرة جديدة وكل محاولة للإصلاح والتغيير لا تتفق مع أفكاره ورؤاه، وكان من بين الحركات التي خرجت في ذلك الوقت متبنية مشروعاً تدّعي أنّه يسعى لنهضة المجتمع هي جماعة الإخوان، فهل ساهم مشروعها في دفع مشروع النهضة إلى الأمام، أم أنّه مثّل عائقاً أمامه أثر على قدرته على الإنجاز؟ 

هنا نص الحوار:

برأيكم من هم أبرز رموز الإصلاح السياسي والديني والاجتماعي في مصر منذ نهاية القرن الـ (19) وبداية القرن الـ (20)؟

لا شك أنّ البداية الأهم كانت مع رفاعة رافع الطهطاوي صاحب شعلة الحداثة والنهضة الأولى في القرن الـ (19)، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والإسلامي بشكل عام، ثم يليه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهما الذين توزعوا في تحديث مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية طوال النصف الأول من القرن الـ (20).

وما أبرز الإسهامات التي قدّموها في هذه المجالات؟

كتابي الأخير بعنوان "الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة" أطروحات النهضة التي طرحها روادها لم تفشل، وإن تم إعاقتها عن أن تكمل المسير والتحقق والأهداف، فبفضلهم نجحت دعوة تعليم وتحرير المرأة وتحققت كما نشاهد الآن، وتجذر التعليم المدني، ونشطت حركة الترجمة من الآخر أو التحقيق وإعادة النشر لجوانب وذخائر تراثنا المتميزة، كما نشطت الدعوة للدستورية، وتحققت فكرة الوطن والمواطنة والاشتراك فيه عبر دعوات مصرية عديدة، وأنتج المصريون سابع دستور في العالم في هذا الاتجاه، وتم التمكين لحرية الرأي والتعبير ربما عن أزماننا هذه، وتواكبت حركة حداثة فكرية وثقافية عامة مع حركة تحديث مؤسسي جعل مصر قطعة من أوروبا، وفي مستواها على مستوى الخدمات والتعليم والصحة والتوثيق وغيرها. 

حسن البنا كان موهوباً حركياً، وليس موهوباً فكرياً

كيف ترى جهود ومحاولات تيار الإصلاح الديني والتيار الليبرالي التي بدأت منذ نهايات القرن الـ (19) وبدايات القرن الـ (20)؛ هل تعتقد أنّها أتت ثمارها، أم أنّها أخفقت في ذلك، ولماذا؟

كما سبق أن ذكرت أرى أنّها نجحت في أشياء كثيرة، وفشلت في بعض الأشياء، ولذا أسمّيها نهضة معاقة، فهي نجحت في نشر التعليم، ونشر فكرة الوطن والمواطنة والمساواة، وتعليم وحقوق المرأة، والتمكين لفكرة الدستور والمشاركة السياسية، وقد تمت إعاقتها من قبل اتجاهين رئيسين؛ هما القوى الأصولية، والقوى الاستبدادية والثورية، التي كانت ضد هذه المبادئ الحداثية دائماً.

هل ترى أنّ رشيد رضا وحسن البنا، بحكم تأثره به، يمثلان امتداداً لفكر ومشروع محمد عبده الإصلاحي، أم أنّهما يمثلان انحرافاً عنه؟

رشيد رضا مرحلتان؛ في المرحلة الأولى كان تلميذاً وراوياً عن الإمام محمد عبده، وقد اقترب منه بعد تردد من الإمام محمد عبده، والتزم في حياته آراءه ومنهجه وأفكاره، حتى في تفسير القرآن، وهي المرحلة التي استمرت حتى سقوط الخلافة العثمانية عام  1924، حيث تحول محمد رشيد رضا بعدها إلى داعية إسلامي محافظ، يبكي ما سبق أن انتقده من تاريخ الشيخ التركي المريض، داعياً لاستعادة الخلافة وكاتباً في الردّ على الشيخ علي عبد الرازق وكتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مؤكداً في فصول كتابه على ما كرّره حسن البنا فيما بعد من أنّ الإسلام رسالة وحكم ودين ودولة ومصحف وسيف وغير ذلك.

هياكل الجماعة كانت ترفض الرؤى التجديدية وأصحابها وتلفظهم خارجها دائماً، ورغم ما طرحته الجماعة من إمكانيات قبول بالديمقراطية والحرية؛ إلّا أنّها كانت تلقيها، لصالح الشعبوية وشهوة الغلبة والتغلب، عند أول اختلاف أو صراع

وصار رشيد رضا بعد سقوط العثمانية يشعر بالخطر على الهوية والذات والدين من الآخر، فتدثر بالرؤية السلفية، وكان أحد الداعين للاهتمام بعلم الحديث وعلم الجرح والتعديل، بعد أن رأى اهتمام الهنود به، فأرهص وأسس الصحوة السلفية فيما بعد، وعلى يديه تخرج علماء سلفيون مشهورون في مصر والشام، مثل محمد حامد الفقي والقاسمي السوري وغيرهم. وحسن البنا ينتمي لرشيد رضا في مرحلته الثانية التي انقلب فيها على اتجاه محمد عبده وتسلف وتسيس، بينما أثر محمد عبده الرئيس في اتجاه آخر لدى أمثال الشيخ مصطفى عبد الرازق صاحب التمهيد وقاسم أمين وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد وغيرهم. 

هل تعتقد أنّ فكر حسن البنا وطرحه كان تجديدياً على المستوى الديني والسياسي، أم أنّه كان يتسم بنزعة سلفية محافظة؟

حسن البنا كان موهوباً حركياً، وليس موهوباً فكرياً، فحركياً نجح في تأسيس جماعته الحركية وتوسيع امتداداتها وشبكاتها، وتنظيماتها وسريتها، ولكن فكرياً هو لم يجدد بل كان يكرر ما سبق أن طرحه رشيد رضا وغيره من مهاجمي علي عبد الرازق وكتابه "الإسلام وأصول الحكم"، ودعاة استعادة الخلافة وبكائياتها بعد سقوطها، وتسيس الدين التي نشطت من دعاة أفراد ومؤسسات دينية، وكذلك من دعاة المحافظة السلفية الدينية فقط، وحتى ما يبدو لديه من تجديد في بعض المسائل الفقهية أو التعليقات كانت مستفادة من هذا الجيل السابق عليه والزخم الثقافي والفكري الذي كانت تشهده مصر والشام حينها تفاعلاً مع الحداثة والتطور وتجديداً للخطاب والثقافة.

هل رؤية البنا لمفاهيم مثل الحرية والمواطنة والديمقراطية كانت تختلف عن رؤية التيار الليبرالي لها؟

نعم، لم يستطع البنا أن يتصالح مع هذه الأفكار ذات الأصل الليبرالي والغربي، وقد أشرت إلى ذلك بوضوح في كتابي الأخير "الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة"، فما قبله منها كان وفق الشروط الإسلاموية في تصوره، وارتبك وتناقض أحياناً كثيرة حين تفاعل مع هذه المفردات، فهو يتكلم عن الوطن الإسلامي وليس الوطن، ويتكلم عن الأمّة، ولم يذكر المواطنة، وكلامه عن الحرية والديمقراطية والحزبية كان يحمل كثيراً من السلبيات، هو كان مع عودة التاريخ الخليفي والخلافات أكثر ممّا كان مع الواقع والمستقبل والتطور في تصورات السياسة والاجتماع.

صار رشيد رضا بعد سقوط العثمانية يشعر بالخطر على الهوية والذات والدين من الآخر، فتدثر بالرؤية السلفية

هل تعتقد أنّ جماعة الإخوان قطعت الطريق أمام مسار الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي في النصف الأول من القرن الـ (20)، وأخذته في مسار شعبوي سلفي محافظ؟

نعم، أتفق مع هذا الطرح، فالجماعة لم تتحمل التجديد داخلها، وكان حسن البنا يخاف منه على التنظيم وتفككه، كما أنّ هياكل الجماعة كانت ترفض الرؤى التجديدية وأصحابها وتلفظهم خارجها دائماً، ورغم ما طرحته الجماعة من إمكانيات قبول بالديمقراطية والحرية؛ إلّا أنّها كانت تلقيها، لصالح الشعبوية وشهوة الغلبة والتغلب، عند أول اختلاف أو صراع، فظلّ موقف الجماعة من التعددية والتنوع والحريات والاختلافات مشكلاً ملتبساً في وعيها، ومتناقضاً في ممارساتها دائماً.

 كيف تقيّم الدور والأثر الذي تركته جماعة الإخوان في المجتمع المصري حتى منتصف القرن الـ (20) دينياً وسياسياً واجتماعياً؟

دور شعبوي مكّن للشعاراتية والشعبوية، وجفف سبل الحيوية السياسية والفكرية، وساعد في التمكين للمحافظة، وإن كان يُذكر له دوره الاجتماعي والخيري في بعض الأحيان، ولكن كان سيفاً على رقبة كل تجديد يمكن اغتياله معنوياً واجتماعياً حالة الاختلاف معه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية