هدم المقابر التاريخية يثير جدلاً بمصر... ما القصة؟

هدم المقابر التاريخية يثير جدلاً بمصر... ما القصة؟

هدم المقابر التاريخية يثير جدلاً بمصر... ما القصة؟


28/05/2023

تشهد مصر حالة محتدمة من الجدل، وصلت حدّ الغضب؛ بسبب إزالة عدد من المقابر التاريخية في منطقة القاهرة القديمة لتنفيذ إنشاء محور مروري جديد "محور الفردوس"، الأمر الذي يثير حفيظة المصريين، كون تلك المناطق تُعدّ جزءاً مهماً من التراث المصري. 

وتعتبر الآراء الغاضبة، التي جاءت على لسان خبراء الآثار وأساتذة التاريخ المصريين، إزالة المباني التاريخية لصالح مشاريع التطوير الحضاري، أمراً مرفوضاً؛ لأنّه يهدم جزءاً مهماً من التراث المصري، فضلاً عن أنّ المقابر لها حرمة يجب مراعاتها، والبحث عن بدائل لمرور المشروع بعيداً عن المناطق التاريخية في القاهرة القديمة. 

وقال مصدر مطلع لصحيفة "المصري اليوم": إنّه ستُجرى إزالة نحو (2700)  مقبرة ونقلها إلى أماكن جديدة في مدينة (15 مايو)، على مسافة (35) كيلو متراً من القاهرة، وفي مدينة العاشر من رمضان.

في المقابل، تنفي السلطات المصرية، بحسب صحف محلية،  إزالة أيّ مبنى أثري، مؤكدة أنّ العمل يجري ضمن مشروع القاهرة التاريخية والحفاظ على تراثها.

بداية القصة

حالة الجدل التي زادت بشكل كبير خلال الأيام السابقة، تزامناً مع انطلاق دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي للحفاظ على تراث القاهرة التاريخية وعدم المساس به، بدأت منذ تموز (يوليو) عام 2020، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن إنشاء محور مروري ممتد إلى (9) كيلومترات تقريباً، بهدف تيسير الحركة المرورية المتبادلة بين وسط القاهرة، وكلّ من الطريق الدائري ومدن شرق العاصمة.

دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي للحفاظ على تراث القاهرة التاريخية وعدم المساس به

محور جديد كان مخططاً له المرور بعيداً من "مقابر المماليك" التاريخية بمسافة (300) متر، وفقاً لتأكيدات مسؤولي محافظة القاهرة ممّن طالبوا المواطنين بعدم الانسياق وراء الإشاعات، وأنّ الدولة حريصة على الحفاظ على التراث التاريخي من الآثار الإسلامية والقبطية لما تمثله من قيمة تاريخية، لكن على الأرض جرى إزالة عدد منها لإفساح الطريق للمحور الجديد، وفق صحيفة "الإندبندنت". 

وفي عام 2021 تزايد الحديث عن إزالة المقابر الخاصة بالمشاهير، لكن هذه المرة في منطقة مقابر الإمام الشافعي، بعد أن وصلت خطابات لملّاكها وورثتهم تنذرهم بسرعة نقل رفات ذويهم إلى مقابر مدينة (15 مايو)، الجديدة لبدء إزالة بعضها بهدف توسعة طريق صلاح سالم.

هدم عشوائي

من جانبها كشفت مفتشة الآثار المصرية هايدي موسى، وفق ما نقله عنها موقع "سكاي نيوز" أنّ أعمال هدم المقابر تُجرى في مقابر الشافعي والسيدة نفيسة وجلال الدين السيوطي، والمتواجدة جميعاً في جنوب القاهرة.

مفتشة الآثار هايدي موسى: أعمال هدم المقابر تُجرى في مقابر الشافعي والسيدة نفيسة وجلال الدين السيوطي والمتواجدة جميعاً في جنوب القاهرة

وأكدت موسى أنّ الهدم يتم بعشوائية تامة، ودون الرجوع إلى مفتشي الآثار، حيث تقوم "الجرافات" بهدم المقبرة من سقفها وهي مغلقة ويتم تدمير محتوياتها دون التمكن من رؤيتها، وما إذا كانت تستحق التسجيل الأثري من عدمه.

وتابعت: "يأتي بعد ذلك مقاولو الهدم، وينقلون مخلفات الإزالة، ويدمرون أيّ محتويات مهمة توجد في المقابر، مفتشو الآثار لا يمكنهم منع إزالة أيّ مقبرة، لأنّ تلك المقابر ليست مسجلة كآثار، وبالتالي لا تخضع لقانون حماية الآثار.

غير مسجلة كتراث 

وأشارت موسى إلى أنّ أصحاب المقابر هم من منعوا تسجيلها كآثار، لأنّهم كانوا يرفضون دخول مفتشي الآثار إليها أو تصويرها، وبالتالي فهذه المقابر لا تتمتع بأيّ حماية، رغم أنّ الكثير منها به تركيبات ورسومات نادرة فعلاً.

وتقول موسى: إنّه "رغم كل الجدل، فلولا أعمال الهدم لم نكن سنرى ما بهذه المقابر من كنوز لم نراها من قبل، ولم يمكننا منها أصحابها".

أصحاب المقابر هم من منعوا تسجيلها كآثار

وتضيف: "أنا أيضاً تم منعي أكثر من مرة من دخول مقابر في السيدة نفيسة لتصويرها، لأنني على المستوى الشخصي، بخلاف وظيفتي مهتمة بتوثيق الآثار التاريخية، هناك مقابر لرموز تاريخية ومشاهير وتحتوي على تركيبات نادرة تم هدم كل ما حولها من مقابر وفي الغالب ستطال الإزالة الجميع".

وبحسب موسى، تُعدّ مقابر الإمام الشافعي الأغنى من حيث التراث الأثري، ولكن للأسف لا يوجد بها سوى مقبرتين فقط مسجلتين في التنسيق الحضاري كطراز معماري مميز، وهما فقط المتمتعتان بالحماية ضد الإزالة.

البرلمانية المصرية مها عبد الناصر: الأمر يتطلب ضرورة التدخل السريع لتحقيق المنفعة العامة بتوسعة الطرق وإعادة تخطيط القاهرة التاريخية دون إزالة المقابر

وحول آلية تسجيل المقابر ضمن التراث الأثري تقول موسى: إنّها تحتاج للتقدم بطلب ويتم عرضه على القطاع المختص، وبدوره يحيله للّجان الدائمة التي تشكل لجنتين أخريين من الآثار القبطية والإسلامية تقرران ما إذا كان المكان يستحق التسجيل كأثر أم لا، وتستغرق هذه العملية عدة أعوام في بعض الأحيان.

وترتبط المقابر المعرّضة للهدم بأسماء عدد الشخصيات العامة والمشاهير، مثل شيخ الأزهر السابق محمد مصطفى المراغي، والإمام الشافعي، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، وعميد الأدب العربي الأديب طه حسين، فضلاً عن مقابر لعدد من الأمراء والمماليك، وغيرهم.

اعتراض برلماني 

في أول تحرك برلماني رداً على الأزمة، تقدمت النائبة مها عبد الناصر بطلب موجه لكل من رئيس مجلس الوزراء، ووزراء السياحة والآثار، والنقل والمواصلات، والتنمية المحلية، والإسكان، منتقدة مخططات تطوير القاهرة وإزالة (2700) مقبرة في السيدة نفيسة والإمام الشافعي لتوسعة طريق.

وحذّرت البرلمانية المصرية من تجاهل رمزية المقابر وهدمها، خصوصاً المقابر ذات الطابع التاريخي المميز، والمتضمنة مدافن شخصيات تاريخية تعود إلى أزمنة ماضية تلزم المحافظة عليها وتطويرها، أسوة بما يتم مع عدد من المدافن التاريخية التي تصلح كمزارات سياحية. 

وأشارت إلى أنّ أهمية تطوير الطرق والبنية التحتية لا ينبغي أن تكون على حساب إزالة الرفات والجثث من مقابر ذات طابع مميز وخاص، ودفنت فيها شخصيات تاريخية مثل الملكة فريدة وأمير الشعراء أحمد شوقي. 

أيضاً كشفت مها عبد الناصر، بحسب تصريحات نقلتها عنها (CNN)، أنّه تم بالفعل نقل رفات شخصيات عامة وأدباء كبار، من بينهم الروائي يحيى حقي، وفي الوقت الحالي تواجه مقابر طه حسين والبارودي والشاعر حافظ إبراهيم المصير نفسه، ممّا يتطلب ضرورة التدخل السريع لتحقيق المنفعة العامة بتوسعة الطرق وإعادة تخطيط القاهرة التاريخية دون إزالة المقابر، التي تعتبر تحفة معمارية وتراثية يجب عدم إزالتها. 

لافتة إلى أنّ الحكومة استجابت وأوقفت إزالة مقبرة طه حسين، وكذلك حافظ إبراهيم، مشيرة إلى أنّها تقدمت بـ (4) طلبات إحاطة للبرلمان لوقف قرارات الحكومة بإزالة المقابر، وتضمنت هذه الطلبات بدائل لتحقيق المنفعة العامة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المقابر، واستخدامها كمزار تاريخي بعد تطوير المنطقة، وجعلها نقطة جذب سياحي.

كيف يرى المختصون الأمر ؟

يقول المهندس جمال عامر، الخبير المعماري ومصمم مركز الخزف والحرف التقليدية بالفسطاط: إنّ "أيّ منطقة قديمة من الممكن أن تكون منطقة تاريخية كعدد من الأماكن المشهورة في القاهرة التاريخية، يجب الحفاظ عليها والاهتمام بترميمها وجلعها مزاراً". 

تم بالفعل نقل رفات شخصيات عامة وأدباء كبار

وأشار خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حديث القاهرة" إلى أهمية الحفاظ على المقابر القديمة؛ لأنّها جزء من تاريخ وهوية مصر، وأنّه من الممكن أن يكون الغرض نبيلاً، لكن لا بدّ أن يتعامل مع هذه الأماكن بشكل جيد، ومقابر الرموز جزء من تاريخ وهوية مصر ويجب الحفاظ عليها. 

ونوه إلى أنّ هناك اقتراحاً بمدّ أنفاق في المناطق التاريخية بدلاً من إزالتها، مؤكداً أنّ نقل الأثر بالكامل هو الأفضل من الإزالة. 

من جهتها، علقت الإعلامية المصرية لميس الحديدي على الأزمة، متسائلة: "لماذا نزيل المقابر، ونقترب من التراث؟ الشخصيات العادية مهمة، وأيضاً الشخصيات العامة مهمة، وأنا مش عارفة أوجه رسالتي لمين من يحمي تراثنا؟، لكن هكلم كل الناس مجتمع مدني وحكومة، حافظوا على تاريخنا، ومن صنعوا التاريخ، وإلا سنُدهس نحن بعد ذلك".

وأتمت: "دول كثيرة تصنع التاريخ وتشتري التاريخ، ولا يمكن أن نهدم تاريخنا ببلدوزر، ولانملك سوى التاريخ، عاوزين نوسع شارع أو نعمل كوبري، أكيد فيه خبراء، ولمّا بتكون فيه إرادة بنلاقي طريقاً آخر".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية