هكذا تعزز التعددية الدينية العنف في بلاد... والتسامح والتعايش في بلاد أخرى

هكذا تعزز التعددية الدينية العنف في بلاد... والتسامح والتعايش في بلاد أخرى

هكذا تعزز التعددية الدينية العنف في بلاد... والتسامح والتعايش في بلاد أخرى


07/10/2023

أفرد المركز العربي لدراسات التطرف دراسة واسعة حول العنف ومستقبل الدين في العالم المعاصر، في وقت برز فيه بشكل ملحوظ على صعيد عالمي حوار يعزز التعددية الدينية.

وقالت الدراسة: إنّه بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 صُنّف البشر دينياً إلى مسلمين إزاء يهود ومسيحيين، وشيعة إزاء سنّة، وبروتستانت إزاء كاثوليك، وسيخ إزاء هندوس...، إلخ، وأخذ الناس بالابتعاد شيئاً فشيئاً عن القيم المشتركة التي توحد بينهم.

وأضافت الدراسة: إنّ أهمية التفكير في مستقبل الدين اليوم ترتبط ببلورة مبادرات تجمع الزعماء الدينيين وممثلي الطوائف والمعتقدات الروحية في العالم حول "القيم المشتركة" التي يمكن أن تشكل أرضية لبناء حضارة عالمية تعكس "التنوع في الوحدة"، لافتاً إلى أنّ الكثير من المبادرات العالمية والإقليمية والوطنية المختلفة في هذا المجال تمثل مساهمات قيمة، مثل مبادرة تحالف الحضارات، وإعلان بالي بشأن بناء الوئام بين الأديان في إطار اﻟﻤﺠتمع الدولي، ومؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية، والحوار بين الحضارات والثقافات، واستراتيجية "الاعتدال المستنير"، واجتماع القادة غير الرسمي المعني بالحوار والتعاون بين الأديان من أجل السلام، والحوار بين الإسلام والمسيحية، ومؤتمر قمة موسكو العالمي للزعماء الدينيين، والمنتدى الثلاثي المعني بتعاون الأديان من أجل السلام، وكلها مبادرات مترابطة، ويكمل ويعزز بعضها بعضاً.

وأوردت الدراسة أنّ هناك أحداثاً سنوية تمثل فرصة للاجتماع والاحتفاء بالقيم المشتركة، مثل أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وهو حدث سنوي يُحتفل به خلال الأسبوع الأول من شهر شباط (فبراير) ابتداء من عام 2011.

 الإسهامات التي تقدمها بعض الدول في مجال حوار الأديان توضح أنّ الحوار وسيلة فعالة من وسائل تعزيز التسامح والسلام

وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وأشارت في قرارها إلى أنّ التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بُعدين مهمين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، ممّا يجعل الأسبوع العالمي وسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس، بغضّ النظر عن ديانتهم. واعترافاً منها بالحاجة الملحة للحوار بين مختلف الأديان، ولتعزيز التفاهم المتبادل والانسجام والتعاون بين الناس، تُشجّع الجمعية العامة جميع الدول على دعم هذا الأسبوع، لنشر رسالة الانسجام والوئام من خلال كنائس ومساجد ومعابد العالم وغيرها من أماكن العبادة، على أساس طوعي ووفقاً للقناعات والتقاليد الدينية الخاصة بهم.

ووفقاً للدارسة، فإنّ مثل هذه المبادرات والأحداث السنوية والمنتديات العالمية للحوار بين الأديان تمثل منصات مناسبة للحوار، وتوفر أسساً قوية لفهم أكبر للديانات المختلفة في محاولة لتعزيز مستقبل الدين ودوره في السلام العالمي.

إزاء نمو احتمالات العنف في المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف، تبرز أهمية تعزيز حوار الأديان لغرض تلافي تحول التوترات الدينية إلى أشكال عنف منفلتة تهدد مستقبل التعددية الدينية

وبيّن المركز أنّه بالنظر إلى تصاعد نفوذ الجهات الفاعلة من غير الدول في العلاقات الدولية، والتفسيرات أو التأويلات الخاطئة الخاصة للدين، والتي قد تؤدي إلى أعمال عنف وتهدد الأمن والسلم الدوليين، من المنطقي أن تستمر الدعوات للتعايش السلمي، وضمان ألّا يتم تبرير العنف تحت ستار الدين.

وأوضح أنّ الإسهامات التي تقدمها بعض الدول في مجال حوار الأديان توضح أنّ الحوار وسيلة فعالة من وسائل تعزيز التسامح والسلام على جميع المستويات ومكافحة التمييز على أساس الدين والمعتقد.

وذكرت الدراسة أنّه حين يأخذ التنافس الديني وتحديد الهوية الدينية أشكالاً جديدة، ويتناول ولاءات بديلة جديدة، فإنّ إمكانيات العنف والصراع الديني تأخذ بالارتفاع، لا سيّما مع ازدياد الحراك والتنوع الدينيين وتواتر الصراع والعنف الديني على نحو يطرح مشكلات خطيرة، فيما يتعلق بتحديد الحدود، وإعادة التحديد، والتفاوض حولها بين الجماعات الدينية المختلفة ووسط تلك الجماعات نفسها، وذلك في الإطار الإقليمي المحلي.

واستندت الدراسة في نظريتها السابقة إلى نيجيريا، حيث أصبح للتعددية الدينية أهمية سياسية كمصدر للتوتر في العديد من دول العالم وعلى نحو متصاعد.

نيجيريا وبسبب تعدد الأديان والتناقضات داخل الدين الواحد أصبحت مثالاً للتوتر الديني

وأكد المركز أنّ نيجيريا؛ بسبب تعدد الأديان والتناقضات داخل الدين الواحد، أصبحت مثالاً للتوتر الديني عبر انتشار الجماعات الناشطة العنيفة والمتشددة (الإسلامية والمسيحية)، وأدى ذلك إلى نمو ثقافة العنف الديني خاصة في شمال نيجيريا.

وإزاء نمو احتمالات العنف في المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف، تبرز أهمية تعزيز حوار الأديان لغرض تلافي تحول التوترات الدينية إلى أشكال عنف منفلتة تهدد مستقبل التعددية الدينية، ومستقبل الدين ذاته كظاهرة عرفها الإنسان منذ القدم، وفق مركز الدراسات.

وأوضحت الدراسة أنّه يمكن تمييز تجارب ناجحة في التعايش السلمي في المجتمعات التعددية، رغم توفر إمكانيات العنف أو تفجرها بين الحين والآخر؛ فالتجربة الهندية توضح إمكانية العيش المتناسق السلمي، وتنطوي هذه التجربة على أمثلة للدعوة للعيش المتناسق مع التراث الهندي؛ أولها دعوة الإمبراطور (أشكوكا) الذي اعتنق البوذية بعد تركه الهندوسية، ودعا إلى احترام المرء لكل الأديان.

لعل توفر العراق على رجال دين معتدلين من مختلف الخلفيات الدينية والإثنية يفسح المجال لتخيل عمل جماعي عابر لخطوط التقسيم الدينية والطائفية

وثانيها موقف الإمبراطور الإسلامي (أكبر) النموذجي بالنسبة إلى حاكم سياسي. فقد سعى لتحقيق توافق بين الأديان، وكان يوجد في بلاطه علماء لاهوت هندوس ومسلمون ومسيحيون.

وضربت الدراسة مثالاً ثالثاً بتجربة الحكيم (القورو نانك) الذي أوجد دين السيخ بدمج تعاليم الهندوسية والإسلام. وأخيراً نضرب مثالاً في سعي أبي الدستور الهندي الحديث (المهاتما غاندي) إلى دمج مختلف المجموعات الدينية في الهند في الدولة الهندية، رغم أنّه كان هندوسياً عميق الإيمان، وقد وضع بمعاونة جواهر لال نهرو دستوراً جمهورياً ديمقراطياً علمانياً للهند.

وبحسب الدراسة التي نشرت عبر الموقع الإلكتروني للمركز، فإنّه يمكن أن يؤدي الزعماء الدينيون واﻟﻤﺠتمع المدني ككل دوراً مهمّاً في دعم وتعزيز التسامح الديني. مثلاً قد يكون مفيداً من أجل نزع فتيل التوترات الناشئة في مجتمع ما، أن يؤكد الزعماء الدينيون بوضوح أهمية الحق في حرية الدين أو المعتقد لكل شخص وبجميع أبعادها. ويشمل هذا إعادة تأكيد الحق في تبديل الدين أو إبداء آراء عن أديان ومعتقدات أخرى، حتى وإن كانت هذه الآراء مثار خلاف. وفي الوقت نفسه، على جميع الجهات الفاعلة الالتزام بمنع الدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز والعداوة والعنف.

صعوبات حوار الأديان في العراق تبدو من معدلات العنف العالية

واتخذ المركز العراق كحالة عن استهداف الأقليات الدينية والتوتر الطائفي، قائلاً:" إنّه مثلما ينظر اليوم في العراق على أنّ جزءاً كبيراً من حالات استهداف الأقليات الدينية والتوتر الطائفي يتحمل مسؤوليتها مجموعة من "رجال الدين" الذين نفخوا في رماد الطائفية، ودفعوا البلاد إلى حالة من الهيجان وفقدان بوصلة الإيمان بالآخر، وبالتالي أصبح رجال الدين جزءاً من المشكلة، نرى أنّ رجال الدين يمكن أن يقدّموا جهودهم في إطار داعم للتعايش السلمي فيكونوا جزءاً فاعلاً من الحلّ، بدلاً من أن ينظر إليهم كجزء من المشكلة.

وتابعت الدراسة: لعل توفر العراق على رجال دين معتدلين من مختلف الخلفيات الدينية والإثنية يفسح المجال لتخيل عمل جماعي عابر لخطوط التقسيم الدينية والطائفية، مثل وجود مرجعية (السيد السيستاني) في النجف الأشرف التي عُرفت بمواقفها المعتدلة وتأكيدها على القيم العابرة لخطوط التقسيم الإثنوطائفية، ونشاط البطريرك (لويس ساكو) الذي تم انتخابه بطريركاً على الكنيسة الكلدانية في شباط (فبراير) 2013.

وختم المركز دراسته بأنّ صعوبات حوار الأديان في العراق تبدو من معدلات العنف العالية التي قد تقف حجر عثرة دون تطوير حوار بين الزعماء الدينيين، لا سيّما حين يتم تحميل إحدى الجماعات الدينية مسؤولية مثل هذه الأحداث، فضلاً عن وجود أديان لا تُعدّ توحيدية أو سماوية، ومن ثم نواجه وجود أقليات دينية تُعدّ خارج إطار البنية الثقافية المقبولة في البلاد، مثل الأيزيديين الذين ينظر إليهم كعبدة الشيطان، أو المندائيين الذين ينظر إليهم بوصفهم عبدة نجوم وكواكب، والكاكائيين الذين يتصفون بالسرّية في معتقداتهم والتكتم على معتقداتهم على نحو سبب غموضاً لم ينجح الباحثون في اختراقه، والبهائيين الذين تم تصنيفهم كحركة سياسية هدّامة، ولم تُعتبر ديناً عالمياً له الحق في الوجود أو الاعتراف الرسمي.

مواضيع ذات صلة:

لماذا رفضت إندونيسيا فكرة الدولة الإسلامية وكيف صارت نموذجاً للتسامح والتعددية؟

خريطةُ المذاهبِ وترسيخُ التعدديةِ في السُعودية

التعددية.. نعمة أم نقمة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية