هكذا يحلل علم النفس شخصيات السياسيين الشعبويين

هكذا يحلل علم النفس شخصيات السياسيين الشعبويين


24/02/2019

ترجمة: علي نوار


تُعدّ شخصية الساسة على رأس الموضوعات التي تجتذب قدراً كبيراً من الاهتمام. والحقيقة أنّ عامل الشخصية هذا يؤثّر بنسبة كبيرة سواء على ماهية القرارات التي يجرى اتّخاذها أو على الطريقة التي تُتّخذ بها أو حتى فرص تحقيقهم للنجاح الانتخابي. وعلى سبيل المثال، فإنّ جانباً ليس هيّناً من النجاح الانتخابي الذي يحقّقه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، قد يعود إلى ما تعكسه شخصيته. وبعبارة أخرى، ربّما، فإنّ نجاح الرئيس الأمريكي يُعزى بصورة جزئية لطريقة "فعل" و"قول" الأشياء، أو ما يمكن أن يوصف بسلوك "يخلو من التعقيدات". وفي حالة إسبانيا، على سبيل المثال، توجد هذه المقارنة بين "ثقة" رئيس الحكومة الأسبق، خوسيه ماريا أثنار، و"هدوء" رئيس الحكومة السابق، ماريانو راخوي.

اقرأ أيضاً: لماذا تعد "الشعبوية" كلمة مشينة؟

خوسيه ماريا أثنار

وبات من الواضح بكل جلاء أنّنا نعيش مرحلة يتراجع فيها الولاء الحزبي لأدنى درجة، وهو الأمر الذي تشير إليه استطلاعات الرأي، وكذلك ضعف زخم الأيدولوجيات والسياسات المحدّدة مقارنة بما كان الوضع عليه في السابق، حيث أصبح الناخبون ينظرون إلى شخصيات المرشحين بوصفها عاملاً يساعدهم في حسم صوتهم لحظة الاختيار. فإذا لم تكن شخصية المُرشّح تروق للناخبين فإنّهم لا يمنحونه أصواتهم أو على الأقل يجعلونه خياراً ثانياً (حتى لو كانت سياسات المُرشّح الأول تتوافق معهم أكثر).

أصبح الناخبون ينظرون لشخصيات المرشحين بوصفها عاملاً يساعدهم بحسم صوتهم لحظة الاختيار، فقد يمنحونه أصواتهم أو يجعلونه خياراً ثانياً

والحقيقة أنّه قد قيل الكثير حول ترامب وشخصيته. وهناك، على الأقل، صفتان لا يمكن أن يتوجدا لدى أي رئيس للولايات المتحدة الانبساط أو الانفتاح المُبالغ فيه، وأن يكون شخصاً مُنفّراً. لكن هل ترامب حالة منعزلة؟ رغم كل شيء، تعتاد الآراء التي تدور في الصحافة حول شخصية الشخص المقصود تجاهل مسألة أنّ ثمة مُرشّحين شعبويين كُثر يُنعتون وبصورة مُمنهجة بنفس الصفات. على سبيل المثال، هل يمكن لأي أحد أن يجادل في كون بعض التصريحات التي أدلى بها الرئيس البرازيلي الجديد، جايير بولسونارو، أو الرئيس الفلبيني، رودريجو دوتيرتي، لا تحمل نفس الخصائص للأفراد المذكورين؟ وفي الوقت ذاته يسيرون على خطى ترامب؟

 الرئيس البرازيلي الجديد، جايير بولسونارو

في ضوء ما سبق ذكره، أعدّ أليساندرو ناي ويورجن ماير وفيران مارتينيث إيكوما، عملًا يتضمّن سؤالين اثنين واضحين: 1) هل ثمة وجود لخصائص شخصية متباينة بين المرشحين الشعبويين وهؤلاء من غير الشعبويين؟؛ 2) أيمتلك ترامب صفات تُميّزه عن أقرانه من السياسيين الشعبويين؟ ولأجل اختصار الكثير من الحديث فإنّ إجابة السؤال الأول ستكون بنعم، ونفس الحال بالنسبة للسؤال الثاني. ونحن نتطرّق بالطبع في هذه الحالة انطلاقاً من النظر إلى الشخصية وليس التحليل النفسي سواء الفعلي أو حتى السريري.

اقرأ أيضاً: اللحظة الشعبوية: انتهاء ثنائية اليمين واليسار في أوروبا

وقد جرى العُرف في العلوم الاجتماعية أن تتم دراسة خصائص الشخصية عن طريق مجموعتين من السمات أو العناصر: وهما (العناصر الخمسة الكبار) و(ثالوث الظلام) أو (الثالوث المظلم).

اقرأ أيضاً: القمة الأوروبية وزحف الشعبوية

وتشمل (العناصر الخمسة الكبار) خمسة أبعاد بشكل عام. ويأتي في المقام الأول الانفتاح: وهم الأشخاص الذين يميلون إلى الاستماع بأسلوب حياة اجتماعي نشط ويصفون أنفسهم أو يُوصفون بأنّهم اجتماعيون ونشطون ومفُعمون بالطاقة والإصرار. والانفتاح هو عنصر يرتبط على نحو كبير بالجاذبية التي تؤدّي بدورها إلى تحقيق النجاح الانتخابي. ثم يأتي اللطف. فهؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون قدراً عالياً من اللطف ينُظر إليهم على أنّهم ودودون. (وهنا تظهر الغرابة في حالة ترامب: فهو منفتح لكنّه ليس ودوداً). ثالثاً المسؤولية. فالأفراد الذين يتمتعون بحسّ المسؤولية يميلون في الغالب إلى تخطيط وتنظيم الكثير من مناحي الحياة (سواء على المستويين الفردي أو الجماعي)، وهؤلاء يُعدّون، بين أشياء مختلفة، أنّهم يركّزون على النتائج. هناك أيضاً ضعف الاستقرار العاطفي، المصاحب عادةً للأفراد الذين يتّصفون بامتلاك مشاعر سلبية مثل القلق أو الحزن أو التوتر وإلخ. أخيراً، فإنّ من يوصفون بالانفتاح لدرجة بعيدة أو لديهم استعداد جارف لخوض تجارب جديدة، يكونون عادة على قدر كبير من الإبداع والفضول والخيال مقارنة بهؤلاء الذين لديهم قدر متواضع من الانفتاح.

 الرئيس الفلبيني، رودريجو دوتيرتي

أما ثالوث الظلام، فيركّز بدوره على ثلاث سمات شخصية أقل لطفاً ألا وهي: النرجسية والاعتلال النفسي والميكافيلية. ويتّصف النرجسيون بعدة أمور أبرزها الإفراط في الثقة بالنفس، والسعي الشديد وراء التنافسية، والسلوك الاندفاعي المتهوّر، والميل للمخاطرة. ويُنظر إليهم باعتبارهم عدوانيين ومنفلتين وفي كثير من الحالات يفتقرون للتهذيب. في حين يرى الناس هؤلاء ذوي القدر الكبير من الاعتلال النفسي على أنّهم طائشون وأكثر اتجاهاً لخلق العداوات في علاقاتهم. وإذا أردنا تطبيق ذلك على المرشحين فهم تلك الفئة التي تتبنّى أساليب تصادمية و/أو عدوانية. بينما يعتاد الميكافيليون إعطاء الأولوية للسلوك الإستراتيجي مستخدمين ألاعيب وحيلاً لتعظيم مكاسبهم. وكذلك يمتازون بالتهكّم والاستخفاف.

يعتاد الميكافيليون إعطاء الأولوية للسلوك الاستراتيجي مستخدمين ألاعيب وحيلاً لتعظيم مكاسبهم، وكذلك يمتازون بالتهكّم والاستخفاف

وفي الحقيقة أنّه لا توجد استطلاعات رأي يمكن عن طريقها إجراء مقارنة بين سمات شخصيات المرشحين عبر استطلاع آراء المواطنين. كما أنّه لا وجود لبيانات يمكن للمرشحين أن يقيّموا أنفسهم بواسطتها بناء على الأبعاد المذكورة. لذلك فقد توجّهنا بأسئلتنا للخبراء- هؤلاء المتخصصين وذوي المعرفة بالانتخابات والتواصل السياسي والسلوك الانتخابي والتخصصات المتعلقة بها.

ويعد خبير العلوم السياسية الهولندي، كاس موده، هو أدقّ من وضع تعريفاً للشعبوية، والتي يشير إلى أنّها أيدولوجية تثير النزعة نحو معاداة النخبوية، وحيث يتصادم عموم المواطنين مع النخب التي تكون فاسدة عادة. بالطبع هناك تعريفات أخرى تشمل، على سبيل المثال، استبعاد مجموعة بعينها من الأفراد (على غرار الأجانب أو الغجر وإلخ). لكن لكي يمكن تصنيف حزب سياسي ما بالشعبوية (أو مرشح عنه بالتبعية) يجب أن يكون هناك عنصران أساسيان في خطابه؛ رفض النخبة والتركيز على مغازلة الجموع.

اقرأ أيضاً: ستيف بانون يؤسس للشعبوية الدولية

وإذا عقدنا مقارنة بين سمات شخصيات المرشحين الشعبويين ونظرائهم غير الشعبويين، فسنلحظ بوضوح أنّ الفئة الأولى تشهد حضوراً قوياً للغاية لـ(ثالوث الظلام)، وخاصة الاعتلال النفسي. في المقابل، ومن حيث (العناصر الخمسة الكبار) يحرز المرشحون غير الشعبويين علامات أكبر في جميع هذه الأبعاد باستثناء الانفتاح. لكن حالة ترامب تثير الاهتمام هنا على عدة مستويات: فمن بين 100 مرشح تمت دراستهم (شعبويين وغير شعبويين)، كان هو الأقل من حيث المعدلات فيما يخص أبعاد اللطف وحس المسؤولية والاستقرار العاطفي (وهي العناصر الخمسة الكبار). كما أنّه في الوقت ذاته الأعلى من حيث معدلات النرجسية والمكيافيلية (مثلث الظلام). وحتى بين الشعبويين، يعتبر ترامب حالة متطرفة.

اقرأ أيضاً: الشعبوية ويمين الإسلام السياسي

أخيراً، وأثناء إجراء هذه الدراسة، لاحظنا أنّ المرشحين الأقل تحقيقاً للمعدلات في الأبعاد الاجتماعية المحبذة ضمن (الخمسة الكبار)، يكونون عادة منخرطين في حملات إيجابية مؤثرة. على النقيض، فإنّ المرشحين الذين يحققون أعلى معدلات في (مثلث الظلام) يقودون في الغالب الحملات الأكثر سلبية والتي تستند إلى الخوف فحسب.


المصدر: بحث للكاتب فيران مارتينيث إيكوما، منشور بصحيفة (الدياريو) الإسبانية

الصفحة الرئيسية