هكذا يعزز الدور الإماراتي العمل المناخي الدولي

هكذا يعزز الدور الإماراتي العمل المناخي الدولي

هكذا يعزز الدور الإماراتي العمل المناخي الدولي


23/01/2023

استعرض مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات في دراسة ملامح الطريق لمؤتمر الأطراف الدولية COP28، عبر تسليط الضوء على أهم التداعيات الدولية للتغير المناخي، وعلى دور دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز العمل المناخي الدولي، بالإضافة إلى الأدوار المنوطة بدولة الإمارات لرفع آمال العالم نحو التحول المناخي المنشود بحلول العام 2050.

ورصدت الدراسة تداعيات التغير المناخي التي باتت تشمل كل نواحي الحياة البشرية دون استثناء. وهي عامة، حيث لا يوجد دولة أو شعب أو منطقة بمعزل عنها، وكان عام 2022 مثالاً حيّاً لتداعيات التغير المناخي، وقد أظهرت أحدث المؤشرات مخاطر هذه الظاهرة وشمولها من حيث المكان والجوانب الحياتية. فقد ضربت أوروبا موجات حرارة وجفاف لم تشهد مثلهما القارة العجوز منذ (5) قرون. وفي إسبانيا توفي أكثر من (500) شخص بسبب موجة الحرارة التي تم تسجيلها، والتي تجاوزت (45) درجة، وتجاوزت الحرارة في بريطانيا لأول مرة حاجز (40) درجة، واجتاحت هذه الموجة عدداً من دول القارة، من بينها البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وسببت حرائق واسعة في الغابات.

الدراسة تستعرض بعض الجهود الدولية في مواجهة التغير المناخي من قمة الأرض، عام 1972 والبرنامج العالمي للأبحاث، إلى كوب 27 شرم الشيخ، بمصر

في الولايات المتحدة كانت التداعيات كارثية، فقد وقعت في فصل الصيف حرائق قوية في عدد من الولايات، وعمّت البلاد موجة حرارة تجاوزت (40) درجة مئوية، بينما أدت أمطار غزيرة إلى فيضانات في مناطق مختلفة، وضربت عدة ولايات أعاصير وعواصف قوية ومدمرة تسببت في خسائر غير مسبوقة، واجتاحت الأعاصير دولاً عدة في الكاريبي وأمريكا اللاتينية، حيث ضرب إعصار "يان" كوبا، واستمر الإعصار المداري "فيونا" حتى السواحل الشرقية لكندا، بعدما تسبب في خسائر فادحة في أمريكا اللاتينية، وعانت معظم دول أمريكا الجنوبية من الجفاف، وتراجع منسوب المياه في البحيرات والأودية.

وقعت في فصل الصيف حرائق قوية في عدد من الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية

وكانت الفيضانات كارثية في كل من أستراليا ونيوزيلندا، كما عانت دول عديدة مثل أفغانستان من حرارة مفرطة، بينما ضربت الهند موجة جفاف شديدة، وضربت الصين عشرات العواصف، وسجلت أخطر جفاف منذ أكثر من نصف قرن، وأعلى حرارة منذ بدء رصد التغيرات، وعانت دول آسيوية أخرى من جراء تداعيات التغير المناخي؛ ومنها على سبيل المثال كوريا الجنوبية والفلبين واليابان وبنغلاديش التي ضربتها عواصف قوية. أمّا باكستان، فقد غمرت المياه بسبب الأمطار الموسمية القوية أكثر من ربع مساحتها، وقُتل وفُقد الآلاف، بينما فقد أكثر من (30) مليون شخص على الأقل بيوتهم وأكثر.

الدراسة أبرزت تفاصيل التجربة الإماراتية في العمل المناخي على الصعيدين المحلي والدولي ضمن الالتزام المناخي

وأضافت الدراسة: "وفي أفريقيا، كانت تداعيات التغير المناخي عليها قوية، فقد تأثر العديد من دول القارة بشكل كبير بهطول الأمطار والفيضانات والجفاف، وأصبح أكثر من (20) مليون شخص مهددين بالمجاعة، ولا سيّما في إثيوبيا والصومال وكينيا.

هذا، واستعرضت الدراسة بعض الجهود الدولية في مواجهة التغير المناخي؛ أهمها:

قمة الأرض في عام 1972، والبرنامج العالمي للأبحاث، وقمّة الأرض عام 1992، تلاها بروتوكول كيوتو في كانون الأول (ديسمبر) 1997، ومؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ في عام 2009، يليه مؤتمر تغير المناخ في كانكون والصندوق الأخضر للمناخ عام 2010، بالإضافة إلى كوب 26 غلاسكو 2021، وكوب 27 شرم الشيخ، مصر. 

أمّا عن التحديات التي تواجه العالم حالياً: فأهمّها ضخامة الأموال والاستثمارات والتكاليف الرأسمالية المطلوبة لمواجهة الأضرار المناخية، بينما تعتبر قضية توزيع المسؤولية عن الانبعاثات الكربونية العالمية محلاً للخلاف الدائم.

وأفردت الدراسة جزءاً كبيراً للحديث عن دولة الإمارات وآمال التحوّل المناخي العالمي المنشود، مقدمة قراءة مركزة للتجربة الإماراتية في الالتزام المناخي وفي حماية البيئة من تداعيات التلوث وانبعاثات الكربون الضارة. 

وأكدت الدراسة أنّ الإمارات تُعتبر نموذجاً ريادياً يُحتذَى به، وفي إطار مكانتها الدولية، فإنّ جهودها في التصدي لقضايا المناخ ومشاركتها الإيجابية في المؤتمرات والمحافل الدولية، بما في ذلك استضافة أسبوع أبو ظبي للاستدامة، والتحول في مجال الطاقة،   هي ملامح الطريق للوصول إلى  .COP28

البنك الدولي: الإمارات حققت إنجازات مناخية كثيرة، كتحسن معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتراجع انبعاثات النيتروز، وتحسن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

وأوضحت الدراسة تفاصيل التجربة الإماراتية في العمل المناخي على الصعيدين المحلي والدولي، ضمن الالتزام المناخي، والمتمثل في إنشاء الحكومة الإماراتية وزارة متخصصة للتغير المناخي والبيئة، في مسعى لتعزيز جهود الدولة في معالجة مشكلة التغير المناخي وحماية النظم البيئية الفريدة، كما أطلقت الإمارات استراتيجية التنمية الخضراء في عام 2012؛ بهدف جعل الاقتصاد الإماراتي رائداً عالمياً في مجال منتجات وتقنيات الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على بيئة مستدامة لتحقيق رؤية الإمارات 2021.

وللتحكم في الانبعاثات، باشرت الدولة تنفيذ نحو (14) مشروعاً، للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة ( (GHGs، تحت مظلة مشاريع آلية التنمية النظيفة.

أمّا في في مجال التكنولوجيا الزراعية، فقد أظهرت الدراسة أنّ وزارة التغير المناخي والبيئة عززت التحول نحو استخدام تكنولوجيا الزراعة بدون تربة في مشروعات زراعية متعددة، لمكافحة الآثار الجوهرية لتغير المناخ في النظم البيئية الطبيعية.

ولتقليل إشعال الغاز الطبيعي، تضع شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) الوصول إلى أدنى درجات الإشعال كأحد أهدافها الاستراتيجية. وفي الفترة ما بين 1995 و2010، خفضت شركة أدنوك إشعال الغاز بنسبة تصل إلى 78%

شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)

ولزيادة كفاءة الطاقة وفاعليتها، أطلقت الحكومة الإماراتية في العام 2010 معايير البناء الأخضر ومعايير البناء المستدام ليتم تطبيقها في جميع أنحاء الدولة. وأصدرت حكومة دبي في عام 2011 مجموعة من قوانين البناء الأخضر الخاص بغرض تقليل استهلاك الطاقة والموارد، وفق الدراسة.

وفي مجال التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، تقوم دولة الإمارات بتطوير مشروع لهذه المهمة في أبو ظبي، ويُعدّ هذا المشروع أول خطوة في مجموعة مشروعات مخطط لها في إمارة أبو ظبي.

وانطلاقاً من أهمية التوعية البيئية ونشر ثقافة حماية المناخ من التلوث، قطعت الحكومة الإماراتية شوطاً طويلاً في دعم ونشر ثقافة التعليم البيئي، ولجأت إلى تضمين المحتوى البيئي في المناهج والكتب المدرسية وتطوير مناهج دراسية حول التغير المناخي، كما أطلقت العديد من المبادرات البيئية الرائدة، مثل مبادرة "جيلنا"، وأنشأت فكرة المدارس المستدامة ومبادرة المدارس البيئية، كلّ ذلك بهدف تشجيع العمل البيئي في المدارس.

الدراسة تقترح أن تتولى الإمارات وضع تصور عاجل لبرنامج عمل دولي لتحقيق هدف سعر عالمي موحد للكربون

ونتيجة للارتباط الوثيق بين دعم قضايا المناخ والتوسع في زراعة الغابات التي تلائم مختلف البيئات الزراعية، ظهرت بوضوح أهمية الخطوات التي يسير فيها الاقتصاد الإماراتي في ملف الغابات، وخصوصاً التغلب على معضلة المياه والتضاريس والجغرافيا.

وأوضحت الدراسة انعكاسات الجهود الإماراتية السابقة في تحسن وارتقاء مؤشرات المناخ في بيئة الإمارات المحلية؛ ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فقد حقق الاقتصاد الإماراتي الإنجازات المناخية التالية: تحسن معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من (21.7) إلى نحو (20.5) طن متري للفرد بين عامي 2017-2019، وتراجع معدلات انبعاثات أكسيد النيتروز في قطاع الطاقة من مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2017 لتصبح نحو (880) ألف طن متري في العام 2019، وتحسن إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من (248) كيلو طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لتصبح نحو (243) كيلو طن بين عامي 2017-2019، وتحسن متصل في قيمة أضرار الانبعاثات الكربونية المقدرة وفق مؤشرات البنك الدولي من نحو (1.1) مليار دولار أمريكي خلال العام 2019 إلى نحو (0.9) مليار دولار في العام 2020.

تداعيات التغير المناخي التي باتت تشمل كل نواحي الحياة البشرية دون استثناء

أمّا عن مكانة الإمارات في العمل المناخي العالمي، فقد قال مركز "تريندز" في دراسته: إنّ الإمارات واحدة من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية باريس في 2016، كما عملت على تطوير منصة دولية للعمل المناخي المنتظم والمستمر. وهذه المنصة تتمثل في أسبوع أبوظبي للاستدامة، والذي يُعقد بطريقة منتظمة في كانون الثاني (يناير) من كل عام، ويجمع سلسلة من الفعاليات العالمية التي تجمع رؤساء دول ونخبة من صناع القرارات وقادة الأعمال ورواد التكنولوجيا من حول العالم، لمشاركة المعرفة حول كيفية تحقيق الاستدامة والحياد المناخي، هذا بالإضافة إلى توفير منصة شاملة للقاء صنّاع القرارات وقادة الأعمال ورواد التكنولوجيا في العالم لمشاركة المعرفة، واستعراض الابتكارات، وصياغة الاستراتيجيات، في إطار المساعي المشتركة لتحقيق الاستدامة والحياد المناخي، إلى جانب استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) التي تدعم الدول للانتقال إلى الطاقة المستدامة، وتعتبر منصة للتعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة؛ مثل: الطاقة الحيوية، والطاقة الحرارية، والطاقة المائية، والمحيطات، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.

وشددت الدراسة على أنّ دعم  الاقتصاد الإماراتي الذي يحمل حالياً لواء العمل المناخي الدولي وصولاً إلى قمة العالم في COP28 التي ستنعقد في أواخر العام الجاري في مدينة دبي، يقتضي العمل على المحاور التالية: الاعتماد على مخرجات قمة COP27، وحشد الجهود الإقليمية والدولية للوصول إلى رؤية واضحة حول كيفية حسم القضايا المناخية العالقة والمُرَحَّلة من القمة الـ (27) في شرم الشيخ.

هذا، واقترحت الدراسة أن تتولى الإمارات وضع تصور عاجل لبرنامج عمل دولي لتحقيق هدف سعر عالمي موحد للكربون، عبر الاعتماد على الطرق القياسية الاقتصادية والإحصائية المفيدة في هذا الشأن. ويمكن الانطلاق من تجربة الاتحاد الأوروبي لتسعير الكربون في الاعتماد على آليات السوق الدولية الحرة لدعم تداول سندات الكربون بين الشركات دولية النشاط تحديداً.

يُقترح تطوير آليات لتسويق الإنجازات الإماراتية في التعامل مع ملف المناخ خلال العام 2023

إقليمياً، من المهم أن تقود الإمارات الجهود لتعزيز التعاون الإقليمي، كبديل مرحلي لتحقيق الأهداف المناخية، ولزيادة القدرات التفاوضية للأقاليم الأقلّ مسؤولية في توليد الانبعاثات، وفق الدراسة.

وختم المركز دراسته بالتأكيد أنّه، في إطار الترويج للاقتصاد الإماراتي كنموذج كفؤ وفعّال في العمل المناخي، يُقترح تطوير آليات لتسويق الإنجازات الإماراتية في التعامل مع ملف المناخ خلال العام 2023، لكي تصبح السمة الأولى للصورة الذهنية الدولية عن الإمارات على أنّها منظم كفؤ لأنشطة المناخ الدولية، سواء بعمق تجربتها عن أسبوع أبو ظبي للاستدامة ومخرجاتها البيئية المتنوعة، أو من خلال التسويق للنجاح الإماراتي في تطوير مؤشرات الاستدامة، والتحول في قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة.

مواضيع ذات صلة:

جهود مكافحة التغير المناخي... لماذا تختلف وتتباين مواقف الدول ومقارباتها؟

التغيّر المناخي يعيد تشكيل خريطة العالم والطبيعة البشرية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية