هل التعددية حقاً جزء من الحمض النووي لبايدن؟

هل التعددية حقاً جزء من الحمض النووي لبايدن؟


كاتب ومترجم جزائري
03/02/2021

ترجمة: مدني قصري

مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض؛ بدأ الاتحاد الأوروبي يتنفس الصعداء، لكن، ما الذي يمكن لأوروبا أن تأمل فيه بشكل ملموس من هذه الرئاسة الأمريكية الجديدة؟ إنها تتوقع، بداهة، دبلوماسية أكثر هدوءاً، لكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ خلافات المصالح والدعاوى المترتبة عن عهد ترامب، ستختفي.

على الرغم من أنّ وصول جو بايدن يمثل عودة مؤكدة إلى تعددية الأطراف، إلا أنّ لأوروبا والولايات المتحدة مصالح ما تزال تتعارض أحياناً

يجب، أولاً وقبل كلّ شيء؛ أن يحسم أسلوب جو بايدن الدبلوماسي أمره مع أسلوب سلفه غير النمطي.

لا شكّ في أنّ فترة حكم دونالد ترامب قوّضت العلاقات عبر الأطلسي، لقد دفع الأوروبيون ثمن ازدراء الرئيس المنتهية ولايته من تعددية الأطراف والمؤسسات الدولية، فما بين انسحاب اتفاقية باريس للمناخ، والحرب التجارية التي بدأت ضدّ الاتحاد الأوروبي، والتهديد بفكّ ارتباط الناتو، أو حتى التخلي عن المعاهدة النووية الإيرانية، ما انفكت الولايات المتحدة تخرب إنجازات الدبلوماسية الدولية، التي كانت هي نفسها قد ساهمت في صنعها.

إذاً، سيجعل الساكن الديمقراطي الجديد للبيت الأبيض العديد من الأوروبيين، يأملون في الوصول إلى نهاية هذا العمل الترامبي المقوّض، على العديد من المستويات، يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة نحو الاتحاد الأوروبي أكثر إيجابية، وأن تصبح بعض القضايا الحاسمة، لا سيما المناخ، في وضع يُمكّنها من المضيّ قدماً، لكنّ الأوروبيين لن يستطيعوا الاعتماد على رئيس ملتزمٍ تماماً بقضيتهم. لا شكّ في أن المواجهات بين المصالح الأمريكية والأوروبية لن تنتهي بانتصار المعسكر الديمقراطي.

العودة إلى تعددية الأطراف

يجب على أسلوب جو بايدن الدبلوماسي، أولاً وقبل كلّ شيء، أن يحسم أمره مع أسلوب سلفه غير النمطي. من الصعب أن نتخيل الرئيس الأمريكيّ، منذ 20 كانون الثاني (يناير)، يحسم خلافاته بتغريدات انتقامية، ستكون طريقته في التحدث إلى أوروبا، كما هو الحال مع بقية العالم، الطريقة الدبلوماسية الأكثر كلاسيكية؛ أي طريقة مهذبة ومحترَمة، تماماً مثل ممارسة باراك أوباما، الذي كان نائبه (2008 – 2016)، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ "جو بايدن محاط بالعديد من المستشارين الذين كانوا جزءاً من إدارته"، كما أكّد ذلك، في تشرين الثاني (نوفمبر)، جيف هوكينز، الدبلوماسي الأمريكي السابق، والباحث المرتبط بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS)، والذي استجوبته أوروبا كلّها، بعد مرور أيام قليلة من فوز الديمقراطي، حيث قال: "التعددية جزء من حمضه النووي (DNA)".

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن لم تتواصل مع إيران حتى الآن... ماذا تريد أمريكا؟

لأنّه، إضافة إلى أسلوب أكثر حضارة، يوقّع الرئيس بايدن على عودة حوارٍ متعدد الأطراف مع دول أخرى، لا سيما عبر المنظمات الدولية الكبيرة، التي شوّهها دونالد ترامب لصالح العلاقات الثنائية.

في هذا السياق؛ حللت سيليا بيلين، أستاذة العلوم السياسية الزائرة في معهد بروكينغز في واشنطن، والمتخصصة في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي أجرت مقابلة معها أيضاً قناة "كل أوروبا" في الأسبوع التالي، لانتخاب الزعيم الأمريكي الجديد "من الواضح أنّ هناك إرادة للعودة إلى الساحة الدولية وإلى الدبلوماسية النشطة تحت قيادة جو بايدن".

بدأت هذه العودة بالفعل مع العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة رسمياً، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، بتحريض من دونالد ترامب. وهو القرار الذي دحضه جو بايدن، ابتداء من اليوم الأول لولايته، وهو ما يكفي لدفع معالجة قضية المناخ، وهو أمر مهمّ للغاية في نظر الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحسين العلاقات عبر الأطلسي.

فيما لم يذكر أوروبا، أو أيّة منطقة أخرى، يعتزم بايدن إنهاء الموقف الانعزالي الذي تبناه سلفه: سنصلح تحالفاتنا ونعاود التواصل مع العالم

يقدّر جيف هوكينز، فيما يتعلق بمكافحة "Covid-19"، وهي أيضاً أولوية بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي الجديد، أنّه "يجب أن نرى جو بايدن يتصرف بالتنسيق مع حلفائه، ولا يتصرف بمفرده مثل دونالد ترامب"، لقد وعد الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، خلال حملته، بالعودة إلى منظمة الصحة العالمية، التي كان رئيسه الجمهوري قد أعلن الانسحاب الأمريكي منها، في أيار (مايو) الماضي، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ، في 6 حزيران (يونيو) 2021، هذا الوعد الذي تكرّر منذ اليوم الأول، في 20 كانون الثاني ( يناير)، أكّده عالم المناعة ومستشار البيت الأبيض المسؤول عن "Covid-19"، أنتوني فوسي، في اليوم التالي؛ حيث قال إنّ الولايات المتّحدة ستحترم التزاماتها المالية تجاه المنظمة، بالتالي، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يأمل في تنسيق جهوده بشكل أفضل ضدّ الوباء مع شركائه، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن تحدد موقفها من اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء

علاوة على ذلك؛ لن تكون قدرة الرئيس التنفيذي على العمل متعدّد الأطراف محدودة، كما هو متوقع. في الواقع، بفوزهم المزدوج في انتخابات مجلس الشيوخ الجزئية، في 5 كانون الثاني (يناير) 2021، في جورجيا، استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ، وهكذا ازدادت مساحة جو بايدن للمناورة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، سيكون توقيع الاتفاقيات الدولية وتنفيذها، على سبيل المثال، أسهل مما لو ظلّ مجلس الشيوخ في الكونغرس بين أيدي الجمهوريين.

خطاب "الوحدة" و"إصلاح التحالفات"

كانت الوحدة، بلا شك، شعار الخطاب الافتتاحي لجو بايدن في كابيتول، في واشنطن العاصمة، في 20 كانون الثاني (يناير)، لقد قال الرئيس الجديد إنّ الأمريكيين يشهدون "لحظة تاريخية من الأزمة والتحدي، والوحدة هي السبيل إلى الأمام"، وفي إشارة غير مباشرة إلى عهد دونالد ترامب، أضاف جو بايدن: "دعونا نبدأ في الاستماع إلى بعضنا مرة أخرى، لنسمع بعضنا، ولنرى بعضنا"؛ يعني الوحدة بين مواطني الولايات المتحدة، وأيضاً مع الحلفاء التاريخيين للبلاد.

وفيما لم يذكر أوروبا، أو أيّة منطقة أجنبية أخرى، فقد أوضح السيد بايدن أنّه يعتزم إنهاء الموقف الانعزالي الذي تبناه سلفه؛ "سنصلح تحالفاتنا ونعاود التواصل مع العالم"؛ لذلك حدث "الإصلاح" الأول على المستوى المناخي، بعد ساعات قليلة من خطاب التنصيب، مع العودة إلى اتفاق باريس، ومن المتوقع أن يدخل المرسوم الذي وقّعه جو بايدن حيّز التنفيذ بحلول نهاية شباط (فبراير).

مصالح متباينة

لكن، على الرغم من أنّ وصول جو بايدن يمثل عودة مؤكدة إلى تعددية الأطراف، إلا أنّ لأوروبا والولايات المتحدة مصالح ما تزال تتعارض أحياناً، في الأمور التجارية على وجه الخصوص؛ في هذا الشأن يحذّر الدبلوماسي الأمريكي، هوكينز، من أنّ "مجرد انتخاب جو بايدن لا يعني أنّ جميع النزاعات التجارية ستختفي بين عشية وضحاها"؛ "هناك مُهيجات تجارية على جانبي المحيط الأطلسي مأهّلة لأن تستمر"، وهو الموضوع الذي أسهبت سيليا بيلين في شرحه وتحليله.

اقرأ أيضاً: هاريت توبمان.. لماذا سيضع بايدن صورتها على ورقة الـ 20 دولاراً؟

وهكذا، فإنّ موضوعات ساخنة يمكن أن تُحدِث توترات في العلاقات عبر الأطلسي، مثل التنافس القائم بين عمالقة الطيران: "بوينج" الأمريكية، وطائرة "إيرباص الأوروبية، وهناك وضعٌ متوتر أيضاً فيما يتعلق بفرض الضرائب على الشركات الرقمية؛ حيث إنّ شركاتها الرئيسة أمريكية وتدفع القليل جداً من الضرائب في أوروبا، مقارنة بنشاطها الواسع.

مرة أخرى؛ إذا لم تختفِ الخلافات؛ فإنّ أسلوب جو بايدن هو الذي سيتناقض مع أسلوب دونالد ترامب، ويوضح الدبلوماسي، جيف هوكينز، قائلاً: إنّه "فيما يتعلّق بالخلافات بين بوينج وإيرباص، هل سيكون بايدن مختلفاً بشكل كبير عن ترامب؟ في مقاربته "نعم، سوف يعمل بطريقة منظمة، وليس بدافع مجرد نزوة، ولن يتصرف بطريقة أحادية الجانب تماماً"، أما بالنسبة إلى استئناف مشروع معاهدة التجارة الحرة عبر الأطلسي، كما تمّ التفاوض عليه في عهد باراك أوباما، فإنّه موضوع "لا يمكن تخيّله"، كما تقول لسيليا بيلين؛ حيث "تحدثت الشعوب الأمريكية والأوروبية عن المزيد من الحمائية"، ووفق هذه العالمة السياسية؛ فإنّه "من المرجح أن تكون هناك مفاوضات قطاعية، وتقارب أكثر عمومية، على فكرة أنّ الولايات المتحدة وأوروبا متنافستان في قضايا التجارة، لكنّهما  ليستا عدوّتين".

اقرأ أيضاً: هل ينقلب بايدن على ما حققه ترامب؟

على صعيد الدفاع أيضاً؛ ستبقى إشكاليات تقاسم الأعباء (تقاسم العبء الذي يمثله الإنفاق العسكري) داخل حلف الناتو، الذي تنتمي إليه 21 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

 كان دونالد ترامب قد هدّد بمغادرة الحلف الأطلسي، معتبراً أنّ الجهد المالي لحلفاء الولايات المتحدة، من حيث الدفاع، كان منخفضاً للغاية. لكن، كما لاحظ جيف هوكينز؛ فإنّ "مسألة تقاسم الأعباء كانت موجودة بالفعل في عهد باراك أوباما، ولم يخترعها دونالد ترامب"؛ فبالنسبة إلى هذا الباحث الأمريكي في السياسة الخارجية؛ فإنّ "الفرق هو أنّ الرئيس بايدن لن يشكك أبداً في التحالف مع الشركاء الأوروبيين"، سيكون شريكاً للتحالف في اهتماماته ومطالبه، مثل كلّ شريك، لكن على أساس من الاحترام".

مصدر الترجمة  عن الفرنسيّة:

www.touteleurope.eu



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية