هل الدين مصدرُ الخير الوحيد؟

هل الدين مصدرُ الخير الوحيد؟

هل الدين مصدرُ الخير الوحيد؟


06/06/2023

ثمة ارتباط ميكانيكيّ مشوّش وملتبِس بين الدين والخير يرى أنّه لا يمكنك أن تكون كائناً خيّراً، من دون أن تكون متديّناً.

 الخيريّة منبعها الأخلاق، والأخلاق أسبقُ من الدين، وبالتالي فإنّ الإنسان اهتدى إلى الخير بعقله وحدسه وغريزته.

لا يعني ذلك أنّ الدين لا يشكّل مصدراً للخير، لكنّه ليس المصدر الوحيد، فثمة نساء خيّرات، وثمة خيّرون لكنّهم ليسوا متديّنين، وربما يكونون غير مؤمنين البتّة، وهذا يقوّض الفكرة المتداعية بأنّ مَن هو خارج دائرة الإيمان، هو فاسد أو مارق، أو متحلّل من الضوابط الأخلاقيّة.

الخير مرتبط بالعدل. لقد كان غسّان كنفاني، مثلاً، غير متديّن، وكان عضواً في المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، التي تتبنّى الفكر الماركسيّ اللينينيّ، ومع ذلك مات شهيداً، لأنّه مؤمن بعدالة قضيّته، وفعل ذلك ثوّار أحرار على مدى التاريخ وهبوا حياتهم لفكرة الخير والعدل والحريّة والإحسان والتضحية، وهم غير مؤمنين.

ثمة خيّرون ليسوا متديّنين، وهذا يقوّض الفكرة المتداعية بأنّ مَن هو خارج دائرة الإيمان، هو فاسد أو مارق، أو متحلّل من الضوابط الأخلاقيّة

مزاولة العبادات والفرائض والشعائر، لا تصنع كائناً خيّراً بالضرورة. قد تردع وتهذّب وتتوعّد (والأديان جلّها قائمة على الوعد والوعيد)، لكنّ الإرادة الخيّرة، المتعالية على ثنائيّة العقاب والثواب، هي التي لا ترتهن للاعتبارات النفعيّة المرتبطة بنتائج الأفعال، بل بالطابع الإلزاميّ الذي يتّسم به فعلها، كما يرى كانط، حين يجيء مطابقاً للقانون الأخلاقيّ.

الواجب الأخلاقيّ الذي يصدر عنه وبمقتضاه، الفعلُ الخيّر، غير مرتبط بالدين، بل بالعقل وقواعده الصارمة التي تتطلّع أن تكون قانوناً كليّاً: افعل ما تشاء، كما لو أنك مشرِّع نفسك. العقل هنا مركز وجوهر ومحرّك ومرجع، وإذا تعارض هذا العقل مع الشريعة، فالحسم يكون لمصلحة العقل، كما قال ابن رشد، في حين أنّ ابن سينا يذهب أبعد من ذلك، فيرى أنّ الوصول إلى الله يكون بالعقل، ولا يحتاج إلى وحي وأنبياء.

هدف الأديان المعلن صناعة الخير وثأثيثه بالعدل والمحبّة والحقّ والجمال. وهذا أيضاً هدف الأخلاق (التي أرسى دعائمها فلاسفة ومفكّرون عظماء)، ولكنّ الأخلاق لا تُرهق الناس بمصفوفاتها ومحرمّاتها ومحلَّلاتها ونواهيها، بل تحفّزهم على إعمال العقل، وجعله الهادي لأفعالهم، والربّان لسفينتهم، من دون انتظارات ميتافيزيقيّة!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية