هل السروريون خطر يتربص بالسعودية من الداخل؟

هل السروريون خطر يتربص بالسعودية من الداخل؟


07/10/2020

صابرة دوح

أعاد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي عبداللطيف آل الشيخ تسليط الضوء على خطر التيار السروري واصفا إياه في تغريدة نشرها على موقعه على “تويتر” بأنه أشر فصائل جماعة الإخوان المسلمين، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك مقدمة لتشديد السلطات السعودية حملتها على التنظيمات المتطرفة، داخل المملكة؟

وقال آل الشيخ “الإخوان اللامسلمون يمارسون الإرهاب المروّع ضد كل من يحذر من خطرهم أو يكشف منهجهم ويعريه”. وأضاف “أخطر وأشر فصائلهم السرورية وهم يشكلون حكومة عميقة في البلاد التي تبتلى بهم وينتشرون في مفاصل الدول ويقمعون بل يدمرون كل من يفضحهم أو يتعرض لهم، سلاحهم الكذب والتزوير والغدر والتخفي وعدم مخافة الله”.

تزامنت التغريدة اللافتة من حيث توقيتها ومضمونها مع إعلان وزارة الشؤون الإسلامية عن سلسلة محاضرات في عدة مناطق على غرار مكة وحائل ونجران وجازان على مدار شهري سبتمبر وأكتوبر تهدف إلى التحذير من “الجماعات والأحزاب المنحرفة”. وتركز تلك المحاضرات بحسب البرنامج المعلن على التيار السروري، وسبل تحصين وحماية العمل الخيري الذي لطالما استغله التنظيم لتمرير أجنداته، كما تضمن البرنامج محاضرات تتطرق إلى وحدة الصف والتصدي للفتنة.

يشي هجوم آل الشيخ على التيار السروري وما استتبعه من سلسلة محاضرات تستهدف تعريته، عن توجه رسمي لتشديد الخناق على التنظيم الذي يملك حضورا وازنا في السعودية، قد يشكل خطرا مستقبليا في الداخل، لاسيما في ظل التحولات الإقليمية العاصفة وتزايد حجم التهديدات التي تحيط بالمملكة، مع سعي قوى إقليمية على غرار تركيا لاستغلال الثغرات والنفاذ إليها.

وأظهر نظام الرئيس رجب طيب أردوغان في السنوات الأخيرة مطامع بالتمدد في المنطقة العربية، مهووسا بفكرة إحياء الخلافة العثمانية في ثوب جديد. ويضع الرئيس التركي نصب عينه سحب زعامة السعودية على العالم الإسلامي، وهو يلقى في ذلك دعما من قطر التي تقاطعها كل من المملكة والإمارات ومصر والبحرين منذ العام 2017 بسبب توجهاتها السياسية المثيرة للجدل ودعمها للجماعات المتطرفة.

ونجح النظام التركي وقطر في استمالة أبرز رموز التيار السروري من دعاة وشيوخ وقد لعب هؤلاء دورا رئيسيا في الأزمة السورية خدمة للأجندة التركية القطرية، فكان أن أعلنوا النفير العام ضد نظام الرئيس بشار الأسد في العام 2012.

وعلى ضوء تحريض شيوخ ودعاة تنظيم الإخوان والتيار السروروي تقاطر الآلاف من المقاتلين المتشددين إلى سوريا عبر الأراضي التركية وتشكلت تنظيمات متطرفة، تحولت اليوم إلى أذرع عسكرية لخدمة المشروع التركي ابتداء من سوريا مرورا بليبيا وصولا إلى القوقاز.

وليس من المستبعد أن يعمد التيار السروري بدفع من تركيا وقطر إلى التحريض ضد الدولة السعودية، وإن كان يخشى الإقدام على ذلك لاسيما في العلن لإدراكه بأن أي خطوة في هذا الإطار ستكلفه غاليا.

من الظل إلى العلن

ظهر التيار السروري في المملكة العربية السعودية ضمن ما كان يعرف بالصحوة الإسلامية ما بعد 1979، وتعود نسبته إلى الداعية السوري، محمد بن سرور زين العابدين، الذي نجح في رسم معادلة جديدة تقوم على المزاوجة بين حركية جماعة الإخوان المسلمين الذي كان أحد عناصرها لمدة عشر سنوات قبل أن ينشق عنها، وبين نهج السلفية المسيطرة على الفضاء المجتمعي في المملكة، والتي لم يكن لديها أي اهتمامات سياسية.

ولقيت أفكار هذا الداعية رواجا كبيرا في الثمانينات من القرن الماضي وأصبح له أنصار كثر داخل المملكة وبخاصة لدى فئة الشباب وتتلمذ على يده مجموعة من الأسماء التي سطع نجمها لاحقا في فضاء العمل الدعوي في المملكة وخارجها.

وكان هذا التيار يرفض في البداية الإعلان عن نفسه ويفضل التخفي، وكتب زعيمه محمد سرور في مجلة السنّة عدد 27 من عام 1993 مقالا تحت عنوان “السرورية” نفى فيه أن تكون هناك جماعة تحمل هذا الاسم وأن يكون في يوم من الأيام مسؤولا عنها، وأضاف “العجيب في الأمر أن بعض رفاق دربي القدامى -من الجماعة الأولى- هم الذين اخترعوا هذه التسمية، ثم نقلها عنهم أعداء لدودون لهم”.

ومع تنامي نفوذ التيار داخل السعودية، أطل محمد سرور مجددا في حوار مع الإعلامي عزام التميمي على قناة الحوار تم بثه في الرابع والعشرين من مارس 2008 مقرا بوجود التيار، قائلا “هذا التيار كانت بداية نشأته في السعودية، والمنتسبون إليه ليسوا من جنسية واحدة”، مضيفا أن هذا التيار “حقيقة” وهو “تنظيم قائم الذات”.

وعلى مدار السنوات الماضية نجح التيار السروري في التغلغل في مفاصل الدولة السعودية وأصبح يمتلك عددا كبيرا من المراكز والجمعيات الإسلامية فضلا عن قنوات فضائية، واتخذ هذا التيار من العمل الخيري بوابة للانتشار، مستغلا تساهل الدولة.

واتسمت العلاقة بين التيار وجماعة الإخوان المنبثق عنها بالمد والجزر حيث كانا يلتقيان في المواقف من أمهات القضايا في المملكة والمنطقة، ورؤيتهما المتشددة، فيما كان هناك تنافس شديد بينهما على الفضاء المجتمعي السعودي مع أن الأسبقية كانت للتيار.

تحوّل في الموقف الرسمي

مع وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وارتقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى العرش في العام 2015 وصعود أمراء شباب لمراكز الحكم وفي مقدمتهم الأمير محمد بن سلمان الذي عُيّن في منصب ولي العهد، بدأت تطرأ تحولات داخل المملكة طالت المناحي الاجتماعية والسياسية والدينية، والاقتصادية التي ترجمت لاحقا في رؤية 2030.

ولا يخفي ولي العهد الشاب حماسته لإحداث نقلة نوعية داخل المملكة، ويدرك أن التيارات المتشددة من شأنها أن تشكل عائقا أمام أي تحديث أو تطوير. وأعلن الأمير محمد خلال جلسة حوارية في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرابع والعشرين من أكتوبر 2017 الحرب على التشدد قائلا  “سوف نقضي على التطرف في القريب العاجل”، مشيراً إلى أنّ “الأفكار المدمرة” بدأت تتسرب إلى السعودية في العام 1979 في إطار “صحوة” دينية تزامنت مع قيام النظام الإسلامي في إيران.

وأضاف بن سلمان خلال المنتدى الذي أعلن عبره عن مشروع “نيوم” “إننا فقط سنعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب”.

وخلال ذلك المنتدى تحاشى ولي العهد السعودي تسمية الأسماء بمسمياتها، إلا أنه وفي حوار أجراه مع صحيفة “تايمز” الأميركية خلال زيارة أداها إلى الولايات المتحدة في مارس 2018، تحدث الأمير محمد بن سلمان بوضوح عن التنظيمات المعنية مسلطا الضوء على جماعة الإخوان المسلمين والتيار السروري الذي قال عنه إنه “أعلى درجة من جماعة الإخوان المسلمين” وأضاف أن “السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستتم محاكمتهم متى توفرت الأدلة الكافية ضدهم”.

وتتداول تقارير أجنبية وجود عدد من رموز هذا التيار اليوم في السجون داخل المملكة على غرار الدعاة سلمان العودة، وعوض القرني، وسفر الحوالي فيما لم تؤكد الرياض أو تنفي مدى صحة تلك الأخبار.

الخطر التركي

يعتقد كثيرون أن تغريدة وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وتحذيره من خطر تغلغل السروريين في مفاصل الدول، وما أعقبها من محاضرات لتسليط الضوء على هذا التيار  ليست من فراغ، لاسيما مع تعاظم التحديات، وغياب أي رادع للنظام التركي الذي لا يخفي عداوته للرياض، وهوسه بسحب الزعامة الإسلامية منها وتحويل مركزها إلى إسطنبول.

وحاول النظام التركي جاهدا الاستثمار في مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول، في أكتوبر من العام 2018، للنيل من الرياض بيد أنها نجحت في امتصاص تلك الضربات، ليعيد الكرّة بدعم من الدوحة عبر محاولة إيجاد بديل عن منظمة التعاون الإسلامي (مقرها الرياض)، لكن هذا التحرك أيضا لم يفلح.

 ويسعى نظام الرئيس رجب طيب أردوغان اليوم إلى توظيف مسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي الذي انطلق قطاره مع الإمارات والبحرين برعاية أميركية في سبتمبر الماضي، للتشكيك في مدى قدرة المملكة أو نيتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس.

 وتحاشت الرياض إبداء أي موقف رسمي من مسألة التطبيع مع إسرائيل وإن أكدت على مركزية القضية الفلسطينية وضرورة حلها وفقا للمبادرة العربية التي طرحتها السعودية في العام 2002 والتي تقوم على أسس إعلان دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وكانت تركيا وقطر والأذرع الإعلامية التابعة لهما سعت للتسويق إلى أن الصمت السعودي هو “مباركة” للتطبيع في محاولة لدغدغة مشاعر الجموع العربية الرافضة لهذا المسار، مع أنه للمفارقة أن تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، فيما لا يخفى أن قطر نفسها تقيم اتصالات مباشرة مع تل أبيب حتى أن مساعداتها لحركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة تمر عبر الأخيرة.

ولوحظ منذ إعلان الإمارات وإسرائيل عن تطبيع العلاقات في أغسطس الماضي تسليط الإعلام القطري والتركي على السعودية، واعتبر أن خيار التطبيع ما كان ليجري لولا موافقة “الشقيقة الكبرى”. فيما بدا محاولة لشحن السعوديين المعارضين لأي توجه نحو السلام مع إسرائيل.

وكان استطلاع نادر للرأي العام السعودي نشره الشهر الماضي “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أشار إلى أن الغالبية العظمى من المواطنين السعوديين لا يؤيدون اتفاق التطبيع.

ويخشى كثيرون من أن تعمد تركيا لتوظيف جماعة الإخوان ولاسيما السروريين في  زعزعة استقرار السعودية، وإن أظهر بعض رموزهم تأييدا لمسار التحديث من باب التقية.

وأثّرت تهديدات ولي العهد السعودي المستهدفة للتيار الصحوي في السعودية، ومنه التيار السروري في مواقف دعاة ومشايخ معروفين، فسارعوا لإظهار تأييدهم لابن سلمان، وباركوا أفعاله وتوجهاته الجديدة، وهو ما عبروا عنه في تغريدات لهم عبر صفحاتهم الرسمية على “تويتر”.

ويُذكر في هذا السياق أن دعاة سعوديين معروفين باركوا رحلة ولي العهد السعودي الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، وأمطروه بدعواتهم الحارة، من أبرزهم الداعية عائض القرني الذي غرد عبر حسابه على “تويتر” بالقول “نجاح رحلة سمو ولي العهد نجاح للوطن كله، اللهم سدّد أبا سلمان، ولي العهد، سليل المجد، أسد نجد، اللهم زده نجاحا وفلاحا”.

كما بارك الداعية السعودي المعروف، محمد العريفي جهود ولي العهد، ودعا له بقوله “أسأل الله أن ينفع بجهود سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، ويجعله مباركا أينما كان، اللهم أيده بتوفيقك”.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية