هل انسحبت الولايات المتحدة فعلاً من الشرق الأوسط؟

هل انسحبت الولايات المتحدة فعلاً من الشرق الأوسط؟

هل انسحبت الولايات المتحدة فعلاً من الشرق الأوسط؟


05/01/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

من بين السّرديّات الأكثر صموداً خلال الأعوام القليلة الماضية انسحاب أمريكا المفترض من الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. إنّها ثيمة متكرّرة في التّقارير والتّحليلات الإعلاميّة، وغالباً ما تَتسلّل إلى المناقشات والسّجالات. لكن يبدو أنّ الفارق بين التصوّر والواقع في وضوح النّهار. حقيقة الأمر أنّ شركاء الولايات المتّحدة من رجال أعمال، وأكاديميّين، وعاملين بالثّقافة، وعسكريّين، ودبلوماسيّين في المنطقة يفهمون جيّداً أنّ أمريكا بقيت. ويعرفون، أيضاً، مدى أهميّة البقاء بالنّسبة إلى أمريكا.

لنتثبّت من الدّليل، أوّلاً.

يوجد أكثر من 1,200 شركة أمريكيّة في مصر فقط، في مجالات الطّاقة، وتكنولوجيا المعلومات، والزّراعة، والرّعاية الصّحّيّة، والمنتجات الاستهلاكيّة والسّياحة، والنّقل. وتزدهر الشّركات الأمريكيّة، أيضاً، وعلى وجه الخصوص، في المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، حيث تشتهر شركات مثل «أموكو»، و«هاليبرتون»، و«إكسون»، و«إي إي إس». هناك حرفيّاً المئات من الشّركات الأمريكيّة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة. ومثلما ساعد الأمريكيّون في تطوير شركات مثل «أرامكو» السّعوديّة، على سبيل المثال، فإنهم يواصلون العمل مع شركائهم العرب لتطوير وظائف، وأعمال، واقتصاديّات المنطقة.

يتوهج كليفلاند كلينك أبوظبي باللون الأزرق احتفالاً باليوم العالمي للسكري

تُعلِّم وتدرِّب مؤسّسات التّعليم العالي الأمريكيّة قادة المنطقة الحاليّين والمستقبليّين، كما فعلت في الماضي، بما في ذلك جامعات «جونز هوبكنز»، و«ييل»، و«جورج تاون»، و«هارفارد»، و«ستانفورد»، وغيرها الكثير. والعديد من كبار رجال الأعمال والسّياسيّين في المنطقة هم من خريجي مؤسّسات تعليميّة أمريكيّة. وكلّ من قابلتهم خرجوا بأشياء إيجابيّة كثيرة من وقتهم في الولايات المتّحدة ومن مؤسّساتها.

واشنطن لا تزال في المنطقة وستبقى في المنطقة. وسواء أدركوا ذلك أم لا، فإنّ أمريكا ودول العالم العربيّ حلفاء وشركاء طبيعيّون

العديد من طلّابي السّابقين في «الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة»، وهو مشروع أمريكيّ عربيّ مشترك مهمّ آخر، هم من كبار رجال الأعمال، والدّبلوماسيّين، والمسؤولين الحكوميّين، بما في ذلك وزير وآخرون في مناصب قياديّة أخرى. تمتلك «جورجتاون»، حيث درَّستُ لأعوام، حرماً جامعيّاً مزدهراً في قطر. والكلّيّات والجامعات الأمريكيّة الأخرى في المنطقة تشمل «تكساس إيه آند إم»، و«كارنيغي ميلون»، و«كلّيّة طبّ كورنيل ويل»، و«جامعة نيويورك أبوظبي».

معاهد البحوث الطّبّيّة الأمريكيّة

تتعاون العديد من معاهد البحوث الطّبّيّة الأمريكيّة مع نظيراتها في المنطقة، مثل «معاهد سيدار سيناي الطّبّيّة» «ومركز هارفارد دبي للأبحاث الطّبّيّة». ويمكن العثور على فروعٍ لبعض أفضل المستشفيات الأمريكيّة في العالم العربيّ، مثل «كليفلاند كلينك». ويتعاون «معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا» مع «معهد مصدر» في مجالي الطّاقة والبيئة. من المهمّ الإشارة إلى هذا لأنّ التّعاون العلميّ والفكريّ بين الجامعات الأمريكيّة والعلماء الأمريكيّين ونظرائهم في الشّرق الأوسط يمثّل جسوراً أساسيّة وُجِدَ العديد منها منذ فترة طويلة. هذه الجسور ستبقى، وسيُطوّر المزيد منها.

لدى الولايات المتّحدة، أيضاً، برامج تدريبيّة تستفيد منها جيوش المنطقة. وهي جيوش دوماً مرحّب بها في هذه البرامج.

سرديّة «الانسحاب الأمريكيّ» أكثر فاعلية عندما يتعلّق الأمر بمسألتين: الأمن والطاقة.

مكتبة جامعة نيويورك أبوظبي

كان التزام الولايات المتّحدة بتحقيق أمن منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا مصدر قلق منذ أن بدأت واشنطن في التّرويج لسياسة «التّمحور نحو شرق آسيا» منذ أكثر من عقد، في مواجهة الصّين الصّاعدة. ومع ذلك، يُنسى أحياناً أنّ الولايات المّتحدة تجري تدريبات عسكريّة مشتركة، مثل «صمود النّسر»، و«الحارس البحريّ»، و«الغضب الأصليّ»، و«هرقل 2»، مع عدّة جيوش عربيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ «التّمرين البحريّ الدّوليّ» ضمّ 60 دولة، وسيكون هناك المزيد من مثل هذه التّدريبات في المستقبل.

حماية الممرّات البحريّة

تشارك الولايات المتّحدة وستظلّ ملتزمة بالمشاركة في حماية الممرّات البحريّة الحيويّة في المنطقة، مع شركائها العرب وغيرهم، بما في ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - قناة السّويس، والبحر الأحمر، وباب المندب، ومضيق هرمز، والخليج العربيّ، وكذلك طرق التّجارة والاتّصالات الرّابطة في المحيط الهنديّ. للأمريكيّين والعرب مصالح إستراتيجيّة في البحر الأبيض المتوسّط، أيضاً.

عندما يتعلّق الأمر بالطّاقة، فإنّ الحجّة لها أرجل أقوى للوقوف عليها. في النّهاية، تستورد الولايات المتّحدة كمّيّات أقلّ من النّفط والغاز من المنطقة ويرجع ذلك أساساً إلى نجاحها في النّفط الصّخريّ والغاز الصّخريّ، والذي يمثّل حوالي 70 في المائة من إنتاجها. ومع ذلك، يعتمد العديد من حلفاء أمريكا وشركائها التّجاريّين بشكل متزايد على الطّاقة الإقليميّة. إنّ جهود واشنطن، جنباً إلى جنب مع شركائها العرب، للحفاظ على طرق التّجارة آمنة ومفتوحة موجّهة نحو التّجارة والاستثمار العالميّين، وليس التّجارة والاستثمار الأمريكيّين فقط.

تُعلِّم وتدرِّب مؤسّسات التّعليم العالي الأمريكيّة قادة المنطقة الحاليّين والمستقبليّين، بما في ذلك جامعات «جونز هوبكنز»، و«ييل»، و«جورج تاون»، و«هارفارد»، و«ستانفورد»، وغيرها

من المهمّ للإدارات الأمريكيّة، بغضّ النّظر عن الحزب الموجود في السّلطة، أن تذكّر نفسها، وبقية العالم، بتكامل أمريكا العميق مع منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، لسببين: الأوّل، لتبديد فكرة مليئة بعدم الدّقة، والثّاني، لتعزيز منافسة صحّيّة مع بكين التي تهتمّ بشكل متزايد بالمنطقة.

تحتاج العلاقات إلى التّجديد من وقت لآخر، ويجب أن تدفع المنافسة المتزايدة من الصّين وغيرها الولايات المتحدّة والشّركات، والمستشفيات، والمؤسّسات التّعليميّة الأمريكيّة والمزيد إلى التّفكير في إستراتيجيات مستقبليّة. لقد أعاقت جائحة «كوفيد-19» بعض المشاريع المشتركة والتّعاون. كما عطّلت الانتفاضات العربيّة، في عام 2011، أجزاءً من بعض الشّراكات والمشاريع المشتركة الأمريكيّة العربيّة.

علاوةً على ذلك، من الصّحيح أنّ عدد الطّلّاب الأمريكيّين الذين يذهبون إلى الشّرق الأوسط أقلّ بكثير ممّا كان عليه الوضع قبل عام 2011. لم يقتربوا قطّ من عدد الطّلّاب العرب الذين قَدِموا إلى الولايات المتّحدة. والطّلّاب العرب مرحّب بهم ويجب أن يكونوا دوماً موضع ترحيب في الولايات المتّحدة للدّراسة. لكن يجب بذل المزيد من الجهد لتطوير تدفّق طلابيّ أكبر ثنائي الاتّجاه.

المزيد من العلاقات

يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تطوير المزيد من العلاقات، والاستثمارات، والتّفاهمات، والإجراءات بين الولايات المتّحدة والعالم العربيّ في المستقبل. ولخلق علاقات مستقبليّة أفضل، يحتاج الشّباب - وليس كبار القادة فقط - إلى أن يتمّ إشراكهم.

نفذت الولايات المتحدة عملية حرية العراق في 21 مارس 2003 في بغداد

لقد حدث عدد من التّغييرات في المنطقة على مدى العقود الماضية. ويجب على الشّركات الأمريكيّة والمؤسّسات الأخرى، بما في ذلك الحكومة، أن تفهم هذه الأحداث وأن تكون حسّاسة لها إذا كانت تأمل في الازدهار.

تغيّرت وجهات نظر عربيّة كثيرة عن أمريكا بشكل جذريّ منذ الأيّام المبكّرة للقاء الرّئيس الأمريكيّ آنذاك فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز بن سعود، ملك المملكة العربيّة السّعوديّة، في 14 شباط (فبراير) 1945. غزو واحتلال العراق عام 2003، والخروج السّيئ من أفغانستان العام الماضي، وتصوّر انسحاب مفترض من المنطقة قوّض علاقة الولايات المتّحدة الإيجابيّة مع المنطقة وشعوبها.

لا شكّ أنّ الأمريكيّين والعرب يمكن أن يستفيدوا من استمرار العلاقات على مستويات عديدة وفي مجالات عديدة. واشنطن لا تزال في المنطقة وستبقى في المنطقة. وسواء أدركوا ذلك أم لا، فإنّ أمريكا ودول العالم العربيّ حلفاء وشركاء طبيعيّون، ونأمل أن تستمرّ تحالفاتهم وشراكاتهم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بول سوليفان، ذي ناشونال، 29 كانون الأول (ديسمبر) 2022



الوسوم

انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية