هل تتوقف أحزاب المعارضة التونسية عن حروب الزعامة وتتوحد من جديد؟

هل تتوقف أحزاب المعارضة التونسية عن حروب الزعامة وتتوحد من جديد؟


21/06/2020

بهدف الحدّ من سيطرة حركة النّهضة الإخوانية على المشهدَين، السياسي والبرلماني، وتصاعد حدّة الخلافات الأيديولوجية بينها وبين الحزب الدستوري الحرّ المتزعم للمعارضة (ليبيرالي)، تسعى مجموعةٌ من السياسيين الذين يمثلون التيار الوسطي، بقيادة المعارض السياسي، أحمد نجيب الشابي، إلى تشكيل حزبٍ وسطي كبير قادرٍ على إحداث توازنٍ بالمشهد السياسي الذي غرق في الصراعات الأيديولوجية.

محمد الغرياني الأمين: الفرصة ما تزال سانحةً لبناء القطب الوسطي وإعادة إنعاشه للعودة إلى المشهد السياسي

جهودٌ عقبت فشلاً غير منتظرٍ مُنيت به العائلة الوسطية في الانتخابات الماضية بعد خروج ممثليها من الرئاسية بنتائج ضعيفة، ونجاح الرئيس قيس سعيّد، وهو من خارج دائرة الحكم التقليدية، في اقتلاع الفوز وإحداث رجةٍ بالمشهد السياسي، كما لم تحظَ بالمقاعد البرلمانية المتوقعة، وهو ما أضعف وجودها بالمشهد السياسي.
ورغم أنّ تيار الوسط غالبية يشكل الشعب التونسي، غير أنّ التيار الإسلامي تزعّم المشهد منذ عام 2011، بفضل تنظّمه وتماسكه، على عكس التيار الوسطي المشتّت، الذي لم يتّفق على امتداد الأعوام الماضية حول شخصيةٍ بعينها، قادرة على قلب معادلة الحكم في تونس، وفق ما يؤكده مختصون في الشأن السياسي التونسي.

 

أحزاب العائلية الوسطية تحاول التوحّد؟
وقد دعت أربعة أحزابٍ تونسية تنتمي إلى العائلة الوسطية، هي: "الحركة الديمقراطية"، و"الأمل"، و"مشروع تونس"، و"بني وطني"، إلى العمل على عقد مؤتمر وطني للحوار في أقرب وقت، بغاية الإنقاذ السّياسي والاقتصادي للحفاظ على استقرار البلاد ومكتسباتها السّياسية، وتحصين المجتمع بالمزيد من التماسك والتضامن.

محمد الكيلاني: من الممكن جدّاً اليوم تجميع مكوّنات التيار الوسطي لكن لا يجب تحميله أملاً أكبر من حجمه

ويتوقّع ناشطون سياسيون أن تكون هذه المبادرة تمهيداً لولادة حزبٍ جديدٍ، قد يجمع شتات هذه القوى ويوحّد صفوفها؛ إذ يرجّح محمد الغرياني، الأمين العام السابق لحزب التجمّع المنحلّ، والقيادي في حركة "تحيا تونس"، التي يقودها رئيس الحكومة السابق، يوسف الشاهد، أن تنجح هذه المبادرة إذا ما تجاوزت قياداتها النزعات الفردية، معتبراً أنّ الفرصة ما تزال سانحةً لبناء القطب الوسطي، وإعادة إنعاشه للعودة إلى المشهد السياسي، وتعديل موازين القوى.
وقال الغرياني، في تصريحه لـ "حفريات": إنّ حزبه مستعدٌّ للتفاعل إيجابياً مع هذه المجهودات في حال تمّ التواصل معه، وعُرضت عليه المشاركة في لمّ شتات المعارضة المتناثرة في أحزاب مختلفة، شرط أن تضمّ جميع مكوّنات الفكر الوسطي ولا تستثني أحداً، حتى لا تسقط هي الأخرى في مزيد من التشتيت وتفريق مكوّناته.

اقرأ أيضاً: ألفة يوسف: إسلاميو تونس يشكلون دكتاتورية جديدة
وبحسب تقارير إعلاميةٍ محليّةٍ؛ من المنتظر أن يضمّ هذا الحزب السياسي الجديد مجموعةً من القيادات السياسية، بعضها على ارتباط بالمنظومة السابقة وبعضها الآخر يحمل مسؤوليات حكومية بعد الثورة، منهم محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، وأحد مؤسسي حزب النداء، ومهدي جمعة، رئيس حزب البديل التونسي، رئيس الحكومة التونسية السابقة، وسلمى اللومي، رئيسة حزب البديل التونسي القيادية السابقة المستقيلة من حزب النداء، إلى جانب أحمد نجيب الشابي، الذي يتزعم حزب الحركة الديمقراطية، وأحد أبرز معارضي نظام بن علي السابق.

 

ما الذي فرّق أمس؟ وما الذي يوحّد اليوم؟
ويشير مراقبون إلى ضرورة أن تتجاوز هذه الأحزاب الصراع على الزعامة حتى يتسنّى لها النجاح في مساعيها، خاصّة أنّ عدة مبادرات في هذا الاتجاه باءت بالفشل، نتيجة الحسابات الشخصية، خاصّةً أنّ محاولات العودة للمشهد السياسي لا تبدو إلّا خوفاً من الهزيمة بالنسبة إلى الجميع، ومن الاندثار بالنسبة إلى البعض، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى تحافظ هذه العائلة على بعض الورقات التي تسمح لها بالحكم غداً، وإن لم تكن هي القطب السياسي الأوّل في البلاد.

اقرأ أيضاً: حين هتف النقابيون في تونس: "يا غنوشي يا سفاح"
وعن إمكانية أن يجمع الوسط قواه، يقول السياسي والمفكّر اليساري، محمد الكيلاني: إنّ كلّ محاولات التجميع محمودةٌ وإيجابية، وإنّه من الممكن جدّاً اليوم تجميع مكوّنات التيار الوسطي، في ظلّ الوضع التونسي العام الذي يغلب عليه الاحتقان والصراعات السياسية، خاصّةً بين حركة النهضة، المتزعمة للمشهدَين؛ السياسي والبرلماني، والحزب الدستوري الحرّ المتزعم للمعارضة، فضلاً عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تداعيات وباء كورونا، مشدّداً على ضرورة ألّا يتمّ تحميلها أملاً أكبر من حجمها.
واستبعد الكيلاني في حديثه لـ "حفريات"؛ أن تجتمع كلّ هذه القوى في حزبٍ سياسي وحيدٍ، نظراً لاختلاف التوجّهات والرؤى من جهةٍ، وتباعد البرامج والأهداف من جهةٍ أخرى، خاصّةً إذا ما استشهدنا بتجارب سابقة في الالتفاف في حزبٍ وحيدٍ، انتهت جميعها إلى التفجّر والانشقاق.

اقرأ أيضاً: "حتى إسقاط الإخوان": احتجاجات في تونس تدعو إلى حلّ البرلمان
من جانبه، أكّد عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، شقيق نجيب الشابي، صاحب المبادرة، وأحد أبرز الأحزاب المنتمية إلى العائلة الوسطية في تونس، لـ "حفريات"؛ أنّ حزبه لن يشارك في هذه المشاورات، ولن يستجيب لها؛ لأنّها محاولات يائسة وفاشلة لتجميع أسماء متناقضةٍ تدّعي التقارب، واتّضح لاحقاً أنّها لا تستطيع الالتقاء أو التواصل والاستمرار، كما رآها مجرّد إعادة لتجارب سابقة عرفت الفشل قبل أن ترى النور.
وشدّد الشابي على ضرورة أن توضح هذه الأحزاب بعض المفاهيم وأن تعالج أخطاء الماضي، وأن تبحث عن طريقةٍ جديدةٍ للتواصل مع التونسيين، وعن انطلاقةٍ جديدةٍ تعود بها إلى المشهد السياسي، أفضل من تجميع أركان قياداتها في كلّ مرّةٍ.
يذكر أنّ بعض قيادات هذا التيار الوسطي سعت جاهدةً قبيل الانتخابات لحثّ بعض مرشّحيها على التنازل لمصلحة بعضهم، خشية الهزيمة والتشتت، وتكثفت حينها الاجتماعات والاتصالات والتسريبات، إلا أنّ غالبية المساعي مُنيت بالفشل، في ظلّ تمسّك غالبية المرشحين بحظوظهم في الوصول إلى الدور الثاني، آملين حصول مفاجأة لصالحهم يوم الانتخابات، ما حرمهم جميعاً من المرور إلى الدور الثاني.

 

تاريخ التيار الوسطي التونسي مع جهود التوحّد
هذه المبادرة ليست الأولى؛ فقد سبقتها عدّة محاولات لتجميع العائلة الوسطية منذ اندلاع ثورة يناير 2011، في مواجهة نفوذ الأحزاب الإسلامية، غير أنّ محاولات التجميع باءت بالفشل، بسبب خلافاتٍ حادّة بين مكوناتها قادتها لاحقاً للانشقاق والتصدّع.

جمال العرفاوي: كلّ قيادات التيار الوسطي ترى في نفسها الزعيم الأوحد؛ لذلك ستفشل كلّ مبادرات التوحّد

ومن بين المبادرات؛ تلك التي قادها عبيد البريكي، القيادي النقابي السابق، لجمع شتات اليسار التونسي، وتشكيل ائتلاف انتخابي، وقد انتهت بالفشل، ومنها مبادرات قادها الشابي نفسه لخلق جبهات سياسية وانتخابية، غير أنّ هذه المحاولات غالباً ما تصطدم بحرب الزعامات، وتنتهي إلى الرفوف.
وفشلت أيضاً محاولات أخرى، قبل أن ترى النور، منها محاولات قادها مؤسّس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، في إطار حركة سياسية كبرى تضمّ، إضافة إلى حركته، حزب يوسف الشاهد، رئيس الحكومة السابق، فضلاً عن عددٍ من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية.
كما حاول المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ووزير الدفاع السابق في الحكومة التونسية، عبد الكريم الزبيدي، إطلاق مبادرة لتوحيد القوى الوسطية التي أخفقت في الانتخابات الأخيرة، لإصلاح أخطائها، وتعزيز موقعها بالمشهد التونسي على قاعدةٍ أشدّ صلابةٍ، غير أنّها هي الأخرى انتهت قبل أن تبدأ.
حول هذا الفشل المتلاحق لمحاولات تجميع شتات المعارضة المكوّنة خصوصاً من أحزاب التيار الوسطي، رأى المحلل السياسي، جمال العرفاوي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ نزعة الزعامتية التي ينتهجها ممثلو هذا التيّار، خصوصاً أنّ كلّ قياداته ترى في نفسها الزعيم الأوحد، ستفُشل كلّ المبادرات التي وصفها بالسراب الذي تجري وراءه ما تسمّى "العائلة الوسطية" في تونس.
جديرٌ بالذكر؛ أنّ هذه الأحزاب التي تصنّف نفسها ضمن العائلة الوسطية الحداثية، لم تتمكن مجتمعة من الحصول سوى على خمسة مقاعد في البرلمان، من أصل 217 مقعداً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية