هل تحولت سوريا إلى ورقة تفاوض بين موسكو وأنقرة؟

هل تحولت سوريا إلى ورقة تفاوض بين موسكو وأنقرة؟

هل تحولت سوريا إلى ورقة تفاوض بين موسكو وأنقرة؟


02/01/2023

بالرغم من تأكيدات تركية وأخرى سورية متزامنة وغير بعيدة عن سرديات روسية حول قصة نجاح ومصالحة يمكن البناء عليها تحققت بين دمشق وأنقرة عبر رعاية موسكو، وحملة تسريبات وتصريحات متزامنة حول ما حققته القيادتان، السورية والتركية، عبر اللقاء الذي رتبت له موسكو بين وزراء الدفاع ومدراء المخابرات  في البلدين، إلّا أنّ هذا "النجاح" سيبقى رهناً لتخطي جملة من العقبات التي قد تطيح بهذه المصالحة، أو تحدّ من النجاحات التي يؤمل تحقيقها، لا سيّما أنّ الفجوات ما زالت عميقة في حدود واشتراطات المصالحة، فيما ستكون مواقف وإجراءات أطراف فاعلة في الملف السوري محدداً رئيساً في نجاح أو إفشال هذه المصالحة، وتحديداً القيادة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى مواقف الطرف الإيراني الفاعل على الأرض السورية.

فعملياً، لا يشكّل انعقاد لقاء بين القادة العسكريين والأمنيين الأتراك مع السوريين في موسكو مفاجأة، في ظل مواقف تركية متكررة حول تهدئة مع سوريا، وتسريبات حول لقاءات عقدت في دمشق وأنقرة بين مسؤولين سوريين وأتراك، تمهيداً لإنجاز مصالحة تاريخية، فرضتها حسابات براغماتية لكلا الجانبين؛ التركي والسوري، بعد تطورات شهدتها المعارك في سوريا بالتزامن مع حسابات تركية أبرز عناوينها: الانتخابات الرئاسية القادمة، والموقف التركي الاستراتيجي تجاه أكراد سوريا، بما في ذلك الغطاء الأمريكي لقوات "قسد" بحجة مقاومة الإرهاب في مناطق شرق الفرات، فيما تحولت تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا والموقف والدور التركي منها إلى ملف تركي تدور مخرجاته على أنّ تركيا، رغم عضويتها في حلف الأطلسي، إلّا أنّها أصبحت أقرب إلى موسكو.

تسريبات عديدة خرجت حول لقاءات عقدت في دمشق وأنقرة بين مسؤولين سوريين وأتراك

للوهلة الأولى، تبدو مفردات البيانات والتصريحات الصادرة عن دمشق وأنقرة تتضمن قواسم مشتركة تم الاتفاق عليها في لقاءات موسكو، بانتظار استكمال بحث مزيد من التفاصيل حولها خلال الشهرين القادمين؛ من أبرزها: التعاون المشترك في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وأمن الحدود، وعودة اللاجئين السوريين، ويبدو أنّ قاسماً مشتركاً واحداً فقط يتفق عليه الأتراك والسوريون، وهو مواجهة التواجد الأمريكي في سوريا بمرجعية اتهامات تركية لأمريكا برعاية الإرهاب الكردي، واتهامات سورية لأمريكا برعاية الفصائل الجهادية، ورفض احتلالها لأراضٍ سورية تُعرف بمناطق "شرق الفرات".

مفردة الإرهاب التي تم التوافق عليها بين دمشق وأنقرة تتناقض دلالاتها بين الجانبين؛ فالإرهاب بالمفهوم التركي هو الفصائل الكردية المسلحة في الشمال السوري، ممثلة بقوات سوريا الديمقراطية، وبالمقابل فإنّ الإرهاب بالنسبة إلى دمشق مفهوم واسع، يشمل كلّ المسلحين بما فيهم الجيش السوري الحر، وجوهره فصيلا "داعش والنصرة"، بالرغم من تحولات المسمّيات، وهي في نظر دمشق فصائل مسلحة مدعومة كلها من تركيا.

يبدو أنّ قاسماً مشتركاً واحداً فقط يتفق عليه الأتراك والسوريون وهو مواجهة التواجد الأمريكي في سوريا بمرجعية اتهامات تركية لأمريكا برعاية الإرهاب الكردي، واتهامات سورية لأمريكا برعاية الفصائل الجهادية

ويبدو أنّ موقف دمشق هنا حول الإرهاب أكثر تماسكاً من موقف أنقرة، لأنّ تنظيمي داعش والنصرة "المدعومين من أنقرة"، وفقاً لاتهامات دمشق، يشكّلان قاسماً مشتركاً مع كافة الأطراف المعنية بالملف السوري بأنّهما عنوان الإرهاب، فيما لا يحظى الموقف التركي بقصر مفهوم الإرهاب على الفصائل الكردية بتأييد كثير من الأطراف، وهو موضع خلاف دولي وإقليمي مع أنقرة، لا سيّما بعد مواقف الأكراد بلعب دور رأس الحربة في مكافحة داعش بالعراق وسوريا، وبالتزامن، فإنّ لدمشق مصلحة في لجم طموحات الأكراد بالاستقلال الذاتي، ومعاقبتهم إثر تعاونهم مع القوات الأمريكية والغربية على حساب الدولة السورية، خاصة أنّ الملف الكردي العابر للحدود بين إيران والعراق وسوريا، بالإضافة إلى تركيا، يُشكّل قاسماً مشتركاً بين إيران والقوى التابعة لها من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وهو ما يفسّر الموقف التركي المنادي بالحفاظ على وحدة الدولة السورية، حتى عندما كانت أنقرة تؤيد إسقاط النظام السوري.

من غير الواضح كيف ستتعامل تركيا مع المجاميع العسكرية المقاتلة التي رعتها خلال أعوام الثورة السورية، وخاصة الفصائل الجهادية التي تم تجميعها في محافظة إدلب، ما دام تم الاتفاق على بسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها بعد انسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري، لا سيّما أنّ هناك نسبة من "المجاهدين" من غير السوريين في مناطق إدلب وريفي حماة وحلب، ثم ما الضمانات للعودة "الطوعية" للمهاجرين السورين في تركيا، ليس إلى مدنهم وقراهم الأصلية، بل إلى "مستوطنات" حدودية تم إنشاؤها برعاية تركية، يؤمل أن تسهم في تغيير التركيبة الديموغرافية السورية على طول الحدود مع سوريا، بما يجعل الأغلبية الكردية أقلية في مناطق الحدود؟ ثم إذا كانت ضمانات، فهل ستكون من "موسكو وطهران ودمشق"؟.

أثبتت موسكو أنّها صاحبة القرار في دمشق وليست طهران

من المرجح أنّ مرجعيات أنقرة في إنجاز الاتفاق هي انتزاع موقف روسي معلن ينحاز ضد الأكراد في شمال سوريا لصالح أنقرة، ويبدو أنّها حصلت عليه، والانتخابات الرئاسية القادمة التي يبدو أنّ فرص حزب العدالة غير مضمونة فيها، ومن بين أبرز ملفاتها العلاقات الإقليمية وقضية اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أكدتها تصريحات ما بعد لقاء موسكو من الجانب التركي حول تسهيل مرور الشاحنات والبضائع التركية عبر الأراضي السورية.

من جانبها، أثبتت موسكو أنّها صاحبة القرار في دمشق وليست طهران، وقد أرسلت عبر الاتفاق رسالة غير مشفرة إلى أمريكا والغرب وإسرائيل، ويبدو أنّها قدّمت تنازلات لأنقرة ضمن جملة من الأوراق والإغراءات على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، وباتجاه توثيق العلاقة مع أنقرة التي أصبحت مركزاً لتوزيع الغاز الروسي إلى أوروبا، ومركزاً دوليّاً لتوزيع الحبوب المصدّرة من روسيا وأوكرانيا.

ربما يحقق الاتفاق بعض الإنجازات في ملفات هنا أو هناك تحددها موسكو مع أنقرة، لكنّ ملفات أخرى يبدو أنّها أكبر من أن يتم حصرها بين موسكو وأنقرة، وهي ملفات شرق الفرات بكل تفاصيلها، ويبدو أنّ إعادة بث الروح في تنظيم داعش في سوريا لن تكون بعيدة، وقد بدأت بالعمليات التي شهدتها محافظة الرقة قبل أيام، وسوف يكون الموقف الإيراني أحد مرجعيات نجاح أو فشل الاتفاق، على ضوء المفاوضات النووية وتقييم حجم مكاسبه وخسائره من الاتفاق، الذي يعطي أفضلية لتركيا في الملف السوري، ويجعل الملف والدور الإيراني ملفاً ثانوياً، وفي أحسن الأحوال تابعاً لروسيا. 

مواضيع ذات صلة:

أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا

هل تساعد تركيا بإعادة إحياء داعش في شمال سوريا؟

محللون فلسطينيون يكشفون لـ"حفريات" خبايا عودة حماس إلى سوريا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية