هل تساعد أدعية المسلمين الأفارقة في فوز أردوغان؟

هل تساعد أدعية المسلمين الأفارقة في فوز أردوغان؟

هل تساعد أدعية المسلمين الأفارقة في فوز أردوغان؟


27/05/2023

عجت مواقع التواصل الاجتماعي بتمنيات وأدعية الفوز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، من مواطني ومواطنات دول عربية وأفريقية، وهو أمر لا يعتبر غريباً، في عالم عابر الحدود من حيث التأثير والتأثر. لكن ما يثير العجب هو تصوير فوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة في تركيا على أنّه نصرٌ للإسلام والمسلمين، مقابل هزيمة ذلك حال فوز منافسه كمال كليجدار أوغلو.

هذه الأماني تبدو مفهومة بالنسبة لمواطني البلدان العربية، التي يحظى الإسلام السياسي بنفوذٍ واسع فيها، حتى مع الهزائم الكبيرة التي لحقت بهذا المشروع، الذي مثلته جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في بقية البلدان العربية. بخلاف ذلك تثير تلك الأمنيات الكثير من الأسئلة حين تخرج من مواطني دول أفريقية غير عربية، ممزجةً بالتعصب الديني لشخص أردوغان، ما يطرح سؤالاً حول هيمنة منظار الدين على الذين يجيدون اللغة العربية في تلك البلدان.

الرمز الإسلامي

يطرح الباحث في الأنثروبولوجيا، خليل منون، السؤال السابق بشكل أعم، ويقول لماذا تنتصر الجماعات التي تجيد العربية في شرق وغرب أفريقيا للمشروع الإسلامي أينما كان، سواء مع أردوغان أو بن لادن، أو سواهما؟ يرى منون أنّ أي شخص أو جماعة تتبنى الانتصار للمشروع الإسلامي ينال التأييد داخل هذه المجموعات الأفريقية بشكل تلقائي. ويعلل الباحث المصري ذلك، بأنّ جزءاً كبيراً من تلك المجموعات تعلمت في المناطق العربية، التي تعتبر مناطق مد كبير للإسلام السياسي، الذي يرغب في إعادة إنتاج تخيلاته عن الحكم الإسلامي أو الخلافة الإسلامية.

خليل منون: استعادة لحظات المجد الماضوية

ويربط الباحث المصري بين حاضر الإسلام السياسي الذي اشتبك معه الدارسون بالعربية من دول أفريقية خصوصاً في مصر والسودان والخليج، وبين ماضي تلك الجغرافيا الأفريقية، التي تعتبر مناطق مدّ إسلامي قديم في العصور الوسطى الإسلامية، قبل الاستعمار الأوروبي لتلك المناطق، الذي أسقط الممالك والإمارات الإسلامية.

يوضح منون في حديثه لـ"حفريات"، بأنّ جزءاً كبيراً من تلك الجغرافيا انتمى إلى بنية الخلافة الإسلامية بشكل أو بآخر، حيث دعا الأئمة والخطباء في تلك السلطنات والإمارات الإسلامية للخليفة العباسي في القاهرة (إبان إقامته في القاهرة في عهد الدولة المملوكية)، كما أنّ مقاومة المستعمر الأوروبي قام على تلك الحاضنة الإسلامية.

وأفاد بأنّ أية جماعة مهزومة تبحث في ماضيها عن لحظات المجد لتحاول العودة من خلالها، وهي في حالة البلدان الأفريقية في شرق وغرب القارة تتمثل في الماضي الإسلامي، والذي يتلاقى في الحاضر مع مشاريع الإسلام السياسي. وينوه الباحث المصري إلى أنّ تلك الجغرافيا الأفريقية لم تشتبك مع الإسلام السياسي ولم تكوّن خبرات معه، كما هو الحال لدى الشعوب الناطقة بالعربية في دول شمال القارة، ولهذا ما يزال لدى الإسلام السياسي بريق في تلك المناطق، بخلاف شمالها الذي شهد نشأة الإسلام السياسي، واشتبك معه لعقود، ما كوّن وعياً برفضه.

الإعلام العربي الذي يدور في فلك الإخوان لعب الدور الأكبر في رسم صورة أردوغان كخليفة للمسلمين في المجتمعات الإسلامية، وقدمه على أنّه رجل الأمة وقائدها

وحول صورة أردوغان في تلك المناطق، يرى الباحث خليل منون، بأنّه كنموذج وجد الانتشار في دول شمال أفريقيا، من الطبيعي أنّ يتسرب إلى دول الساحل والصحراء الأفريقية. وفي الأخيرة يمثّل لهم نموذج الإسلام السياسي سواء السنّي مع أردوغان والشيعي مع إيران إجابةً عن سؤال الواقع المأزوم في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والسيادية. وتابع بأنّ لحظات المجد الماضوية التي كانت إسلامية في تلك الدول تجعلهم يرون في أردوغان إجابةً عن أزمات الحاضر لديهم، فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وتحدي الغرب، وهو خطاب جاذب يتم تبنيه في النقاشات الداخلية في تلك الدول.

ويرتبط بتبني نموذج أردوغان إغفال التناقضات بين تصويره على أنّه نموذج إسلامي، وبين واقع ذلك النموذج الذي ينطلق من محددات على رأسها القومية التركية، وخدمة المصالح التركية، واستخدام الخطاب الديني في التغلغل داخل القارة الأفريقية، فضلاً عن علمانية الدولة التركية، التي لم يسع أردوغان إلى تغييرها.

وينوه الباحث الأنثروبولوجي خليل منون بأنّ مؤيدي النموذج الأردوغاني يغفرون له القوانين العلمانية، حيث إنّ اللعب على الأضداد والمخاتلة والمغالطات هي سمة خطاب الإسلام السياسي.

وتعقد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تركيا، غداً الأحد، 28 أيار (مايو) الجاري، والتي يتنافس فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري، ومرشح الطاولة السداسية، كمال كليجدار أوغلو، بعد جولة أولى لم يحسم فيها أي من المرشحين السباق.

المكاسب المجانية

يعتبر أردوغان الزعيم الإسلامي الأوفر حظاً؛ حيث حقق مكاسب شعبية لم يُقدم في سبيلها الكثير. تُترجم في مكاسب اقتصادية لدولة تركيا، التي توسعت في الاستثمارات والتبادل التجاري مع الدول الأفريقية، وصولاً إلى استخدام تلك العلاقات في مواجهة معارضي النظام من حركة الخدمة في تلك المناطق.

محمد صفر: إعلام الإخوان رسم أردوغان كخليفة

وبحسبة رياضية سريعة؛ لم يقدم أردوغان الكثير للمسلمين في أفريقيا مقارنةً بما قدمته الدول العربية في شمال القارة والخليج العربي، إلا أنّ تلك الدول لم تحصد التأييد والشعبية مثلما حصدها أردوغان، الذي تكسب أولاً من التأييد المجاني من الإسلام السياسي في تلك الدول، ثم في بقية الدول الإسلامية. فضلاً عن أنّ التجهيل من التيارات الإسلامية للتاريخ السابق على ظهور تلك التيارات، والتجني على التيارات السياسية غير الإسلاموية، ساهم في تغييب الأدوار التاريخية لمصر في محاربة الاستعمار في القارة الأفريقية ودعم دولها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

من جهة أخرى، يرى الباحث السعودي في شؤون الحركات الإسلامية والفكر الإسلامي، محمد صفر، أنّ انتشار التصوف في غالبية البلدان الأفريقية ووسط آسيا والهند جعل لشعوب تلك الدول موقفاً سلبياً تجاه المشروع السلفي السعودي، ما خلق حالة من العداء للدور الدعوي والديني للسعودية، بخلاف الدور التركي.

وتابع الباحث صفر لـ"حفريات"، بأنّه في حالة السعودية لم توظف أنشطتها الخيرية الواسعة للترويج للمملكة، بخلاف تركيا التي تُروج لنفسها من خلال جهود خيرية لا تقارن بالدور السعودي. ويُرجع صفر ذلك إلى أنّ الدور الإنساني للسعودية قامت به في المقام الأول جمعيات أهلية، بينما الدور التركي يتم عبر وكالة رسمية ممثلة في منظمة تيكا، فضلاً عن الطبيعة العربية التي لا تفضل الحديث عن الأعمال الخيرية، وإن كان ذلك بدأ في التغير بوجود مركز الملك سلمان كواجهة رسمية للدور الإنساني السعودي.

الباحث المصري خليل منون لـ"حفريات": أي شخص أو جماعة تتبنى الانتصار للمشروع الإسلامي ينال التأييد داخل المجموعات الأفريقية بشكل تلقائي

كما لفت الباحث السعودي إلى أنّ تركيا وظفت الإعلام والدراما في إبراز بطولات وصناعة صورة دينية عن حكم أردوغان، مستفيدة من الإرث العثماني الذي يحمل الأفارقة عنه انطباعاً جيداً، كوّنهم لم يعيشوا تحت حكمه كما حال البلدان العربية.

وتابع بأنّ الإعلام العربي الذي يدور في فلك الإخوان المسلمين لعب الدور الأكبر في رسم صورة أردوغان كخليفة للمسلمين في المجتمعات الإسلامية، وقدمه على أنّه رجل الأمة وقائدها.

ومن بين المغالطات التي يتسم بها الإسلام السياسي، وكذلك من يرون في أردوغان زعيماً إسلامياً، ترويج شعارات عن كونه ناصر القضية الفلسطينية والزعيم الذي يتحدى الغرب. في حالة القضية الفلسطينية ليس هناك حاجة للخوض في نقاش قديم مستمر، حول علاقات تركيا بإسرائيل، والتي ازدهرت في عهد أردوغان. أما في حالة العداء للغرب، فاستفاد أردوغان من توظيف الخلافات السياسية مع فرنسا؛ حيث الغضب الشعبي تجاه الأخيرة في بلدان أفريقية، كونها المستعمر الذي ما يزال له دور سلبي حاضر في تلك البلدان.

الصومال: حالة مغايرة

وفي شرق القارة يبدو التأييد الصومالي الجارف لتركيا مبرراً؛ حيث كان لأردوغان دور كبير في دعم الصومال في العام 2015، إبان أزمة الجفاف الحادة. إلا أنّه بلغة الأرقام لا يُقارن الدعم التركي بما يقدمه المجتمع الغربي من دعم في سائر المجالات للدولة الصومالية، ورغم ذلك ينال هذا الدور الكثير من النقد، بخلاف التأييد الجارف لأردوغان. على سبيل المثال تقدم مجموعة الدول الغربية المانحة نحو 500 مليون دولار سنوياً لدعم موازنة الحكومة، فضلاً عن توجهها لإسقاط ديون الصومال البالغة نحو 5.7 مليار دولار.

هبة شوكري: لا وجود لثنائية الخير المطلق أو الشر المطلق

تطرح الطبيبة والناشطة الصومالية، هبة شوكري، وجهة نظر مختلفة حول الدور التركي في الصومال، وترى أنّ النظرة الرومانسية الشعبية والاحترام الكبير للأتراك سببه أنّ الإعلام السياسي العربي الرسمي وغير الرسمي كان يعامل الصومال كعالة، وأنها جهنم الله في الأرض، وتخلوا عنها في وقت المجاعة في العام 2016.

وتتابع لـ"حفريات" بأنّ زيارة أردوغان التاريخية للبلاد عبرت عن الاحترام، وشجعت الشركات التركية على الاستثمار في البلاد، فضلاً عن تقديم المنح الدراسية في مختلف المجالات العلمية، بخلاف البلدان العربية التي ركزت على التعليم الديني، خصوصاً بعض البلدان التي ركزت على نشر الفكر السلفي.

 وترى الناشطة شوكري، بأنّه رغم إسلاموية خطاب أردوغان، إلا أنّ الانفتاح التركي شجع على ظهور تيار يتحدث عن الإسلام بوجه علماني في الصومال، وهو أمر لم يكن ممكناً التلميح إليه. تضيف شوكري "لا وجود لثنائية الخير المطلق أو الشر المطلق، ولهذا يجب رؤية الصورة الكاملة لكل شخصية".

لكن من منظور آخر؛ حققت تركيا مكاسب كبرى نظير دورها في الصومال، ومنها إنشاء قاعدة عسكرية في مقديشو، فضلاً عن النفوذ السياسي الكبير وما يرتبط به من مصالح. وبشكل عام يدين أردوغان بالفضل في المكاسب الواسعة في البلدان الإسلامية إلى الدعاية التي قدمها الإسلام السياسي له، من قبل أحداث الربيع العربي في 2011 بأعوام، وهي دعاية هدفت في المقام الأول إلى الترويج لإمكانية نجاح الإسلام السياسي كبديل للأنظمة السياسية العربية، والتي قامت على استقطاع أجزاء تخدم الأيديولوجيا من الصورة الكلية لتركيا، والتي لا تنفصل عنها لا العلمانية أو القومية التركية.

يذكر أنّ تركيا توسعت في إنشاء السفارات في أفريقيا، منذ العام 2012، الذي شهد صعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم، في مصر وليبيا وتونس؛ فحتّى ذلك العام لم تملك تركيا سوى 12 سفارة فقط في القارة السمراء، وفق بيانات وزارة الخارجية التركية.

ووصل عدد السفارات، مطلع العام 2020، إلى 42 سفارة، بزيادة قدرها 30 سفارة خلال 8 أعوام، كما أعلن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو عن السفارة رقم 43، والتي تقرر افتتاحها في دولة توغو، خلال جولته الأفريقية الواسعة في 2020.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية