هل تصبح إسرائيل مصدّرة للغاز إلى أوروبا بدلاً من روسيا؟

هل تصبح إسرائيل مصدّرة للغاز إلى أوروبا بدلاً من روسيا؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
23/03/2022

ترجمة: إسماعيل حسن

مع تصاعد التوتر الروسي الأوكراني وفرض الدول العظمى عقوبات شديدة على روسيا، تزداد المناقشات حول البحث عن بدائل للغاز والنفط الروسي، الذي تمدّ به روسيا أوروبا منذ سنوات طويلة، وبسبب الحرب وجدت الدول الأوروبية نفسها في ورطة من الذي يحدث، لأنّ مصيرها بات في يد فلاديمير بوتين، والذي يجلس الآن ويقرر متى شاء أن يفتح أو يغلق إمدادات الغاز إلى أوروبا، وهو سيناريو خطير بالنسبة لهم وربما يجعل أوروبا تصاب بالهستيريا من خوف توقف الإمداد مع تصاعد التوتر.

حتى عام 2012 كانت إسرائيل تستورد غازها من مصر، لكنّ الاكتشافات التدريجية لاحتياطيات أكبر من الغاز الطبيعي في مياه إسرائيل، قادت إلى جعلها منتجة ذاتياً للغاز ومصدّرة له

 وهنا تطرح إسرائيل نفسها مصدّرة للغاز إلى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي، مستغلةً في ذلك الأحداث الجارية وهذا ما تناقشه أيضاً الولايات المتحدة حالياً مع الأطراف المعنية، والتي تحاول إيجاد مصادر بديلة لحاجاتها من الوقود، وبينما تبحث أمريكا عن مصادر بديلة لمنتجات الطاقة إلى أوروبا، ترفض السعودية والإمارات المساعدة في هذه المرحلة، كرد على سياسة إدارة بايدن في حرب اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، حتى الآن ثمة مورّدون آخرون إلى أوروبا عبر الأنبوب يمثل دولاً منها النرويج والجزائر وأذربيجان، ولكن لا يمكن أن يشكّلوا بديلاً عن الغاز الروسي، فكمّية الغاز الروسي التي تستوردها أوروبا تصل إلى ما يقارب من (40) في المئة، لكن مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، مطلع آذار(مارس) الحالي، حظر استيراد النفط والغاز من روسيا إلى الولايات المتحدة، انضمّ الاتحاد الأوروبي إلى القرار ليتقلص بذلك نسبة تصدير الغاز الروسي إلى الثلثين.

أوروبا مطالبة بتنويع مصادر الغاز

إنّ الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا قد شكّلت هزة كبيرة في الاقتصاد العالمي، وفي المقام الأول سوق الطاقة، التي تعدّ فيه روسيا لاعبة كبيرة، وثمة ضرر شديد آخر لحق بسوق الحبوب، روسيا وأوكرانيا من المصدرين الكبار للقمح والشعير، إضافة إلى منتوجات زراعية وصناعية أخرى، وهناك خطر ثالث يعدّ في هذه الأثناء منخفضاً، لكنّه لا يقل خطورة عن سابقيه هو نقص السيولة، في حين تبدو المنظومة المالية العالمية واثقة أكثر مما كانت قبل عدة أعوام، الانفتاح المالي في العالم أمام روسيا تضاءل جداً منذ ضمّ شبه جزيرة القرم، عام 2014، والعقوبات قللت النشاطات معها، الغارق في وحل روسيا هي شركات النفط إضافة إلى ذلك النفوذ المتراكم لأزمة كورونا، والارتفاع الحالي في أسعار البضائع، وسقوط البورصات التي تثير علامات تحذير أولية، فالمرحلة الرهيبة التي تعيشها أوكرانيا فرصة لإعادة احتساب المسار من ناحية بيئية أيضاً، حان الوقت لقطع اعتماد الدول الغربية على أنظمة استبدادية كروسيا، تستمدّ كلّ قوتها تقريباً من بيع الطاقة الخام، فأزمة أوكرانيا تجسد أهمية تنويع مصادر الغاز الأوروبي، وتؤكد على ضرورة إيجاد بدائل للغاز الروسي، وإن كان فقط لتقليص قدرة نفوذ موسكو على أوروبا وحلف الناتو، فالمندوب السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن، قد نجح في قيادة أوروبا إلى موقف موحّد قبل غزو روسيا لأوكرانيا، استناداً إلى فكرته بأنّ علينا أن نقلص تعلقنا بالطاقة الروسية.

إسرائيل لديها فائض من الغاز

بالنسبة إلى إسرائيل ليس لديها مشكلة في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي، فهي تقوم بتصديره لدول عربية، منها مصر والأردن، فعلاقة إسرائيل بالغاز الطبيعي قد تطورت إلى حدّ كبير على مدار الأعوام الماضية، فحتى عام 2012 كانت إسرائيل تستورد غازها من مصر، لكنّ الاكتشافات التدريجية لاحتياطيات أكبر من الغاز الطبيعي في مياه إسرائيل، قادت البلاد إلى وضعها الحالي كمنتج ذاتي للغاز ومصدّر له، حالياً تأتي إمدادات الغاز الإسرائيلية بشكل أساسي من حقلين أساسيين للغاز الطبيعي قبالة الساحل الغربي للبلاد؛ حقل تمار الذي يضمّ نحو 10 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وحقل ليفيثان الذي يضمّ 22 تريليون قدم مكعب، وهو يكفي بقاء البلاد على مستواها الحالي من الإنفاق على الغاز لعقود، هذا الفائض فتح الفرصة لبدء تصدير الغاز إلى الدول المجاورة، مثل الأردن ومصر، فبدأت إسرائيل توريد الغاز الطبيعي إلى الأردن، عام 2017، بعد توقيع الأردن عقداً بقيمة 10 مليارات دولار لصفقة توريد مليار قدم مكعب على مدة 15 عاماً، وبدأت تصدير الغاز إلى مصر منذ عام 2016، ومن المتوقع أن تزيد كمية الصادرات بشكل كبير خلال العام الجاري، وهذه فرصة رائعة بالنسبة لها، إن منحت مجال التصدير إلى أوروبا، لكنّ ذلك يتطلّب أن تقدم أوراق سياسية كي تمهّد الطريق لأن تصبح مصدرة للغاز. 

خطّ أنابيب شرق المتوسط

تعمل الولايات المتحدة ودول أوروبا في الوقت الحالي على وضع بعض الاقتراحات لطرق إمداد بديلة لأوروبا بالغاز، ومنها إنشاء خط أنابيب يجر الغاز من إسرائيل أو مصر أو المملكة السعودية عبر قبرص في البحر الأبيض المتوسط، وهذا المشروع مخطط له مسبقاً ويربط مباشرة موارد الطاقة الطبيعية في شرق البحر الأبيض المتوسط بأوروبا الكبرى، وقد تمّ ترسيمه قبل عدة سنوات ليتم العمل به مطلع عام 2025، لكنّ تخلي الولايات المتحدة عن دعم المشروع مالياً أوقف البدء في هذا المشروع، ورغم تأجيل استكمال هذا الأنبوب لأسباب غير واضحة، ما يزال شركاء إسرائيل في الشرق الأوسط، خاصة مصر والأردن، يستخدمون الغاز الإسرائيلي، في المقابل تسعى إيران لتصدير غازها إلى العراق وحتى إلى الأردن، وهكذا توسع نفوذها، شرق إسرائيل، فالحرب القائمة في أوروبا تسرع التغييرات وتقود إسرائيل إلى حلفاء جدد، ويقرأ الإسرائيليون في ذلك تأثير التحسن المتوقع في العلاقات مع تركيا على مستقبل الغاز والطاقة؛ حيث قد تصبح تركيا مركز تصدير الغاز الإسرائيلي في المستقبل، بالتالي، بعد الحرب في أوكرانيا تطرح المحافل الإسرائيلية أسباباً متعددة لاستئناف الأعمال في خطّ أنابيب شرق البحر المتوسط، بالتوازي مع استمرار التنقيب عن الغاز قريباً، وقد تكون هناك فرصة لإعادة النظر في فرص إنشاء خط الأنابيب، على الرغم من أنّ هذا يمكن أن يتوقف على استعداد الولايات المتحدة للتراجع عن انسحابها، وعلى مدى تقدّم أوروبا في مجال الطاقة المتجددة.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر الحرب في أوكرانيا على الشرق الأوسط؟

 روسيا تعدّ الأولى في العالم في كمية الغاز الطبيعي، وهي ذات قدرة لإنتاج 35 تريليون متر مكعب، تليها إيران وقطر في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك إسرائيل، نصيب إسرائيل في مخزونات شرق البحر المتوسط يبلغ ألف مليار متر مكعب، قد تصل في المستقبل إلى ثلاثة آلاف مليار متر مكعب، وذلك إذا ما تمكّنت إسرائيل من استغلال كلّ مياهها الاقتصادية، إضافة إلى استئناف عمليات البحث عن الغاز المتوقفة منذ عام، بعد تغيير الحكومة الإسرائيلية سياسة الطاقة الإسرائيلية، بناء على تبني وزير الطاقة نهج جديد يطالب من خلاله الاستناد إلى تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وفي حال تمكّنت إسرائيل من إمداد الغرب بالغاز فتساعد الخطوة في خفض سعره.

إسرائيل تبحث عن شركاء جدد

مختصّون إسرائيليون يحذّرون من اعتماد أوروبا على صادرات الغاز الروسي، فعدم فرض الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عقوبات كاملة على خطّ الأنابيب الروسي واستمرار حربه ضدّ العقوبات الأخرى، من شأن ذلك أن يدفع بوتين إلى مقامرة الولايات المتحدة في حال اشتدّت العقوبات على روسيا بشكل أكبر، ومع فرض الولايات المتحدة عقوبات على أنابيب الغاز الروسية المصدرة لأوروبا، حثّ إسرائيليون الحكومة بالعمل على تعزيز مشروع بناء خط الأنابيب، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم، ونقصاً حاداً في الغاز الطبيعي في أوروبا، من المهم جداً أن تعمل إسرائيل على تعزيز قدراتها على تصدير الغاز مباشرة إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الذي يعبر البحر المتوسط، فأسعار النفط باتت الدراما الأكبر اليوم؛ فسعر النفط من نوع برينت الذي يشكل العلامة الفارقة في بورصات التجارة ارتفع إلى 139 دولاراً للبرميل، محاذياً للرقم القياسي الذي بلغه النفط في تاريخه، وهو 142 دولاراً للبرميل قبل أكثر من 10 أعوام، وارتفع أيضاً سعر نفط تكساس إلى 130 دولاراً.

تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على وضع اقتراحات لطرق إمداد بديلة لأوروبا بالغاز، ومنها إنشاء خط أنابيب يجر الغاز من إسرائيل أو مصر أو السعودية عبر قبرص في البحر المتوسط

 تجب الإشارة إلى أنّ هذه معطيات رسمية عندما نخصم منها التضخم، فالرقم القياسي الحقيقي في سعر النفط تقريباً 180 دولاراً للبرميل، سبب الارتفاع الحالي هو بيان البيت الأبيض، بأنّ الولايات المتحدة تبحث منع استيراد النفط ومنتجات الطاقة من روسيا، وهي خطوة ستتم دون إشراك حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، والارتفاع الحالي يهدّد الاقتصاد العالمي، وفي عدد من أزمات العقود الأخيرة، سبق الوصول إلى الرقم القياسي في النفط ركود عالمي، نقص الطاقة قد يعرض الحياة للخطر أيضاً، مثلما شاهدنا في الشتاء القاسي الأخير في الولايات المتحدة وأوروبا، عندما تسبّب سقوط شبكات كهرباء ونقص في غاز التدفئة بموت أشخاص جراء البرد، نشوب حرب في الربيع يبدو أقلّ خطراً من هذه الناحية، لكنّ أزمة الطاقة الحالية قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية التي تشكّل خطراً على حياة العائلات الأضعف والدول الأفقر، ومع التحسّن المرتقب لعلاقات إسرائيل بتركيا، يمكن لأنقرة أن تشكّل في المستقبل مركز تصدير للغاز الإسرائيلي، وهذه الخطوة تضعضع قدرة روسيا على تمويل آلة حربها في المستقبل، ويصبح بذلك الاقتصاد الإسرائيلي ذخراً للدول الأوروبية التي تحتاج إلى توريد الطاقة كي توقف التعلق بروسيا، مع ضرورة الحفاظ على العلاقات مع موسكو، لكن مع البحث عن فرصة تنويع العلاقات وتوسيع الشركاء مع عدد كبير في الساحات الدولية.

روسيا تضرّرت من العقوبات 

على صعيد التجارة الدولية تعدّ روسيا مسؤولة عن أقل من 2 في المئة من التجارة العالمية من حيث البضائع، ومن الناتج المحلي الخام فهي تورد 11 في المئة من الاستهلاك العالمي، في المقابل فإنّ روسيا بخصوص الغاز الطبيعي تورد 17 في المئة من الاستهلاك العالمي، وحتى 40 في المئة من استهلاك غرب أوروبا، وهذا صحيح حتى عام 2021، وليس مفاجئاً أن تسجل أوروبا خلال الأسابيع المقبلة ذروة كلّ الأزمنة في سعر الغاز الطبيعي، كما ارتفع سعر النفط العالمي إلى ذروة 14 سنة، وبذلك يعدّ قرار حظر استيراد النفط والغاز الروسي حكيم وأخلاقي، فالعقوبات الأكثر إيلاماً وشللاً ستكون ضدّ صناعة الطاقة الروسية التي تضررت حتى الآن من العقوبات الدولية، وعلى الرغم من ذلك لا تزال طويلة الطريق إلى التغيير؛ فقبل أيام أعلن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بأنّ بلاده ستنضمّ إلى المقاطعة، لكن على استيراد النفط فقط، وستضطر لزيادة إنتاج الغاز والنفط المحلي لديها كي تستغني عن المقدرات الروسية، وهذا لا يعني أننا نهجر التزامنا بتقليص ثاني أكسيد الكربون، وتحدّث رئيس الوزراء عن بحث بلاده عن سبل إنتاج الطاقة الخام محلياً، وهذه الخطوات من قبل جونسون تعكس روح الزعامة في العالم بهذا الوقت.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/9156246


الصفحة الرئيسية