هل تصبح بروكسل المعقل الجديد لجماعة الإخوان؟

هل تصبح بروكسل المعقل الجديد لجماعة الإخوان؟

هل تصبح بروكسل المعقل الجديد لجماعة الإخوان؟


16/03/2023

أدت ثورات "الربيع العربي"، وما تلاها من تداعيات، إلى توجيه ضربات قاصمة لجماعة الإخوان المسلمين التي تنشط ضمن (76) فرعاً في العالم حالياً، كادت تدفع بها إلى نقطة الصفر من جديد، لولا أن عاد الإخوان ليعيدوا تشكيلاتهم في مسميات جديدة، وفي معاقل جديدة.

هذا التحوّل المكاني لمركز ثقل التنظيم من معاقله التقليدية، باريس ولندن، نحو بروكسل، تناوله الباحث المتخصص في دراسات الإسلام السياسي، الكاتب التونسي أحمد نظيف، في ورقة بحثية نشرها موقع "تريندز للبحوث والدراسات"، تحت عنوان" "النفير إلى بلجيكا: هل تصبح بروكسل قاعدة خلفية للإسلاموية؟".

مؤشّرات التحول ودوافعه

ترى الدراسة أنّ إعلان اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الفرع الأوروبي لجماعة الإخوان المسلمين، عن انفصاله رسميّاً عن جماعة الإخوان، خلال اجتماع عُقد في مدينة إسطنبول التركية في مطلع 2017، بداية مرحلة جديدة للتنظيم الإخواني الأوروبي تنظيميّاً وسياسيّاً.

ومذاك توجّه التنظيم إلى إجراء تغييرات جذرية على هيكله التنظيمي، وقطع روابطه العلنية مع الجماعة الأم، كما اتّجه نحو تحرير المبادرة واللامركزية من خلال بناء تنظيمي أفقي، والتخلّي عن (الهرمية) السائدة منذ الثمانينيات.

أحمد نظيف: المنظمات الإخوانية في بروكسل نجحت في أن تجد لها مكاناً داخل المؤسسات الأوروبية

كما توجّه إلى المزيد من تجنيد النخب، وإلى الاستثمار في التعلُّم، والانسحاب من دوائر العمل الديني في أوساط الجاليات المسلمة، والتوجه نحو فضاءات أخرى، بينها الجمعيات الحقوقية والمؤسسات غير الربحية والجامعات والأحزاب السياسية ومراكز التفكير.

الدراسة لفتت إلى تحوّل نظرة الجماعة إلى أوروبا، بوصفها كياناً موحداً يحتاج إلى تنظيم مرن يتوافق مع التركيبة الأوروبية الجديدة، لذلك وجّهت الجماعة ثقلها إلى عاصمة هذا الكيان، بروكسل، حيث تُصنع أهم القرارات التي تؤثر في القارة.

وفي عام 2020 بعد اغتيال مدرس التاريخ صمويل باتي، وبعد أن شنّت السلطات الفرنسية حملةً ضد المساجد والمنظمات والشخصيات التابعة لحركات إسلامية مختلفة، سلفية وإخوانية، أفضت إلى إغلاق عدد من دُور العبادة وحلّ عدد من المنظمات والجمعيات الخيرية والحقوقية، اضطرّت المنظمات الإخوانية بعد ذلك إلى إعادة التأسيس في بلجيكا.

ومن مؤشرات هذا التحول أيضاً، بحسب الدراسة، الاهتمام الإعلامي والصحفي المحلي بنموّ النشاط الإخواني في بروكسل، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الحراك المدني والحقوقي المناهض لهذا النشاط.

تحوّلت نظرة الجماعة إلى أوروبا بوصفها كياناً موحداً يحتاج إلى تنظيم مرن يتوافق مع التركيبة الأوروبية الجديدة، لذلك وجّهت ثقلها إلى عاصمة هذا الكيان بروكسل

وتُعدّ التقارير التي يصدرها جهاز أمن الدولة البلجيكي حول الظاهرة من أكثر المؤشرات أهمية، حيث تشير إلى وجود نهج إخواني منظم لتوطين الثقل التنظيمي في العاصمة البلجيكية.

هذا، إلى جانب التحوّل الاستراتيجي الذي حدث في رؤية الجماعة للكيان الأوروبي منذ 2017، وهو ما يفسر أنّ دافع التوجه الإخواني نحو بلجيكا هو "الدافع الأمني"، حيث يحاول التنظيم الأوروبي بشكل أساسي تأمين وجود تنظيمي مستقر بعيداً عن المشاكل التي أصبح يعاني منها في بعض الدول، خصوصاً بعد تعرّضه إلى مشاكل قانونية وقضائية عديدة في فرنسا، تتعلق بمساجده ومدارسه وتمويله الخارجي، والعوائق الجديدة التي وضعها (قانون الانفصالية) وصعود أقصى اليمين.

أمّا في السويد وإيطاليا، فالأمر يتعلّق بهجرة استباقية خوفاً من إجراءات متوقّعة يمكن أن تقرّها حكومات أقصى اليمين الصاعدة في البَلدين. وقد أصبحت بريطانيا محطة غير مُجدية لقيادة التنظيم بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لجهة العوائق الإدارية والمالية التي فرضها هذا الخروج.

أهداف التحول

يرى الباحث التونسي أنّ أهداف هذا التحول تتمثل، إلى جانب توافق هذا التحوّل المكاني لثقل التنظيم نحو بلجيكا مع الاستراتيجية الجديدة للفرع الإخواني الأوروبي التي أقرّت عام 2017، في تحقيق هدفين أساسيين لنشاط الجماعة.

الأوّل هدف هيكلي تنظيمي، حيث أصبحت التشريعات الأوروبية تتمتع بقدرة هائلة على فرض نفسها في أقطار الاتحاد، وكذلك المؤسسات الأوروبية المختلفة: المفوضية والبرلمان والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

تُعدّ التقارير التي يصدرها جهاز أمن الدولة البلجيكي حول الظاهرة من أكثر المؤشرات أهمية

من هذا المنطلق توجّه الفرع الأوروبي الإخواني إلى نقل ثقل قراره هو الآخر إلى بروكسل، وبرغم أنّ التوجه الجديد للجماعة هو اللامركزية والتنظيم الأفقي، غير أنّها تحتفظ بمؤسسات ذات طابع أوروبي في بروكسل للقيام بوظيفة التنسيق بين مختلف ساحات النشاط، مثل المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، ومنتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة في أوروبا، والشبكة الإسلامية الأوروبية.

كما أنّهم يستفيدون في بلجيكا من هامش حرية واسع لحركة الأموال والأشخاص وإنشاء المؤسسات، لم يعد موجوداً بالقدر ذاته من السهولة في بقية الدول الأوروبية.

والهدف الثاني هو استراتيجي، يتمثل في عملية طويلة المدى لإنشاء "مجموعات ضغط ـ لوبي" موالية للجماعة في قطاعات مختلفة، مثل حقوق الإنسان، والمرأة والتعليم والسياسة، لتشكيل نخب إخوانية جديدة لديها موقع داخل النسيج الأوروبي، وكذلك استمالة نخب أوروبية والتأثير على مجموعات حزبية داخل البرلمان الأوروبي، وربط علاقات سياسية وشخصية وجمعياتية مع فاعلين في المؤسسات الأوروبية التنفيذية.

الاستراتيجية الإخوانية الجديدة لتحويل العاصمة الأوروبية بروكسل إلى قاعدة خلفية ومركز ثقل تنظيمي لقيادة نشاطها الأوروبي، ستكون رهينة طبيعة الجهات الحاكمة في بروكسل

ووفقاً للدراسة، فإنّ المنظمات الإخوانية في بروكسل نجحت في أن تجد لها مكاناً داخل المؤسسات الأوروبية من خلال برامج التعاون والتمويل الاتحادي السخي، ومن خلال الجهر بتبنّي قضايا المساواة ومكافحة العنصرية وتمكين النساء والمهاجرين.

ويتمتع (المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة)، الذراع النسائية للفرع الإخواني في أوروبا، بدعم من البرامج الأوروبية الاتحادية، وهذا المنتدى تقوده نورة جاب الله، زوجة الرئيس السابق للتنظيم الإخواني الأوروبي أحمد جاب الله.

الآفاق والحدود

يعتقد الباحث المتخصص في دراسات الإسلام السياسي أنّ الاستراتيجية الإخوانية الجديدة لتحويل العاصمة الأوروبية بروكسل إلى قاعدة خلفية ومركز ثقل تنظيمي، لقيادة نشاطها الأوروبي، ستكون رهينة طبيعة الجهات الحاكمة في بروكسل.

وسيكون وجود تحالف الأحزاب الليبرالية والاشتراكية في السلطة دافعاً أكبر للجماعة نحو الاستفادة من هامش الحرية الواسعة، لجهة تشكيل الجمعيات والدعم الحكومي والمالي، فيما يرجح أن تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة في حال صعود الأحزاب اليمينية، لا سيّما اليمين المتطرف.

كما يعتقد أن يشكّل صعود الأحزاب اليمينية واليمين المتطرف حائلاً بينهم وبين اختراق المؤسسات الأوروبية، وخصوصاً الحصول على الدعم السياسي والمالي، وربما يكون صعود حكومة من أقصى اليمين في إيطاليا مؤشراً على ذلك مستقبلاً.

يحاول التنظيم الأوروبي بشكل أساسي تأمين وجود تنظيمي مستقر، بعيداً عن المشاكل التي أصبح يعاني منها في بعض الدول

وتلفت الدراسة إلى وجود عائق آخر يمكن أن يعرقل جهود التنظيم الأوروبي الإخواني في استراتيجيته البلجيكية، وهو الضغط الذي تقوم به الصحافة والمنظمات المدافعة عن العلمانية والنسوية في بروكسل ضد تنامي وجود الجماعة في بلجيكا، وخصوصاً داخل المؤسسات الأوروبية.

كما سيكون لمراكز الضغط المدنية والأمنية تأثير على الحكومة الحالية أو الحكومات القادمة، في اتجاه نوع من التوازن في التعامل مع الجماعة ومنظماتها، ومع ذلك يمتلك الإخوان مرونة غير محدودة، عكس بقية الحركات الإسلاموية، مع التعامل مع الضغوط، لا سيّما الأمنية، كي يعيدوا إنتاج الجماعة في أشكال جديدة وبهويات ظاهرية، تبدو منسجمةً مع القيم الأوروبية إلا أنّها تخدم المشروع المركزي، وهو التمكين.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية