هل تفكك الحرب في أوكرانيا أواصر الصداقة بين بكين وموسكو؟

هل تفكك الحرب في أوكرانيا أواصر الصداقة بين بكين وموسكو؟

هل تفكك الحرب في أوكرانيا أواصر الصداقة بين بكين وموسكو؟


14/11/2022

ما يزال التهديد الروسي باستخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية يلوح في الأفق. لكنّ الاستخدام "التكتيكي" لأسلحة الدمار الشامل، على حد تعبير مسؤولين روس، بعث صداماً أو بالأحرى تراجعاً في مواقف الصين الداعمة لموسكو. ويؤشر موقف بكين، مؤخراً، إلى رغبتها في الحد من توسع نفوذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد تسوية نهائية للصراع الذي يعيد تشكيل قمة العالم من الناحية الجيوسياسية.

موقف بكين.. هامش المناورة

وبمراجعة سريعة لوقائع سياسية سابقة وقريبة، فإنّ بكين لديها مخاوف جمّة من تأزم الأوضاع في أوكرانيا. وإثر لقاء الرئيسين الروسي والأوكراني، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند بأوزبكستان، ألمّح بوتين إلى أنّ الصين لديها "أسئلة ومخاوف" على خلفية الوضع في أوكرانيا.

وفي نهاية الشهر الماضي، تشرين الأول (أكتوبر)، قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، لنظيره الروسي، سيرغي لافروف، إنّ بكين تواصل الحفاظ على موقفها "الموضوعي والعادل" تجاه الصراع الحالي.

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، التقى وزير الخارجية الصيني مع نظيره الأوكراني، دميترو كوليبا، حيث أوضح الأول أنّ بلاده "تقف دائماً إلى جانب السلام وستواصل لعب دور بناء، ومع احترام سيادة وسلامة أراضي جميع البلدان، ويجب أخذ الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد، ولذا يجب دعم التسوية السلمية للأزمة".

 بكين لديها مخاوف جمّة من تأزم الأوضاع في أوكرانيا

وأكد وزير الخارجية الصيني على أنّ "هذا هو أكثر موقف رسمي للصين بشأن قضية أوكرانيا، بالترويج لمحادثات السلام، ولا يجب الوقوف مكتوفي الأيدي، أو نضيف الوقود إلى النار أبداً، ولا نستغل الوضع أبداً لتحقيق مصالح ذاتية".

إذاً، يجب معرفة أنّ "العقيدة الصينية" تختلف عن "العقيدة الروسية" من نواحٍ عدة، والأمر ذلك ينطبق أو يمتد إلى السياسة الخارجية لبكين، وفق المحلل السياسي الروسي والباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، ديميتري بريجع، الذي يوضح لـ"حفريات" أنّ "الصين لديها رؤية مختلفة عن الوضع في أوكرانيا؛ حيث إنها تحاول احترام سيادة الدول. ورغم أنّ الصين رفضت منذ بداية العملية العسكرية، العقوبات على روسيا، لكن كان موقفها يتسم بالحيادية وأقرب إلى موقف الدول الغربية بسبب الارتباطات الاقتصادية القوية".

الاستخدام "التكتيكي" لأسلحة الدمار الشامل، بعث صداماً أو بالأحرى تراجعاً في مواقف الصين الداعمة لموسكو. ويؤشر موقف بكين، مؤخراً، إلى رغبتها في الحد من توسع نفوذ الرئيس الروسي

ويتابع بريجع: "ترفض الصين الوقوف موقف المتفرج فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا، لكنها لن تساهم أيضاً في تصعيده. جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الصيني في اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك".

الأسواق الروسية واختبار السياسة

". ولكن هناك مخاوف حقيقية تتصل بضرورة تفادي "الخسائر الاقتصادية جراء مساعدة روسيا، والوقوع تحت وطأة العقوبات الغربية والأمريكية". يقول بريجع.

ويقول المحلل السياسي الروسي والباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، إنّه برغم تصريحات الصين بأنّها لن تسمح لأيّ شخص التدخل في علاقاتها مع موسكو، إلا أنّ شركات التكنولوجيا العملاقة ومنها (Lenovo) و(Xiaomi)، قررت مغادرة الأسواق الروسية على خلفية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، كما أنّ الشركة المصنّعة للطائرات بدون طيار (DJI) والعديد من الشركات الأخرى، انسحبت، هي الأخرى، من روسيا، بينما توقف نظام الدفع (UnionPay) في البنوك الروسية بسبب العقوبات ذاتها.

ورغم أنّ العلاقات التجارية والاقتصادية بين موسكو وبكين، تكشف عن مؤشرات مهمة بخصوص الارتباطات القصوى بينهما، والتي تؤدي إلى تمتين مواقفهما السياسية المشتركة، تحديداً الاصطفاف ضد سياسات واشنطن، وكذا هيمنة القطب الواحد، إلا أنّ هناك مساحات من المناورة تفرضها تناقضات السياسة الحتمية، وتباين الأهداف، مرحلياً. وبينما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 140 مليار دولار، فإنّ الصين، كذلك، تعد الشريك التجاري الأول لكييف.

وبالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرج العقيد السابق في جيش التحرير الشعبي الصيني، جو بو، على تهديدات بوتين بشأن استخدامه السلاح النووي في حربه بأوكرانيا، وقد أوضح أنّه في حال حدوث ذلك، فإنّ بكين لن تتمكن من الحفاظ على "موقفها المتوازن" تجاه موسكو.

المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع: موقف الصين يتسم بالحيادية

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن بو قوله إنّه "في نهاية عام 2013، وافقت الصين على تجنب استخدام أو التهديد باستخدام أسلحة نووية ضد أوكرانيا، وبشكل أهم، توفير ضمانات أمنية إذا تعرضت كييف لتهديد بذلك من طرف ثالث. وبالتالي، فإنّ زيادة حدة خطاب بوتين تزيد المخاطر على بكين".

خسارة موسكو حليفها الاستراتيجي

إذاً، لا يعدو تحذير الصين لروسيا، قبل أيام، من تداعيات استخدام السلاح النووي، في الصراع بأوكرانيا، كونه أمراً مباغتاً؛ إذ إنّ هناك محطات سابقة تكشف عن خروج بكين الاضطراري من حيز الدعم التقليدي لحليفها الإستراتيجي.

وقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن تحذير بكين لموسكو، خلال المحادثات التي جمعت الزعيم الصيني، شي جين بينغ، والمستشار الألماني، أولاف شولتس، في بكين، الجمعة الماضية.

المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع لـ"حفريات":  الصين رفضت منذ بداية العملية العسكرية، العقوبات على روسيا، وكان موقفها يتسم بالحيادية وأقرب إلى موقف الدول الغربية بسبب الارتباطات الاقتصادية القوية

واصطف الرئيس الصيني والمستشار الألماني على ضرورة نبذ استخدام الأسلحة النووية أو حتى التهديد باستخدامها. ونقلت وكالة أنباء "شينخوا" الصينية عن الزعيم الصيني قوله إنّ على المجتمع الدولي "معارضة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، والدعوة إلى عدم إمكانية استخدام الأسلحة النووية وعدم خوض حروب نووية، ومنع حدوث أزمة نووية في أوراسيا".

ووفق المحللة في معهد مركاتور لدراسات الصين، في برلين، فرانشيسكا غيريتي، فإنّ بكين "لا تريد حقاً هجوماً نووياً أو حرباً". وتابعت: "معارضة استخدام الأسلحة النووية والتهديدات هي نتيجة متدنية منخفضة التكلفة وبيان منخفض التكلفة لتحقيق موافقة دولية وانتشار إيجابي للعلاقة الألمانية الصينية وربما مع الاتحاد الأوروبي أيضاً".

وذكر المستشار الألماني، خلال زيارة لبكين، أنّه دعا الرئيس الصيني إلى الاستعانة بـ"نفوذه" لجهة الضغط على بوتين لإنهاء "حربه العدوانية" ضد كييف.

هناك محطات سابقة تكشف عن خروج بكين الاضطراري من حيز الدعم التقليدي لحليفها الإستراتيجي

وقال شولتس "لقد قلت للرئيس (الصيني) إنّه من المهم أن تستخدم الصين نفوذها على روسيا". وأردف: "الأمر يتعلق بضرورة احترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي نلتزم بها جميعاً، ومن هذه المبادئ سيادة ووحدة الأراضي، والتي تعتبر مهمة أيضاً بالنسبة للصين".

ووجه المستشار الألماني حديثه للصحافيين وقال: "أحض الرئيس الروسي على عدم رفض تمديد اتفاق الحبوب الذي تنقضي مهلته خلال أيام.. يجب عدم استخدام الجوع سلاحاً". وأنهى حديثه قائلاً: "لقد أوضحت أنّ أيّ تغيير في الوضع الراهن لتايوان يجب أن يكون سلمياً أو بالاتفاق المشترك".

وبسؤال المحلل السياسي الروسي والباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، ديمتري بريجع، عن احتمالات خسارة موسكو لحليف إستراتيجي على خلفية التهديد باستخدام السلاح النووي، أجاب بالنفي. وتابع: "إنّ ما يزعج الصين حقيقة من عملية التهديد بالسلاح النووي، هو تعهدها بحماية أوكرانيا. وقد تعهدت بمنع استخدام مثل هذه الأسلحة من قبل أطراف ثالثة. وقد تمّ الاتفاق على أنّ الصين لن تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا، والأهم من ذلك أنّها ستوفر ضمانات أمنية في حالة وجود مثل هذا التهديد من قبل طرف ثالث؛ حيث إنّ الصين فخورة بأنّ استراتيجياتها النووية، هي الأكثر استقراراً واستدامة بين القوى النووية".

مواضيع ذات صلة:

كيف ستتغلب واشنطن على الصين وتكبح جماح روسيا؟

الصين تجري مناورة هي الأضخم في تاريخها وتايوان تتأهب.. ماذا يحدث؟

روسيا تفلت من مصيدة العقوبات الغربية... ما علاقة الصين والهند؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية