هل تنجح السلطة الفلسطينية في تحدي إسرائيل بالبناء في مناطق (ج)؟

فلسطين

هل تنجح السلطة الفلسطينية في تحدي إسرائيل بالبناء في مناطق (ج)؟


21/08/2019

ردّاً على قرار الاحتلال الإسرائيلي، أواخر تموز (يوليو) الماضي، ترخيص بناء 6 آلاف وحدة استيطانية، مقابل إعطاء الضوء الأخضر لبناء 700 وحدة سكنية للفلسطينيين في المنطقة (ج)، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتية، في 4 آب (أغسطس) الجاري؛ أنّ "السلطة الفلسطينية قررت اعتبار كافة مناطق الضفة الغربية والقدس هي مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية، وإلغاء كافة التقسيمات التي وردت في اتفاق أوسلو، الذي تمّ تصنيف مناطق الضفة والقدس فيه على أساس مناطق (أ)، و(ب)، و(ج).

محلل سياسي لـ"حفريات": تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني بمنح تراخيص بناء للفلسطينيين في المنطقة (ج) "فقاعات إعلامية"

وقال إشتية، خلال استقباله لجنة الدفاع عن بلدة وادي الحمص برام الله، إنّ إسرائيل أصبحت تتعامل مع كافة المناطق والتصنيفات على أنها مناطق (ج)، وبناءً عليه؛ "فإننا سنتعامل مع كافة المناطق على أنّها مناطق (أ)"، مستدركاً بأنّ "البناء في الأراضي المصنفة (ج) حقّ للفلسطينيين غير قابل للمقايضة مع الاستيطان، أو المساواة فيما بينهما"، إلا أنّ محللين رأوا أنّ الخطوة الفلسطينية ليست سوى فقاعات وشعارات إعلامية لن يتم تحقيقها على أرض الواقع، في ظلّ عدم رغبة القيادة الفلسطينية بالدخول في مجازفة قد تؤدي إلى انهيارها سياسياً.
وبحسب اتفاقية "أوسلو" للسلام المرحلي بين منظمة التحرير و"إسرائيل"، الموقَّعة عام 1993، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة (أ) وتخضع أمنياً وإدارياً للسيطرة الفلسطينية، والمنطقة (ب) تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، فيما المنطقة (ج)، وتشكل نحو 60% من الضفة الغربية، فتخضع لسيطرة "إسرائيل" أمنياً وإدارياً.

إسرائيل أصبحت تتعامل مع كافة المناطق والتصنيفات على أنها مناطق (ج)
وتعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 8 آب (أغسطس) الجاري، بفرض السيادة الإسرائيلية على جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وذلك على خلفية قتل جندي إسرائيلي قبل عدة أيام في مدينة بيت لحم، مؤكّداً، في كلمة ألقاها أثناء حضوره مراسم وضع حجر الأساس لبناء 650 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة بيت إيل قرب رام الله؛ أنّ هدفه هو "ترسيخ وجود الشعب اليهودي".

اقرأ أيضاً: أمريكا تكشف عن توجهات تتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية.. هل تعرفها؟
وبحسب القرار الإسرائيلي رقم 1797 بشأن إخلاء المنطقة (ج) من السكان الفلسطينيين، الذي ينص على إصدار أمر هدم لكلّ بناء لم يستكمَل، أو لم تمر ستة أشهر على استكماله، أو مبنى عاش فيه سكانه أقل من 30 يوماً، ويمكّن الأمر المفتش من تطبيق الهدم خلال أربعة أيام إلا إذا أظهر الباني رخصة بناء، أو في الحالات التي يكون فيها المبنى موجوداً في حدود "مخطط تخطيطي" مفصل، أو في منطقة تم وضع اليد عليها لأغراض عسكرية.
فقاعات إعلامية
الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حجازي، وصف في تصريح لـ "حفريات"  تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني بمنح تراخيص بناء للفلسطينيين في المنطقة (ج)، واعتبار جميع مناطق الضفة الغربية خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، بأنها "فقاعات إعلامية لن يتم تطبيقها على أرض الواقع، وذلك بهدف تهدئة الرأي العام الفلسطيني على الممارسات الإسرائيلية التعسفية وعمليات الهدم المستمرة التي تنتهجها بحق منازل المواطنين، والتي كان آخرها في حي وادي الحمص بالقدس المحتلة".

اقرأ أيضاً: 1200 مستوطن إسرائيلي يقتحمون الأقصى..
واعتبر حجازي أنّ "إسرائيل تستغل الأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها السلطة الفلسطينية لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة (ج)، بهدف ضمّها إلى إسرائيل، واعتبارها كياناً للمستوطنين بداخل الضفة المحتلة، وإبعاد الجانب الفلسطيني عن أيّ حلّ سياسي مستقبلي للسيطرة على هذه المناطق وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وبالتالي فإنّ ممارسات الاحتلال الحالية تقوض فرص حلّ الدولتين، والتي كان آخرها إعلان إسرائيل بناء 2300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية".

اقرأ أيضاً: وحدة الإرباك الليلي في غزة: مقاومة الاحتلال بالإزعاج وحرمان المستوطنين من النوم
ولفت إلى أنّ في الضفة الغربية أكثر من 245 مستوطنة وبؤرة استيطانية، يعيش فيها ما يزيد عن 416 ألف مستوطن صهيوني، "وبالتالي؛ فإنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة غير مستعدة على الإطلاق لإخلاء أي مستوطن صهيوني منها، وفي حال تمت أية تسوية سياسية مستقبلية مع الجانب الفلسطيني ستبقى هذه المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية، إضافة إلى الاستيلاء على المناطق الواقعة غرب نهر الأردن، وإبقاء القدس عاصمة الاحتلال الموحدة وغير قابلة للتقسيم".
ممارسات الاحتلال الحالية تقوض فرص حلّ الدولتين

تمرير صفقة القرن
وسبق للحكومة الإسرائيلية أن قررت، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، نقل 10 آلاف دونم تقع في المنطقة (ج) إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، لدعمها وتقويتها وبسط نفوذها على مساحات واسعة من الضفة الغربية، إلا أنّ هذا القرار، كما يرى حجازي، "بقي حبراً على ورق بعد أن شهد معارضة كبيرة من قبل الكنيست الإسرائيلي، الذي هدّد عدد من أعضائه بالانسحاب منه إذا ما جرى تنفيذ ذلك القرار".

الأمم المتحدة حذرت إسرائيل من مغبة الإقدام على ضمّ أراضي الضفة الغربية، ودعتها إلى الوقف "الفوري" و"الكامل" للاستيطان

ويؤكد حجازي؛ أنّ "الصراع يحتدم داخل إسرائيل حول مصير المنطقة (ج)، التي يعيش فيها أكثر من 250 ألف فلسطيني، ويمنع الاحتلال تزويدهم بالبنى التحتية اللازمة، كالكهرباء والمياه، أو السماح لسكانها بالبناء، ويتنافس الناخبون في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة على مصيرها، في ظلّ رغبة الأحزاب اليمينية واليمنية المتطرفة، التي تنافس على زعامة الحكومة الإسرائيلية في ضمّ المنطقة (ج) لإسرائيل، لكسب ثقة الجمهور الإسرائيلي والمنافسة بشدة للفوز في هذه الانتخابات، وهو الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه نتنياهو للفوز في الانتخابات القادمة، ومع الدعم الأمريكي الذي يعطي الاحتلال حقّ ضمّ هذه المناطق باعتبار أنّ ذلك لا يتعارض مع تمرير صفقة القرن، التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية قبل عدة أشهر".
خطوة إيجابية، ولكن
من جهته، يقول المحلل السياسي والمختص بالشأن الصهيوني، تيسير الريماوي: إنّ "القرار الفلسطيني خطوة إيجابية، ولكن يصعب تحقيقه عملياً حتى بعد إعلان السلطة وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي بقيت شعارات إعلامية لم نرَ نتائجها، أو خطواتها على أرض الواقع، في ظلّ عدم امتلاك السلطة الفلسطينية أيّة خطط أو إستراتيجيات لمواجهة تبعات هذا القرار من قبل إسرائيل والإدارة الأمريكية".

اقرأ أيضاً: "صفقة القرن" نتاج مصيدة الاتفاقات مع اسرائيل
ويكمل الريماوي حديثه لـ "حفريات": "السياسة العنصرية الإسرائيلية تجاه تهويد الضفة الغربية مستمرة، وتتضح جلياً مع قرب أيّة انتخابات صهيونية مقبلة؛ حيث سبقت الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت في نيسان (أبريل) الماضي، هجمة استيطانية شرسة لتحقيق الأحزاب الصهيونية المتطرفة مكاسب سياسية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وقبيل إجراء الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، في أيلول (سبتمبر) المقبل، نجد أنّ الحكومة الإسرائيلية أعلنت مصادرتها المزيد من الأراضي لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية المحتلة".
هجمة استيطانية شرسة لتحقيق الأحزاب الصهيونية المتطرفة مكاسب سياسية

تحقيق المشروع الاستيطاني الإسرائيلي
ولفت إلى أنّ "اتفاقية أوسلو التي تمّ توقيعها بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، عام 1993، ما تزال سارية، وتنظم العلاقة بين الجانبين، وهي شرط لوجود السلطة الفلسطينية وإلغاؤها يعني حلّها وانهيارها، وبالتالي يتوجب على القيادة الفلسطينية، في ظلّ عدم وجود بدائل لديها للانفكاك عن الاحتلال، الإبقاء على الاتفاقيات مع إسرائيل مع إلزام المجتمع الدولي للأخيرة باحترام الاتفاقيات الموقَّعة بين الطرفين، للوصول إلى حلّ سياسي ينتهي بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967".

اقرأ أيضاً: صفقة القرن ووهم الزخم .. وخداع عناوين الصراع
وأوضح الريماوي أنّ "الانحياز الأمريكي الداعم للاحتلال بعد نقل واشنطن سفارتها للقدس، ووقف دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية ووكالة "الأونروا"، وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر ما تسمّى "صفقة القرن"، كلّ ذلك مهّد الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي للتغول والاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي المواطنين في الضفة الغربية، وتحديداً في المنطقة (ج)، وتقليل عدد السكان الفلسطينيين فيها لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، واستكمال مشروعها الاستيطاني الأوسع؛ بضمّ هذه المناطق إلى حدود دولة إسرائيل المستقبلية".

اقرأ أيضاً: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟
وحذّرت الأمم المتحدة، في آب (أغسطس) 2019، إسرائيل من مغبة الإقدام على ضمّ أراضي الضفة الغربية، ودعتها إلى الوقف "الفوري" و"الكامل" للاستيطان في الأراضي المحتلة، حسبما أفاد المركز الإعلامي للأمم المتحدة، ودعا المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، في بيان، إلى ضرورة وقف توسيع المستوطنات، بشكل كامل وعلى الفور، في المنطقة (ج) بالضفة الغربية المحتلة، محذراً من أنّ المضي قُدماً في الضمّ الفعلي للضفة الغربية، يقوض فرص إقامة دولة فلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، كجزء من حلّ الدولتين المتفاوَض عليه.

الصفحة الرئيسية