هل حمى العثمانيون العالم العربي من الغزو الاستعماري الأوروبي؟

هل حمى العثمانيون العالم العربي من الغزو الاستعماري الأوروبي؟

هل حمى العثمانيون العالم العربي من الغزو الاستعماري الأوروبي؟


17/03/2024

يحاول الباحث المصري، عماد أبو غازي، أن يقدّم صورة أكثر وضوحاً، وأكثر موضوعية للعوامل التي أدّت إلى سقوط دولة المماليك، ودخول الاحتلال العثماني لمصر، عام 1517، إضافة إلى تفكيك الأسئلة والروايات الجاهزة عن تلك الحقبة وآثارها على مصر، مستعيناً بأكثر من مرجع تاريخي، سواء كان من مؤرخين عرب أو أجانب.

اقرأ أيضاً: التهديد العثماني الجديد: ما الذي يسعى إليه أردوغان في شرق المتوسط؟
يطرح أبو غازي في كتابه "1517 الاحتلال العثماني لمصر وسقوط دولة المماليك"، الصادر عن دار ميريت – القاهرة 2019؛ العديد من الأسئلة المتداولة في الأعوام الأخيرة من قبل كثيرين، بالتزامن مع صعود النفوذ التركي في وقتنا الحاضر، وتدخّلات تركيا الإقليمية وخطابها السياسي الأيديولوجي؛ الذي يجري ربطه بماضي الاستعمار العثماني للمنطقة فيما مضى.
 الباحث المصري عماد أبو غازي

هل كان دخول العثمانيين للمنطقة فتحاً أم احتلالاً؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال؛ يشرح أبو غازي السياق التاريخي للمصطلحات، مثل مصطلحَي "غزو" و"فتح"، اللذين اختلف استخدامهما في تلك الحقبة الزمنية عن الزمن الذي نعيش فيه.

أساس الجدل
يقول أبو غازي: "الأساس الذي يقوم عليه هذا الجدل ناتج عن تصوّر أنّ مصطلح "الغزو" يحمل دلالات سلبية، بينما يحمل مصطلح "الفتح" دلالات إيجابية؛ والحقيقة أنّ هذا الموقف من المصطلحين يرتبط  بوعينا وإدراكنا اليوم فقط؛ فالقدماء لم يحمّلوا أياً من المصطلحَين دلالات سلبية، فمعارك المسلمين في العهد النبوي كانت توصف بالغزوات، حتى فتح مكة تصفه عدة مصادر إسلامية قديمة بأنّه "غزوة فتح مكة"، وسلاطين العثمانيين أنفسهم كانوا يحملون من بين ألقابهم لقب الغازي؛ إذاً لم تكن للمصطلح أيّة دلالة سلبية في العصور السابقة، لقد اكتسب المصطلح دلالاته السلبية في عصرنا الراهن، ولأننا الآن أصبحنا مختلفين حول ما فعله العثمانيون بمصر".

يأتي كتاب "1517 الاحتلال العثماني لمصر وسقوط دولة المماليك"، بالتزامن مع صعود النفوذ التركي وتدخّلات أنقرة الإقليمية

يرى أبو غازي؛ أنّ الإشكالية ليست في مصطلح الغزو والفتح، إنّما هناك اتجاهان لمسألة الاختلاف؛ الاتجاه الأول يرى أنّ دخول العثمانيين للمنطقة يعدّ احتلالاً أجنبياً أضعف المنطقة وكان سبباً في تدهورها، وجمودها الحضاري، ولم يلبث أن انتهى، حتى جاء احتلال القوى الاستعمارية الغربية ليقضي على آمال المنطقة بالنهوض.
أما الاتجاه الثاني؛ فيرى أنّ ما حدث كان "مجرد تبدل في الدول والأسر الحاكمة الإسلامية داخل الإطار الحضاري والثقافي نفسه؛ حيث حلّ العثمانيون محلّ المماليك، مثلما حلّت دولة المماليك محلّ الدولة الأيوبية، ومثلما حلّت الأسرة العباسية من قبل محلّ الأسرة الأموية في حكم الدولة الإسلامية، ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ الدولة العثمانية الفتية قد حمت المنطقة من التوسع الاستعماري الغربي لقرون".
غلاف كتاب "1517 الاحتلال العثماني لمصر وسقوط دولة المماليك"

"الجذور الإسلامية للرأسمالية"
يربط عماد أبو غازي مراجعته لتلك الحقبة بالدراسات الحديثة التي صدرت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، مثل دراسة الباحث الأمريكي بيتر جران حول "الجذور الإسلامية للرأسمالية"، إضافة لدراسات أخرى عن العصر العثماني؛ كدراسات "بوين وجيب" في الخمسينيات، ثمّ "ستانفورد شو" في مطلع الستينيات، وغيرها من الدراسات التي شجعت باحثين مصريين وعرب على دراسة تلك الحقبة برؤية جديدة.

عماد أبو غازي: لم يؤدِّ الاحتلال العثماني إلى تغيير جوهري في مصير المنطقة، أو حتى إلى تغيير طفيف

ويقول أبو غازي: "بعيداً عن تلك المدرسة التي تحركت من منطلقات علمية، لا يخلو الأمر من بعد سياسي؛ فقد ظهر اتجاه مدافع عن العصر العثماني مع الصعود الجديد للتيارات الإسلامية في المنطقة العربية سبعينيات القرن العشرين، إذ كانت تلك التيارات تسعى دوماً لتبرئة ساحة الدولة العثمانية من كلّ ما نسب إليها من آثام، باعتبارها الامتداد التاريخي لدولة الخلافة الإسلامية!"، مضيفاً: "بعض هذه الدراسات دانت كلّ ما جاء من الغرب، وفي مقدمته الحداثة ومعطياتها"، وسمّى عماد أبو غازي أصحاب هذه النظرية بـ "العثمانيين الجدد"، الذين حاولوا تقديم "صورة وردية عن العصر العثماني، ورفضوا، من حيث المبدأ، وصف العثمانيين بأنّهم محتلّون، باعتبار أنّهم يمثلون دولة جديدة من دول الخلافة الإسلامية حمت العالم العربي من الغزو الاستعماري الأوروبي، وأنقذت مصر والشام من عسف المماليك".

اقرأ أيضاً: السريان: مساهمات بارزة في الثقافة العربية ومذابح على يد العثمانيين
ويرى أبو غازي؛ أنّ أصحاب هذه النظرية يسعون إلى غسيل تاريخ الحكم العثماني في المنطقة، وقد استندت الأجيال الجديدة منهم "في ترويج دعاواهم على المنجز العلمي للمدرسة الجديدة للدراسات العثمانية".

 

سقوط دولة المماليك
وفي العودة لفترة سقوط دولة المماليك وانهيارها؛ لا يُبرىء عماد أبو غازي دولة المماليك من مسؤوليتها عن الانهيار الذي سبق الاحتلال العثماني للمنطقة، تحديداً في مصر؛ إذ يلقي الضوء على العوامل التي أدّت إلى انهيار دولة المماليك وهزيمتها، مستنداً لمؤلفات المؤرخين في تلك الفترة، مثل: مؤلفات "الإشبيلي"، و"ابن زنبل الرمال"، و"ابن إياس"، و"حسين أفندي الروزنامجي".

اقرأ أيضاً: عندما انتحل السلطان العثماني صفة الخلافة فأهانها
ويتساءل أبو غازي: هل يمكن إرجاع الانتصار العثماني إلى مجرد خيانة خاير بك وجان بردي الغزالي فحسب؟: "أظنّ أنّ الإجابة تأتي بالنفي؛ إذ إنّه رغم فداحة نتائج هذه الخيانة؛ حيث أودت خيانة الأول بمعظم الجيش المملوكي في معركة مرج دابق، وشلَّت خيانة الثاني مدفعية المصريين في الريدانية، وتركتها غنيمة سهلة في أيدي العثمانيين"؛ إذ يرجع أبو غازي عوامل الهزيمة إلى الانهيار الذي كان يعيشه المجتمع المصري في أواخر العصر المملوكي، الذي كان يحتم انحياز عناصر من الطبقة العليا المنهارة إلى جانب الغازي الجديد "عندما شعروا بالنهاية المحتومة"، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: كيف مثّل اشتراك العثمانيين بالحرب العالمية الأولى كارثة على العرب؟
ولعلّ الأزمة الاقتصادية كانت من أبرز الأسباب التي أدّت إلى الانهيار، وتدهور الأوضاع المعيشية للناس؛ إذ يرى أبو غازي أنّه على الصعيد الاقتصادي؛ عاش المجتمع المملوكي لأعوام طوال في ظلّ أزمة اقتصادية طاحنة، وقد مسّت هذه الأزمة الهياكل الاقتصادية الأساسية في المجتمع، وهزت قواعد اقتصاد البلاد الذي كان يعتمد بشكل أساسي على الانتاج الزراعي ثم على تجارة المرور".
وحين حاولت دولة المماليك التصدي لمعالجة الأزمة الاقتصادية "اتبعت أساليب فاقمت حدّة الأزمة بدلاً من أن تؤدي إلى حلّها؛ فقد لجأت الدولة إلى فرض ضرائب جديدة، أو إلى زيادة الضرائب المفروضة؛ الأمر الذي أدّى إلى اتساع ظاهرة هجر الفلاحين للأرض".

 

هل للعثمانيين فضل؟
من ناحية أخرى؛ يجيب عماد أبو غازي عن سؤال: "هل للعثمانيين فضل في حماية المنطقة العربية من الاحتلال الأوروبي؟" فيشير في دراسته إلى أنّه "وبعد نجاح البرتغاليين في تحقيق سيطرتهم على نقاط ارتكاز رئيسة في الخليج العربي وبحر العرب والخليج العربي وخليج عدن، قد تكون الدولة العثمانية قد نجحت في وقف الغارات البرتغالية على موانئ البحر الأحمر، إلا أنّها لم تنجح إطلاقاً في وقف سيطرتهم، ومن بعدهم الهولنديون فالإنجليز، على تجارة الشرق، ولا في منعهم من بناء نقاط ارتكاز في البحار الجنوبية ومنطقة الخليج".

اقرأ أيضاً: أردوغان والعثمانيون الجدد
يقول عماد أبو غازي: "إذاً، لم يؤدِّ الاحتلال العثماني إلى تغيير جوهري في مصير المنطقة، أو حتى إلى تغيير طفيف، فقد حقّق البرتغاليون جلّ أهدافهم من حروبهم في الشرق، والتي لم يكن من بينها احتلال المنطقة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية