هل سينجح نتنياهو في تخطي عقبات تشكيل الحكومة؟

هل سينجح نتنياهو في تخطي عقبات تشكيل الحكومة؟

هل سينجح نتنياهو في تخطي عقبات تشكيل الحكومة؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
24/11/2022

 

إسماعيل حسن

بعد أن ألحق هزيمة كبيرة بكل معارضيه، وصل بنيامين نتنياهو من جديد إلى الحُكم في إسرائيل،  لكنّ رئيس الوزراء الجديد يقف أمام مفترق حاسم، فإلى أي اتّجاه سيوجه الحكومة القادمة، فمن جهة يعود اليمين جائعاً للحكم بعد منفاه في المعارضة.

 حسب نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، تلقى نتنياهو تفويضاً كاملاً من الجمهور، كي يحكم لإجراء إصلاحات معمقة في جهاز القضاء، إلى جانب تعزيز الهويّة اليهودية في موضوع الدين والدولة، وتنفيذ تعييّنات يمينيّة والعمل في الموضوع السّياسيّ وتحقيق السّيادة في المناطق الفلسطينية وغيرها، وإذا اختار السير في هذا المسار، فلا يوجد أمامه من يوقفه، بات الجميع يعرف أنّ نتنياهو متّهم بمخالفات جنائية وجرائم خطيرة، وهو لا يستحق الوقوف على رأس الدولة في وضعه الحاليّ، ولكنّ الجمهور انتخبه والوضع الآن غير عادي.

 لذلك بدلاً من الاسّتناد إلى فرضية تقول بأنّ اليمين لن يفي بوعوده، يجب التوصيّة بالامتناع عن اختبار هذه المقولة، لأنّنا قد نصاب بخيبة أمل، وعندها سيكون الوقت متأخراً جداً، الاستنتاج المطلوب هو تقريباً حتميّ، فإذا كنّا نريد وبحق منع تحول إسرائيل إلى دولة ديمقراطية تخضع للشريعة، فيجب الانضمام للحكومة التي سيتم تشكيلها، فالحفاظ على مستقبل الدولة الديمقراطية أهم من أي شخص وأي محاكمة، الأمر المهم الآن ليس التأكد من أنّ مرحلة الإثبات مستمرة وأنّها ستمتد لبضع سنوات، وأنّنا سنرى نتنياهو يأتي في كل مرة إلى المحكمة، بل المهم هو مستقبل الدولة ببساطة.

أزمات تعيق تشكيل الحكومة

نتنياهو يواجه عوائق كثيرة تحول دون التقدم في إتّمام تشكيل الحكومة، كما أنّ الخلافات بيّن أحزاب كتلة اليمين تضاعفت، بنيامين نتنياهو يُجري مفاوضات ائتلافية دون أن يتمكن من الإعلان عن تشكيلة حكومته، فيما يسعى نتنياهو إلى تذليل الخلافات بين أحزاب الائتلاف، على أن يتمكن الأسبوع المقبل من تنفيذ مهمة تشكيل الحكومة، التي حصل على تفويض لها من الرئيس اسحاق هرتسوغ، بعد أن أوصى 63 نائباً بمنحه هذه المهمة، وفق الإجراءات المتّبع اتخاذها لتشكيل حكومة بعد الانتخابات البرلمانيّة، ولم يشكل توزيع الحقائب الوزارية العقبة الوحيدة أمام إمكانيّة تشكيل حكومة وعرضها على الكنيست فحسب، بل ضاعف رؤساء الأحزاب مطالبهم من نتنياهو، علماً بأنّه تم الاتفاق بين الطرفين على مختلف القضايا.

استمرار البرنامج في إيران دون إطار مقيّد، من شأنّه أن يؤدي إلى واقع إيران نوويّة

 وتعتبر وزارة الأمن الأكثر إشكالية وتعقيداً في مشاورات الائتلاف، إذ يريد نتنياهو الاحتفاظ بهذه الحقيبة، لتبقى ورقة مساومة مستقبلية في حال نجح في التحالف مع بيني غانتس، تفادياً لإشكاليات مستقبليّة مع أحزاب الائتلاف اليمينيّة واليمينيّة المتطرفة، في المقابل يتمسك بن غفير وسموتريتش بحقيبة الأمن، وهذه مشكلة أساسية تواجه نتنياهو في تشكيل الحكومة، بخصوص جهاز القضاء سيفكر نتنياهو في تعيين الجنرال احتياط يواف غالنت وزيراً للدفاع، لكن من المرجح أن يطلب الاحتفاظ لنفسّه بتأثير كبير على ما يجري في الوزارة، في هذه الحالة ستكون هناك أهمية كبيرة لمسألة من الذين سيتم تعييّنهم في منصب رئيس هيئة الأمن القومي ومنصب مدير عام وزارة الدفاع، يمكن التقدير بأنّ الاثنين اللذين يتوليان هذه المناصب الآن هما ايال حولتا والجنرال احتياط أمير ايشل، ومن بيّن المرشحين المحتملين لهذه المناصب ذكر أيضاً اسم رئيس هيئة الأمن القومي مئير شباط والجنرال احتياط ايال زمير.

إيران نووية

هناك عدة تحديّات أمنيّة تفاقم وضع الدولة، ويتطلب الأمر إيجاد تغيير سريع لعدد من القضايا ومنها برنامج إيران النوويّ، فاستمرار البرنامج في إيران دون إطار مقيّد، من شأنّه أن يؤدي إلى واقع إيران نوويّة، الواقع الناشئ أمامنا هو أنّه كنتيجة لإسناد إيران لروسيا، فإنّها تعظم حصانتها في وجه العقوبات الغربية، وتشّوش إمكانيّة هجوم عسكريّ ضدها، إيران تواصل التقدم إلى قدرات حافة نوويّة، كما أنّ إسناد القوتيّن الصينية والروسيّة من شأنّه أن يشجع إيران في طريقها إلى القنبلة النوويّة، فالتجربة تثبت بأنّ القدرة النوويّة تضمن بقاء النظام.

نتنياهو تاريخياً تميز بالبراغماتيّة من بيّن أعضاء الائتلاف المحافظ  الدينيّ، ولم يسير نحو إحداث أي تغيّيرات بعيدة المدة في الضفة الغربية، وحافظ على جهاز القضاء

 في المقابل هناك تخوف إيرانيّ من أن يستغل الأعداء الاضطرابات في الشوارع لغرض تقويض النظام. أما على الساحة الفلسطينية فإسرائيل تنزلق إلى واقع الدولة الواحدة، حفظ الواقع الحالي للحكم الذاتيّ عملياً مرتبط جداً بوجود السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وانحلال السلطة سيعيد صلاحية إدارة الحياة اليوميّة للفلسطينيين إلى إسرائيل، ومن شأنّ ذلك أن يخلق واقع دولة واحدة إما ستكون غير يهوديّة أو ستكون غير ديمقراطيّة، كلما استمرت سياسة غياب الحسم في هذه المسألة، ستتعزز المحافل التي تقوّض السلطة الفلسطينية من الداخل، السلطة بمفاسد زعامتها وصلت إلى حافة الانكسار، ما يعني أن تتلقى رصاصة الرحمة مع الدخول إلى صراع الزعامة بعد انتهاء عصر أبو مازن، أي أنّ معركة إرث الرسائل الوطنيّة التي ستوجه إلى الشباب الغاضب، الذين سيردون بتصعيد العنف حتى انتفاضة واسعة وخطيرة، في المسألة اللبنانية يدخل نتنياهو الحكم ولبنان ليس فيها رئيس دولة يؤدي مهامه، بل يوجد حزب الله الذي يعرض نفسه كالمحفل الأقوى والأكثر حماية للمجتمع اللبنانيّ، تعزيز مكانته الدّاخليّة ووهم الثقة الذاتيّة لنصر الله من شأنّهما أن يسحقا ميزان الردع، إذا استأنف حزب الله تهديداته، فستكون حكومة إسرائيل مطالبة بأنّ ترد بشكل يعيد الردع، وذلك دون الانزلاق إلى حرب وهذا السيناريو مسألة وقت فقط.

العالم يرفض صعود المتدينين

في السّنة الأخيرة طرحت كتلة نتنياهو جملة ادعاءات ضد حكومة التغيير عن التمييز في التمثيل في لجان الكنيست، وعن المستشارة القانونيّة للحكومة التي أقرت تعييّنات واتفاقات دوليّة، وعن لبيد الذي عيّن قريبته في الصندوق القوميّ، وعن منصور عباس الذي تلقى جملة ميزانيات ووعود مقابل البقاء في الائتلاف، وعن الوزير متان كهانا الذي أجرى تغييّرات في مواضيع الدين والدولة، وعن وزير العدل جدعون ساعر الذي عيّن قضاة وفق رغبته، وحاول سن قانون تقييد ولاية رئيس الوزراء.

هناك عدة تحديّات أمنيّة

 وفي هذا التوقيت تأتي الأحزاب الحريدية وأعضاء الليكود للحكم والنار في عيونهم، فقد تعلموا من اليسار الكثير، العالم متخوّف من صعود ايتمار بن غفير الذي لم يكن معروفاً في العالم، وكتبت واشنطن بوست عنه تقول: " قومي يهوديّ متطرف دعا إلى طرد مواطنين إسرائيليين غير موالين وبينهم يساريون وعرب" بينما نتنياهو معروف بمحبة صورته السياسيّة في العالم، ولن يرغب في التعّرض للانتقاد من قادة دول العالم .

 كما أنّ نتنياهو تاريخياً تميز بالبراغماتيّة من بيّن أعضاء الائتلاف المحافظ  الدينيّ، ولم يسير نحو إحداث أي تغيّيرات بعيدة المدة في الضفة الغربية، وحافظ على جهاز القضاء وأدخل أحزاب الوسط إلى الائتلاف، كي يكون هناك من يقيّده من اليسار، هذه المرة لا خوف من إدخال حزب آخر من الوسط في المرحلة الأولى، لكنّ شركاءه في كتلة اليمين يخافون من أنّ نتنياهو هو الذي سيمنعهم من أن يحكموا ويحققوا أجنداتهم التي تعهد بها اليمين.

إصلاح جهاز القضاء

خلال الشهرين الأخيرين أدار حزب الليكود حملة مخططة ومهندسة ومنضبطة بدرجة لا تصدق، تم إسكات أعضاء الكنيست الذين يصرخون من المقاعد الأخيرة حتى إغلاق صناديق الاقتراع، وتم إخفاء التحالف مع ايتمار بن غبير، وعرض المرشح لرئاسة الحكومة وجهاً مسؤولاً رسمياً تقريباً، خلال السنوات الطويلة الماضيّة التي تولى فيها نتنياهو الحكم، شاهدنا وجوهاً مختلفة لنتنياهو ظهرت أكثر من مرة فجوة بين الخطاب المتشدد والهجوميّ وبين الأفعال نفسها، فتهديدات أعداء إسرائيل لم تترجم إلى مغامرات عسكريّة، والتطاول على جهاز القضاء لم يخدمه حتى الآن من أجل القيام بمحاولة تغيير الديمقراطية، من الأساس الظروف في هذه المرة مختلفة، على ما يبدو ستقضى الحاجة إلى سن قانون يوقف الإجراءات القضائيّة ضده.

تعتبر وزارة الأمن الأكثر إشكالية وتعقيداً في مشاورات الائتلاف، إذ يريد نتنياهو الاحتفاظ بهذه الحقيبة، لتبقى ورقة مساومة مستقبلية في حال نجح في التحالف مع بيني غانتس

 في المرات القليلة التي تطرق فيها نتنياهو إلى إصلاحات قضائيّة، قال شيئاً ما عن لجنة التحقيق في قضاياه، يمكن التقدير بثقة معينة بأنّ أعضاء هذه اللجنة قد تم تعيّينهم بالفعل وتم تحديد أهدافها، النتيجة المهمة بالنسبة لنتنياهو هي وقف محاكمته، لكنّ ذلك سيرافقه تغيّير في التشريع الذي قد يغير الديمقراطيّة في إسرائيل، رجال القانون الذين يتابعون الإجراءات، على قناعة بأنّ الائتلاف الجديد يمكنّه استكمال هذه الإجراءات خلال بضعة أشهر بدون صعوبة.

 يحرص نتنياهو على أن لا يرى فيه معارضوه الإسرائيليون شخصية مقسمة، حمّلة التخويف في معاقل اليسار من تغيير النظام تشعله كثيراً، في الأيّام الأخيرة طلب مكتب نتنياهو من مسؤولي الليكود تهدئة الجمهور على هذه الخلفيّة، هناك من يقدر في الليكود بأنّ نتنياهو سيرغب في تعزيز الشخصيات المعتدلة والرسميّة أكثر في قائمته خلال توزيع الحقائب، ومع ذلك فإنّ شريكيّه بن غفير وسموتريتش لن يسمحا له بالانحراف عن حكم يميني، بكل القوة في السياسة لا يمكن أن نعرف متى تقع الفرصة في يديك للعودة إلى الحكم بهذا الشكل الواضح، على نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيرمم مكانته حيّال معارضيه ويحاول توحيد الشعب.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/13260787



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية