هل عادت الأزمة السياسية في السودان إلى المربع صفر؟

هل عادت الأزمة السياسية في السودان إلى المربع صفر؟

هل عادت الأزمة السياسية في السودان إلى المربع صفر؟


05/12/2022

ما يراه المراقبون تراجعاً من المؤسسة العسكرية السودانية عن المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير التي كانت على وشك النجاح بحسب التصريحات المتعددة الأطراف، إنما هو عودة إلى الأصل الذي تعهد بموجبه الجيش بتسليم السلطة للمدنيين والانسحاب من الحياة السياسية؛ ألا وهو اتفاق القوى السياسية كافة، عدا المؤتمر الوطني المحلول.

كانت القوى السياسية التي ترى دوراً للجيش في الفترة الانتقالية غاضبة من المحادثات الأخيرة على مدار الشهرين بين الجيش ومجموعة قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، ورحبت هذه القوى بالتصريحات الأخيرة لقائد الجيش، البرهان، الذي أكد فيها على ضرورة الإجماع السياسي على أي اتفاق قبل توقيعه.

المربع صفر

وبعد تصريحات متكررة من قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي عن قرب التوصل لاتفاق لإنهاء الأزمة، جاءت تصريحات رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان لتقضي على جهود التسوية التي وصفها معارضوها بالثنائية بين الطرفين.

وقال البرهان في لقاء مع الضباط والجنود في قاعدة المرخيات العسكرية: "ليس هناك تسوية ثنائية. هناك ورقة قدمت وقدمنا ليهم ملاحظاتنا ومن ضمنها استقلالية الجيش". وأشار البرهان إلى فض الشراكة مع الحرية والتغيير العام الماضي، لأنها "مدت يدها نحو التدخل في الجيش". وحذر من أي محاولة للمساس بالجيش من كافة القوى بما فيها الإسلاميين.

د. محمد تورشين: التفاؤل بقرب التسوية لم يكن في محله

ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد تورشين، أنّ المؤسسة العسكرية ممثلة في البرهان ظلت تستخدم الكثير من التصريحات لإرباك المشهد السياسي. وأشار إلى أنّ تصريحات قوى الحرية والتغيير بفصائلها أربكت المشهد، مثل حزب البعث الذي كان يرفض التسوية وتغير نحوها.

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ وثيقة الدستور الانتقالي التي أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين مثيرة للخلاف. وقال بأنّ جميع الأطراف كان لها ملاحظات على الوثيقة، وبعضها رفضها تماماً مثل الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية، ما يعني أنّ التفاؤل بقرب التسوية لم يكن في محله.

ومن جانبه أوضح عضو حزب الأمة السوداني، محمد عصام المشرف، أنّه لا توجد تسوية بمعناها الذي يتضمن الحلّ الشامل بوجود كافة القوى السياسية؛ لأنّ مجموعة المجلس المركزي في الحرية والتغيير مصرين على احتكار الساحة السياسية، وتولي السلطة في الفترة الانتقالية.

لم يقبل الشارع الذي تحركه لجان المقاومة بالتسوية السابقة التزاماً باللاءات الثلاث يرفعها المحتجون "لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية"

ونوه لـ"حفريات" بأنّ هذه المجموعة يريدون من القوى الأخرى تأييد سلطتهم فقط. وأضاف: "هذا غير ممكن؛ لأنّ الحرية والتغيير نفسها تعيش حالة من التشظي والسيولة، وبعد أنّ كانت 60 كياناً لم يبق منها سوى ثلاثة أحزاب. وبحسبه فقد وضع الجيش مهمة التوافق بين القوى السياسية على عاتق الحرية والتغيير - المجلس المركزي، "أي تسوية شاملة تعني القضاء على أحلام السلطة لديهم".

وأفاد بأنّ "الأحزاب الثلاثة في المجلس المركزي تريد احتكار الثورة والوصاية على إدارة الفترة الانتقالية، عبر اختيار رئيس الوزراء والحكومة والتعيينات في القضاء والنيابة العامة".

التوافق المفقود

وسبق أن أعلنت الحرية والتغيير - المجلس المركزي رؤية سياسية نصت على تقسيم القوى السياسية في السودان إلى فئتين، الأولى قوى الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر. ويكون لها حق اختيار رئيس الوزراء ورأس الدولة (مجلس السيادة)، وتشمل الحرية والتغيير والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديمقراطي.

والفئة الثانية هي قوى الانتقال الديمقراطي التي شاركت في التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي. لها من السلطة حق التشاور معها في تشكيل الحكومة الانتقالية فقط. وفي السياق ذاته قالت نائبة الأمين العام لحزب الأمة القومي، حليمة البشير: "الرؤية المقدمة من تحالف الحرية والتغيير قامت فكرتها على توسيع دائرة المشاركة السياسية، حتى يتسنى لنا بناء أكبر كتلة مدنية، ولذلك جاءت المشاركة على ثلاث مراحل، أولها قوى الثورة الحية وهي؛ الأحزاب السياسية الداعية للتحول المدني الديمقراطي ولجان المقاومة وأجسام مدنية وقعت على إعلان الحرية والتغيير ولم تُمثّل فيه، وقوى بما فيها الطرق الصوفية والكيانات الدينية والمبادرات الداعمة للتحول الديمقراطي.

حليمة البشير: الجميع مشارك في وضع الدستور الانتقالي

وذكرت لـ"حفريات" بأنّ المرحلة الثانية تشمل القوى الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، وتشمل نداء السودان وتطوير عملية السلام حتى تكون كاملة وشاملة، تخاطب جذور الأزمة السودانية من من خلال مراجعة الاتفاق بموافقة الأطراف بالتوافق، وحتى يستكمل السلام برؤية قومية بتوقيع عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو.

وتأتي المرحلة الثالثة لتشمل شركاء في هذا الوطن يتم التشاور معهم، وهم الحزب الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي وأنصار السنة. وترى نائبة الأمين العام لحزب الأمة القومي، أنّ "الجميع مشارك في وضع الدستور الانتقالي، وهذه هي الرؤية والأساس التي تمكن الجميع من دعم التحول المدني الديمقراطي، وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة".

وبخلاف هذا الرأي، ترفض قوى سياسية عديدة مشروع الدستور الانتقالي الذي تقوم عليه جهود التوصل إلى تسوية برعاية الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية. من هؤلاء الإسلاميين بسائر تصنيفاتهم حتى حزب المؤتمر الشعبي الذي استنكر توقيع قيادات منه على الدستور الانتقالي، وقوى سياسية غير إسلامية مثل الحزب الاتحادي الأصل وحزب الأمة السوداني وأطراف سلام جوبا والكيانات الأهلية في شرق السودان والشمال والوسط وغيرهم، وحتى قوى سياسية داخل الحرية والتغيير مثل لجان المقاومة والحزب الشيوعي، والتي تُعرف بقوى "التغيير الجذري".

السياسي محمد المشرف لـ"حفريات": الحرية والتغيير نفسها تعيش حالة من التشظي والسيولة وبعد أنّ كانت 60 كياناً لم يبق منها سوى ثلاثة أحزاب

ويرى السياسي السوداني، محمد المشرف، ضرورة مبادرة الجيش بدعوة كافة القوى السياسية ما عدا حزب المؤتمر الوطني المنحل إلى مائدة نقاش مستديرة، "ليكون ما يخرج عنها مُلزماً في الفترة الانتقالية بدلاً من ترك هذه المهمة لقوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي".

ولا يتفائل الأكاديمي السوداني، محمد تورشين، بالوثيقة الدستورية المطروحة كأساس للحل. وقال: "هناك تباين واضح حول المسودة؛ قوى سياسة ثورية رافضة بجانب رفض أطراف سلام جوبا الذي تريد المسودة مراجعته، بينما يحظى الاتفاق بضمانات إقليمية ودولية".

العودة للشارع

ولم يقتصر الخلاف بشأن التسوية على القوى السياسية، وبحسب متابعين هناك خلافات بين البرهان ونائبه في مجلس السيادة، رئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي كان سباقاً في دعم التسوية مع الحرية والتغيير على أساس دستور المحامين.

ومن المرجح أنّ تعود الحرية والتغيير بزخم أكبر عبر الشارع لممارسة ضغط على الجيش للعودة إلى التسوية، لكن الآخير بات مدركاً لضعف قدرة الحرية والتغيير على التحكم في الشارع، بعد ما بات الأخير رافضاً لهم بسبب التفاوض مع الجيش.

وكانت لجان المقاومة أعلنت رفض دعوة من تحالف الحرية والتغيير - المركزي للنقاش حول الاتفاق الإطاري المزمع التوقيع عليه مع قادة الجيش حول الترتيبات الدستورية للفترة الانتقالية وحل أزمة الحكم الحالية في البلاد. واتهمت اللجان التحالف بمحاولة تفكيكها "لتمرير التسوية السياسية مع العسكريين".

من زاوية أخرى، يرى السياسي محمد المشرف أنّ "البرهان يتمتع بذكاء ولديه رغبة لاستمرار حكم العسكريين من منطلق قومي، ولهذا ترك مهمة اتفاق القوى السياسية على عاتق الحرية والتغيير - المركزي". وتوقع المشرف "فشل الحرية والتغيير في ذلك".

محمد المشرف: لا توجد تسوية بمعناها الذي يتضمن الحلّ الشامل

وكانت تصريحات سابقة للبرهان طالت الإسلاميين الذين عادوا إلى الحياة السياسية بقوة بعد أحداث 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 التي أطاح فيها بشركاء الفترة الانتقالية من الحرية والتغيير. وتسببت عودة زعيم الطريقة الختمية ورئيس الحزب الديمقراطي الاتحادي الأصل، مولانا محمد عثمان الميرغني، في ارتباك حظوظ الحرية والتغيير - المركزي، بعد ما عولت على توقيع قيادات من الاتحادي على دستور نقابة المحامين لكسب الشرعية أمام الجيش والشارع. وأعلن نائب رئيس الحزب، جعفر الميرغني، عن التوافق مع الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية وقوى سياسية أخرى على مبادرة سياسية تقوم على الحفاظ على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية بعد تعديلاتها في 25 أكتوبر، ورفض دستور نقابة المحامين.

ومن المتوقع أنّ يعود الزخم إلى المظاهرات في الشارع بعد إخفاق جهود التسوية. ولم يقبل الشارع الذي تحركه لجان المقاومة بالتسوية السابقة، التزاماً باللاءات الثلاث يرفعها المحتجون "لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية". وستحل الذكرى الرابعة لثورة 30 ديسمبر خلال أيام، وتعتبر فرصة هامة أمام لجان المقاومة للحشد والتعبئة ضد الجيش، خصوصاً بعد جمود جهود التسوية.

ويذكر أنّ السودان يعيش أزمة سياسية واسعة منذ قرارات قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، التي كان أبرزها حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين وإقالة بعض الولاة وتوقيف مسؤولين وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ، وهي الخطوات التي اعتبرها "تصحيحية" لمسار البلاد، فيما رفضها المكون المدني، الذي دعا لاحتجاجات ما زالت مستمرة.

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

الاتحاد الأفريقي يعلن موقفه من "الآلية الثلاثية" في السودان... ما هو؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية