هل فقد البريطانيون الثقة في قادتهم؟

هل فقد البريطانيون الثقة في قادتهم؟

هل فقد البريطانيون الثقة في قادتهم؟


26/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، إنه مستعد لقيادة البلاد "نحو المستقبل ووضع احتياجاتكم فوق السياسة".

وأضاف، في أول خطاب له أمس، عقب توليه رسمياً مهام منصبه، أنه سيشكل حكومة وصفها بأنها "تمثل أفضل ما في حزبي"، وقال إنه يتفهم جيداً أنّ لديه عملاً يقوم به لاستعادة الثقة بعد كل ما حدث، وفق "بي بي سي".

وقال سوناك إنّ هناك "قرارات صعبة قادمة" وتعهد بتوحيد البلاد.

وتولى سوناك رسمياً منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، بعد أن كلفه الملك تشارلز الثالث بتشكيل الحكومة الجديدة.

التقرير التالي يقرأ الوضع في بريطانيا قبل التطورات التي شهدها يوم أمس. (المحرر)

***

الأحداث الصادمة تَرِثُ تَرِكات تعرَّضت للصدمة. نعرفُ هذا في حيواتنا الشّخصيّة. وينطبق الشّيء نفسه على الدّول وسياساتها، أيضاً. لم تنته مأساة وملهاة الأشهر الماضية. وقد يكون هناك المزيد من الاضطّرابات، خاصّة إذا عاد بوريس جونسون. لكن حتّى لو لم يعد، فإنّ هذه الأشهر ستترك آثاراً شديدة إذ تُعاني السّياسة البريطانيّة شكلاً من أشكال «اضطّراب كرب ما بعد الصّدمة».

ليز تروس، إلى اليسار، ومراسلة البي بي سي لورا كوينسبرغ خلال سباق قيادة حزب المحافظين في 4 سبتمبر

بلدانٌ كثيرةٌ تواصل العيش مع أهوال أكثر قتامة في النّفوس الجماعيّة لمواطنيها. لا تزال ألمانيا الحديثة تتشكّل من خلال رفضٍ لا ينثني للماضي النّازيّ. لا تزال السّياسة الخارجيّة للولايات المّتحدة موسومة بشكل لا يُمحى بكارثة فيتنام. في التّاريخ الرّوسيّ، هناك فترة - استمرّت من عام 1598 حتّى عام 1613 - تُعرف ببساطة باسم «وقت الاضطّرابات»؛ فلاديمير بوتين يحاول باستمرار تعزيز حكمه السلطويّ من خلال التّحذير من أنّ مثل هذا الوقت يجب ألّا يأتي مرّة أخرى.

في بريطانيا، يجب علينا، أيضاً، أن نرى الضّرر المدنيّ الأوسع لعصر جونسون وليز تروس. إنّنا بحاجة إلى طرح أسئلة غير حزبيّة حول التّأثير طويل المدى لسقوط رؤساء الوزراء، ومجيء الوزراء ورحيلهم، وتجربة مراقبة اقتصادٍ على حافّة السّكين. يتطلّب هذا منّا أن نتراجع ونُفكّر في الكيفيّة التي يمكن أن تُشكّل بها أحداث عام 2022 أولئك الذين سيحكمون لبقيّة هذا العقد وما بعده.

عندما تقع أحداث مثل هذه في بريطانيا من المغري الاعتقاد بأنّه ستنتاب الجمهور والسّياسيّين لحظة تجلّ حول أهميّة الحكومة والدّولة في توفير الاستقرار، والأمن، والعدالة

يمكن قول شيء واحد بثقة: سيُنظر إلى الانهيارات الدّاخليّة لحكومات حزب المحافظين على أنّها لحظات «لن تتكرر أبداً»، وليس فقط داخل حزب المحافظين. ستنضمّ فوضى عام 2022 إلى أحداث من أوقات سابقة، مثل حرب العراق، وميزانيّة عام 1981، وأزمة السّويس عام 1956، باعتبارها علامات تحذيرٍ حاسمة تُشكّل خيارات الإدارات المقبلة. عامنا هذا، الذي شهد تعدد رؤساء الوزراء والمستشارين، سيكون حكاية تحذيريّة لفترة طويلة قادمة.

أثر الجرح سيُشكّل السّياسة المستقبليّة، وليس فقط الأسبوع المقبل.

فيما يلي خمسة مجالات فقط حيث من المحتمل أن يكون التّأثير طويلاً وقويّاً - وربما غير متوقّع. وكلّها متشابكة. وقليل منها يمنح أملًا سهلاً في أن يؤدّي وقت الاضطرابات هذا، الذي يتصدّره حزب المحافظين، إلى بدء شيء يقترب من تحوّلٍ مفاجيءٍ في حُجّة ومنطق السّياسة العامّة على النّحو الذي يودّ الكثير منّا رؤيته.

حزب المحافظين

على الرّغم من أنّ وزير الخزانة جيريمي هانت لا يزال يَستدعي نزعة محافظة رَؤُوفة وقائمة على وحدة الأمّة، فإنّ هذا التّقلد أُضعِفَ بشكل قاتل. لقد تحرّك حزب المحافظين بشكل حاسم إلى اليمين، مستحضراً الكثير من رؤية حزب الاستقلال اليمينيّ الشّعبويّ. وعلى الرّغم من سقوط ليز تروس، تظلّ النّزعة الفرديّة التّملّكيّة المستمدّة من حقبة تاتشر الأيديولوجيا التّلقائية لكثير من أعضاء الحزب. التّدخّلات الماليّة الكبيرة بسبب الكوفيد وأسعار الطّاقة، وهجوم السّوق على التّخفيضات الضّريبيّة للميزانيّة المصغّرة، لم تفعل الكثير لتغيير هذا. المحافظون الذين يُحاججون بضرورة زيادة الضّرائب، مثل الصّحافيّ دانيال فينكلشتاين هذا الأسبوع، نادرون للغاية. وأولئك الذين يأملون في عودة حزب مايكل هيسلتين بطريقةٍ ما من رماد كارثة تروس سيصابون بخيبة أمل. إذا استعاد جونسون الحزب الأسبوع المقبل، فإنّ احتماليّة انقسام المحافظين، كما حصل لليبراليّين في عام 1918 وحزب العمّال في عام 1981، ستزداد، مع عواقب دائمة.

وزير الخزانة جيريمي هانت

السّياسة الماليّة

الخلافات حول الميزانية المصغّرة لوزير الخزانة السّابق كواسي كوارتنغ لم تُحلّ. من النّاحية المنطقيّة، فإنّ الضّربات التي تعرّضت لها التّخفيضات الضّريبيّة لحكومة تروس يجب أن تدفع نحو عودة إلى الأرثوذكسيّة في صنع السّياسة، بدلاً من الرّاديكاليّة. ومع ذلك، فإنّ حزب المحافظين (وصحيفة الدّيلي ميل) غير مقتنعين. في الواقع، قد يأخذ حزب العمّال الدّرس على محمل الجدّ أكثر من المحافظين. ولذلك، فإنّ الحجّة المنطقيّة لفرض ضرائب أعلى ومزيد من الإنفاق - في وقت تبدو فيه الاحتياجات كبيرة للغاية - لا تزال تبحث عن وطن سياسيّ. في غضون ذلك، أصبح المحافظون التّحرريّون مقتنعين بأنّ الأرثوذكسيّة الاقتصاديّة تُستخدم دائماً كسلاح لمحاولة انتقاد البريكست. ستكون لصدمة عام 2022 عواقب طويلة، بما في ذلك عواقب غير منطقيّة.

البريكست

قد تعتقد أن صدمة الميزانية المصغّرة ستسمح الآن بمزيد من المقاربات البراغماتية للبريكست. كما أشار مارك كارني، قبل بضعة أيّام، كان الاقتصاد البريطانيّ في عام 2016 يبلغ 90 في المائة من حجم الاقتصاد الألمانيّ، لكنّه أقلّ من 70 في المائة. الآن، بعد أن دُمّرت حلول كالتّخفيضات الضّريبيّة ومضاعفة عدم المساواة، هناك منطق جديد في إقامة روابط اقتصاديّة «بعد بريكستية» أفضل مع الاتّحاد الأوروبيّ. هذه، على الأقلّ، وجهة نظر المؤرّخ أنتوني سيلدون، الذي أخبرني، هذا الأسبوع، أنّ إذلال الميزانيّة المصغّرة هو «نهاية لوجهة النظر البريكستية القائلة بأنّه يمكن إلقاء اللوم بشأن كلّ شيء على ما يسمّيه اللورد فروست (الطّبقات المتنمّرة) وعلى (حماقة) الأغبياء الذين لا يستطيعون رؤية الحقيقة». من النّاحية الفكريّة، قد يكون كلام سيلدون في محلّه. لكن لا تحبس أنفاسك انتظاراً لمقاربة أكثر براغماتيّة للبريكست.

الدّيموقراطيّة البرلمانيّة

يعتبر التّغيير السّريع للحكومات، والوزراء، والسّياسات في عام 2022 غير مسبوق. ترجع أصول ذلك إلى التّصويت على البريكست، لكن التّقلّبات لا تُظهر أيّ علامة على الانتهاء. لا يمكن المبالغة في التّحدّي الذي يمثّله هذا للدّيمقراطيّة البرلمانيّة غير المصحّحة. إنّ حقبة ما بعد الحرب، التي تأرجحت فيها بريطانيا بسلاسة تقريباً بين الحكومات الرّأسماليّة الليبراليّة في ظلّ حزب المحافظين والحكومات الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في ظلّ حزب العمّال - ولكن التي كان فيها، مع ذلك، عناصر مهمّة من الاستمراريّة واحترام البرلمان والمؤسّسات الأخرى - ولّت منذ فترة طويلة. هذا الأسبوع، قال لي المؤرّخ بيتر هينيسي: «إذا استمرّت سمات الصراخ، والفظاظة، والمكر التي وَسَمت فترة التصويت على البريكست في كونها الحالة الطّبيعيّة، فسوف يُنظر إلى عقد 2020 على أنّه عقد ضائع وسوف يتعمّق التّشاؤم».

ثقة الجمهور

قد يُثبِت الحطّ من تروس حطّاً من الطّبقة السّياسيّة البريطانيّة بشكل عام. إنّه يتحدّى ادّعاء أن يقوم الوزراء بالقيادة بحكمة، والشرح بوضوح، والتّنفيذ بكفاءة. لاستعارة صيحة غالباً ما تُطلق في أوجه الحُكّام من مدرّجات كرة القدم، يُعدّ هذا العام لحظة «أنت لا تعرف ما تفعله» بالنّسبة إلى الحكومة البريطانيّة. لكنّها لحظة ستشكّل الثّقة في الحكومات المستقبليّة من جميع الألوان، أيضاً، لأنّ الثّقة منخفضة جداً بالفعل. يقول الخبير في حزب المحافظين تيم بيل: «إلى جانب فضيحة النّفقات، ستُلحِق هذه الأحداث قدراً كبيراً من الضّرر. والسّؤال المطروح هو ما إذا كان سوء إدارة الحكومة للأحداث سيكون له ببساطة تأثير سلبيّ أم أنّه سيشجّع مقاربةً أكثر إيجابيّة للإصلاحات مثل التّمثيل النّسبيّ».

يعتبر التّغيير السّريع للحكومات، والوزراء، والسّياسات في عام 2022 غير مسبوق. ترجع أصول ذلك إلى التّصويت على البريكست، لكن التّقلّبات لا تُظهر أيّ علامة على الانتهاء

عندما تقع أحداث مثل هذه، من المغري الاعتقاد بأنّه ستنتاب الجمهور والسّياسيّين لحظة تجلّ حول أهميّة الحكومة والدّولة في توفير الاستقرار، والأمن، والعدالة. هينيسي، الذي أطلقَ على كتابه عن بريطانيا بعد عام 1945 «لن يتكرّر مرّة أخرى»، قَلِقَ بشأن ما إذا كان ما حدث حينها سيتكرّر في عام 2024، على الرّغم من أنّه يعتقد أنّ كير ستارمر قادر على قيادة البلاد. هذا الحذر مفهوم بشكل كئيب. السّؤال الأكبر بعد الانهيار الدّاخليّ لحكومة تروس هو ما إذا كان الجمهور على استعداد للثّقة في أيّ سياسيّ بعد الآن.

المصدر:

مارتن كيتل، الغارديان، 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2022

https://www.theguardian.com/commentisfree/2022/oct/21/truss-british-politics-brexit-public-trust




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية