هل يترجّل أبو مازن عن كرسي الرئاسة الفلسطينية؟

هل يترجّل أبو مازن عن كرسي الرئاسة الفلسطينية؟

هل يترجّل أبو مازن عن كرسي الرئاسة الفلسطينية؟


02/02/2023

في وقت تعددت فيه المؤشرات عن قرب رحيل الرئيس الفلسطيني عن رئاسة السلطة وربما رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، يُطرح سؤال: هل الأهم من سيخلف أبو مازن، أم بأية آلية سيخلفه؟

يرى الكاتب والصحفي الفلسطيني، ماجد كيالي، بأنّ مشكلة حركة فتح أو أزمتها لا تتعلق بأشخاص، بل لأنها أضاعت ذاتها، وفقدت روحها كحركة وطنية تعدّدية متنوّعة تشبه شعبها.

يقول كيالي لـ"حفريات"، بأنّ فتح باتت حركة بلون واحد وتيار واحد، وفقدت هويتها كحركة تحرّر وطني، وتحولت إلى حزب السلطة، بما في ذلك من تسيد لعلاقات الفساد والمحسوبية.

تسريبات متبادلة

وخلال الأشهر القريبة الماضية، راجت تسريبات صوتية منسوبة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، حول صراعات مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، الذي يشغل موقع الرئاسات الثلاث؛ السلطة الوطنية، منظمة التحرير، حركة فتح، ومن جانب آخر، نُشرت تسريبات لقيادي فلسطيني يهاجم حسين الشيخ.

لا يمكن التثبت من صحة تلك التسريبات، التي يقول عنها المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع بأنّها "لا أهمية حقيقية لها؛ من خلال التكنولوجيا يمكن إنتاج مثلها بنفس طبقة الصوت لأية شخصية".

ماجد كيالي: فتح باتت حركة بلون واحد وتيار واحد

من جانبه، يرى الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني، ربيع أبو حطب، أنّ هناك مؤشرات تفيد بالتهيئة لخلافة عباس، وذكر منها تجميد أبناء الرئيس عباس أنشطتهم التجارية في الضفة الغربية، وترميم مسكن الرئيس في عاصمة عربية.

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ المؤشر الحقيقي على قرب خروج عباس من المشهد، تحركات أجرتها المخابرات المصرية مع قيادي فلسطيني بارز زار القاهرة ثم عاصمة غربية، وأجرى اتصالات مع الفصائل الفلسطينية لإنضاج رؤية وطنية جامعة، لإدارة أي فراغ، منعاً لأي فوضى سيتأثر بها الجميع.

واُنتخب أبو مازن رئيساً للسلطة الفلسطينية في عام 2005، في آخر انتخابات رئاسية شهدتها السلطة. وتم التجديد لعباس البالغ من العمر (88) عاماً لرئاسة السلطة بقرارات من المجلس المركزي، وكذا لرئاسة فتح ومنظمة التحرير بطريقة يراها بعضهم غير ديمقراطية.

ومنذ إعلان قيام السلطة الوطنية، شهدت فلسطين إجراء الانتخابات الرئاسية مرتين؛ عام 1996 و2005، والتشريعية مرتين، عام 1996، وعام 2006، ولم تشارك حماس في الانتخابات الأولى.

هناك معضلة تواجه انتقال السلطة الفلسطينية حال وفاة الرئيس عباس بسبب غياب نصّ في القانون الأساسي ينظم انتقال السلطة في حالة حلّ المجلس التشريعي

تأتي تلك الأحداث في ظل إخفاق إعلان الجزائر للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، الذي رعته الجزائر قبيل القمة العربية التي استضافتها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. ومن قبل أخفقت مبادرات القاهرة في 2021 لإنهاء حالة الانقسام، رغم توصلها إلى خريطة زمنية تضمنت إجراء الانتخابات وفق مواعيد متتابعة، بعد تراجع حماس عن مطلبها بتزامن انتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة.

من جانبها، بررت السلطة الفلسطينية عدم إصدار مراسيم الدعوة لانتخابات برفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وهو الأمر الذي لم يكن ممكناً ولم يتغير شيء بخصوصه اليوم، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على القدس والتوسع في الاستيطان.

خلافة عباس

ويرى الكاتب ماجد كيالي، بأنّ مشكلة فتح تكمن في سيادة طبقة بذاتها على الحراك الداخلي فيها، بسبب عدم تحولها إلى حركة سياسية ديمقراطية ومؤسّسية. وتابع بأنّ فتح لم تعد حاملة للمشروع الوطني والهوية الوطنية كما كانت؛ لاختزالها هذا المشروع في مجرد إقامة دولة لجزء من الشعب على جزء من الوطن، وبهذا أضاعت ذاتها وروحها وهويتها ومشروعها، وحتى تتخلّص فتح من أزمتها يجب أن تستعيد كل ذلك.

عبد المُهدي مطاوع: إسرائيل تثير مشكلة الخلافة

بدوره، يقارب المحلل السياسي عبد المُهدي مطاوع، في تصريح لـ"حفريات" الحديث عن خلافة عباس، بأنّ "علينا النظر لهذه الفترة بحذر شديد، فتجربتنا أيام أبو عمار تعلمنا منها جيداً".

ويرى مطاوع، أنّ إسرائيل هي من تثير مواضيع الخلافة، عبر تصدير تقارير من إعلامها وبعض الوكالات، ثم يتلقفها العرب ويعيدون إنتاجها. وشدد على أنّ "الشعب الفلسطيني باق، متأصل في أرضه، ولن تزحزحه وفاة قيادي أو آخر".

وحول حاجة فتح للنقد الذاتي، يقول بأنّ النقد الذاتي مارسته فتح بشكل دوري، ولولا ذلك لم تكن لتستطيع أن تواجه التحديات في أعوام صعبة، بدأت العام 2000. وأشار إلى أنّ ذلك النقد كان له دور في استيعاب الانقلاب في قطاع غزة على السلطة.

بخلاف ذلك، يرى الكاتب والباحث السياسي ربيع أبو حطب، بأنّ التحدي الحقيقي هو عدم وضوح مشهد قيادة السلطة والنظام الفلسطيني؛ إذ لا توجد رؤية واضحة لتسكين الرئاسات الثلاث في حال غياب الرئيس عباس، حيث أنه لم يستطع حتى اللحظة عقد مؤتمر فتح الثامن.

المحلل السياسي ماجد كيالي لـ"حفريات": مشكلة حركة فتح أو أزمتها لا تتعلق بأشخاص بل لأنها أضاعت ذاتها وفقدت روحها كحركة وطنية تعدّدية متنوّعة تشبه شعبها

وكان المفترض عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح في 2021، ولم يُعقد في موعده المحدد في 2022. وفي تقرير لـ"مركز القدس" حول أسباب تأجيل عقد المؤتمر، أشارت مصادر متنوعة إلى عدة أسباب منها؛ تزامن الموعد مع الانتخابات المحلية، المشاكل التحضيرية، هندسة الأسماء الحاضرة في المؤتمر، محاولة استبعاد مشاركة الأسرى وخصوصاً مروان البرغوثي، وعدم وجود توافق داخل حركة فتح حول الملفات والقضايا التي يجب طرحها ومناقشتها في المؤتمر.

وشهدت مناطق السلطة الفلسطينية خلافات واسعة بين القضاء والمحامين من جانب والسلطة من جانب آخر، على خلفية مراسيم رئاسية تتعلق بالقضاء. فضلاً عما تعيشه حركة فتح من انقسام داخلي. وكانت السلطة عقدت الانتخابات المحلية في 2021 / 2022 في الضفة الغربية فقط، بعد رفض حماس هذه الانتخابات.

بين فتح وحماس

وتُتهم حماس باستغلال التسريبات المنسوبة للقيادي في فتح والسلطة حسين الشيخ، بعد نشر وكالة أنباء "شهاب" المقربة من الحركة التسريبات على نطاق واسع.

ويستنكر المحلل السياسي مطاوع التركيز على خلافة عباس، ويقول "لماذا لا ننظر إلى غزة؟". ويتابع بأنّ، حركة حماس تحكم قطاع غزة منذ عام 2007، وحكمت ومازالت في القطاع مدة أطول من السلطة، ومع ذلك لم تنظم الانتخابات المحلية والجامعية طوال هذه المدة. وأشار مطاوع إلى تخوف قطاع من الفلسطينيين من نهج حركة حماس، وقال "التنظيم الرباني للإخوان يتحكم في كل شيء في غزة، ولن يقبل الشعب بنموذج كهذا، وهو ما تأكد حين تخطت احتفالية انطلاقة فتح المليون مشارك في غزة نفسها".

ربيع أبو حطب: تخوف كبير من انهيار السلطة

وكانت قمة ثلاثية في القاهرة جمعت بين الرئيس المصري والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني، في منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي. ويرى الكاتب ربيع أبو حطب، بأنّ تلك القمة لم تكن بعيدة عن موضوع خلافة أبو مازن.

وأفاد بوجود معلومات بأنّ الرئيس عباس تعرض لضغوط كبيرة في القاهرة لتدارك الأمر وعدم السماح بأي شغور للمنصب؛ لما يعنيه ذلك من حالة فراغ قد تؤدي لمزيد من الصراع والتفسخ في حركة فتح.

ويرى أبو حطب، أنّ الاضطراب في فتح سيعزز موقع حماس. وبحسبه قد تدفع هذه الضغوط الرئيس عباس لعقد مؤتمر حركة فتح الثامن بشكل عاجل لترتيب البيت الفتحاوي، تمهيداً لانتخابات رئاسية وتشريعية قادمة لا محالة بعد غيابه.

وبحسب القانون الأساسي المعدل لعام 2003 (الدستور)، إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة (الوفاة، الاستقالة، وفقدان الأهلية) يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً، لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة، لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.

وفي 2018 أصدر الرئيس عباس قراراً بحلّ المجلس التشريعي، بعد توصية من المحكمة الدستورية، التي دعت الرئيس إلى تنظيم انتخابات المجلس خلال مدة 6 أشهر. ويرى خبراء فلسطينيون أنّ تلك معضلة تواجه انتقال السلطة حال وفاة الرئيس عباس؛ بسبب غياب نصّ في القانون الأساسي ينظم انتقال السلطة في حالة حلّ المجلس التشريعي.

ويقول الباحث أبو حطب عن تلك الحالة، إنّ السيناريو المتوقع، حال غياب الرئيس عباس في تلك الظروف، هو تولي أمين سر منظمة التحرير السلطة، أو الاتفاق على رئيس مؤقت لمدة عام، لحين عقد الانتخابات العامة.

ونوه بوجود تخوف كبير وجدي من انهيار السلطة أو على الأقل فقدانها للسيطرة الأمنية، مع تزايد عمليات المقاومة واقتراب المنطقة من حافة الانفجار والمواجهة، وهذا تحدٍ كبير سيلقي بظلاله على دول الجوار، مثل الأردن.

وأضاف بأنّ التحرك المصري الأردني والذي تلاه قمة خليجية بحضور الرئيس السيسي، يمكن أن يأتي في سياق احتواء حركة حماس بشكل مختلف على اعتبار وزنها على الأرض شعبياً، وكرأس حربة المقاومة الفلسطينية، وذلك لضمان إيجاد قيادة انتقالية متوافق عليها توحد سيطرة السلطة على غزة كالضفة، ما سيمكن هذه القيادة الانتقالية من إجراء انتخابات تعبر عن الكل الفلسطيني في القدس والضفة وغزة.

وتُعتبر السلطة الوطنية الفلسطينية بأنها هيئة الحكم الذاتي المؤقتة التي تم تأسيسها في عام 1994، عقب اتفاق غزة - أريحا لحكم قطاع غزة والمناطق (أ - ب) في الضفة الغربية، كنتيجة لاتفاق أوسلو لعام 1993. وبعد انتخابات عام 2006 وما تلاها من نزاع في غزة بين حركتي فتح وحماس، انحصرت سلطتها فقط في المناطق (أ - ب) من الضفة الغربية. ومنذ يناير 2013، تستخدم السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح اسم "دولة فلسطين" في الوثائق الرسمية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية