هل يحمل 2023 الاستقرار السياسي للسودان؟

هل يحمل 2023 الاستقرار السياسي للسودان؟

هل يحمل 2023 الاستقرار السياسي للسودان؟


31/12/2022

يعتبر 2022 الذي يلفظ اليوم آخر أنفاسه عام المبادرات السياسية بامتياز في السودان، منذ أنّ شهد نهاية العام 2021 إجراءات 25 تشرين الأول "أكتوبر" التي عدتها معظم القوى السياسية والمحتجين انقلاباً عسكرياً، بعدما أنهى الجيش الشراكة الدستورية لإدارة المرحلة الانتقالية مع قوى الحرية والتغيير.

السمة الأساسية الثانية للعام 2022 في السودان، هي الدور الدولي والإقليمي الكبير الذي دفع نحو توقيع أولي على مسودة إعلان سياسي بين الجيش من جانب وقوى سياسية بقيادة الحرية والتغيير - المجلس المركزي من جانب آخر، بعد وساطة أممية وأمريكية وسعودية، مدعومة من الاتحاد الأفريقي.

الاتفاق الإطاري

ونصّ الاتفاق الإطاري الذي وُقع في الخامس من كانون الأول (ديسمير) الجاري، على عددٍ من المبادئ العامة التي تشمل ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وآليات العدالة الانتقالية ووضع حد للإفلات من العقاب، وأيضاً التأكيد على جيش مهني واحد وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وإقامة سلطة مدنية بالكامل دون مشاركة القوات النظامية.

فيما يتعلق بالسلطة الانتقالي، جاء التالي؛ الفترة الانتقالية تحدد بعامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء انتقالي، من قبل قوى الثورة الموقعة على الاتفاق الإطاري، ويكون رئيس الدولة هو القائد العام للجيش، فضلاً عن إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، تؤدي إلى تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى القضايا الأساسية مثل إصلاح وهيكلة المنظومة العسكرية والأمنية، وإزالة التمكين والعدالة، وإكمال هياكل السلطة الانتقالية من؛ المجلس التشريعي الانتقالي والمحكمة الدستورية والنيابة العامة والقضاء والمفوضيات.

عام المبادرات السياسية في السودان

وأرجأ الاتفاق الإطاري بحث عدد من القضايا لحين التواصل مع القوى السياسية المعارضة للاتفاق، خصوصاً الحركات المسلحة، وهي؛ قضية العدالة والعدالة الانتقالية، اتفاق جوبا لسلام السودان، إزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، الإصلاح الأمني والعسكري، وقضية الشرق.

وفي الوقت نفسه حفظت الحرية والتغيير - المركزي مكانة كبيرة لأطراف اتفاق جوبا فيما يتعلق بتشكيل هياكل السلطة الانتقالية، رغم معارضة هذه الحركات للاتفاق الإطاري، وتشكيلها مع قوى سياسية وأهلية تحالفاً باسم "الكتلة الديمقراطية". ووقعت قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي كأهم تحالف منبثق عن الثورة، وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، على الاتفاق الإطاري، المستند على مشروع الدستور الانتقالي الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.

يأمل الشعب السوداني أنّ تبدأ البلاد في الخروج من الاضطرابات السياسية والأمنية وتوجيه الموارد نحو معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية وتردي الخدمات والمرافق العامة

ورفضت قوى سياسية وأهلية وازنة الاتفاق ومن قبل مشروع الدستور الانتقالي، ومنها؛ غالبية الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، وعلى رأسهم حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور منّي أركو ميناوي. بالإضافة إلى معارضة قوى سياسية وأهلية، منها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني، والقيادي في الشرق الناظر ترك، وهما ضمن تحالف الكتلة الديمقراطية. علاوةً على المعارضة القوية من التيار الإسلامي العريض الذي يضم محسوبين على النظام القديم والإسلاميين ممن تجمعوا مع الطرق الصوفية في تكتل "نداء أهل السودان".

فوق كل ما سبق، هناك لجان المقاومة والحزب الشيوعي وقوى سياسية أخرى أصلية في الثورة التي ترفع شعار التغيير الجذري، وترفض الاتفاق الإطاري.

تحديات الاستقرار

لا يعني الاتفاق الإطاري أنّ الجيش سلم السلطة للحرية والتغيير، ففي تصريح للبرهان بعد عدة أيام من التوقيع، قال "ليس هنالك تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض، وإنما هي نقاط تم طرحها نرى أنها يمكن أن تساعد على حل التعقيدات السياسية الراهنة".

وأضاف رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان "وافقنا عليها ضمن اتفاق سياسي إطاري يصب في مصلحة كل السودانيين ولا إقصاء لأحد، وينبغي ألا تحاول أي جهة أن تختطف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية دون الآخرين أو أن تسعى لاختطاف السلطة من جديد".

يحيل ذلك إلى الدور الذي يلعبه الفريق أول البرهان، الذي أطاح بالموقعين على الاتفاق من قبل في أحداث 25 أكتوبر 2021، وأدخل البلاد في أزمة سياسية مازالت مستمرة.

رعت الآلية الثلاثية التفاوض في السودان

ربما أراد البرهان أنّ يتخلص من الأزمة السياسية بعقد تحالفات جديدة تضمّ القوى المناوئة لمجموعة الحرية والتغيير - المجلس المركزي، لكنه بوجود الاحتجاجات الشعبية والضغط الدولي الكبير الذي قاده المبعوث الأممي، بيرتس فولكر، والسفيرين الأمريكي والسعودي عاد إلى التفاوض مع الحرية والتغيير.

مع ذلك يبدو البرهان مطمئناً، بعدما رمى بالكرة في ملعب الحرية والتغيير؛ إذ يُشترط لتوقيع الاتفاق النهائي وتسليم السلطة وجود توافق سياسي واسع، يضمّ الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، ولجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات. وربما التوصل إلى تفاهم ما مع الحزب الاتحادي الأصل وزعماء الشرق وقيادات الطرق الصوفية في نداء أهل السودان.

يبدو البرهان مطمئناً بعدما رمى بالكرة في ملعب الحرية والتغيير؛ إذ يُشترط لتوقيع الاتفاق النهائي وتسليم السلطة وجود توافق سياسي واسع

كانت الحرية والتغيير - المجلس المركزي ضمت إلى الموقعين على الدستور الانتقالي ومن ثم الإعلان السياسي قوى حزبية بعيدة نسبياً عن المعسكر الثوري، ومنها حزب المؤتمر الشعبي وقيادات في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، لكنّ هؤلاء لم يقدموا الغطاء السياسي الكافي من القوى الإسلامية والحزبية التقليدية، من غير المحسوبين على حزب المؤتمر الوطني المنحل.

وبعيداً عن الصراع السياسي في العاصمة الخرطوم، تشهد البلاد اضطرابات أمنية كبيرة في ولايات جنوب دارفور والنيل الأزرق، وتسببت موجات من الصراع العرقي في مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف، فضلاً عن الفوضى الأمنية التي تعاني منها مناطق واسعة في العاصمة.

آمال العام الجديد

يأمل الشعب السوداني أنّ تبدأ البلاد في الخروج من الاضطرابات السياسية والأمنية، وتوجيه الموارد نحو معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية وتردي الخدمات والمرافق العامة، واستثمار الموارد في حل أزمة الطاقة والكهرباء ومواجهة الفيضانات التي تهدد مناطق واسعة في البلاد.

وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وآخرون جمدوا المساعدات الاقتصادية وإعفاء الديون السودانية عقب أحداث 25 أكتوبر 2021، ما أدى إلى تعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد، التي تحتاج إلى الدعم والاستثمارات الدولية لتحقيق تنمية اقتصادية.

من جانب آخر، تسعى قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي إلى تشكيل تحالف واسع من القوى السياسية تمهيداً لتوقيع الاتفاق النهائي، وكذا فيما يتعلق بالقضايا المؤجلة من العدالة الانتقالية وقضية الشرق. بينما يتمسك أطراف سلام جوبا بموقفهم الرافض لمشروع الدستور الانتقالي الذي نصّ على مادة تتعلق بتنقيح اتفاق جوبا، وهو ما يُعتبر خطاً أحمر لدى الحركات المسلحة، التي هددت بالانفصال.

الاحتجاجات مازالت مستمرة

على أية حال، فمن غير المعقول محاولة تسوية مشاكل وقضايا تعود إلى زمن الاستقلال عام 1956، بل تعود إلى عقود أقدم من ذلك، خلال الفترة الانتقالية المقدّرة بعامين. مع ذلك يشدد مراقبون على ضرورة أنّ تؤسس المرحلة الانتقالية لأسس ديمقراطية، تسير البلاد على دربها خلال ما بعد الانتقال. ولهذا فأحد المآخذ على الاتفاقيات المتعددة بين القوى السياسية والجيش منذ ثورة ديسمبر 2019 والإطاحة بالبشير في 2020 هي محاولة حلّ جميع مشاكل البلاد في وقت محدد، وعلى يد مجموعة لا تملك تفويضاً شعبياً لذلك.

وسبق أن أعلنت الحرية والتغيير - المجلس المركزي رؤية سياسية نصت على تقسيم القوى السياسية في السودان إلى فئتين، الأولى قوى الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر. ويكون لها حق اختيار رئيس الوزراء ورأس الدولة (مجلس السيادة)، وتشمل الحرية والتغيير والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديمقراطي.

والفئة الثانية هي قوى الانتقال الديمقراطي التي شاركت في التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي. لها من السلطة حق التشاور معها في تشكيل الحكومة الانتقالية فقط، واتبع الاتفاق الإطاري نفس التقسيم في إدارة السلطة في الفترة الانتقالية.

مواضيع ذات صلة:

هل ينهي التوقيع على "الاتفاق الإطاري" الأزمة السياسية في السودان؟

هل عادت الأزمة السياسية في السودان إلى المربع صفر؟

هل فشلت الأغنية السودانية حقاً من اختراق الأذن العربية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية