هل يشعل "خبز حزب الله" صراعاً شيعياً مسيحياً جديداً؟

يواصل حزب الله اللبناني محاولة التمدد والتوسع في مناطق المسيحيين، ليصبح أكثر تأثيراً على الصعيد الشعبي، إلى جانب تأثيره الواضح على صعيد النخب السياسية التي وجدت في الحزب ضالتها للوصول إلى المناصب، حتى لو كان ذلك على حساب التحالفات المسيحية المسيحية.

وشهدت مناطق المسيحيين في الآونة الأخيرة تواجداً كثيفاً للمنتجات الغذائية التي تنتج بمناطق حزب الله، أو يستوردها تجار محسوبون على الحزب الشيعي؛ ممّا أثار حفيظة شريحة كبيرة من المواطنين.

آخر تلك المنتجات تنتج في "أفران الهادي" الموجودة في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، التي أصبحت تباع بشكل واسع في منطقة كسروان المسيحية.

ووفقاً لموقع قناة "إم. تي. في" (MTV) لاحظ المواطنون في كسروان انتشار منتوجات "أفران الهادي"، وخصوصاً الخبز، في معظم محلات كسروان الكبرى والصغرى؛ ممّا أثار استغراب المواطنين حول الكلفة العالية التي تتكبدها "أفران الهادي" لتوزيع الخبز في مناطق بعيدة على غير المتعارف عليه، حيث تتولى الأفران توزيع الخبز على المحلات المحيطة بها".

ونقل موقع القناة عن مصدر كسرواني إشارته إلى "المقاطعة العفوية لتلك المنتوجات"، مضيفاً: "يبقى السؤال حول خلفيات هذا الانتشار، وهل هو في إطار "الغزو الغذائي" ليضاف إلى "الغزو الثقافي" وسواه؟".    

وتقع "أفران الهادي" في ضاحية بيروت الجنوبية التي تسكنها أغلبية شيعية، بينما تسكن في كسروان أغلبية مسيحية، وتضم مركز البطريركية المارونية.

وفي السياق، أعلن لبنانيون على مواقع التواصل مقاطعتهم للبضائع التي تنتجها شبكة حزب الله لأنّها مصدر تمويله، وتصدّر وشم "أفران الهادي" تويتر اللبناني، ليشهد حرباً كلامية بين النشطاء، فقد اعتبر مغردون عبر تويتر أنّ إيران تتمدّد في العمق المسيحي المشرقي، و"أفران الهادي" آتية من خارج الـ (10452) كيلومتراً مربعاً.

وطالب الكثير من النشطاء بمقاطعة الخبز الذي ينتج في مخبز الهادي، وطالب التجار بوقف شرائه من المخبز المذكور، وأشار الكثير من النشطاء الشيعة إلى أنّها حملة تحريض جديدة أطلقتها مؤسسة إعلامية محلية، لافتين إلى أنّ تلك القناة تحرّض على الحروب والاقتتال داخل لبنان وبين أبناء الشعب الواحد.

شهدت مناطق المسيحيين في الآونة الأخيرة تواجداً كثيفاً للمنتجات الغذائية التي تنتج بمناطق حزب الله أو يستوردها تجار محسوبون على الحزب الشيعي

في سياق متصل، اعتبر نشطاء أنّ توزيع منتجات "مخبز الهادي" يأتي في سياق استمرار حملة "بطاقة السجاد" التي أطلقها حزب الله في مناطقه، وهي جزء من مشروع كبير يموله الحزب لتأمين الغذاء لبيئته الاجتماعية بأسعار منخفضة، تقلّ عن أسعار السلع المدعومة التي توفرها الحكومة اللبنانية، في إطار منافسته مع الدولة.

ويحاول حزب الله، الذي يتحمل قسطاً من مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يتعرض له لبنان، أن يكون بديلاً عن الدولة في تقديم الغذاء لغسل عقول اللبنانيين وإبطال مقاومتهم، خاصة في ظل التحذير من احتجاجات قد تعمّ البلد عنوانها "الجوع" هذه المرة، وتهدد عرشه وقد تقتلعه من جذوره، في تحليل للموقف أوردته صحيفة "العرب" اللندنية.

وأعاد موضوع منتجات مخبز الهادي فتح ملف الفيدرالية، حيث أكد الكثير من النشطاء اللبنانيين أنّ البلد يحتاج إلى عقد اجتماعي جديد من أجل إعادة إحيائه، ويرون في الفيدرالية حلّاً.

قناة mtv تروّج لمقاطعة المنتوجات المرتبطة بحزب الله، مروّجة أنّ وجود خبز ينتج بمناطق الحزب هو غزو غذائي

وتعتبر فئة أخرى منهم أنّ نقاش الفيدرالية "لزوم ما لا يلزم"؛ أوّلاً لأنّ الطائف أقرّ اللامركزية الإدارية الموسّعة، وثانياً لأنّ معظم مصائب لبنان ناتجة عن سيطرة نزعات عابرة للأوطان.

الخلاف على خبز حزب الله يأخذنا إلى ساحة الصراعات السياسية التي ظهرت مؤخراً، بعد الهجوم الذي شنّه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على رئيس مجلس النواب الشيعي نبيه بري، والتي من المرجح أن تعرقل مسألة تشكيل الحكومة.

مصادر حزب الله لم تشأ التعليق على كلام باسيل، وتجنبت الدخول في سجال معه أو مع أيّ حليف قريب من المقاومة، واكتفت بالقول إنّ ما يجمع حزب الله بنبيه بري أكبر من أن يفرقه خطاب من هنا أو كلام من هناك، فالرئيس بري من المحرمات بالنسبة إلى حزب الله، وله احترامه.

من جهتها، اعتبرت مصادر نيابية مقربة من حزب الله في تصريحات صحفية، نقلتها عبر "صوت بيروت إنترناشيونال"، أنّ ما تفوه به باسيل هو قمّة الهلوسة والهوس والغرور السياسي الذي وصل إليه، فاعتبر نفسه ولياً للعهد أو أميراً يتحضر ليصبح ملكاً، لكن من دون مملكة، فيحارب الطواحين ويوهم مناصريه بكلام سيبقى حبراً على ورق، وعند التطبيق يهرول عند الأفرقاء السياسيين عارضاً عليهم تقاسم الحصص.

ورأت المصادر أنّ باسيل فتح معركة غير موجودة على الرئيس بري، وعلى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وهذا أمر غير مقبول، فإذا كان باسيل يعتبر أنّ عدم موافقة ميقاتي على مطالبه التعجيزية، فهو مخطئ، وليس بهذه الطريقة يتمّ التعاطي في السياسة، وعليه مراجعة حساباته.

أمّا بالنسبة إلى هجوم باسيل على نبيه بري، فقد قالت المصادر: إنّ باسيل لا يستحق الرد في هجومه على رئيس مجلس النواب، خصوصاً أنّ كلامه منتهي الصلاحية، كعهده الذي شارف على الانتهاء، بل انتهى.

وعن صلاحيات رئيس الجمهورية والتباكي عليها، سألت المصادر باسيل: "إذا كان ليس هناك صلاحيات، فلماذا يستميت للوصول إلى بعبدا؟".

 أمّا عن تهديداته بالفوضى، فقد قالت المصادر: إنّ باسيل يتبع الفوضى نهجاً داخل الحكومة وخارجها، وهذا ليس بأمر غريب.

وشم "أفران الهادي" يتصدر تويتر اللبناني، ليشهد حرباً كلامية بين النشطاء، فقد اعتبر مغردون أنّ إيران تتمدّد في العمق المسيحي المشرقي

وحول اعتبار باسيل نفسه خارج المنظومة، تسأل المصادر: "هل من تسبّب بهدر (40) مليار دولار، وتسبّب بأزمة الكهرباء، يُعتبر خارجاً عن المنظومة؟ هل من يمارس دور الرئيس الظل، ويستغل نفوذ عمّه الرئاسي خارج عن المنظومة؟ هل من شارك في كلّ الحكومات وفي أرفع الوزارات هو خارج عن المنظومة؟ هل من يتمتع بنفوذ لدى الأجهزة الأمنية والقضائية وداخل إدارات الدولة خارج عن المنظومة؟.

 وكان زعيم "حركة أمل" نبيه بري قد شنّ، في مهرجان الذكرى الـ (44) لتغييب الإمام موسى الصدر، هجوماً على باسيل والرئيس ميشال عون، وقطع من خلاله الجسور بينه وبين العهد وبين أيّ إمكانية للتوافق على ترشيح باسيل إلى رئاسة الجمهورية.

 وحدّد بري مواصفات الرئيس الجديد، في السباق الرئاسي الذي يتنافس فيه، وفق تعبيره "مرشحون طبيعيون"، من دون أن يسمّيهم، مشدداً على أنّنا "سنقترع للشخصية المؤمنة بوحدة لبنان وعروبته، التي يجتمع عليها اللبنانيون، التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم، توحّد ولا تفرّق، الشخصية التي بقدر ما هي تحتاج إلى حيثية مسيحية، تحتاج أيضاً إلى حيثية إسلامية، وقبلهما حيثية وطنية".

 وأضاف "سنقترع للشخصية المؤمنة بالثوابت الوطنية والقومية لمجابهة التحدي، لا أن تكون هي التحدي لإرادة اللبنانيين، وشخصية تعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ إسرائيل ككيان وكمشروع تمثل تهديداً وجودياً للبنان، ونقيض دوره ورسالته في المنطقة".