هل يصمد أردوغان أمام تحركات داود أوغلو الحذرة والتكتيكية؟

هل يصمد أردوغان أمام تحركات داود أوغلو الحذرة والتكتيكية؟


16/12/2020

"لو كشفت الانقلاب ضدي لانهار حزب العدالة والتنمية". بهذه الكلمات المقتضبة، جدد رئيس حزب المستقبل المعارض، المنشق عن الحزب الحاكم في تركيا، أحمد داود أوغلو، هجومه العنيف والمتكرر ضد سياسات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والتي تسببت في انشقاق آخرين من قيادات العدالة والتنمية، ومن ثم، تأسيس أحزاب معارضة، كما هو الحال، مع علي باباجان، وزير الاقتصاد السابق، الذي أسس حزب الديمقراطية والتقدم.

المعارضة ضد أردوغان تتزايد، وترتفع وتيرتها، وقد بدأت بالأكراد، مروراً بحزب الشعب الجمهوري، ثم وصلت إلى عبد الله غولن، وأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان

وقد جاءت الانشقاقات الأخيرة بين كوادر وقيادات الحزب الحاكم، في أعقاب الخسارة الفادحة له، في الانتخابات المحلية بعدد من البلديات، منتصف العام الماضي، ومن بينها بلدية اسطنبول، والتي نجح في الوصول لرئاستها أكرم إمام أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض.

سياسة الهاوية في تركيا

وفي ظل استمرارية الخلاف السياسي بين الطرفين، مؤخراً، والذي يبدو أنّ حدوده تتسع، بسبب تباعد وجهات النظر بخصوص عدد من الملفات المحلية والإقليمية، وكذا إدارة الرئيس التركي للحزب، ونشاطه الميداني والسياسي الخارجي؛ فإنّ داود أوغلو لا يتوانى عن ملاحقة أردوغان بالدعاية السلبية، وتكثيف المواجهة الحذرة والتكتيكية معه، لخلق بيئة معادية باتجاه ممارساته السياسية، حيث يتعمد التلميح، دون أن يفصح عن التفاصيل، خاصة، تحت وطأة التراجع في شعبية العدالة والتنمية، حسبما توضح مراكز رصد وقياس اتجاهات الرأي العام، في أنقرة.

وقال رئيس حزب المستقبل المعارض، في تركيا: "إذا تحدثت عن الانقلاب الذي كان موجهاً ضدي، وقت رئاسة الوزراء، في العام 2016، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم سينهار"، وأضاف أنّه "كانت هناك مؤامرات لا أخلاقية ضدي، ولكني رغم ذلك، دافعت عن حزب العدالة والتنمية، في ذلك الوقت، ولم أتحدث عما كان سيخطط له البعض، للخروج عن المسار الصحيح، واستهلاك كل موارد الخزينة، بشكل غير قانوني، إذا استمروا على هذا المنوال، خوفاً من تشتت الحزب".

اقرأ أيضاً: أوغلو يتوعد بملاحقة رجال الأعمال المقربين من أردوغان.. ما علاقة قطر؟

وشدد رئيس حزب المستقبل على أنّه "دافع وسيدافع عن كل المظلومين، إذ اتصل بزوجة الرئيس السابق المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، بباشاق دميرطاش، عندما اعتدى عليها، وهضم حقوقها، أحد نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم".

المسكوت عنه في حديث داود أوغلو

وفي العام الماضي، ألمح داود أوغلو، إلى أنّ عملية استبعاده من منصب رئيس الوزراء، كانت مدبرة ومخططة، وتتصل، على نحو مباشر، بصناعة أحداث الانقلاب المزعوم، في تموز (يوليو) العام 2016، إضافة إلى ما ترتب على ذلك من تداعيات سياسية، نفذها الرئيس التركي، حيث قال: "كان يجب إبعادي من رئاسة الوزراء، من أجل تنفيذ سيناريوهات من قبيل انقلاب 15 تموز 2016، وتحقيق نقل تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي مغلوط، وإنشاء التحالف مع حزبي الحركة القومية، والوطن".

اقرأ أيضاً: داود أوغلو مستعد لمواجهة أردوغان... ماذا قال للمعارضة؟

وخلال الشهر الحالي، وصف داود أوغلو، الرئيس التركي، بأنّه في حالة تبعية مريرة في ظل "نظام الوصاية" الذي يقوده حلفاؤه الآخرون، حيث لفت إلى أن "أردوغان أصبح عبداً مأموراً لكل من رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، ورئيس حزب الوطن، دوغو برينجك".

وتساءل رئيس حزب المستقبل عن الحاكم الحقيقي لتركيا، والذي بمقدوره اتخاذ خطوات عملية في البلاد؛ هل أردوغان نفسه؟ أم شركاؤه وحلفاؤه؟، وقال: "أيهما أردوغان يا ترى؟ هل هو من يساند رفع سعر الفائدة أم من يساند خفضها؟ هل هو من يقول إنّه سيجري إصلاحات قانونية واقتصادية أم من يقول لكل من يقابله أنت إرهابي وخائن؟".

اقرأ أيضاً: داود أوغلو يكشف: هذه أكبر مصائب تركيا

وتابع: "أيهما أنت؟ هل أنت من يعد بإصلاحات قضائية، أم لديك شريك يؤكد أنّ نظام المافيا مستمر؟ هل أنت من تخطو الخطوات في البلاد، أم هناك شركاء مرئيون وغير مرئيين هم من يقومون بذلك؟ هل استسلمت لرئيس حزب الوطن، دوغو برينجك، الذي قال إنّه من يرسم طريق تركيا؟ هل شركاؤك من لا يسمحون بالديمقراطية والقانون والعدالة والشفافية؟ هل الشراكة التي أقمتها معهم هي التي تفرض عليك الابتعاد عن سيادة القانون والعدالة؟".

سؤال المستقبل أو المصير

وأجاب داود أوغلو عن هذه الأسئلة المثيرة، بأنّ النظام في تركيا أمسى بمثابة "نظام وصاية"، من الدرجة الأولى، وعليه، فإنّ أردوغان مجرد الناطق بلسانه، حسب تعبيره؛ إذ إنّ رئيس حزب الحركة القومية، ومثله في حزب الوطن، هما من يرسمان طريق هذا النظام، أما الرئيس أردوغان فاكتفى بدور الناطق باسم هذا النظام.

د. إبراهيم مسلم لـ"حفريات": عندما وصل أردوغان إلى رئاسة الجمهورية، أراد أن ينقل الصلاحيات التنفيذية معه، ليكون هو الآمر والناهي في كل شيء

وبحسب الدكتور إبراهيم مسلم، الباحث المتخصص في الشأن التركي، فإنّ جوهر الخلاف السياسي والنزاع بين أوغلو وأردوغان، يتمثل في النظام الرئاسي الذي دشنه الأخير، قبل نحو عامين ونصف العام، والذي استهدف من خلاله الاستحواذ على كافة الصلاحيات في الهيئات التشريعية والتنفيذية، ووضعها في قبضته؛ الأمر الذي وسع من صلاحيات الرئيس التركي، وأضحى تعيين القضاة والوزراء في يد رجل واحد، كما ترتب على ذلك تقليص وتقويض باقي مؤسسات الدولة، في سابقة تعد هي الأولى، منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة.

الباحث المتخصص في الشأن التركي إبراهيم مسلم

ويضيف مسلم في حديثه لـ"حفريات": "كلنا يعرف بأنّ الصلاحيات التنفيذية في تركيا، قبل النظام الرئاسي، كانت ضمن صلاحيات رئيس الحكومة، وأردوغان عندما وصل إلى رئاسة الجمهورية، أراد أن ينقل الصلاحيات التنفيذية معه، ليكون هو الآمر والناهي في كل شيء، حيث نجح أردوغان في استبعاد ونبذ الكثير من قيادات الحزب، لجهة تحقيق أهدافه، السياسية الإقليمية، ومن بينها الانتقال للنظام الرئاسي؛ فبالإضافة إلى أحمد داوود أوغلو، فقد استبعد عبد الله غول أيضاً.

اصطفاف أم انقلاب؟

بيد أنّ الرئيس التركي، تسبب في انهيارات متتالية، وإخفافات متسارعة، منذ تطبيق النظام الرئاسي، حسبما يشير الباحث المتخصص في الشأن التركي، وذلك سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي؛ فمثلما حدث تراجع فادح في اقتصاد البلد، من خلال زج الأموال وميزانية الدولة في حروب ومشاريع استعمارية، لتحقيق هدفه في استعادة أمجاد السلطنة العثمانية، فقد زاد فقر كل مواطن تركي بأكثر من ألفي دولار، ويضاف إلى ذلك التراجع في شعبية الحزب ورئيس الدولة، التي أضحت في انحسار شديد، وبمعدلات مرتفعة، حتى بين مؤيديه التقليديين، بسبب السعي نحو الهيمنة، وتأسيس حكم الفرد.

اقرأ أيضاً: كيف غازل داود أوغلو الأكراد في تركيا؟ وما رأي أردوغان؟

من جهته، يقول الباحث السوري نورهات حسن لـ"حفريات": "على ما يبدو، أنّ علي باباجان، وأحمد داوود أوغلو، قد رأى كل منهما ذاته، أكبر من مجرد حلقة في منظومة الحكم الديكتاتوري للرئيس التركي، وذلك وفق مبدأ "لماذا هو وليس أنا؟"، وقد باعد بين أردوغان وأوغلو سياسات الأول التي تسببت في الانقسام بين قيادات الحزب الحاكم، وانزعاج داودأاوغلو من تفرد أردوغان بالسلطة".

واللافت، في تقدير الباحث السوري، أنّ معارضة أردوغان تتزايد، وترتفع وتيرتها، وقد بدأت بالأكراد، مروراً بحزب الشعب الجمهوري، ثم وصلت إلى عبد الله غولن، وأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، ويبدو أنّ الأيام تبطن المزيد بولادة معارضة جديدة، من جهة، وتوحيد صفوف المعارضة واصطفافها، من جهة أخرى؛ إذ إنّ الوضع في تركيا مرشح باتجاه التصعيد أو الانفجار، وهذا الأمر ليس ببعيد؛ فإما أنّ يحدث انقلاب ضد أردوغان، يحلحل من المنظومة السائدة والمتهالكة، أو سوف تسقط الأمور من تلقاء نفسها، بيد أنّ حديث داود أوغلو الأخير، يرجح حدوث انتفاضة شعبية تؤيدها المعارضة، ضد ما يفعله أردوغان بتركيا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية