هل يملأ الاتفاق السعودي الإيراني الفراغ الرئاسي اللبناني؟

هل يملأ الاتفاق السعودي الإيراني الفراغ الرئاسي اللبناني؟

هل يملأ الاتفاق السعودي الإيراني الفراغ الرئاسي اللبناني؟


16/03/2023

تجاوزت أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان شهرها الرابع، دون أفق قريب للحلّ، في ظل اتساع الهوة بين الفرقاء السياسيين، وإخفاق جهود الوساطات المتعددة.

كان الرهان على الترتيبات الإقليمية الدولية لحلّ الأزمة في البلاد، فبعد توقيع اتفاق إيراني - سعودي برعاية الصين، ينظر مراقبون إلى الاتفاق كخطوة أولى يتبعها انفراجات في سائر الملفات المشتركة بين البلدين.

وتحظى كل من السعودية وإيران بنفوذ كبير في لبنان؛ الأولى عبر حلفائها من السنّة وقوى مسيحية وازنة، والثانية عبر حزب الله. فهل تشهد البلاد انفراجة في ملف التعطيل الرئاسي على غرار انفراجة أهم صاحبي نفوذ في البلاد؟

حدود الأدوار الإقليمية

وفي تعليقه على توقيع الاتفاق بين السعودية وإيران، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله "هذا التحول طيب، ونحن سعداء لأنه عندنا ثقة إن هذا لن يكون على حساب شعوب المنطقة بل لمصلحة شعوب المنطقة ويساعد في لبنان واليمن وسوريا والمنطقة، وثقتنا مطلقة بأن هذا لن يكون على حسابنا ولا على حساب الشعب اليمني ولا على حساب سوريا ولا على حساب المقاومة". وأكد نصر الله على أن إيران لا تفرض على المقاومة مواقفها.

من جانبه، علق وزير الخارجية السعودي عقب توقيع الاتفاق بشأن تأثير ذلك على لبنان بقوله "على لبنان أن ينظر إلى مصلحته، وعلى السياسيين فيه أن يقدموا المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى". وأكد أنه "متى اتّخذ تقديم المصلحة اللبنانية، فسوف يزدهر لبنان بالتأكيد، والسعودية سوف تكون معه".

وزير الخارجية السعودي: على لبنان أن ينظر إلى مصلحته، وعلى السياسيين فيه أن يقدموا المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى

في الداخل اللبناني تبدو معادلة انتخاب رئيس الجمهورية صفرية حتى اليوم. ليست السعودية إيران وحدهما أهم الفاعلين الدوليين في الشأن اللبناني. فبخلاف إيران التي تعتبر الفاعل الأهم بالنسبة لحزب الله، يتنوع الفاعلون الدوليون لبقية الأحزاب الأخرى. إلى جانب السعودية يوجد الدور الفرنسي والأمريكي، وخاصة الأخير الذي يملك القدرة على إعادة لبنان إلى المنظومة الدولية.

فضلاً عن ذلك لا تملك إيران وحدها أو السعودية هي الأخرى القدرة على انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية العميقة، إلى جانب أنّ السعودية باتت تتبع سياسة جديدة في تقديم الدعم الدولي، قطعت مع عهد ضخ المليارات المتعددة كمنح أو قروض ميسرة.

حزب الله يسعى لفرض مرشحٍ ينال غطاءً عربياً ودولياً، وهو الأمر الذي يعتبر مستحيلاً اليوم؛ لأنّ ذلك يعني ستة أعوام من الخراب، ولن يقبل أحد بذلك

يقول الصحفي اللبناني أسعد بشارة: هناك دور إيراني واضح في محاولة فرض رئيس الجمهورية عبر حزب الله الذي يملك القدرة على تعطيل العملية السياسية برمتها. وأضاف لـ"حفريات"، بأنّ هناك قدرة للسعودية على أن تسحب يدها من مساعدة لبنان، بما يشكل أداة تأثير هائلة؛ لأنّ إيران تستطيع أن تخرب، لكن هذا الخراب لا يمكن إعماره إلا بعودة لبنان إلى المنظومة العربية، وموقعه في المجتمع الدولي، في حين أنه الآن في موقع المخطوف عند إيران.

هل تحدث انفراجة؟

من غير المتوقع أنّ يثمر الاتفاق الإيراني السعودي تحولاً جذرياً سريعاً في الملفات الإقليمية التي تشتبك فيها الدولتان، مثل لبنان واليمن والخليج العربي بدرجة أولى، ثم العراق وسوريا. في لبنان لن يقبل حزب الله برئيس يعادي سلاحه، وبالنسبة له بقاء الفراغ الرئاسي أهون من ذلك. فضلاً عن أنّ إيران تبدو الرابحة في مختلف الملفات الإقليمية، ولن تقدم تنازلات لغريمتها السعودية، حتى بفرض إحراز تقدم في علاقاتهما الثنائية.

ولدى حزب الله تجارب سابقة في التعطيل، كما عطل الانتخابات لمدة عامين قبل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون. وبالنسبة لحلفاء السعودية في لبنان، يبدو السنّة في موقف تشتت بعد انسحاب رئيس تيار المستقبل من المشهد السياسي، وعدم خوضه الانتخابات التشريعية الأخيرة. ولا تكفي علاقات المملكة القوية بحزب القوات اللبنانية، صاحب الكتلة النيابية المسيحية الأكبر، والذي يتصدر تحالف السياديين الرافض لانتخاب رئيس جمهورية محسوب على حزب الله، لإحداث تحول في لبنان.

أسعد بشارة: لبنان في موقع المخطوف عند إيران

بالنسبة لملف الرئاسة، يتصدر اسما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشح حزب الله وحركة أمل وربما بدعم من الحزب التقدمي الاشتراكي وغيرهم، وقائد الجيش جوزيف عون غير المحسوب على أحد، ويحظى بقبول واسع لدى معسكر السياديين.

يرى مسؤول العلاقات السياسية في الكتلة الوطنية اللبنانية، كميل موراني، أنّ كل المعطيات تشير إلى أنّ الاتفاق السعودي - الإيراني يتعلّق بالوضع اليمني تحديداً، ومُرفق بحذر سعودي كبير تجاه نوايا إيران، إلا أنّ دول المنطقة تترقب انعكاساته عليها، خصوصا تلك التي تعاني من الهيمنة الإيرانية عليها، مثل لبنان.

السياسي كميل موراني لـ"حفريات": من غير المرجح أنّ يدخل حزب الله في تسوية داخلية وهو لا يزال غير قادر على فرض مرشحه سليمان فرنجية

وأفاد موراني لـ"حفريات" بأنّه تبعاً للاتفاق فمن غير المرجح أنّ يدخل حزب الله في تسوية داخلية، وهو لا يزال غير قادر على فرض مرشحه فرنجية. ونوه بأنّ هناك حديثاً عن رفض القاهرة والرياض وعمّان لفرنجية كمرشح رئاسي، ولهذا المتوقع هو مزيد من الفراغ الرئاسي.

من جانبه، أوضح الصحفي أسعد بشارة، بأنّ حزب الله يسعى لفرض مرشحٍ ينال غطاءً عربياً ودولياً، وهو الأمر الذي يعتبر مستحيلاً اليوم؛ لأنّ ذلك يعني ستة أعوام من الخراب، ولن يقبل أحد بذلك.

الحوار اللبناني

وكان البيان الثلاثي عن ممثلي المملكة وإيران ووزير الخارجية الصيني، تضمن عدة بنود تخص البلدين، وبند واحد حول العلاقات الإقليمية، جاء فيه "يتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".

وعلى ذلك البند علق مراقبون آمالاً فيما يتعلق باليمن ولبنان. وبفرض التزام الدولتين بعدم التدخل في شؤون لبنان، ورفع يدهما عنه، ستظل الخلافات اللبنانية غير قابلة للحل، في ظل الخطوط الحمراء لكل فريق.

كان آخر اجتماع دولي يتعلق بلبنان استضافته العاصمة الفرنسية باريس، وضم ممثلين عن البلد المضيف والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر. تسرب عنه ما يفيد بأنّ ملف الرئاسة يعود إلى الفرقاء اللبنانيين للاتفاق عليه، وأنّ أحداً غير راغب أو لديه القدرة على حلحلة الأزمة، إلا اللبنانيون.

كميل موراني: مزيد من الفراغ الرئاسي

داخلياً، تزداد الأوضاع المعيشية سوءاً يوماً بعد يوم، وتتنامى مشاعر الطائفية التي تغذيها خطابات متبادلة حول موقع كل طائفة ومكتسباتها. في ذلك الوضع الذي تملؤه الخطوط الحمراء لكل فريق تضيق مساحات الحوار الممكنة، وتخفق المبادرات الرامية للخروج من الأزمة، وكان آخرها مبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

حتى على مستوى فريق حزب الله، وجد الأخير نفسه في مأزق مع حليفه المسيحي التيار الوطني الحر، الذي رفض ترشح سليمان فرنجية رئيساً، وهدد بالذهاب إلى خيار طرح اسم آخر. وفي البيئة المسيحية التي يُختار منها الرئيس، هناك انقسام حاد بين أكبر حزبين؛ القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، وكلاهما لن يسمح للآخر بتحقيق انتصار سياسي في ملف الرئاسة يؤثر على قواعده الانتخابية داخل الطائفة.

كما أخفقت مبادرة دعا إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي للحوار بين الأحزاب المسيحية قبل انطلاقها، بسبب الخلافات المسيحية الداخلية.

بناءً على ذلك، من غير الوارد حدوث انفراجة قريباً في ملف الفراغ الرئاسي، فضلاً عن أنّ الاتفاق الإيراني السعودي نفسه يتطلب الانتظار لمزيد من الوقت ليتبين جدية طرفيه في العمل معاً، وحال نجاحهما في استعادة العلاقات الثنائية، والتوصل لاتفاق حول الأزمة اليمنية، سيكون لذلك مردود على الوضع في لبنان.

مواضيع ذات صلة:

خبراء عراقيون يكشفون لـ"حفريات" خلفيات الاتفاق السعودي الإيراني

بعد الاتفاق مع السعودية... هل توقف إيران جرائم الميليشيات الحوثية؟

عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... ما أبعادها وانعكاساتها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية