هل ينفّذ الجيش الأوكراني انسحاباً تكتيكياً من باخموت؟

هل ينفذ الجيش الأوكراني انسحاباً تكتيكياً من باخموت؟

هل ينفّذ الجيش الأوكراني انسحاباً تكتيكياً من باخموت؟


09/03/2023

في صيف العام 1940 نفّذ الحلفاء انسحاباً تكتيكياً من شواطئ دونكيرك ومرفئها، في شمال فرنسا، فيما يُعرف بمعجزة دونكيرك، فقد تمّ إجلاء أكثر من (338) ألف جندي بريطاني وفرنسي من ميناء دونكيرك، في الفترة بين 26 أيّار (مايو) و4 حزيران (يونيو) 1940، وشكلت هذه القوات المنسحبة، فيما بعد، نواة المقاومة ضدّ النازي، على مختلف جبهات القتال في الحرب العالمية الثانية.

رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل وصف الانسحاب آنذاك، في خطاب له أمام مجلس العموم البريطاني، بأنّه معجزة للخلاص، ممّا اعتبر انتصاراً كبيراً؛ نظراً للفائدة التي عادت على الحلفاء، من الناحيتين العسكرية والمعنوية، بينما دفع النازي ثمناً باهظاً لتفويته فرصة تصفية الفلول المنسحبة، التي عادت إلى المعركة أكثر قوة وتنظيماً.

جدل الانسحاب التكتيكي من باخموت

في الوقت الذي أكدت فيه عدة تقارير ميدانية أنّ الجيش الأوكراني بات في طريقه إلى الانسحاب من مدينة باخموت، أعلنت القيادة الأوكرانية أنّها لن تنسحب من المدينة، وأنّها تقوم حالياً بتعزيز دفاعاتها على خط المواجهة مع الجيش الروسي.

المدينة الواقعة شرقي أوكرانيا تعرضت لأضرار بالغة، خلال معركة تُعدّ الأطول والأكثر دموية منذ الغزو الروسي قبل أكثر من عام، ويؤكد مراقبون أنّ خطوط الدفاع الأوكرانية لم تعد تحتمل الضغط، وسط أنباء تشير إلى أنّ القوات المدافعة عن المدينة بدأت بالفعل في تنفيذ تراجع استراتيجي.

 جندي أوكراني في ملجأ في باخموت

الرئيس فلوديمير زيلينسكي، بحسب وكالة "فرانس برس"، التقى بكبار قادة الجيش يوم الإثنين الماضي، وقال مكتبه: إنّ كييف تفضل "مواصلة العملية الدفاعية، وتعزيز مواقعها في باخموت"، كما أكد الرئيس في خطابه المسائي أنّه "طلب من رئيس الأركان توفير القوات المناسبة لمساعدة المقاومة في باخموت".

بدوره، قال مساعد الرئيس ميخايلو بودولياك لوكالة "فرانس برس": إنّ هناك "إجماعاً داخل الجيش على ضرورة مواصلة الدفاع عن المدينة. مضيفاً: "القوات الأوكرانية حول باخموت تقوم بالتصدي لقوات العدو، وتعزيز مواقعها، وتدريب عشرات الآلاف من الأفراد العسكريين الأوكرانيين على هجوم مضاد محتمل".

الرئيس زيلينسكي اعترف في الأيام الأخيرة بأنّ معركة منطقة دونباس الشرقية مؤلمة وصعبة

وكان الرئيس زيلينسكي قد اعترف في الأيام الأخيرة بأنّ معركة منطقة دونباس الشرقية "مؤلمة وصعبة"، وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، في تحديثها المنتظم ليوميات المعركة في 6 آذار (مارس) الجاري: إنّ روسيا تركز جهودها الرئيسية على المناطق المحيطة بمدينة باخموت، وأفدييفكا، وليمان وشاختارسك في دونيتسك، وكذلك كوبيانسك في أقصى الشمال بمنطقة خاركيف.

وقالت هيئة الأركان: إنّ العدو "يواصل محاولته الهجوم على بلدة باخموت، والمستوطنات المحيطة بها"، مستشهدة بالقصف الذي طال أكثر من (12) بلدة في دونيتسك.

الجيش الأوكراني قال: إنّ القوات الروسية كانت تنقل طوابير بين منطقة خيرسون الجنوبية الشرقية وشبه جزيرة القرم، لتضليل الجانب الأوكراني، ولفت إلى أنّ الخدعة تسببت في حدوث استياء بين صفوف الروس؛ بسبب النقص في كمية الوقود الكافية، وعدم فعالية مثل هذه المناورات.

إحكام الطوق الروسي

بحسب مشاهدات ميدانية قام بها مراسل" فرانس برس"، فقد بعض الجنود الأوكرانيين الأمل في أنّ كييف سوف تسيطر على المدينة، وبدا أنّها مستعدة للتراجع. بالقرب من بلدة تشاسيف يار، على بعد (10) كيلومترات (6) أميال غرب باخموت، قال أحد القادة الأوكرانيين بيأس واضح: إنّ "باخموت سوف تسقط". مضيفاً: "نحن محاصرون تقريباً، والوحدات تتراجع تدريجياً في مجموعات صغيرة." وتابع: "الطريق الوحيدة للخروج من باخموت تمرّ عبر طرق ترابية تؤدي إلى تشاسيف يار، وإذا تعثرت الدبابات هناك، فقد تصبح هدفاً لنيران المدفعية".

معهد دراسات الحرب بالولايات المتحدة قال: إنّ القوات الأوكرانية ربما تكون قد شرعت في انسحاب استراتيجي من المدينة. وأضاف في مذكرة تحليلية أنّ "القوات الأوكرانية تجري على الأرجح انسحاباً تكتيكياً محدوداً في باخموت، رغم أنّه ما زال من السابق لأوانه تقييم النوايا الأوكرانية فيما يتعلق بالانسحاب الكامل من المدينة".

من جهة أخرى، استهدف القصف الروسي المكثف منطقة دونيتسك، والقرى المجاورة، وقد شنت موسكو هجوماً ثلاثي الجوانب؛ في محاولة للقضاء على مقاومة باخموت، كما تعرضت بلدتا تشاسيف يار، وكوستيانتينيفكا المجاورتان، لقصف عنيف؛ ممّا أدى إلى إلحاق أضرار بالسيارات والمنازل وإشعال الحرائق.

الجيش الأوكراني أعلن يوم الأحد الماضي أنّ قواته صدت أكثر من (130) هجوماً روسياً في يوم واحد حول باخموت

من جانبها، قامت الشرطة والمتطوعون بإجلاء الناس من تشاسيف يار، ومدن أخرى على خط المواجهة، في عملية وصفت بالصعبة بسبب انهيار الجسور، مع كثافة نيران المدفعية المستمرة التي لم تترك أيّ منزل قائماً.

الجيش الأوكراني أعلن يوم الأحد الماضي أنّ قواته صدت أكثر من (130) هجوماً روسياً في يوم واحد حول باخموت، وقال: إنّ القوات الروسية تحاول تطويق المدينة، التي مازال يقطنها نحو (4500) مواطن.

وفيما يبدو، فإنّ روسيا مصممة على الاستيلاء على باخموت بأيّ ثمن، على الرغم من أنّ المدينة ليست لها قيمة استراتيجية تُذكر، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي؛ فمع احتدام القتال، اشتكى يفغيني بريغوزين، رئيس مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر من أنّ قواته هناك تفتقر إلى الذخيرة، كما أنّ جنود الاحتياط الروس الذين كانوا يعتزمون الانتشار في باخموت تمّ إرسالهم إلى مناطق أخرى. وأضاف بريغوزين: "نحاول فهم الأسباب؛ هل هي البيروقراطية المعتادة، أم الخيانة؟".

في الوقت نفسه، تصدى الجيش الأوكراني لهجمات جوية جديدة، وقالت القوات الجوية إنّها أسقطت (13) طائرة بدون طيار، إيرانية الصنع، تم إطلاقها من جنوب روسيا خلال الليل.

محاولة اغتيال

في موسكو، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أنّه أحبط محاولة لاغتيال كونستانتين مالوفييف، رجل الأعمال المثير للجدل، والموالي للكرملين.

مكتب الأمن الفيدرالي ألقى باللوم على مجموعة وصفها بالتخريبية، قال إنّها عبرت حدود البلاد من أوكرانيا الأسبوع الماضي. وزعم أنّ عملية الاغتيال كانت عملاً إرهابياً، يشبه عملية مقتل داريا دوجينا في آب (أغسطس) الفائت.

من غير المرجح أن تنسحب القوات الأوكرانية من باخموت دفعة واحدة، وقد تنفذ انسحاباً قتالياً تدريجياً

الأمن الفيدرالي الروسي اتهم بشكل مباشر قائد فيلق المتطوعين الروسي، دينيس كابوستين، المناوئ لموسكو، بوصفه العقل المدبر وراء الخطة، والتي كانت تهدف إلى وضع قنبلة تحت سيارة مالوفييف.

جديد بالذكر أنّ فيلق المتطوعين الروسي أعلن الأسبوع الماضي، بحسب وكالة أسوشيتد برس، مسؤوليته عن الهجوم على قرى روسية على الحدود مع أوكرانيا. وقال مكتب الأمن الفيدرالي يوم الإثنين الفائت: إنّ كابوستين نظم وقاد الغارة التي أسفرت عن مقتل (2) من المدنيين وإصابة (2) آخرين.

القيمة الرمزية وحدها لا تكفي

يمكن القول إنّ الدفع الروسي نحو باخموت يعكس رغبة موسكو في تحقيق زخم دعائي، بعد أن توقف الغزو الشامل، ووصل القتال إلى طريق مسدودة؛ لتصبح المدينة ذات أهمية رمزية بالنسبة إلى الروس، حيث إنّ الانتصار هناك من شأنه أن يبعث أخيراً ببعض الأخبار السارة من الجبهة. وبالنسبة إلى كييف، فإنّ إظهار العزيمة والتحدي يبرر استمرار الدعم من حلفائها الغربيين.

 الدفع الروسي نحو باخموت يعكس رغبة موسكو في تحقيق زخم دعائي

بدورها، تبدو واشنطن غير متحمسة لاستمرار الدفاع عن باخموت، فقد أيّد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن القيام بانسحاب تكتيكي، قائلاً: إنّ باخموت لها قيمة رمزية أكثر من قيمتها الاستراتيجية. مضيفاً: "سقوط باخموت لن يعني بالضرورة أنّ الروس غيروا مسار هذه المعركة".

من جهته، قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز أبحاث (CAN) في أرلينغتون بولاية فيرجينيا: إنّ دفاع أوكرانيا عن باخموت كان فعالاً، لأنّه استنزف المجهود الحربي الروسي، لكن ينبغي على كييف الآن أن تتطلع إلى الأمام". وأضاف: "لقد حقق الدفاع العنيد عن باخموت الكثير، حيث استنزف القوة البشرية والذخيرة الروسية، لكنّ الاستراتيجيات يمكن أن تصل إلى نقاط تناقص العوائد، ونظراً لأنّ أوكرانيا تحاول توفير الموارد للهجوم، فقد يعيق ذلك نجاح عملية أكثر أهمية". وهو ما أكد عليه معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، حيث لفت المعهد إلى أنّ أذكى خيار لكييف الآن هو الانسحاب إلى مواقع يسهل الدفاع عنها.

وبحسب تقارير عسكرية، فإنّه من غير المرجح أن تنسحب القوات الأوكرانية من باخموت، دفعة واحدة، وقد تنفذ انسحاباً قتالياً تدريجياً؛ لإرهاق القوات الروسية من خلال حرب المدن المستمرة".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية