هوس صناعة "الترند"... هل تواجه مجتمعاتنا جائحة من نوع جديد؟

هوس صناعة "الترند"... هل تواجه مجتمعاتنا جائحة من نوع جديد؟

هوس صناعة "الترند"... هل تواجه مجتمعاتنا جائحة من نوع جديد؟


23/01/2023

بات "الترند" ظاهرة يستيقظ البعض يومياً باحثاً عنه، حلوه ومرّه، بعضنا يتابع لضرورة تقتضيها ظروف عمله، فيما يبحث آخرون عن مادة للتسلية أو مجرد الاطلاع على ما هو جديد، في عصر الأجواء المفتوحة.

 وبرغم ما تحمله بعض الأخبار والقصص التي تنتشر يومياً كالنار في الهشيم من جوانب إيجابية ومباعث للأمل أحياناً، إلا أنّ بعضها يحمل إلينا "الوهم" أحياناً أخرى لأهداف يبتغيها صانعو تلك القصص ويقع فيها جموع المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، وتحصد آلاف أو ملايين التفاعلات، إلا أنّه سرعان ما ينكشف زيف تلك القصص لتعود موجة التفاعل الإيجابي إلى نقد سلبي، لكنّ الغرض منها يكون قد تحقق بالفعل، وحصل صاحبها على الشهرة المطلوبة التي توفر له مميزات مادية ونفسية خاصة. 

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بالإشادة والاحتفاء بمن وُصفت بأنّها "بنت مصر الشجاعة"، وأفردت مواقع عديدة مساحات لحديث أماني عن بطولتها الخارقة قبل أن يتبين كذب الخبر

تساؤلات كثيرة تقف حائرة أمام دوافع صناعة الترند الوهمي، فبرغم أنّ السبب الظاهر من ورائها هو تحقيق الربح المادي، خاصة لصانعي المحتوى عبر الإنترنت، إلا أنّ دراسات حديثة تشير أيضاً إلى أبعاد نفسية تقف وراء الأمر، تصل في بعض الحالات إلى حدّ "الجنون بالشهرة". 

أماني... بطلة من ورق 

آخر هذا النوع من القصص انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية لفتاة مصرية، تدعى أماني محمد، قيل إنّها تعمل ممرضة بأحد المستشفيات العسكرية بمحافظة الشرقية، ادعت أنّها نجحت في إنقاذ سيدتين و(4) أطفال من الموت غرقاً بعد سقوط سيارتهم بإحدى الترع بمدينة منيا القمح التابعة لمحافظ الشرقية. 

تناقلت المواقع قصة أماني محمد ووصفتها بـ"البطلة"

وعلى مدار يومين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بالإشادة والاحتفاء بمن وُصفت بأنّها "بنت مصر الشجاعة"، وأفردت مواقع عديدة مساحات لحديث أماني عن بطولتها الخارقة، ونُشرت عشرات الأخبار عنها، وامتدّ الاحتفاء إلى رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي التي أشادت في منشور لها عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي بالبطلة الشابة، ثم عادت وحذفته بعد التحقق من كذبها. 

بعض القصص يتم صناعتها والترويج لها عبر مواقع التواصل لأغراض سياسية، يرتبط معظمها بأهداف تنظيم الإخوان المدرج على قوائم الإرهاب في مصر بمحاولة نشر الشائعات وإثارة الفتن والنيل من مؤسسات الدولة

ليتبيّن فيما بعد أنّ الأمر كله مجرد خبر مفبرك من جانب الشابة التي قصدت الشهرة وركوب موجة "الترند" فقط، بعد أن نفت عدة جهات رسمية في مقدمتها مديرية الشؤون الصحية وكافة مستشفيات جامعة الزقازيق الواقعة، وأكدت أنّها لم تتلقَّ أيّ إخطارات بالحادث المذكور في أيّ وقت سابق. 

كما أكد مصدر حكومي في ديوان عام محافظة الشرقية أنّه لم يتم التوصل إلى أيّ إخطارات رسمية أو تفاصيل بخصوص الواقعة، كما لم تتلقَّ مديرية الأمن أيّ معلومات حول الحادث المزعوم، مشيراً إلى أنّ المحافظة كانت تستعد لتكريم الفتاة لكنّها تراجعت عن الأمر بعدما  تبيّن زيفه. 

...

عامل الكشري... ترند يكرهه المصريون

قبل نحو شهرين، كان الترند الأشهر في مصر مرتبطاً باسم عامل نظافة يدعى محمد عادل، نشر فيديو له عبر "فيسبوك" اتهم خلاله أحد العاملين بمطعم شهير للكشري المصري بطرده من المطعم لأنّ الأول يرتدي بدلته التي يعمل بها طوال النهار في الشارع. 

وبالرغم من التعاطف الكبير مع الشاب، والغضب تجاه المطعم والدعوة لمقاطعته، باعتبار ما فعله أحد المسؤولين فيه يخرج عن حدود التعامل الإنساني، وتجاوب رواد السوشيال ميديا والفنانون والعديد من الشخصيات العامة مع قصة الشاب، إلا أنّ الأمر سرعان ما تحول إلى النقيض تماماً، بعد تحول تصرفات الشاب إلى محاولات واضحة لتصدر مواقع التواصل الاجتماعي وتماديه في إظهار بعض التصرفات التي وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمستفزة. 

الشاب الذي استمر لمدة شهر ضيفاً دائماً لدى الكثير من البرامج المصرية، بدأ يظهر مرتدياً أزياء فارهة وسيارة خاصة، قيل إنّه كسبها نتيجة شهرته عبر تصدر الترند، أيضاً ظهر خلال تسجيل بعض المقاطع الغنائية والإعلانات، وقال إنّه يستعد للتمثيل، ممّا آثار دهشة المتابعين، وأكدوا أنّه كان يكذب من أجل الشهرة، خاصة مع ظهور تأكيدات تفيد بأنّه "ليس عامل نظافة من الأساس". 

رولاند أبي نجم: المؤثرون ليسوا جميعاً إيجابيين بالضرورة، وأغلبهم لا ينشرون أخباراً ومقاطع إيجابية لأسباب عدة؛ منها مصالحهم الشخصية، أو أنّهم يبحثون في النهاية عن المحتوى الذي ينتشر أسرع عبر حساباتهم

ترند "عامل الكشري" كما أطلق عليه المصريون، وصل ذروته بعد إعلان قوات الشرطة المصرية القبض عليه لتنفيذ حكم صدر غيابياً لاتهامه بالقتل الخطأ والتبديد، ليفرج عنه في وقت لاحق مع استمرار القضايا ضده. 

من الترند ما قتل

نعم، تلك الجملة صحيحة تماماً، فبعض التحديات التي تنتشر عبر مختلف مواقع التواصل، فيما يعرف باسم "ألعاب الترند"، خاصة تلك التي تنتشر عبر "تيك توك" الأكثر خطورة، يمكن أن تتسبب في قتل الشباب والمتابعين الراغبين في خوض التحدي من أجل الشهرة. 

تشير دراسات إلى وقوف أبعاد نفسية وراء الترند تصل في بعض الحالات إلى حدّ "الجنون بالشهرة".

من ضمن تلك الألعاب القاتلة "لعبة الشياطين"، أو "لعبة تشارلي"، التي تحكم على الطلاب بقطع الشرايين، وهي أشبه بألعاب التواصل الروحاني مثل "ويجا"، وتُعتبر أحد الطقوس المكسيكية التقليدية القديمة، وقد أفردت "حفريات" تقريراً كاملاً حول تلك التحديات القاتلة والدوافع النفسية للمشاركة بها.

توظيف سياسي

بعض القصص يتم صناعتها والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لأغراض سياسية، يرتبط معظمها بأهداف تنظيم الإخوان المدرج على قوائم الإرهاب في مصر بمحاولة نشر الشائعات وإثارة الفتن والنيل من مؤسسات الدولة. 

أبرز تلك القصص ما يرتبط بأوضاع المحبوسين في مصر من عناصر التنظيم، والمشروعات الاقتصادية، وهو أسلوب قديم اتبعته الجماعة منذ عام 2013، وهو ما ردت عليه الحكومة المصرية باستحداث هيئة لرصد الشائعات والرد عليها تتبع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري. 

ميكروباص وهمي يسقط في النيل 

أبرز هذه الشائعات، التي تحولت إلى "ترند" في مصر، وحاول التنظيم توظيفها بشكل سياسي، ارتبطت بما عُرف باسم "ميكروباص الساحل"، فقد ادعى أحد الأشخاص في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2021 رؤيته سيارة ميكروباص تسقط من أعلى كوبري الساحل في النيل. 

وبعد انتشار الشائعة، وتصدرها مواقع التواصل الاجتماعي سريعاً، وضحت وزارة الداخلية المصرية في بيان لها أنّ الأمر لم يحدث مطلقاً، لتقوم لاحقاً بالقبض على مروّج هذه الشائعة ومحاكمته. 

ما دوافع صناعة الترند؟ 

يقول رولاند أبي نجم، خبير تكنولوجيا المعلومات، لمدونة "بي بي سي ترند": إنّ "المواضيع الرائجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لها إيجابيات وسلبيات".

ويوضح أنّ "المغردين والنشطاء يستخدمون هذه المنصات للتفاعل والرد، وخاصة في المواضيع التي قد تكون موضع تعاطفهم، مثل الظلم والتنمر".

لكنّهم أيضاً "يتفاعلون مع كل الأخبار، حتى وإن لم تكن صحيحة".

رولاند أبي نجم: لا يمكن التحكم في وقف انتشار الأخبار غير الهادفة

وقال رولاند: إنّ "من عوامل انتشار تلك الأخبار تغطية منصات وسائل الإعلام والمؤثرين لها عبر حساباتهم في مواقع التواصل، مثل؛ فيسبوك وتويتر وتيك توك، وبمجرد تداولهم للخبر يتداوله متابعوهم، وهكذا حتى ينتشر الخبر بشكل واسع وسريع".

وأضاف أنّ "المؤثرين ليسوا جميعاً إيجابيين بالضرورة، فمنهم سلبيون أيضاً، وأنّ أغلبهم لا ينشرون أخباراً ومقاطع إيجابية لأسباب عدة؛ منها أنّ هناك مصالح شخصية من وراء هذه الأخبار، أو أنّهم يبحثون في النهاية عن المحتوى الذي ينتشر أسرع عبر حساباتهم".

وينوه رولاند إلى: أنّه "لا يمكن التحكم في وقف انتشار الأخبار غير الهادفة، لأنّه ليس هناك ما يضمن، في حال التوقف عن نشر أخبار عامل النظافة مثلاً واستبدال الخبر بآخر هادف وإيجابي، أنّه سيحرز التفاعل نفسه الذي كان قد حققه الأول".

مواضيع ذات صلة:

مصر تطلق هيئة حكومية لنشر السعادة... ماذا تعرف عنها؟

مصر: حصلت على شهادة محو الأمية بعمر الـ 87... ما قصة الحاجة زبيدة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية