وحدة الكومنولث.. التحدي الأكبر أمام الملك تشارلز

وحدة الكومنولث.. التحدي الأكبر أمام الملك تشارلز

وحدة الكومنولث.. التحدي الأكبر أمام الملك تشارلز


20/09/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

من الصّعب ألّا تكون متوتّراً خلال الأيّام القليلة الأولى لك في وظيفةٍ جديدة - خاصّةً إذا كانت تلك الوظيفة الجديدة تعني أنّك أصبحت ملكاً. صحيحٌ أنّ الملك تشارلز الثّالث كان يتدرّب من أجل هذه اللحظة على مدار أعوامه الثّلاثة والسبعين، وهناك الكثير من النّوايا الحسنة لذلك. لكنّ التّحديات وافِرة، أيضاً.

حتّى الآن، تسير الأمور على ما يرام. لقد أشاد في خطابه الأوّل بـ«أمّي العزيزة» على «العيش بشكل جيّد». تمكّن من لمّ شمل عائلته، بما في ذلك ابناه المتناحران على ما يُعتقد، ويليام وهاري. كما أصدر اعتذاراً متأسّفاً للجمعيّات الخيريّة التي يدعمها، قائلاً، بشكل معقول تماماً، إنّه «لن يكون من الممكن بالنّسبة إليّ أن أمنح الكثير من وقتي وطاقاتي للجمعيّات الخيريّة والقضايا التي أهتمّ بها بشدّة. لكنّي أعلم أنّ هذا العمل المهمّ سيستمرّ بسواعد آخرين محلّ ثقة».

الآن، يأتي الجزء الصّعب. كيف تأتي بعد العاهلة البريطانيّة التي قضت أطول فترة في التّاريخ في المنصب، بينما تجلب شيئاً جديداً ومتجدّداً إلى مؤسّسة قديمة؟ بعض الأولويّات - المليئة بالفُرص والمزالق المحتملة - باتت واضحة بالفعل.

تشارلز في جامعة كامبريدج عام 1967، حيث بدأ دراسته في كلية ترينيتي

الأولويّة الأولى للملك تشارلز هي اتّحاد المملكة المتّحدة. أصبح هذا الأمر أكثر انقساماً على مدار العشرين عاماً الماضية. للعاهل دورٌ مهمّ، على الرّغم من أنّه دور خفيّ. يُعدُّ الملك تشارلز رئيساً صوريّاً ورمزاً للوحدة، لكنّه لا يستطيع حلّ المشكلات السّياسيّة.

قيادة الـ 54 دولة

الفرصة الثّانية هي قيادة الـ 54 دولة التي يتكوّن منها الكومنولث. يُعدُّ العاهل البريطانيّ رئيس الكومنولث ورئيس الدّولة في بعض دول الكومنولث. تجمع المنظّمة بين الشّمال والجنوب، والأغنياء والفقراء، من كلّ القارات باستثناء القارّة القطبيّة الجنوبيّة. في أعقاب الكارثة الإنسانيّة للفيضانات في باكستان - إحدى دول الكومنولث - يمكن للملك تشارلز أن يؤكّد على الطّرق التي يمكن للكومنولث من خلالها الجمع بين دوله المختلفة في وقت الحاجة، لمساعدة أولئك الذين يعانون من عواقب تغيّر المناخ، والفقر، والهجرة.

إنّ عاهلاً وراثيّاً مثل الملك تشارلز ليس لديه تفويض مباشر من النّاخبين، ومع ذلك فإنّ لديه بالفعل «منبر» وكذلك جمهور متنبّه. الأهم من ذلك كلّه أنّ لديه قضيّة

وهذا هو المكان الذي قد تكون فيه الفرصة الثّالثة مهمّة. بصفته أمير ويلز، كان تشارلز نصيراً للقضايا البيئيّة قبل فترة طويلة من رواجها.

ظهر أحد الأمثلة الشّخصيّة الصّغيرة قبل ما يقرب من عقدين من الزّمن، عندما كنت أصنع سلسلة وثائقيّة على إذاعة «بي بي سي». دُعيت للذّهاب مع الأمير في زيارةٍ لمصنع في مرتفعات اسكتلندا، بالقرب من بالمورال، حيث قضت الملكة إليزابيث أيّامها الأخيرة. ارتدى تشارلز التّنورة الاسكتلنديّة، احتراماً للتّقاليد الاسكتلنديّة، وتحدّث بحرارة مع عمّال مصنع البسكويت العضويّ. وأوضح مدى فخره بأنّ أفكار الزّراعة العضويّة - التي دافع عنها لأعوام، والتي كانت في أحسن الأحوال غريبة الأطوار وفي أسوأ الأحوال مجنونة - أصبحت الآن سائدة. وكانت النّتيجة وظائف جديدة ومنتجات جديدة صُنعت في اسكتلندا.

الحفاظ على تماسك المملكة

ستشهد الأيّام القليلة المُقبلة الملك تشارلز كشخص يمكنه الجمع بين النّاس، بدءاً من الخدمات الدّينيّة والمناسبات الاحتفاليّة في إدنبرة، وبلفاست، وكارديف، ولندن. لكنّ الحفاظ على تماسك المملكة المتّحدة ليس في سلطته. يعتمد الاتّحاد بشكل أكبر على موقف رئيسة الوزراء ليز تروس، التي تربطها علاقة متصدّعة بالحزب السّياسيّ الرّئيس في اسكتلندا، الحزب الوطنيّ الاسكتلنديّ. قالت ذات مرّة إنّها تنوي «تجاهل» الوزير الأوّل المنتخب ديمقراطياً في اسكتلندا، نيكولا ستورجون، التي ادّعت تروس أنّه «يسعى للفت الانتباه». هناك مشكلات أخرى مستعصية مع الاتّحاد أيضاً، خاصّة في أيرلندا الشّماليّة.

تشارلز يلعب الكريكيت في عام 1968

لكن، بالنّسبة إلى الملك تشارلز، فإنّ الفُرَص تفوق الصّعوبات.

يمكن للملك تشارلز الثّالث، بالتّأكيد، أن يكون موحِّداً وليس مقسِّماً. عندما ينتهي الحداد على الملكة إليزابيث، ستكون هناك فترة طويلة من التّفكير حول المملكة المتّحدة في القرن الحادي والعشرين

قبل أكثر من مائة عام، وصف الرّئيس الأمريكيّ آنذاك ثيودور روزفلت الرّئاسة الأمريكيّة بأنّها «منبر متنمّر». كان روزفلت يعني أنّ لديه القدرة على الوعظ وتغيير عقول النّاس وسلوكهم. إنّ عاهلاً وراثيّاً مثل الملك تشارلز ليس لديه تفويض مباشر من النّاخبين، ومع ذلك فإنّ لديه بالفعل «منبر» وكذلك جمهور متنبّه. الأهم من ذلك كلّه أنّ لديه قضيّة: تاريخ طويل من الاهتمام بالبيئة والحفاظ على كوكب صالح للعيش.

فرصة رائعة للملك

هذه فرصةٌ رائعةٌ للملك تشارلز للارتقاء فوق السّياسات الحزبيّة باعتباره بطلاً للقضايا الخضراء العالميّة، والزّراعة العضويّة، والحياة البرّيّة المتنوّعة. صوته فيما يتعلّق بالاحتباس الحراريّ والحاجة إلى منع الكوارث المتعلّقة بالمناخ سوف يتردّد صداه من المرتفعات الاسكتلنديّة إلى سهول باكستان التي غمرتها الفيضانات وحرائق الغابات في أستراليا. في كومنولث متنوّع وفي عالم منقسم في كثير من الأحيان، يمكن للملك تشارلز الثّالث، بالتّأكيد، أن يكون موحِّداً وليس مقسِّماً.

تشارلز والأميرة آن في وندسور جريت بارك عام 1968

ومع ذلك، لا تزال هناك مشكلة أخرى. عندما ينتهي الحداد على الملكة إليزابيث، ستكون هناك فترة طويلة من التّفكير حول المملكة المتّحدة ومكاننا في عالم القرن الحادي والعشرين. أحد الأخبار السّارّة أنّه في شهر سبتمبر من عام 2022، غيّرنا رئيس دولتنا بشكل سلميّ وقمنا أيضاً بتغيير رئيس حكومتنا، وإيجاد رئيسة وزراء جديدة في السّيّدة تروس. وبُعيد ذلك غيّرت تروس الموظّفين في أعلى مستوى في حكومتنا.

لكن الأشخاص الوحيدين الذين صوّتوا على أيّ من هذا هم حوالي 140 ألف عضو في حزب المحافظين، وليس الـ 68 مليون مواطن. يبدو أنّ النّظام يعمل، لكنّها طريقةٌ غريبةٌ لإدارة دولة ديمقراطيّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

غافين إسلر، ذي ناشونال، 13 أيلول (سبتمبر) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/09/13/what-will-king-charles-want-his-crowning-achievement-to-be/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية