ورثة "ساموراي" يرسلون مدمّرة إلى الخليج.. كيف تغيّروا منذ 7 أعوام؟

الخليج العربي

ورثة "ساموراي" يرسلون مدمّرة إلى الخليج.. كيف تغيّروا منذ 7 أعوام؟


03/02/2020

إنّ إرسال قوة عسكرية يابانية إلى منطقة الخليج ليس المؤشر الأول إلى أنّ ثمة تغييراً ما في العقيدة الأمنية والعسكرية اليابانية. المؤشرات بدأت تتجلى، في حقيقة الأمر، منذ 2013. ومنذ ذاك الحين صارت طوكيو تتحسب لمحيط إستراتيجي يتغيّر، ومعه تتغير قواعد الاشتباك العسكري. هناك تحديات على ثلاث جبهات في جوار اليابان الإقليمي: روسيا والصين وكوريا الشمالية. والحليف الأمريكي في ظل إدارة ترامب يتغير، ويفرض عليها تحدياً رابعاً، وهي لا تريد أن تصبح التحديات خمسة؛ في حال توقف نفط الشرق الأوسط عنها.

أرسلت اليابان مئتي بحار وطائرتي هليكوبتر، للقيام بدوريات يابانية في شمال بحر العرب وخليج عدن

تشاورت اليابان مع الرياض وأبوظبي ومسقط وطهران قبل إرسال مئتي بحار وطائرتي هليكوبتر، للقيام بدوريات يابانية في شمال بحر العرب وخليج عدن. تسعة أعشار النفط الذي يصل إلى اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، يأتي من هذه المنطقة، ولذلك لا بدّ من جهد استخباراتي لجمع المعلومات عن منطقة حيوية تتصاعد فيها التحديات، وسط سيولة أمنية. وقد وصِف قرار الحكومة اليابانية بإرسال مدمرة، أمس، إلى هناك بأنّه مثير للجدل؛ بالنظر إلى أنّ دستور اليابان لا يجيز لها استخدام القوة العسكرية لتسوية النزاعات الدولية. طوكيو راقبت بقلق بالغ التوترات التي تصاعدت الصيف الماضي بخصوص تأمين خطوط الملاحة البحرية في منطقة الخليج وبحر العرب ومضيق هرمز.

اقرأ أيضاً: طهران والبوابة اليابانية
رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، قال لطاقم المدمرة تاكانامي بقاعدة يوكوسوكا البحرية قرب طوكيو قبل إبحارها إلى منطقة الخليج: "تبحر آلاف السفن اليابانية في هذه المياه كل عام ومنها سفن تحمل تسعة أعشار نفطنا. إنها شريان الحياة لليابان"، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء.

 تسعة أعشار النفط الذي يصل إلى اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، يأتي من هذه المنطقة
وحضر المراسم 500 فرد من أقارب البحارة وممثلون عن الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط.
وقالت حكومة آبي، وفقاً لـ "رويترز"، إنها مستعدة للموافقة على استخدام القوة لحماية السفن المعرضة للخطر. ولن تنضم السفينة التي سترافقها طائرتان للدوريات البحرية إلى قوة بحرية تقودها الولايات المتحدة أو إلى أي تحالفات بحرية أخرى بالمنطقة.
3 مبادئ وشروط..وخلفياتها
إنّ القراءة المبكرة لحكومة "الحزب الليبرالي الديموقراطي" الحاكم في اليابان للتغير في المحيط الإستراتيجي، جعلت رئيس الوزراء آبي يحشد مبكراً لإجراء بعض التغييرات، قد تعتبر "ثورية" في العقل الياباني، كما يشير تحليل كتبه الصحفي إبراهيم حميدي في وقت سابق في صحيفة "الحياة". وأورد أنّ قوات الحماية الذاتية اليابانية كانت مُقيّدة بموجب الدستور بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية، بعمليات حفظ السلام فقط وترك الأمور الجدية إلى الأمريكيين أمراء القواعد العسكرية، لكن الآن يمكن أن تمشي خطوة أبعد في قواعد "الاشتباك العسكري". أيضاً، اليابان التي كانت مكتفية لسبعة عقود بالتحالف الإستراتيجي مع أمريكا، بات عليها توسيع خياراتها.

اليابان باعتمادها في شكل شبه كامل على النفط والغاز من الشرق الأوسط، فإنها تحرص على أمن العبور عبر مضيق هرمز

أما داخلياً، فيقول حميدي إنّ هذه البلاد المعزولة وراء المحيطات بدأت قبل أعوام تلمس هذه التحديات. في 2013 جرى تأسيس "مجلس الأمن القومي" برئاسة رئيس الوزراء ومشاركة وزيري الدفاع والخارجية لبحث "قضايا الأمن القومي بأسلوب إستراتيجي" بحيث يجري ضمان "الرد بسرعة على تحديات ديبلوماسية أو أمنية". وفي 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013، جرى إقرار أول وثيقة لـ "إستراتيجية الأمن القومي"، بحيث توفر نقاطاً استرشادية لقضايا الأمن القومي وتطبيق مبدأ "المساهمة الفعالة في تحقيق السلام"، ورصدت متطلبات ذلك في موازنة وزارة الدفاع. وبناء عليه، وضعت الحكومة ثلاثة مبادئ لنقل معدات الدفاع والتكنولوجيا في اجتماع الحكومة في نيسان (أبريل) 2014.

اقرأ أيضاً: صفحات من التاريخ المجهول لليابان الفاشية.. هل تعرفها؟
وفي 19 أيلول (سبتمبر) 2015 أقر أعضاء مجلس "دايت" (البرلمان الياباني) تشريعاً وُضع قيد التنفيذ في 29 آذار (مارس) 2016 وفّر إمكانية "الرد لضمان حياة آمنة لليابانيين وإمكانية مساهمة اليابان في السلام العالمي". ومع أنّ المسؤولين اليابانيين يقولون إنّ هذا التشريع لا يتضمن تغييراً في الموقف المعلن منذ سبعين عاماً في "حب السلام" والحفاظ على "قوة الردع عبر التحالف الإستراتيجي الأمريكي- الياباني" والصياغة الجديدة للتعاون الدفاعي بموجب اتفاق نيسان (أبريل) 2015، فإنّ التشريع سمح بمساهمة أكثر في قوات حفظ السلام و"نشاطاتها" وإمكانية استخدام القوة لحماية المدنيين مع إمكانية أن "توفر قوات الدفاع دعماً في حالات لها تأثير مباشر في سلام اليابان وأمنها أو تهديد للسلام والأمن العالمي"، كما يذكر إبراهيم حميدي، الذي يضيف بأنّ الدستور الياباني يقيّد أي نشاطات عسكرية، ومع ذلك فإنّ هذا التشريع يسمح بـ "نشاطات جمعية للدفاع" ضمن ثلاثة شروط تتعلق بـ "حصول هجوم مسلح على اليابان" وعندما لا تتوافر وسائل أخرى للحفاظ على بقاء اليابان وشعبها، مع التأكيد على "استخدام محدود للقوة إلى الحد الأقصى".

 اليابان آثرت العمل بشكل مستقل وسط نزاعات المنطقة

جمع المعلومات
وتقول "رويترز" إنّ اليابان آثرت العمل بشكل مستقل وسط نزاعات المنطقة. وترتبط حكومة طوكيو بعلاقات ودية مع إيران وغيرها من دول الشرق الأوسط، وسافر آبي إلى المنطقة في كانون الثاني (يناير) الماضي لإطلاع السعودية والإمارات وعُمان على المهمة بعدما أجرى مباحثات مع الزعماء الإيرانيين.

آبي: تبحر آلاف السفن اليابانية في هذه المياه كل عام ومنها سفن تحمل تسعة أعشار نفطنا. إنها شريان الحياة لليابان

وألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران في هجمات عدة على سفن تجارية دولية، العام الماضي، منها ناقلة النفط اليابانية كوكوكا كاريدجس لكن طهران نفت الاتهام، بحسب "رويترز"، وبجانب خليج عمان، ستقوم تاكانامي، التي تحمل على متنها مئتي بحار وطائرتي هليكوبتر، بدوريات في شمال بحر العرب وخليج عدن لكنها لن تدخل مضيق هرمز.  وأرسلت دول أخرى منها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا سفناً حربية للمنطقة.  وقال القبطان يوسوكي إينابا قائد المهمة اليابانية الجديدة في تصريح للصحفيين قبل مغادرته "تعرضت سفن تجارية يابانية للهجوم في حزيران (يونيو) 2019، وقد زادت دول أخرى الدوريات لذلك تتحرك اليابان أيضاً لجمع المعلومات"، كما ذكرت "رويترز".
ورثة ساموراي
واللافت للأنظار أنّ اليابان باعتمادها في شكل شبه كامل على النفط والغاز من الشرق الأوسط، فإنها تشترك مع الصين في الحرص على أمن العبور عبر مضيق هرمز. وأيضاً، ثمة استثمارات مالية متبادلة بينهما. وهنا المفارقة، إذْ قد تبدو طوكيو أقرب إلى موسكو في مواجهة الصعود الصيني في آسيا، لكنها أقرب إلى بكين في الشرق الأوسط لضمان أمن الطاقة واستقراره، على عكس روسيا وأمريكا المكتفيتين من الطاقة، بحسب حميدي، الذي يضيف بأنّ هذه ليست المفارقة الوحيدة التي تتطلب من ورثة "ساموراي" توسيع الخيارات والسير بحذر نحو جهد عسكري مستقل مع الحفاظ على التحالف مع واشنطن… وحياد "تعزيز السلام العالمي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية