ولي العهد السعودي و"تظهير" الأنموذج العربي المناقض لإيران!

ولي العهد السعودي و"تظهير" الأنموذج العربي المناقض لإيران!


23/06/2022

فارس خشان

قد تكون الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان على كلّ من مصر والأردن وتركيا أهم من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن-بما يتناقض كلّياً و"شعاراته الانتخابية"-إلى المملكة العربية السعودية.

وإذا كانت مصالح الولايات المتّحدة الأميركية العليا، في مرحلة إعادة توزيع نفوذ القوى العظمى على الخريطة الدولية وثرواتها، قد أملت جولة الرئيس الأميركي التي ستبدأ من إسرائيل، فإنّ جولة وليّ العهد السعودي أملتها حاجة المنطقة إلى التعاضد والتعاون، حتى تفرض نفسها على "الأجندة الدولية" وتُنقذها من أن تكون، في غفلة من الزمن، وقوداً في صراع الآخرين الذين بانت خطورته الكبرى في نوعية التفاعل مع الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته.

وتملك المملكة العربية السعودية كلّ المقوّمات لتلعب دوراً ريادياً في "إقليمها الإستراتيجي"، مانعة عوامل التفتيت من فرض معادلاتها على الجميع.

ولعلّ زيارة الأمير محمّد بن سلمان للأردن هي الأهم، إذ إنّها لا تأتي، في ظرف أردني إقتصادي عصيب، ولا في سياق فلسطيني-إسرائيلي خطر، بسبب تجاوز تل أبيب خطوط المقدّسات الإسلامية الحمراء، فحسب بل لأنّها تحسم بشكل لا لبس فيه كلّ "الإصطياد بالمياه العكرة" الذي تكاثر بعد "انفجار" ما سميّ ب"محاولة انقلاب" الأمير حمزة بالتعاون مع الشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله الذي قيل الكثير عن قربه من وليّ العهد السعودي، أيضاً.

ولا يمكن في سياق إعادة تجميع القوى الإقليمية وتوحيد رؤاها السياسية وأدوارها الإقليمية، إهمال الملفات المالية والإقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها كلّ من الأردن ومصر، في حين تملك المملكة العربية السعودية ما يلزم من "أدوية تسكين الآلام" الصالحة للمدى القريب و"أدوية الشفاء" الصالحة للمدى المتوسّط.

وليس سرّاً أنّ "المحور الإيراني" في المنطقة، وفي ردّ على تعداد آثار سياساته الكارثية على وضعية الدول التي يُسيطر عليها أو له الكلمة العليا فيها، حاول استثمار الصعوبات التي راكمتها تأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا وجائحة "كورونا" على كلّ من مصر والأردن، لتبرئة نفسه ممّا جنته يداه.

ومن شأن المساعدات والمشاريع والخطط التي أعلنها البيانان المشتركان الصادران عن لقاءي الأمير محمّد بن سلمان بقيادتي مصر والأردن، وانعكاساتها المحفّزة لجذب الإستثمارات، أن تُلغي "الحجج" التي يتوسّلها "المحور الإيراني"، وتُبيّن قدرة دول المنطقة المتحرّرة من السطوة الإيرانية، على التفوّق على الأزمات التي تعصف بها.

وقد بيّنت المعطيات أنّ الدول التي تعجز عن توفير شروط الحياة اللائقة لشعوبها، تعجز عن القيام بالوظائف المنوطة بها، وتتحوّل إلى عبء إقليمي.

وما من سبب جوهري يُمكن أن يحول دون "تبادل الخدمات الذهبية" بين السعودية، من جهة وبين الأردن ومصر، من جهة أخرى، حتى يكون التحالف الذي يجمعها "قدوة" للدول التي تُعاني الأمرّين، كما هي عليه وضعية لبنان.

وكما كانت السعودية عوناً للبنان، في مراحل سابقة لتدهور العلاقات الى أدنى مستوياتها، فهي وقفت، في أكثر من محطة مفصلية، الى جانب مصر والأردن ووقفت معها سائر دول مجلس التعاون الخليجيّ.

ولم يغب لبنان، كما غيره من الدول التي تُعاني من التأثيرات السلبية للنفوذ الإيراني عن البيانَيْن السعودي-الأردني والسعودي المصري، حيث كان لافتاً للإنتباه التشخيص الموحّد للعلل والوصفة الموحّدة للشفاء.

ووفق هذين البيانَين من الواضح أنّ العلل، بما يتّصل بالشأن اللبناني تحديداً، تكمن في نقطتي الفساد المستشري وسلاح "حزب الله" وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول العربية وممارسات من شأنها أن تُهدّد أمنها.

كلّ هذا يُظهر أنّ المملكة العربية السعودية، بعدما أنضجت رؤيتها لنفسها وللإقليم وللعالم، تُعيد القوة الى علاقاتها الإستراتيجية، بحيث تتبادل والدول الحليفة عناصر القوّة في ظل واقع دولي من شأنه أن يُطيح بالضعفاء والمستفرَدين.

وهذا ما سوف يلمسه الرئيس جو بايدن، فور وصوله الى المنطقة، حيث سيؤكّد له الميدان ما أظهرته له التقارير أن حالة العرب في زمن الرئيس باراك أوباما لا تشبه بشيء حالتها في زمنه، وأنّ حاجة بلاده الى هذه القوّة باتت مكلفة أكثر بكثير ممّا كانت عليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

وإذا كان قادة دول بقوّة الولايات المتحدة الأمريكية يُجبرون أنفسهم على "الإنحناء" لتحقيق مصالحهم العليا، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه على شعوب تعيش المآسي كما هي عليه حال الإيرانيين واليمنيين والعراقيين والسوريّين واللبنانيّين سلوك قاداتهم الذين كلّما نطقوا وكلّما قرروا ضاعفوا المآسي وراكموا الكوارث.

وهذا الدرس أدركه، بشكل مبكر، الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي تلمّس أنّ سلوكه المعادي للمملكة العربية السعودية، على خلفية دعم "الإسلام السياسي"، سوف يمنع بلاده، بفعل حلم استعادة المجد العثماني، من أن تُنقذ بعضاً من عوامل قوّتها.

ولا أحد يُمكنه، في ظل "الدولة العميقة" في الجمهورية الإسلامية في إيران، أن يتكهّن بموعد حلول "نعمة التعقّل" على القيادة الإيرانية لتُخرج نفسها وشعبها والشعوب التي تُهمين عليها من دفع الكلفة الباهظة جدّاً للحلم المستحيل: استعادة مجد الأمبراطورية الفارسية.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية