يجب على اليسار الأمريكي ألا يقع في هذا الفخ

يجب على اليسار الأمريكي ألا يقع في هذا الفخ

يجب على اليسار الأمريكي ألا يقع في هذا الفخ


كاتب ومترجم جزائري
11/05/2023

ترجمة: مدني قصري

عندما اقترح نتنياهو إصلاحاً يخوّل للبرلمان تجاوز صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية خشي الليبراليون من نهاية حكم القانون في إسرائيل. لكنّ إسرائيل لم تحترم أبداً حكم القانون، وقد تثبّت ليبراليو البلاد من ذلك.

أدت محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحدّ من سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية بشكل عميق، والتي أصبحت ممكنة من خلال دعم حزبَيْ اليمين المتطرف الليكود وعوتسما يهوديت، إلى إشعال واحدة من أكبر موجات الاحتجاجات في تاريخ البلاد. يواصل مئات الآلاف من الإسرائيليين التظاهر ضد القانون المقترح، والذي سيسمح للكنيست بالالتفاف على قرارات المحكمة العليا بأغلبية الأصوات وتقويض القضاء المستقل في البلاد.

في الولايات المتحدة أثارت محاولة إضعاف المحكمة العليا انتقادات حادّة من قبل كلٍّ من منتقدي إسرائيل وأنصارها على السواء. في رسالة موجّهة إلى الرئيس الأمريكي بايدن قال أكثر من 90 ديمقراطياً إنهم "قلقون للغاية" بشأن محاولة نتنياهو المتعلقة بالإصلاح القضائي، وفي هذا الشأن قال توماس فريدمان، كاتبُ العمود في صحيفة نيويورك تايمز: "نتنياهو يقسّم المجتمع الإسرائيلي". وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ انتقاد إسرائيل ليس حدثاً جديداً في داخل اليسار الأمريكي الذي لطالما اعتبر نتنياهو رجلا منبوذاً.

وراء المخاوف من نهاية إسرائيل الليبرالية يختبئ الاتفاقُ العام، ضمن ما يسمَّى بشكل هزلي بـ "أكثر ديمقراطيات الشرق الأوسط نجاحاً" حول ضرورة انتهاك حقوق الفلسطينيين الإنسانية انتهاكاً منهجياً. تُعتبَر انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي - بما في ذلك الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة للضفة الغربية ومرتفعات الجولان وقطاع غزّة، فضلاً عن أنّ الهجمات المنتظَمة على الدول المجاورة – نقاطَ تتفّق عليها أطراف مجموع الأطياف السياسية.

لا تنصاع للقانون الدولي

لا شك أنّ الليبراليين الذين يخشون من قيام اليمين المتطرف في إسرائيل بإنهاء سيادة القانون غالباً ما كانوا غيرَ قادرين على رؤية أوجه التشابه بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للبلاد. إذ يوضح معدل التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية الإجماعَ الواسع بين السياسيين الإسرائيليين على أنّ إسرائيل لا تحتاج إلى الانصياع للقانون الدولي. ومع وضوح أنّ التعديل الرابع لاتفاقية جنيف يتم انتهاكه من خلال تهجير السكان المدنيين في الأراضي المحتلة، فما انفكت إسرائيل ترفع بشكل مطرد عدد المستوطنين في الضفة الغربية على مدى العقود الأربعة الماضية، سواء كانت الحكومة القائمة من اليمين أو من اليسار. أو من الوسط.

 يواصل مئات الآلاف من الإسرائيليين التظاهر ضد القانون المقترح

وهذه حقيقة لا تزال قائمة حتى اليوم، حتى بين السياسيين الأكثر معارضة لنتنياهو. وكما أشار بيتر بينارت مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز فإنّ رئيس الوزراء السابق يائير لابيد - الخصم السياسي الأبرز لنتنياهو - انتقد بشدة محاولات الحكومة الحالية لتقويض القضاء. يُنظر إلى لبيد على أنه سياسي "وسطي"، وتعتبره مجلة اتلانتك Atlantic "الرجل الذي يمكن أن يُنهي عهد نتنياهو". ولكن مع ذلك، لمّا كان رئيساً للوزراء لم ينسق لبيد هجوماً مكثفاً على غزة وحسب بل تعهد أيضاً بضم مساحات كبيرة من المستوطنات في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس كجزء من عاصمة إسرائيل، ومع احتفاظه بحق القضاء على كل آثار دولة فلسطينية مستقبلية.

التركيز على التطرف اليميني لنتنياهو لا ينبغي أن يُنسي أنّ خصومه الليبراليين مسؤولون أيضاً عن دعم احتلال فلسطين، وتوسيع المستوطنات، والانتهاك الممنهَج للقانون الدولي

كما أشار بينارت إلى أن بيني غانتس، وهو "شخصية رئيسية أخرى في الحركة المناهضة لنتنياهو" قد أشرف بنفسه على تصنيف "ست منظمات إنسانية فلسطينية كمجموعات إرهابية" عندما كان وزيراً للدفاع. وفضلا عن ذلك فقد أيدّ غانتس مؤخراً اقتراح ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية، وفي عام 2014 قاد هجوماً على غزة أسفر عن مقتل أكثر من 2200 فلسطيني، من بينهم 500 طفل. وتفاخر لاحقاً بأنّ هذه العملية قد حوّلت مناطق في غزة إلى "العصر الحجري".

ليبراليون متطرفون

كما امتدّ الدعم السياسي لانتهاكات القانون الدولي حتى إلى الليبراليين المتطرفين (باستثناء أحزاب الكنيست العربية مثل حزب التجمع الفلسطيني  Ra’am المدعوم من الفلسطينيين، والتي ظلت دون جدوى في الحكومة قصيرة العمر بين حزيران (يونيو) 2021 وكانون الأول (ديسمبر) 2022). كما شدّد رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، اللذان ترأسا "الحكومة الأكثر يسارية" بحسب أفيغدور ليبرمان، الحصارَ على غزة، ووسّعا المستوطنات في الضفة الغربية وشنّا أخطر الاعتداءات على غزة في تاريخ إسرائيل. .

إنّ انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي يتم دعمها وتمويلها بشكل مباشر من قبل حكومة الولايات المتحدة. تزوّد الولايات المتحدة إسرائيل بـ 3,3 مليار دولار في شكل تمويل عسكري أجنبي كل عام، أي أكثر من جميع الدول الأخرى مجتمعة. تمّول هذه المساعدة العسكرية واردات الأسلحة الإسرائيلية من الولايات المتحدة وتدعم بشكل كبير إنتاج إسرائيل المحلي للأسلحة. تشكل المساعدات العسكرية الأمريكية حوالي 16٪ من إجمالي ميزانية الدفاع الإسرائيل.

حكومة نتنياهو مليئة بالقوميين والمتطرفين اليمينيين

النتيجة: المساعدات العسكرية الأمريكية تُستخدَم مباشرة لتمويل إسرائيل. تذهب المساعدات العسكرية الأمريكية مباشرة لتمويل الهجمات الإسرائيلية المنتظمة على جيرانها، فضلاً عن احتلالها للأراضي الفلسطينية، والذي أدانته بشدة محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعشرات من الدول باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش فإنّ الأنشطة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تشكل "جرائم ضدّ الإنسانية وهي لا شك من أبشع الجرائم المصنَّفة في القانون الدولي".

دعم أمريكي لانتهاك القانون

لا يقتصر الدعم الأمريكي لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي على المساعدات العسكرية، إذ أنه على الرغم من التصعيد الأخير في عنف المستوطنين في الضفة الغربية والتوسع المتوقع للمستوطنات الإسرائيلية فقد ضغطت إدارة بايدن على السلطة الفلسطينية لسحب قرار مجلس الأمن الذي يدعو إسرائيل إلى تجميد توسيع المستوطنات. في عام 2019 أعلنت إدارة ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن. وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والعديد من قرارات الجمعية العامة هذه الخطوة باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي. لكن بدلاً من التراجع عن اعتراف عهد ترامب بالجولان كأرض إسرائيلية فقد أكدت إدارة بايدن ذلك ذلك الاعتراف.

المساعدات العسكرية الأمريكية تُستخدَم مباشرة لتمويل إسرائيل. تذهب المساعدات العسكرية الأمريكية مباشرة لتمويل الهجمات الإسرائيلية المنتظمة على جيرانها، فضلاً عن احتلالها للأراضي الفلسطينية

يجب أن يركز اليسار الأمريكي اهتمامه على دعم الولايات المتحدة وتمويلها لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. صحيح أنّ نتنياهو والتحول العام نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية مثيران للقلق، وأنّ حكومة نتنياهو مليئة بالقوميين والمتطرفين اليمينيين. ومع ذلك فبالنسبة للعديد من الليبراليين البارزين في الكونجرس توصَف إدانة نتنياهو كمدح لمعارضيه، حتى وإن كانت مواقفهم بشأن القانون الدولي متشابهة بشكل ملحوظ.

يجب على اليسار أن لا يقع في هذا الفخ. التركيز على التطرف اليميني لنتنياهو لا ينبغي أن يُنسي أنّ خصومه الليبراليين مسؤولون أيضاً عن دعم احتلال فلسطين، وتوسيع المستوطنات، والانتهاك الممنهَج للقانون الدولي. وعلى السياسة الداخلية لإسرائيل، مهما كانت مقلقة ألا تصرف انتباه اليسار حول ضرورة التركيز على تمويل الولايات المتحدة للجرائم التي تدعمها الطبقة السياسية الإسرائيلية بأكملها.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

les crises.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية