24 جمجمة لمقاومين جزائريين تروي فظاعات الاستعمار الفرنسي

24 جمجمة لمقاومين جزائريين تروي فظاعات الاستعمار الفرنسي

24 جمجمة لمقاومين جزائريين تروي فظاعات الاستعمار الفرنسي


01/11/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة يوميّة أمريكيّة كبرى مقالاً طويلاً بعنوان «إعادة فرنسا لجماجم 24 من (مقاتلي المقاومة)». تحدّث المقال عن إعادة فرنسا 24 جمجمة إلى الجزائر اشتُهرت بأنّها الرّؤوس المقطوعة لمقاتلي المقاومة الجزائريّة. وقد كانت القطعة الصّحفيّة مروّعة ومُغضِبة.

بدلاً من الكشف عن التّاريخ الذي يكمن وراء هذه القضيّة برمّتها، كان محور القصّة أنّ ستّ جماجم فقط أمكن تحديدها بشكل صحيح على أنّها تنتمي إلى مقاتلين جزائريّين، فيما اعتُبرت الجماجم الـ 18 الأخرى من خلفيّة غير معروفة. مع عزم الحكومتين، على ما يبدو، على تجاهل الأصل المشكوك فيه للجماجم، أُعلِن عن النّقل باعتباره «بادرة قويّة» و«علامة فارقة في جهود [فرنسا والجزائر] لإعادة بناء العلاقات». في النّهاية، أثارت القصّة أسئلة أكثر ممّا أجابت وممّا كشفت عن الماضي، وهو الأمر الذي «يكشف الكثير عن الهمجيّة الاستعماريّة»، كما أشار أحد المؤرّخين الجزائريّين.

الجماجم الجزائريّة

اشتهُرت الجماجم الجزائريّة بأنّها رؤوس لقادة المقاومة والمدنيّين الذين قُطعت رؤوسهم خلال الغزو الفرنسيّ لشمال أفريقيا في القرن التّاسع عشر. ووفقاً للتّقرير، فقد «عُرِضَت على أعمدة» و«أُعيدت إلى فرنسا كغنائم حرب». كانت الجماجم جزءاً من مجموعة من 18,000 عظمة بشريّة انتُقيت من المستعمرات الفرنسيّة السّابقة ووُضِعَت في «متحف الجنس البشريّ» في باريس. ومن بين الآلاف من بقايا الهياكل العظميّة الموجودة في هذه المجموعة عظام من جميع أنحاء أفريقيا، وأمريكا الشّماليّة، وآسيا. وقد أحضر هذه العظام إلى فرنسا أفراد من الجيش الفرنسيّ وحفريّون، ثمّ سُلّمت إلى المتحف كجزء من جهود لدراسة وتصنيف الاختلافات العرقيّة.

يبدو أنّ إعادة فرنسا لهذه الجماجم ليست سوى واحدة من حوالي 20 عمليّة إعادة رفات فرنسيّة من هذا القبيل إلى بلدان أخرى، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبارها إلّا عمليّة غير مكتملة - ففرنسا «تُقرضها» فقط للجزائر «لفترة تمتدّ إلى خمسة أعوام».

جنود من الجبهة الوطنية للتحرير يخضعون للتدريب في القوات الجزائرية عام 1957

المزعج هو حقيقة أنّ القضيّة برمّتها لم تحظ باهتمام كبير لأنّ الحكومات، في رغبتها الواضحة في تحقيق نصر دبلوماسيّ، قدّمت عمليّة إعادة الجماجم على أنّها خطوة مهمّة في إعادة بناء العلاقات. من المؤكّد أنّ التّقارب في العلاقات شيء يجب أن يُحمَد، لكن «تأجير» عظام الشّهداء الجزائريّين لا يمكن إلّا أن يُنظَر إليه على أنّه طريقة غير مناسبة لتحقيق هذا الهدف.

فرنسا لم تعتذر

كان من الأفضل لفرنسا أن تُقدّم اعتذاراً شديد اللهجة عن الفظائع التي لَحِقَت بالشّعب الجزائريّ خلال غزوها الذي دام قرناً. لكنّها لم تفعل هذا. أقرب شيء وصلت إليه في هذا الصّدد هو تصريحات الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، الأخيرة بشأن «معاناة الجانبين».

ما يبقى مطروحاً على الطّاولة هو حاجة فرنسا لتقديم شكل من أشكال التّعويضات عن الأضرار التي لَحِقَت بالجزائر وشعبها. لكنّها، بدلاً من اتّخاذ مثل هذه الخطوة، اكتفت بإيماءة إعادة الجماجم المقطوعة - والتي هي بمثابة تذكير فقط بوحشيّتها ولاإنسانيّتها.

درس علماء الاجتماع البيض ما اعتبروه ثقافات دنيا، بينما غزا قادتهم السّيّاسيّون والعسكريّون أراضي هذه «الشّعوب الأقلّ شأناً»، وفرضوا أنفسهم عليها، ونهبوا مواردها

أكتبُ هذا مدفوعاً بإحباطي المستمرّ من الطّريقة التي تُواصل بها العديد من الدّول الغربيّة استعراض نفسها باعتبارها حاملة الحضارة، والثّقافة، والقِيَم في العالم، مع تصويرها لشعوب الشّرق أو الجنوب على أنّها أجناس أقلّ. قاس «العلماء» المتعصّبون عرقيّاً في «متحف الجنس البشريّ» السّعة الجمجميّة في الجماجم التي درسوها من أجل إثبات تفوّق البيض. ودرس علماء الاجتماع البيض ما اعتبروه ثقافات دنيا، بينما غزا قادتهم السّيّاسيّون والعسكريّون أراضي هذه «الشّعوب الأقلّ شأناً»، وفرضوا أنفسهم عليها، ونهبوا مواردها لخدمة الأغراض العُليا للدّول الغربيّة. وفي الجزائر وحدها، قُتِل الملايين أو سُمح له بالموت مرضاً وجوعاً لصالح فرنسا.

هذه هي القصّة التي تصرخ حتّى تُحكى: في احتلالها لأرض شعب آخر، قطعت القوّات الفرنسيّة رؤوس أولئك الذين قاوموا. وضعت رؤوسهم على أعمدة، وأعادتها إلى باريس كغنائم، وأرسلتها إلى متحف لدراستها مع عظام شعوب أخرى غزتها من الجنوب والشّرق.

في هذا الصّدد، لم تكن فرنسا مختلفة كثيراً عن بعض القوى الاستعماريّة الغربيّة الأخرى، وأبرزها بريطانيا العظمى، والبرتغال، وإسبانيا، وألمانيا، والولايات المتّحدة. إنّ ما خلّفه غزوهم وحكمهم الاستغلاليّ من حطام ومعاناة إنسانيّة عالميّين ليس مجرّد مسألة تاريخ. فما زال الضّرر الذي وقع يُشكّل الحقائق الحاليّة للدّول الضّحايا.

يجب أن يكون هناك اعتراف بالضّرر الذي حدث وجرد له، ثمّ إجراءات تؤخذ باسم العدالة التّصالحيّة. إنّ إعادة جماجم تُذكّر فقط بضحايا شرور الماضي تزيد الطّين بلّة

الخلاصة واضحة: بنى الغرب ثروته، وتظاهره بوجود نظام ديمقراطيّ متحضّر، على ظهور وعظام أولئك الذين سَحقهم. وبُغية المُضي قُدُماً، يجب أن يكون هناك اعتراف بالضّرر الذي حدث وجرد له، ثمّ إجراءات تؤخذ باسم العدالة التّصالحيّة. إنّ إعادة جماجم تُذكّر فقط بضحايا شرور الماضي تزيد الطّين بلّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، ذي ناشونال، 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2022




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية