30 دولة تعترف بالإبادة العثمانية للأرمن: هل ثمة أكاذيب أخرى لدى أنقرة؟

العثمانيون

30 دولة تعترف بالإبادة العثمانية للأرمن: هل ثمة أكاذيب أخرى لدى أنقرة؟


29/04/2020

في ظل محاولات النفي والإنكار المستمرّين من قبل الحكومات التركية المتتابعة والأنظمة المتباينة على مدار التاريخ، فإنّ صفحة سوداء من تاريخ الدولة العثمانية وسجلاتها الدموية تلاحقهما، بالرغم من التلفيق والكذب ومحاولات التأويل الساذجة للتاريخ.

اقرأ أيضاً: 105 أعوام على معاداة الأرمن: تركيا "تعالج" التاريخ بالإنكار والتجريم
بيد أنّ الوقائع المروية، والوثائق المكتشفة، وشهادات آخرين تضغط على الحقيقة التي جرت أحداثها، في الفترة بين ربيع العام 1915 وخريف 1915، حيث تمت عمليات الإبادة الجماعية للأرمن، وقضى نحو مليون ونصف المليون أرمني، بحسب المصادر الأرمنية، وذلك على إثر محاولات العثمانيين في تلك الفترة التي خضعت لحكم حزب الاتحاد والترقي، فرض الهيمنة الإسلامية التركية في منطقة الأناضول الشرقية وتغيير الطبيعة السكانية والديمغرافية فيها.
أنقرة وتلفيق التاريخ
وبينما يرفض الأتراك مصطلح "الإبادة"، وترى أنّه مجرد "نزاع أهلي"،  فإنّ ثلاثين دولة، في المقابل، تعترف بالإبادة العثمانية للأرمن، مطلع القرن التاسع عشر، حيث امتثل آلاف من الأرمن إلى أوامر التهجير القسري، واضطروا إلى الذهاب للمنفى في الصحراء السورية حيث تتواجد معسكرات أمنية وسجون خاصة؛ إذ تعرضت مجموعة منهم في الطريق إلى القتل بالرصاص، ومن بينهم نساء وأطفال، وآخرون قتلوا بطرق مختلفة، كما تذكر العديد من المصادر الموثقة، كالحرق والغرق والتسمم.

يهدف الأرمن، منذ عقود، إلى الحصول على الاعتراف بالإبادة التي جرت في حقهم، مما سيمكنهم من استعادة أراضيهم

وبحسب موسوعة الهولوكست، في تقرير مفصل عن الإبادة الجماعية للأرمن، فإنها ترى أنّ مصطلح الإبادة الجماعية وإن كان لم يتم صياغته حتى العام 1944، إلا أنّ معظم العلماء يتفقون على أنّ القتل الجماعي للأرمن يتطابق والتعريف العلمي، حيث استخدمت الدولة العثمانية، بشكل منهجي، حالة عسكرية طارئة، لجهة التأثير على سياسة سكانية وديمغرافية طويلة الأجل، تهدف من خلالها إلى تقوية العناصر التركية المسلمة في الأناضول في مقابل السكان المسيحيين، والذين من بينهم الأرمن والآشوريون، كما أنّ الوثائق العثمانية والأرمنية، وكذا، البريطانية والفرنسية والألمانية والنمساوية، تكشف حالة تعمد من قبل الحكومة العثمانية، بهدف استهداف السكان الأرمن في الأناضول عن عمد.
وتضيف الموسوعة في تقرير منشور لها: "صدرت تعليمات من القسطنطينية، حيث وجهت الحكومة المركزية بجمع بيانات دقيقة عن الأرمن، تبدأ من إحصاء عدد الذين تم ترحيلهم، ثم كمية ونوع السكن الذي تركوه وراءهم، وأخيراً، معرفة عدد المبعدين ممن وصلوا إلى معسكرات الاحتجاز".

 

العثمانيون المتهم المباشر
وقد جاءت التعليمات من أعلى مستويات الدائرة الحاكمة في الدولة العثمانية، حسب المصدر ذاته، حيث كان في مركز العملية كل من: طلعت باشا، وزير الداخلية، وإسماعيل إنفر باشا، وزير الحرب، وبهاء الدين صقر، المدير الميداني للمنظمة الخاصة، ومحمد نظيم، قائد التخطيط الديمغرافي.

اقرأ أيضاً: تركيا... تاريخ حافل بالقمع ضد الأرمن والأكراد
في ذكرى الإبادة الأرمنية التي تصادف مرورها، قبل أيام قليلة، فإنّ مراسم إحياء "الجريمة الكبرى"، كما يصفها الأرمن، جاءت بسيطة ومتواضعة، حيث شهدت تغييرات طفيفة عن السنوات السابقة، تبعاً للإجراءات الوقائية بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، خاصة، وأنّ أرمينيا فرضت حالة الطوارئ والعزل التام لمنع انتشار الوباء.
تم، بسبب الجائحة الكورونية، إلغاء المسيرة التقليدية في العاصمة يريفان، وأغلقت كافة الطرق المؤدية إلى نصب ضحايا الإبادة الذي يطل على المدينة، بينما أطفأت أرمينيا الأنوار في الأماكن العامة، ودقت أجراس الكنائس، لإحياء ذكرى ضحايا "الجريمة الكبرى"، ووضع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، وبطريرك الكنيسة الأرمنية، كاريكين الثاني، أكاليل الزهور أمام نصب الإبادة، كما شارك سكان العاصمة في إحياء الذكرى، عبر إطفاء الأنوار في منازلهم، ومن ثم، إضاءة الشموع أو استخدام الإضاءة بواسطة هواتفهم، ووضع أي منهما على أطراف منازلهم.
الاعتراف بالإبادة
ولفت الرئيس الأرميني، أرمين سركيسيان،  إلى أنّ إحياء الذكرى الخامسة بعد المئة لهذه المأساة "يتم إحياؤها بمراسم فرضها علينا الوباء"، مشدداً على أنّ "الاعتراف بالإبادة من قبل تركيا والقضاء على تبعاتها يعد قضية أمنية لأرمينيا والأمة الأرمنية والمنطقة".

اقرأ أيضاً: مؤرخ تركي يعترف بجريمة إبادة العثمانيين للأرمن
ومن جهته، ندد رئيس الوزراء الأرمني، نيكول باشينيان، في كلمة مقتضبة عبر الفيديو، بالجريمة التي تعرض لها الأرمن، ووصفها بأنها "جريمة لم تكن فقط ضد هويتنا الإثنية وإنما ضد الحضارة الإنسانية"، مضيفاً بأنّه: "لا تزال تداعيات الإبادة قائمة، وتركيا لم تقدم أبداً اعتذارات لما ارتكبته". وطالب رئيس الوزراء الأرمني أنقرة باعتراف رسمي بالمجازر في تلك الفترة على أنها إبادة.

 


التعاطي السياسي مع قضية إبادة الأرمن يدخل في إطار المشاحنات بين عدد من الدول وأنقرة، خاصة، في ظل حالة التصعيد الإقليمي المستعرة في عدد من الملفات، لا سيما ليبيا وسوريا، وكذا، ملف غاز المتوسط، الأمر الذي يجعل تركيا في خصومة شديدة مع أطراف مختلفة في المنطقة كما في الغرب وأوروبا، على خلفية التناقضات في المصالح السياسية والإقليمية.
التاريخ في خدمة السياسة
فقبل عام، أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون ذكرى الإبادة الأرمنية يوماً وطنياً في فرنسا، بعد نحو 18 عاماً من الاعتراف بجريمة "الإبادة" في حق الأرمن، كما قام في مطلع العام الجاري، بتكريم المؤرخ التركي، تانير أكشام، صاحب أهم الكتب التي وثقت لتلك الجريمة، بل يعد انفراداً تاريخياً لحصوله على "برقيات" ووثائق عثمانية وجهت على نحو مباشر بتنفيذ الإبادة الأرمينية والقتل الجماعي، وعليه، فيعد أول إثبات علمي تاريخي وموثق ينفي مزاعم أنقرة.
وقد سلم المجلس التنسيقي للمنظمات الأرمنية، في باريس، المؤرخ التركي "ميدالية الشجاعة"، أثناء حضور الرئيس الفرنسي؛ إذ قال الأخير في كلمته للمؤرخ التركي: "لقد فضحتم الإنكار التركي للإبادة".

 

رغم كورونا أطفأت أرمينيا الأنوار في الأماكن العامة، ودقت أجراس الكنائس، لإحياء ذكرى ضحايا "الجريمة الكبرى"

واعتبر الرئيس الفرنسي أنّ كتاب المؤرخ التركي الذي احتوى على حوالي 52 وثيقة عثمانية، تتضمن أوامر موجهة بالإبادة والتهجير، بمثابة "إقرار علمي لوجود نية واضحة في تنفيذ جريمة منظمة"، وأضاف: "لا نبني أي تاريخ كبير على كذبة، أي سياسة تقوم على التشكيك وإنكار التاريخ"، مؤكداً على أهمية الكتاب باعتباره وثيقة "أخرجت ما أراد البعض إغراقه في النسيان، إنكار التاريخ".
ومن جهته، أقر مجلس النواب الأمريكي قراراً بالاعتراف الرسمي بـ"الإبادة الجماعية للأرمن"، ومن جهته، دان آدم شيفت، رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي الإبادة الأرمنية على يد الأتراك العثمانيين، قبل أكثر من 100 عام؛ إذ غرد عبر حسابه الرسمي على "تويتر": "قبل أكثر من 100 عام، قتل الأتراك العثمانيون مليون ونصف من الرجال والنساء والأطفال الأرمن".
وأردف: "في كل عام، نحتفل بذكراهم في 24 أبريل. لكن هذا العام سيكون الأول في ظل اعتراف الكونغرس رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن.

اقرأ أيضاً: الأرمن.. محكمة التاريخ والمستقبل
ومن جانبه، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه "منذ عام 1915 تم ترحيل وتهجير وقتل مليون ونصف أرمني، وعلينا أن نتذكر الأرمن وجميع الذين عانوا في الكارثة الكبرى، ونعد بأن نأخذ العبرة من دروس الماضي حتى لا تتكرر تلك الأحداث".

الذكرى الخامسة بعد المئة لهذه المأساة
وفي كل الأحوال، يبقى اعتراف مجلس النواب الأمريكي بالإبادة أمراً منقوصاً، ولا يخرج من حيز الدعاية السياسية والانتخابية، بحسب مراقبين، خاصة، وأنها ليست المرة الأولى، التي يعترف فيها المجلس الأمريكي بالإبادة، حيث جرى الأمر ذاته، بين عامي 1975 و1984، ويتطلب تنفيذ القرار أن يذهب إلى مجلس الشيوخ بعد التصويت والموافقة عليه من قبل مجلس النواب، ومنه إلى الرئيس الأمريكي، حتى يبت فيه بالموافقة أو الرفض.
ويهدف الأرمن، منذ عقود، إلى الحصول على الاعتراف بالإبادة التي جرت في حقهم، وذلك لعدة أسباب؛ من بينها، الاعتراف الدولي، مما سيمكنهم من استعادة أراضيهم التي سكنوا فيها، شرق الأناضول، قبل أن يجري تهجيرهم القسري، خلال الحرب العالمية الأولى؛ حيث يعتبر الأرمن شرق الأناضول ليس سوى أرمينيا الغربية، والموجود فيها جبل آرارات، أحد رموزهم المقدسة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية