4 أسباب تجعل أفق الحوار مع الإسلاميين مسدوداً

4 أسباب تجعل أفق الحوار مع الإسلاميين مسدوداً

4 أسباب تجعل أفق الحوار مع الإسلاميين مسدوداً


17/02/2020

ليس كلّ الإسلاميين، لكنهم حتماً الإسلاميون التقليديون، الذين نشأوا على أفكار منغلقة وسرديات خاصة، لا تقبل التعادل الموضوعي مع الأفكار الأخرى، عدا عن كونها لا تقبل أن تكون مغلوبة أو خاسرة، وعلى مدار تاريخ الجماعات الإسلامية بقيت تنحو منحى المغالبة لا المشاركة في السياقات الوطنية أو القومية أو العالمية، بمعنى أنّها كانت دائماً تعتمد هذه الإستراتيجية التي تلغي الخيارات وترتهن لخيارٍ واحد لا يقبل النقض أو النقد.

اقرأ أيضاً: الدخول إلى التيه: الإسلاموية كإخفاق تاريخي
هل أدرك الإسلاميون مثلاً، أنّ عصر الأحزاب والجماعات الدينية الأيديولوجية يذهب باتجاه الانحسار؟ وأنّ المغالبة لم تعد قادرة على الصمود أمام موجات الحرية ودعوات المشاركة والتشاركية داخل الدولة الواحدة أو بين دول متعددة؟
وقد يذهب البعض إلى أبعد من هذا التفكير، إلى حيث سيادة فكر المغالبة داخل الجماعة الدينية نفسها؛ حيث يبدو صوت الحوار خافتاً جداً، والمغالبة بين محور "القيادات العليا" و"القواعد الدنيا" من الأفراد على أشدها، تحت ذرائع شتى، ولافتات وشعارات نمطية؛ مثل الطاعة، والتجرد، الذي يعني في أحد معانيه داخل الجماعة؛ التخفف من عناء الطموح الزائد، غير المرغوب فيه، والذي لا أفق له بالنظر إلى ازدحام الطريق بطموحات قيادات الجماعة.

إفشال تجربة الإخوان في مصر لا يعطيهم الحق في التمترس خلف ترسانة فكر المغالبة ضاربين فكر المشاركة بعرض الحائط

ما هي إذن الأسباب الأربعة التي تجعل أفق الحوار مع الإسلاميين مسدوداً، والتي يمكن أن تضاف لها أسباب أخرى بحسب رؤية باحث ما أو كاتب آخر؟
أولاً: الأفكار المنغلقة؛ تلك التي أخضعت عقول المنتسبين للجماعة إلى منطق واحد، وهو "أنّنا أصحاب الأفكار العليا والسامية، التي تعتبر الجسر الوحيد بين الله تعالى والناس، وبين السماء والأرض، وأنّ الأفكار التي مصدرها السماء لا يمكن السماح بتلويثها بأفكار أخرى تحت ذريعة الحوار"، وكأنّ أحد منظري هذا الفكر يقول؛ "نحن لا نتحاور، نحن فقد نستمع لكم لا أكثر"، هذا تماماً ما يحدث؛ قد يدعون للحوار، لكنهم لا يتقمصونه أو يؤمنون به، بل يستمعون فقط حتّى يدفعوا عن أنفسهم تهمة الرفض والتطرف والانغلاق.

اقرأ أيضاً: آخر حيل "الإسلامويين"!
وأمام كتلة الأفكار المنغلقة، لم يكن هناك مجال للانفتاح على الأفكار الأخرى، فلدى الإسلاميين أوراقهم الخاصة ومؤلفاتهم الخاصة وكتبهم الخاصة، ولا يُعدّ الخروج من دائرة الكتب التي يؤلفها منظرو الجماعة لقواعدهم مقبولاً أو جائزاً أو مسموحاً، وتُعزّز المناهج هذا الأمر؛ حيث إنّ تثبت الأفكار الخاصة القادمة من السرديات التاريخية الخاصة، وفق قراءات وتفسيرات خاصة تنفي أو ترفض دخول أية مؤلفات أخرى للمناهج.
ثانياً: المغالبة؛ لقد كان على الإسلاميين دوماً إثبات أنّهم مع الحرية والتعددية، وفي الطريق إلى ذلك؛ اصطدموا كثيراً بالحواف الحادة للطموحات الخاصة، فلم يملكوا القدرة على تدوير الزوايا الحادة، بل انحصرت قدرتهم دائماً في توظيف رأس زواياهم الحادة في مواجهة الآخر والحوار معه، ولكي تتضح الصورة أكثر، دعونا نسأل؛ كيف يمكن للزاوية الحادة أن تحاور خطاً مستديراً قابلاً للاختراق لسبب متعلق بالقابلية للتفاعل والمشاركة؟

اقرأ أيضاً: من ضيق الأيديولوجية الإسلاموية إلى رحابة المشترك الإنساني
ولا يُمكن لتجارب الحكم الخاصة بالإسلاميين، على ندرتها، - وهذا اعتراف بعدم امتلاكهم تاريخاً في الحكم والسلطة - أن تكون سبباً مقنعاً لاستمرار فكر المغالبة، وإفشال تجربتهم في مصر لا يعطيهم الحق في التمترس خلف ترسانة فكر المغالبة، ضاربين فكر المشاركة بعرض الحائط، وقد يذهب التفكير إلى أبعد من ذلك؛ حيث إنّ قبول الإسلاميين بالمشاركة تعني خيانة فكرهم وسردياتهم الدينية التاريخية، على الأقل، لدى شريحة منهم، قبل أن تكون قناعة لدى خصومهم.
ثالثاً: المثالية ضد الواقعية السياسية؛ وهذا نظير تمسكهم بسيادة أفكارهم وعلوّها، وتصنيفها على أنّها أفكار علوية، فهم مثاليون إلى درجة يمكن لكلمة حوار أن تجرح مثالية وعلوية أفكارهم؛ إذ لا يؤمنون بالواقعية السياسية إلا بقدر ما يمكن أن يخرجهم من دائرة العنف والتطرف، ودائماً ما كانت نظرتهم للمجتمعات على أنّها متخلفة وفيها جاهلية، وطالما استندوا في ذلك إلى مصنفات ومؤلفات تضع المجتمع موضعاً أقل منهم إيماناً وأضعف منهم حجة، وأنّهم وُجِدوا لممارسة دور الهداية على هذا المجتمع، والوسيط بينه وبين الدين، وفي أحسن الأحوال كانت النظرة للمجتمع على أنّ أفراده مساكين يحتاجون دوماً لمن يأخذ بيدهم إلى الطريق الصحيح والأفكار الصحيحة، وقد يكون ذلك حقيقياً، ولكن ما ليس حقيقياً؛ أنّ المجتمع لا يحتاج إلّا لأفكارهم وجهودهم ودعوتهم، ولهذا نشأت الخلافات، ليس مع الخصوم التاريخيين للإسلاميين؛ من العلمانيين والقوميين فقط، بل نشأت خصومات مع تيارات إسلامية دعوية أخرى، ضاقت ذرعاً بمثالية الإخوان المسلمين الزائدة عن الحاجة.

لا يؤمن الإخوان بالواقعية السياسية إلا بالقدر الذي يمكن أن يخرجهم من دائرة العنف والتطرف

رابعاً: الوطنية؛ وذلك مفهوم غريب بالنسبة لهم، فهي ليست سوى مصطلح ضيق، لا ينسجم مع طموحاتهم العابرة للوطنيات والقوميات والأعراق والأجناس، وبما أنّهم يُصدّرون أفكارهم من الإسلام العالمي، فهم عالميون بالضرورة، وليكن ذلك؛ فالطموح إلى هذا الحد ليس عيباً ولا حراماً، لكن المشكلة تكمن في نظرتهم للوطنيات على اعتبار أنّها حالة عابرة، لا يمكن الاتكاء عليها كمنطلقات أو أسس لتأطير مشروعهم العالمي، وعليه فإنّ كل حوار يصدر عن هذا المصطلح أو من أجله أو اقتضاءً لمصلحته، لا يعول عليه إلا بقدر ما يمنحهم الصيغة الرسمية للعمل والنشاط.
وما يبرهن على انسداد أفق الحوار مع الإسلاميين دائماً، هو هذا التناول الكثيف للحوار بين الإسلاميين والعلمانيين على مدار عقود طويلة، على سبيل المثال، دون الوصول إلى صيغة مشتركة وأرض صلبة يقف عليها الجميع لبناء حوار حقيقي وناجز، فقد كتب الإسلاميون وكتب العلمانيون وكتب كذلك وسطاء بين التيارين حول ذلك، دون رصد أية بوادر إيجابية أو حالة حوار ناضجة يمكن الاتكاء عليها لتقرير أنّ حالة الحوار صحية وليست حرجة.
وأخيراً؛ لا يعني كل ما سبق أنّ انغلاق أفق الحوار مع الإسلاميين يعود لأسباب متعلقة بهم وحدهم، فثمة أيضاً قراءة في أسباب مشتركة وأسباب خارج دائرة الإسلاميين، لكنّ الرؤية الغالبة، هي تلك التي تقترب أكثر من الأسباب المتعلقة بوعي وأفكار وطموحات الإسلاميين القائمة على نفي الآخر أو إلغائه أو عزله أو تحييده.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية