صنّاع المحتوى... مشاهير أم فقاقيع من "الأكاذيب"؟

صنّاع المحتوى... مشاهير أم فقاقيع من "الأكاذيب"؟

صنّاع المحتوى... مشاهير أم فقاقيع من "الأكاذيب"؟


22/09/2022

هبة ياسين

راجت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية صورة لإحدى صانعات المحتوى، وتُدعى ريهام عياد وهي تتحدث عبر فيديو، وفي إطار الشاشة صورة لنجيب محفوظ، كتب عليها طه حسين، فأثارت الصورة حالة من الجدل والاستنكار.

هذا الخطأ لم يمرّ عابرًا، بل فتح باب النقاش حول ظاهرة المؤثرين وصنّاع المحتوى غير المؤهلين علمياً وثقافياً، ومع ذلك يتحدثون في كل شيء من دون رادع، معلومات غريبة ونصائح خطيرة قد يدلي بها أي شخص في أي مجال. فنجد بعض الفنانين يعطون نصائح في الطب وأنظمة التغذية، وإعلاميات يقدمن الوصفات للعناية بالبشرة التي قد لا تلائم كل الناس، وآخرين يتحدثون في التاريخ من دون علم أو مرجعية.

وقد استغرب كثيرون تعليق ريهام عيّاد التي لم تعترف بالخطأ، بل خرجت لترد على منتقديها بتعالٍ ومكابرة، بذريعة أن ما حدث هو خطأ المونتير، وأن من يهاجمونها يقلقهم نجاحها وأنها ستستمر.

ريهام عياد حققت شهرة على مواقع التواصل، وتمّ الاحتفاء بها من خلال استضافها عبر منابر إعلامية شهيرة ومن بينها برنامج "مع منى الشاذلي"، وتقديمها باعتبار أنها تعيد توثيق التاريخ. ولكن الحقيقي أنها تعبث بالتاريخ وتقدم معلومات غير دقيقة حينًا إذا لم نقل مضللة لمتابعيها.

ومن بين السقطات المريعة لها، هي إحدى الحلقات التي تحدثت فيها عن رواية "الكرنك" لنجيب محفوظ، والتي أتم كتابتها في العام 1971، وأنُتجت كفيلم سينمائي العام 1975، فخرجت عياد بكل ثقة عبر فيديو معنون بـ "لماذا منع عبد الناصر فيلم الكرنك"، وقالت أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد منع الرواية من النشر والفيلم من العرض، رغم أن عبدالناصر توفاه الله في أيلول (سبتمبر) 1970.

الهجوم والثورة ضد المحتوى الذي تقدمه عياد لم يأتيا من فراغ، إذ تقدم محتوى يفتقر إلى المرجعية وتعتمد على التشهير بالشخصيات التاريخية، بينما رواية التاريخ ليست أمراً هيناً، كي يُترك لغير المتخصصين بل يلزمه بمنهجية علمية وسعة أفق واطلاع، تحتاج من صاحبها إلى الحياد والمصداقية. 

لكن ما يحدث أن صناع المحتوى، يجمعون معلومات متناثرة من مصادر غير مدققة أو موثوق فيها، ثم عرضها في شكل جذاب، يجتذبون بها المراهقين وأصحاب الثقافة الضحلة، الذين ينجرفون خلفهم من دون تدقيق، ويصفقون من دون وعي، ويدافعون عن سقطاتهم من دون منطق ويهاجمون مننتقديهم من دون سند.

هذا اللغط ليس عابراً بل أصبح مسألة ثابتة على مواقع التواصل الاجتماعي، وشرع كثير من المتابعين للحديث عن هذه الظاهرة التي تعتبر عياد أحد رموزها.

تقول عياد إنها حققت خلال عام واحد فقط نحو 100 مليون مشاهدة، وتؤكد أنّ أهم شيء لديها هو مصداقية المعلومة، وليس الإثارة، أو السعي للانتشار، ويبدو هذا التصريح لعياد مثيراً السخرية، فهناك كثير من المغالطات التي تسوقها عبر محتواها، وبينها حلقة حول اغتيال الفريق الليثي ناصف أول قائد لسلاح الحرس الجمهوري في مصر، وأتت بصورة الفريق أول محمد صادق وزير الحربية المصري الأسبق، وعرضتها طوال الحلقة على انها صورة الفريق الليثي ناصف، رغم الاختلاف الشكلي والجسماني بين الرجلين، فضلاً عن المغالطات التاريخية ضمن الحلقة.

وخصصت إحدى الحلقات للحديث عن الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، اعتمد  محتواها على أكاذيب فجة لمقالات نُشرت في السبعينات من القرن الماضي بينها اتهامات لهيكل بالعمالة، وهي اتهامات غير منطقية، كما أن هيكل رد عليها بنفسه ضمن عشرات المقالات وفي كتابه "بين الصحافة والسياسة".

لم تكن المرة الأولى التي يتم انتقاد عياد، بل انتقدتها "مجموعة مؤرخي 73"، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، واتهموها بالمتاجرة بالتاريخ من أجل جني الأموال، وأنها قامت بتزييف الحقائق التاريخية، وحولت البطل إلى خائن، وأنه يمكنها الحصول على معلومات تاريخية موثقة مجانية من موقعهم، لأن تاريخ مصر ليس لعبة وعليها احترامه".

عياد متهمة بسرقة المحتوي الذي تقدمه، إذ اتهمها الصحافي والباحث محمود حسن أيضاً بالسطو على أحد منشوراته على الفايسبوك بعنوان "المخصيين" في التاريخ المصري... حكاية حزينة من الماضي"، ونقلتها نصّاً دمن ون تغيير، ومن دون أي اجتهاد منها، وقدمته على أنه من إبداعها، وهي متهمة أيضاً بالسطو على محتوى كتاب "نجوم الدرجة الثالثة"، للكاتب عادل لسنهوري، من دون إشارة للمصدر، في خرق واضح لقوانين الملكية الفكرية.

من دون مؤهلات علمية

حالة ريهام عياد ليست الوحيدة، ويمكن القياس عليها، إذ تنسحب على الكثير من المحسوبين كصناع محتوى أو مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يتصدون للحديث في قضايا عدة، بينما هم لا يمتلكون الثقافة أو المعرفة، ومن دون العودة إلى مصادر أو مراجع موثوقة، حيث تسود حالة من الفوضى والعبث، كما أن غالبيتهم أيضاً متهمون بسرقة المحتوى الذي يقدمونه.

كثير من صناع المحتوى لا يمتلكون مؤهلات علمية متخصصة تؤهلهم الحديث في المواضيع التي يطرحونها، فبعضهم يتحدث في التاريخ، وآخرون يقدمون نصائح أسرية واجتماعية، من دون دراسة، هم فقط يمتلكون هاتفاً، بجانب القدرة على التسويق بطريقة جاذبة، إذ يعتمد بعضهم على الكاريزما والآخر على الشكل والأناقة والديكور اللافت، ويقبل عليهم المراهقون والشباب حديثو السن، في ظل تراجع نسبة القراءة والبحث، بجانب الإيقاع السريع لعصرنا الرقمي، ما يجعل المتابعين يبحثون عن محتوى خفيف وسريع.

هناك مزيد من الممارسات الفجة لهؤلاء، فنجد صناع محتوى غير متخصصين يقدمون نصائح طبية، ويصفون أدوية علاجية أو مستحضرات للتخسيس والبشرة. وهو ما حذرت منه وكيلة نقابة الأطباء في مصر رانيا العيسوي، التي صرحت في وقت سابق أن ثمة فوضى في الإعلان عن الخدمات الصحية والعلاجية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن أكثر الشكاوى التي ترد إلى النقابة تتعلق بترويج معلومات مغلوطة عبر مواقع التواصل. وهناك غير الأطباء وغير المتخصصين من يعالجون بوسائل مختلفة غير مدروسة.

رضوى جلال... وقصتها الغريبة

حالة أخرى صارخة تخص صانعي المحتوى في العالم العربي، وهي البلوغر المصرية رضوى جلال، والتي تعود قصتها الى العام 2015، فهي زوجة داعية شاب اشتهر على مواقع التواصل الاجتماعي اسمه أحمد الجبلي، انزلقت قدمه في حمام منزله، وتوفاه الله، ما خلق حالة من التعاطف معه على تلك المنصات. بعدها، قامت أرملته الشابة بجمع التبرعات بدعوى حفر "آبار مياه" في أفريقيا، واستجاب لها المتعاطفون معه، ولا أحد يعلم شيئاً عن مصير هذه الأموال.

ثم أعلنت جلال بعد ذلك عن بدئها مشروعاً تجارياً، ودعت المتابعين، للاستثمار معها وجمعت ملايين الجنيهات،  ثم خرجت لتعلن أن المشروع قد خسر، وبالتالي خسر المودعون معها أموالهم، وهربت إلى الخارج لتعيش في قطر، وهناك ارتدت النقاب وقامت بعمل صفحة محتوى أخرى كموديل للحديث عن الموضة والاكسسوارت، مستخدمة اللهجة القطرية قبل أن يتم اكتشافها، وغابت عن الأنظار حتى عادت أخيراً، لتطل من إسطنبول، كصانعة محتوى ورائدة أعمال تعطي النصائح حول الحياة الأسرية والزوجية والعاطفية والموضة ومساحيق التجميل وسبل التخسيس والعناية بالبشرة، وهي غير متخصصة.

اقتصاد مؤثري الإنترنت

أحد أسباب رواج هذه الظاهرة، هو انتشار اقتصاد صناع المحتوى ومؤثري الإنترنت، والذين يعتمدون في دخولهم على شبكات التواصل الاجتماعي والفيديوات على "يوتيوب وفايسبوك وانستغرام" وغيرها، ويلجأون الى كل الطرق المشروعة وغير المشروعة كي يحققوا الأرباح، بما فيها العناوين المثيرة والتضليل بعرض محتوى مدلس لتحقيق مزيد من المشاهدات ومن ثم جني من الأرباح، إذ يداعبهم حب الشهرة وحلم الثراء وهو ما يتحقق فعلياً، ويشجع المزيد منهم.

يساهم غياب الوعي في انتشار هؤلاء. هم يقدمون آراء شخصية ويتحدثون في السياسة والاقتصاد والاجتماع، لكن لا يمكن التعويل عليهم في بناء منظومة ثقافية ومعرفية لكونهم غير متخصصين، ويفتقرون إلى الموضوعية. وللأسف يلقون تفاعلاً من المتابعين، لكن اللافت أن المحتوى الجاد والرصين الذي يقدمه اختصاصيون وأكاديميون قد لا يحظى بالتجاوب والمتابعة ذاتها من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.

لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت هي الوسيط الذي يعتمد عليه الملايين في استقاء المعلومات، كما تلعب دوراً في تشكيل الوعي وصناعة الرأي العام، لكنها أيضاً أضحت بسبب هؤلاء منصات إلى التضليل الإعلامي، لذا من المهم التصدي لمثل هؤلاء، وتفنيد ادعاءاتهم وأكاذيبهم، ولا بد من أن يساهم كل متخصص في تصحيح الأخطاء التي ينشرونها كي لا يتم ترسيخ الخطأ والجهل، وتقديمهم بوصفهم أهل المعرفة والعلم.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية