لماذا أخفق اليسار في المغرب رغم فشل الإسلاميين؟

المغرب

لماذا أخفق اليسار في المغرب رغم فشل الإسلاميين؟


07/07/2019

بدأ اليسار المغربي معركته السياسية بالمطالبة باستقلال المغرب ووحدته الوطنية، لينتقل بعد ذلك إلى تشكيل معارضة شرسة للنظام المغربي بقيادة الراحل مهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد.
كان لليسار المغربي القدرة على الجمع بين التنظير والعمل النقابي، وأيضاً النضال السياسي، ومن أبرز الأسماء التي تتلمذت في مدرسة اليسار، المفكر محمد عابد الجابري.

يؤكد عضو حزب الاشتراكي الموحد أنّ أحزاب اليسار تفتقد للزعامات وللحوار وأيضاً بخلاف حزب العدالة والتنمية الأكثر تنظيماً

نجح اليسار بأن يتواجد في واجهة الأحزاب السياسية من الخمسينيات إلى الثمانينيات، بسبب اقترابه من نبضِ الشارع المغربي وقضاياه، وتأطير الشباب من مختلف ربوع المملكة.
لكن هذا اليسار الذي قدم للمغرب رموزاً وأسماء كبيرة في الساحة السياسية والفكرية، عاجز عن استعادة مكانته، وكسب ثقةِ المواطن المغربي، تاركاً الساحة فارغةً لحزبِ العدالة والتنمية الإسلامي.
فهل يتحمل اليسار المغربي مسؤولية ما وصل إليه؟ ولماذا عجز عن كسب ثقة المغاربة بالرغم من تراجع شعبية الحزب الإسلامي؟ وهل يمكن أن ينجح اليسار في أن يكون  بديلاً عن حزب العدالة والتنمية؟
عمر بلافريج : نحن نخاطب ذكاء المواطن ولا نوظف الدين

"الأحزاب الإسلامية...هي الخلاص"
يرى المحلل السياسي إدريس قصوري أنّ سياق الحديث عن الفاعلين السياسيين بالمغرب لا يُمكن عزله عن السياق الدولي والسياق العربي. ويُشير في تصريحه لـ"حفريات" إلى أنّ "أحداث 11 سبتمبر مكّنت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من غزو العراق بدافع محاربة الإرهاب، وكذلك القضية الفلسطينية التي ازدادت تأزماً، والأنظمة العربية لم تستجب لمطالب شعوبها، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية التي أدت إلى ما يسمى موجة الربيع العربي، والتي بدأت بطريقة ليبرالية يسارية ثم التحق بها الإسلاميون".

اقرأ أيضاً: هكذا يؤثر الفكر المتطرف على ساحة جامع الفنا بمراكش
يضيف قصوري: "فشل  اليسار في الوطن العربي، والذي كان يقود في البداية النضال ضد فساد الأنظمة وأعطى وعوداً للجماهير، وقام بمحاولاتٍ كثيرة لأجل الاصلاح والتغيير لكنها فشلت أمام صمود الأنظمة".
كل هذه المتغيرات ساهمت، بحسب قصوري، في "صعود الأحزاب الإسلامية على أساس أنّها الخلاص، سواء في شعلة النضال أو الاكتفاء بالتدين كمخرج ورد فعل إزاء الغرب والأنظمة، في ظل ضعف التعليم والهشاشة الاجتماعية والفراغ في الساحة السياسية".
"الدين كبديل إستراتيجي" 
ويرى المحلل السياسي أنّ برامج اليسار لم تُعط  أكلها ولم تلب حاجيات المغاربة، "ما ساهم في اختراق المرجعية الدينية للمجتمع كبديل عن تراجع اليسار"، مشيراً إلى أنّ "موجة الإسلام السياسي اخترقت الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والطلبة والعمال، وقدمت للمجتمع المغربي الدين كبديل إستراتيجي، كما قدمت أيضاً فاعلين جدداً".

اقرأ أيضاً: هل تصدّر إيران التشيّع للمغرب؟
ويُشير المتحدث ذاته إلى أنّ هذه الموجة ذات مرجعية إسلامية لازالت في امتداد، مضيفاً أنّها "استثمرت تراث الإخوان المسلمين، والحركات الجهادية والإسلامية سواء في مصر أو باقي البلدان العربية"، معتبراً أنّها اكتسحت الساحة والمجتمع وأزاحت اليسار من مكانه ليتراجع إلى الخلف ويتنازل عن أدواره السابقة".
وحين تحين فترة الانتخابات "يستفيد الإسلام السياسي الحركي النضالي ذو المرجعية السياسية من الاسلام الديني الفرائضي، ويلتقيان في خدمة معينة، إما من أجل مقاطعة الانتخابات أو من أجل دعم صاحب المرجعية الاسلامية، فصوتهم إما يكون مقاطعاً متطرفاً او مشاركاً، كما يقول المحلل السياسي.
شكل اليسار في السابق معارضة شرسة لنظام المغربي بقيادة مهدي بن بركة

ضعف حزب العدالة والتنمية ...عجز اليسار
وهل يمكن أن يحل اليسار مكان حزب العدالة والتنمية؟ يُجيب قصوري: "الموجة الإسلامية لازالت تتمدد ولم تصل بعد إلى مرحلة أوجها، في مقابل ضعف كبير لأحزاب اليسار مادياً وسياسياً وفكرياً، وأيضاً على مستوى الشعارات والنخب التي تقود اليسار لم يعد لها صوت".
ويضيف : "اليسار اليوم كأنه غير موجود، تنخره الانشقاقات والانقسامات، أعضاؤه معدودون على رؤوس الأصابع لا يُمكن أن يُغيروا شيئاً، أضف إلى ذلك أنّ ضعف التعليم يجعل من الحركات الإسلامية حاضرة في ذهنية الفرد المغربي".

اقرأ أيضاً: المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟

ولم تشارك الحركات الإسلامية في الشأن السياسي بجميع تياراتها، مثل جماعة العدل والإحسان، ويرى قصوري أنّ "تجربة الإسلاميين مختلفة عن اليسار، فداخل الحزب الإسلامي هناك تيارات تتخذ مواقف معارضة من الحكومة، عكس تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي، فالنقابات والنخبة ذهبت مع الحكومة ولم تترك المسافة للنقد أو المعارضة وبالتالي لم تترك لنفسها مجالاً للعودة".
وبرغم ضعف حزب العدالة والتنمية اليوم، غير أنّ اليسار، في تقدير قصوري "عاجز عن أن يكون بديلاً له، ما يعطي للحزب الإسلامي فرصة لتجديد نفسه، وهذا ما يمكنه من الاستمرار بسبب الفراغ وغياب البديل".

خذلان اليسار للشارع المغربي
يدعو قصوري اليسار المغربي إلى ضرورة نقد ذاته، مشيراً إلى أنّه اليوم غائب عن الجامعة والحركة العمالية والبادية، "بعدما أصبح خطابه يقتصر فقط على حقوق الإنسان ولا يتوفر على برنامج يعيد له ثقة المواطن".
في المقابل، يرى حسن الصمدي الكاتب الإقليمي للحزب الاشتراكي الموحد بمنطقة الحي الحسني في الدار البيضاء أنّ أسباب تراجع اليسار تتمثل في "حجم الضربات التي تلقاها الحزب من الستينيات واعتقال النظام لقياداته ونفيها، وأيضاً محاصرة الفكر اليساري وتجربة حكومة التناوب التي قادها الاتحاد الاشتراكي، ما ترك إحساساً بالمرارة لدى المغاربة وأنّ اليسار خذلهم".

اقرأ أيضاً: هل حقاً أنّ "الإرهاب ولد في المغرب" وماذا عن "مجرّة الجهاديين"؟
وتجدر الاشارة إلى أنّ حكومة التناوب التوافقي تجربة سياسية، عاشها المغرب من عام 1998 إلى 2002، وجاءت نتيجة اتفاق بين الملكية مع المعارضة اليسارية على المشاركة الحكومية لأول مرة منذ عقود طويلة.
وكانت حصيلة التجربة مثيرة للجدل بين من اعتبرها مرحلة تأسيسية ومن اعتبرها محدودة الإنجازات، في ظل غياب تحسن ملموس للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
يقول الصمدي في تصريحه لـ "حفريات" إنّ "الدولة المغربية دعمت المد المحافظ واستفاد حزب العدالة والتنمية من الحصار الذي عانى منه اليسار، ومن الانشقاقات التي شهدتها النقابات".
ويُؤكد عضو الحزب الاشتراكي الموحد أنّ "أحزاب اليسار تفتقد للزعامات وللحوار، وأيضاً للقدرة على التفاوض، على خلاف حزب العدالة والتنمية فهو أكثر تنظيماً. وبرغم الأزمات التي عاشها الحزب، لكنه لم ينشق".
 ضعف حزب العدالة والتنمية

كشف ملفات فساد حزب العدالة والتنمية
وبالرغم من تمثيلية فيدرالية اليسار الديمقراطي الضعيفة في البرلمان، غير أنها تحاول العمل على كشف ملفات الفساد، واستعادة ثقة المواطنين بالسياسة.
وكان النائب البرلماني والمستشار الجماعي عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، قد كشف الأسبوع الماضي أنّ مجلس مدينة الرباط، الذي يترأسه حزب العدالة والتنمية، حوّل جزءاً من الاعتمادات التي خصصت لقطاع الصحة، إلى اعتمادات مالية لتنظيم مهرجان جديد يسمى بـ"رباط الأنوار"، المقرر تنظيمه بمناسبة احتفالات عيد العرش.

بلفريج: حضور اليسار رهين بالمشاركة السياسية وسلاحنا ليس كسلاح العدالة والتنمية فنحن نخاطب ذكاء المواطن ولا نوظف الدين

وأكد بلافريج في "البودكاست التواصلي 92" أنّ "المجلس يعتزم اقتطاع 400 مليون سنتيم، من الاعتمادات المخصصة لدفعات المختبرات العمومية والمصالح التابعة لوزارة الصحة، ليضخها في ميزانية المهرجان المذكور".
ويرى النائب البرلماني إنّه بالرغم من التمثيل الضعيف لفيدرالية اليسار في البرلمان المغربي، "لكننا نعمل جاهدين على فضح ملفات الفساد وإعادة الثقة للمواطنين بالسياسة، وندرك جيداً أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً".
ويضيف بلفريج في حديثه لـ"حفريات": "لم نصل بعد إلى مرحلة الديمقراطية بالمغرب وأيضاً هناك عزوف كبير للشباب المغربي على المشاركة السياسية".
ويتابع النائب البرلماني: "من خلال تجربتي، عملنا كمجموعة صغيرة في دائرة الرباط أكدال،  وجدنا صعوبات في البداية لأنّ أغلب اليساريين غير مسجلين في اللوائح الانتخابية، نعمل حالياً في فيدرالية اليسار على خلق الثقة لدى الشباب في السياسة وبضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية".
ويعتبر بلفريج أنّ حضور اليسار "رهين بالمشاركة السياسية، كما أنّ سلاحنا ليس كسلاح العدالة والتنمية، نحن نخاطب ذكاء المواطن ولا نوظف الدين، ونحاول إقناع المغاربة أنّ التغيير ممكن".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية