هل تجد قوى الإرهاب موطئ قدم لها في تونس؟

تونس

هل تجد قوى الإرهاب موطئ قدم لها في تونس؟


24/07/2019

برغم الضربات التي تلقّاها، وبرغم انهيار دولته المزعومة، فإنّ تنظيم داعش الإرهابي مازال يبحث له عن موطئ قدمٍ في بلدانٍ أنهكتها الحروب، وأخرى متعثّرة ثوراتها، ليحاول في مرحلةٍ أخرى، استهداف الدول التي تحاول التعافي من مخلّفات دكتاتورياتها، ورسم مسارها الديمقراطي، كتونس التي لم تشفَ من ورمه بعد.

الخبير الأمني مازن الشريف: الأطراف التي تولّت حكم البلاد منذ 2011 إلى اليوم متورّطة في تكوين حاضنة شعبية للإرهاب

ويسعى هذا التنظيم إلى تغيير إستراتيجياته الانتقامية في تنفيذ هجماته الإرهابية، التي باتت تعتمد بشكلٍ أكبر على الخلايا النائمة، التي نفّذت مؤخّراً تفجيراتٍ في تونس، أشبه بالعمليّات الانتحارية التي لا تصيب غير منفّذها، ما يشير إلى قربه من النّهاية.
وحتى يثبت تواصل نشاطه، نشر "داعش" الثلاثاء 16 تموز (يوليو) 2019، مقطع فيديو لمجموعة من المسلحين يحرضون على شنّ مزيدٍ من الهجمات في تونس، ويؤكدون مبايعتهم لزعيم التنظيم المتطرف، أبو بكر البغدادي.
وحمل الفيديو الذي نشر على حسابات التنظيم المعهودة على تطبيق "تلغرام"، توقيع "الدولة الإسلامية - المكتب الإعلامي في تونس"، وظهرت في الشريط مجموعةٌ من المسلّحين ملثمين، حاملين الرشاشات في لقطاتٍ عدّة بمنطقة حرجية.
 الإرهاب يضرب قلب العاصمة تونس

الاستنفار في تونس مطلوبٌ
عادةً ما يعتمد تنظيم داعش على فريقٍ متطوّرٍ يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية كأداةٍ لنشر الرعب في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الرغبة في توظيف واستقطاب عناصر أخرى، غير أنّه من النادر أن يتم تداول أشرطة فيديو لمتطرفين من تونس.

الباحث رافع الطبيب: بثّ فيديو حول انضمام تونسيين إلى داعش يحمل في طيّاته رسائل إقليميّة مشفّرة تقودها تركيا

ويأتي نشر الفيديو بعد ثلاث هجماتٍ نفذّها انتحاريون في العاصمة تونس أواخر حزيران (يونيو) الماضي، استهدفت قوّات أمنيّة تبنّاها لاحقاً تنظيم داعش، وهو ما يدفع تونس إلى ضرورة الاستنفار، وتوخّي الحذر خلال الفترة الراهنة، التي تستقطب فيها تونس سنويّاً أعداداً مهمّةً من السيّاح من مختلف دول العالم، فضلاً عن استعداد البلاد لاستكمال مسارها الانتقالي الذي ظلّ متعثّراً من عام 2011، من خلال إجراء خامس انتخاباتٍ في تاريخها منذ أحداث الثورة في كانون الثاني (يناير) 2011، وفق تقدير الخبير الأمني فيصل الشريف.
واعتبر الشريف في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ تونس مازالت تحت خطر الإرهاب، خاصّةً بوجود رغبةٍ كبيرةٍ من قبل بعض الأطراف المعادية للثورة، بضرب استقرارها، فضلاً عن عدم استقرار الوضع في ليبيا، وفشل الانتقال الديمقراطي في باقي الدول العربيّة التي شهدت ثورات غير مكتملة، مرجّحاً إمكانيّة تحرّك العناصر الإرهابيّة العائدة من بؤر التوتّر (العراق وسوريا)، ودخول عناصر أخرى عبر الحدود التونسية- الليبية.

اقرأ أيضاً: تونس على موعد مع أزمة سياسية جديدة..
الخبير الأمني أكّد أيضاً أنّ الانتدابات في صفوف التنظيمات الإرهابيّة تحدث يومياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنّ نشاط الجماعات الإرهابيّة في تونس قد تحوّل في الفترة الأخيرة من الجبال حيث يقتلون ويذبحون الأبرياء، إلى خلايا نائمة وعاجزة، بات عملها يقتصر على عمليّاتٍ إرهابيةٍ بفضل نجاح العمل الاستخباراتي الميداني، والأمني والعسكري في تونس، داعياً إلى اليقظة والحذر خلال الفترة المقبلة؛ أي قبيل الانتخابات المقرّر إجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2019.
تونس تقاوم الإرهاب

حاضنةٌ سياسيةٌ
ويذهب بعض المحلّلين إلى ضرورة القضاء على الحاضنة السياسية للإرهاب، لتستطيع القوّات الأمنيّة النجاح في حربها عليه، مستندين في ذلك إلى ما حدث بعد عام 2011، من تسهيلاتٍ لدخول العناصر المتطرّفة، ودخول الأسلحة، والتغرير بالشباب التونسي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، والسفر إلى مناطق النزاع، وتخاذل الدولة وممثلي السلطة آنذاك في التعاطي مع هذا الملف.

الضابط السابق بالحرس الوطني علي الزرمديني: تونس مستهدفة أكثر من غيرها لأنّ هذه الجماعات تسعى للثأر لقياداتها المنتهية

واتّهم الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، مازن الشريف، في تصريح لـ"حفريات"، الأطراف التي تولّت حكم البلاد منذ 2011 إلى اليوم بالتورّط في تكوين حاضنةٍ شعبيةٍ للإرهاب، وإدخال الفكر المتطرّف، وأيضاً إدخال الأسلحة إلى تونس، التي كانت منيعةً بشكلٍ كبيرٍ طيلة الفترة التي سبقت 2011، رغم كلّ المحاولات لاختراقها، وذلك عبر إقامة "الخيام الدعويّة"، ودخول المتطرّفين فكرياً إلى الوطن.
وأوضح أنّ الإحصائيات التي اُجريت في تونس خلال عام 2014، أفضت إلى وجود حوالي 400 خليّةٍ إرهابيّةٍ، تضمّ كلّ واحدةٍ ما بين 5 أشخاص و25 شخصاً ينتظمون بشكلٍ عنقودي، لا يعرف أحدهم معلوماتٍ حول الطرف الأعلى منه درجةٍ، وينقسمون إلى قسمين، ينتمي الأوّل إلى تنظيم داعش وهم الأغلبيّة، وينتمي الثاني إلى تنظيم القاعدة.
ويقدّر الشريف أنّ الوحدات الأمنيّة قد كشفت حوالي 80 بالمائة منها، وعملت على تدميرها، غير أنّ مسألة الاعتقال والإفراج ما انفكّت عقبة تونس في القضاء على الإرهاب والإرهابيين، مشيراً إلى أنّ أغلب العناصر المتورّطة في التفجيرات الإرهابية، وعمليّات الذبح، والتي تمّ اعتقالها، اُفرج عنها لاحقاً في ظروفٍ غير مفهومةٍ.

اقرأ أيضاً: تونس بين الغنوشي وشعبها
ولفت الخبير الأمني إلى أنّ ما بين 2000 و3000 عنصرٍ إرهابي قد عادوا إلى تونس، ويجب الحذر من المهارات التي اكتسبوها في صنع المتفجّرات، وفي تقنيات القتال، والتفجير، كما يجب النظر فيمن "دمغجهم"، ومن علّمهم الفكر المتطرّف، وأشرف على تسفيرهم، وعلى تمويلهم، عند تعافي الدولة من هذه الآفة.
 مسيراتٌ في تونس مناهضةٌ للإرهاب

رسائل إقليميّةٌ مشفّرةٌ
توسّع الإرهاب، وقوة تأثيره عبر منظّماتٍ عابرةٍ للحدود، جعلا منه محطّ أنظار العالم، وموضوع بحوث كتّابه، حول الجهة المموّلة، والجهة المستفيدة باعتباره ظاهرةً عابرةً للقارّات، تتقاطع فيها مصالح دولٍ مع أخرى، وهو ما أكّده الباحث في المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية رافع الطبيب.

اقرأ أيضاً: مرة أخرى.. تونس في مواجهة تنظيم داعش
وأبلغ الطبيب "حفريات"، أنّ بثّ مقطع فيديو حول انضمام تونسيين إلى تنظيم داعش الإرهابي، يحمل في طيّاته رسائل إقليميّة مشفّرة تقودها تركيا، تثبت من خلاله إعادة الانتشار والتمركز في منطقة المغرب والساحل والصحراء، وذلك بعد أن تمّ نقل المقاتلين "الدواعش" من إدلب السورية عبر تركيا نحو ليبيا، ومنها إلى عمق الصحراء، مشيراً إلى أنّ نشر الفيديو كان بنفس الطريقة والشكل الذي تعتمده كتائب الصحراء في ليبيا.
وقال إنّ هناك معركةً إقليميّةً، وتركيا جزءٌ منها، وأحد المحرّكين لها من أجل إعادة انتشار الدواعش، خاصّةً أنّها تسعى إلى محاصرة مصر، والتدخّل في ليبيا وتونس، واصفاً إيّاه بـ "التدخّل المركّب لتحريك ملفّ الإرهاب والمجموعات القبليّة".

اقرأ أيضاً: هل يغيّر الناخبون الجدد خريطة تونس السياسية؟
وحول المشهد التونسي، اعتبر الطبيب أنّه متناقضٌ بما أنّه محكومٌ إلى قوّة أمنيّة وعسكريّة تحارب من أجل التخلّص من الإرهاب، ونجحت نسبيّاً في ذلك من جهةٍ، وإلى طبقةٍ سياسيةٍ، قال إنّها تتكوّن أساساً من الإسلاميين وحلفائهم، تدافع عن الإرهاب، وتبرّر له هجماته، ويعمل على الحفاظ عليه في مستوى معينٍ ليكون وقود معركةٍ لاحقةٍ.
كما لفت الطبيب إلى أنّ تركيا تريد أيضاً في رسائلها المشفّرة أن تثبت قوّتها ووجودها، بعد انهيار الإسلام السياسي في كلٍّ من السودان، وخروج مصر منتصرةً عليه، وبلوغ ليبيا نهاية معركتها معه.
نجاحاتٌ أمنيّةٌ.. ولكن
تؤكّد تقارير استخباراتيةٌ وإعلاميّةٌ متطابقةٌ، نجاح تونس في القضاء نسبياً على التنظيمات الإرهابيّة بعد أن أفقدتها قياداتها وأفشلت جلّ مخطّطاتها، وأدخلتها مرحلةً من اليأس، والارتباك.

اقرأ أيضاً: مرشّح للرئاسة التونسية يهاجم حركة النهضة
ويدعم هذا الأمر، الخبيرُ الأمني والضابط السابق بالحرس الوطني، علي الزرمديني، الذي قال لـ "حفريات"، إنّ الإرهاب في تونس تلقّى ضرباتٍ موجعة على مستوى قياداته وعناصره، وكذلك على مستوى إفشال مخطّطاته الإرهابية، فضلاً عن المتابعة الاستخبارية العميقة.
ولفت إلى أنّ تونس مستهدفة أكثر من غيرها من البلدان؛ لأنّ هذه الجماعات تسعى للثأر لقياداتها المنتهية، كما أنّ تونس مثال بارزٌ في مجال الديمقراطية، إلى جانب كونها تمثل إستراتيجياً نقطة ربطٍ مهمّة داخل الإطار المغاربي، ونقطة تمدّد واسعة نحو الفضاء الأوروبي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية