الإسلاميون في العراق.. التحايل على الناخب عبر طاقية إخفاء مكشوفة

الإسلاميون في العراق.. التحايل على الناخب عبر طاقية إخفاء مكشوفة


11/03/2018

حزب الدعوة الإسلامية يمثل إخوان الشيعة فقد نشأ أعضاؤه على كتب سيد قطب، وأبي الأعلى المودودي، وأدبيات الإخوان الأخرى.

الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في العراق، قرر، وتحت اليافطتين السياسيتين “الدَّعوة الإسلامية” (شيعة) و”الحزب الإسلامي العِراقي” (الإخوان المسلمون كمسلمين سنة) عدم خوض الانتخابات العراقية القادمة باسميهما الصريحين الواضحين، في مايو 2018، تحت ضغط ما بات يعرف بمهزلة إدارة الدَّولة وتفاقم حجم الفساد، وتورطهما فيه، فشعار التظاهرات “باسم الدِّين باكونا الحرامية” كان المقصود الإسلام السِّياسي عامةً. هذا جانب مِن اتخاذ القرار، والجانب الآخر أن الحزبين الدينيين الرئيسيين يتعرّضان لأزمة داخلية، ضمن النزاع على المراكز القيادية في الدَّولة العراقية، على أنه ـ وبحسب الدستور الحالي ـ فإن رئاسة الحكومة يجب أن تكون من نصيب المسلمين الشيعة أما رئاسة البرلمان فيجب أن تكون من حصة المسلمين السنة.

حزب الدَّعوة الإسلامية، لم يمرّ عام مِن حياته بلا انشقاق، والبداية كانت بُعيد تأسيسه (1959)، حيث الانشقاق بين أصحاب العمائم والأفندية، ثم تتالت الانشقاقات في الخارج، وأصبح حزب الدَّعوة- الكوادر، وحزب الدعوة- الدَّاخل، وحزب الدَّعوة- الإصلاح، والجماعة الأخيرة شكلها إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الأسبق، النَّاطق الرَّسمي باسم الدَّعوة سابقاً، تحت عنوان “حزب الإصلاح”، أما هذه المرة فجاءت بانفلاق الحزب إلى جماعة رئيس الوزراء حيدر العبادي وجماعة نوري المالكي رئيس الوزراء السَّابق، ووفق هذا الخلاف الحاد انفلق الحزب إلى كتلتين انتخابيتين: “النصر” (العبادي) و”دولة القانون” (المالكي). ومعلوم أن الأخير مع الهوى الإيراني، مقراً بولاية الفقيه.

وفي هذا الصدد، يقول رشيد الخيُّون، الباحث العراقي في دراسته حول “انتخابات العراق.. الإخوان التخفي بالكنى والأسماء” إن اتفاقاً غير معلن قد وقع خلال المباحثات في شأن الانتخابات، يقضي بأن الكتلتين تنسّقان بعد الانتخابات لتشكيل كتلة واحدة، في هذه الحال سيكشف الحزب عن استغفال للجمهور العراقي، وتحايل مِن أجل أن تبقى رئاسة الوزراء، أي السلطة التنفيذية بيد الحزب، وفي هذه الحال تبقى الوجوه نفسها، والفساد نفسه، فالحزب ما زال الحامي الأول لملفات الفساد الكبرى، مع أنه اضطر إلى التخلي عن رموز فيه، كمحافظ بغداد السابق صلاح عبدالرزاق، بعد أن كُشفت قضيته أمام الرأي العام، وكذلك الحال مع وزير التجارة السَّابق، الذي جُلب من بيروت تحت الحراسة، عبر المتروبول، إلى بغداد.

في كل الأحوال لا يخفى النزاع على المنصب بين جماعة العبادي وجماعة المالكي، والأول يمثل حالة أفضل قياساً بسابقَيه المالكي والجعفري، لكن ليس هو القادر على مواجهة قضايا الفساد والإرهاب، وهما ظهير لبعضهما بعضاً.

ما يخصّ الحزب الإسلامي العراقي (جماعة الإخوان) فهو الآخر قرر خوض الانتخابات بهويات أعضائه لا بهويته، بعد أن انفلق إلى ستة أجنحة تتنازع على تصدّر قائمته، ومعلوم أنه يمثل حضوراً حزبياً بالمناطق الغربية والموصل وديالى وبغداد أيضاً، وإذا كان لحزب الدَّعوة حصة رئاسة الوزراء أو السلطة التنفيذية، فحصة الحزب الإخواني رئاسة البرلمان، أو السلطة التشريعية، الممثلة بالإخواني سليم الجبوري، والذي يؤخذ عليه، مِن قِبل الشارع السُّنِّي، بأنه الأقرب لإيران، فعندما ضاق عليه الحبل بمواجهة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، توجّه مباشرة إلى طهران، شأنه شأن المالكي عندما اشتدت التظاهرات على جدار المنطقة الخضراء مطالبة بمحاسبته توجه إلى طهران وعادة بصك حماية.

لكنْ لقرار الحزبين، أو الجماعتين الإسلاميتين الإخوانيتين، تفسير آخر، ونقول الإخوانيتين لأن حزب الدعوة الإسلامية يمثل إخوان الشِّيعة، في ثقافته وسياسته، فقد نشأ أعضاؤه على كتب سيد قطب (أعدم 1966)، وأبي الأعلى المودودي (توفي 1979)، وأدبيات الإخوان الأُخرى. يتعلق القرار بسمعة الحزبين التي هبطت إلى الحضيض، كنوع من تجنّب السِّياسة المباشرة، لذا أخذت القوى الإسلامية الحزبية إلى تبنّي المدنية والوطنية كشعارات لها، مع أنها بعيدة كل البعد عن المفهومين، فتسميات مثل “الإصلاح” و”الوطنية” “والحرية” كلها مفاهيم لا يقرّها الإسلام السِّياسي، فتبقى طهران الإسلامية أو حتى كابول أقرب لتلك الجماعات من بغداد غير الإسلامية. هذا ما دأبت عليه فروع الإخوان المسلمون، عندما شكلوا أحزاباً متشابهة العناوين، في أكثر من بلد، تحت اسم “العدالة والتنمية” وغيرها، كي يتحمّل الحزب مساوئ السلطة المباشرة، وهذا ما فعله حزب الدعوة عندما تقدّم بقائمة “دولة القانون”، وفرَّ رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم إلى تشكيل “تيار الحكمة”، كل هذا له علاقة بالخذلان السياسي في إدارة الدَّولة، وتعاظم الفساد في هذه الأحزاب.

لذا يمكن اعتبار فرع الإخوان العراقيين هو أول مَن فصلَ بين الإخوان كجماعة والحزب، فأسس “الحزب الإسلامي العراقي” (1960)، بعد أن دفع وشجع الإسلاميين الشِّيعة على تأسيس حزب الدعوة الإسلامية (1959)، والآن يوجد الإخوان ويوجد الحزب، مثلما توجد دولة القانون ويوجد حزب الدَّعوة، غير أن هذا التحايل والتخفي لم ينجح في تنزيه الجماعتين، وهو لا يتعدى “طاقية الإخفاء” التي سرعان ما تسقط، وتُكشف الحقيقة.

ويضيف الخيون تفاعلا مع البحث الصادر عن مركز المسبار لدراسات والبحوث بدبي، والمنشور في 4 مارس 2018، بأن الأمور مجرد ألعاب انتخابية، وتذاكٍ على النَّاس، وإلا فالوجوه معروفة، وما يجري سوى تدوير لها لا أكثر ولا أقل، والهدف البقاء في المراكز نفسها، للإخوان رئاسة البرلمان وللدعوة رئاسة الوزراء.

ويتابع الباحث مستشهدا برواية للأصفهاني في كتاب الأغاني، بأن الشاعر عبيد بن الأبرص (25 عاما قبل الهجرة) يفسر الحالة، في بيته المعروف “هي الخمر بالهزلِ تُكنى الطِّلاء/ كما الذِّئبُ يُكنى أبا جعدة” (الدِّيوان)، وفي رواية أُخرى “هيَ الخمرُ تُكنى بأُمِّ الطِّلَى/ كما الذِّئبُ يُكنى أَبا جَعدَة”.. لقد كُشف الغطاء، وما هي إلا اختلاف الكُنى والأسماء، وإلا المعاني نفسها، حزب الدَّعوة هو “دولة القانون”، وحزب “التَّجمع المدني للإصلاح” هو الإخوان المسلمون.

لكل ما تقدم قرر حزبا “الدَّعوة الإسلامية” و”الحزب الإسلامي العِراقي” (الإخوان المسلمون) عدم خوض الانتخابات العراقية القادمة باسميهما، في مايو 2018، تحت ضغط مهزلة إدارة الدَّولة وتفاقم حجم الفساد، وتورطهما فيه، فشعار التظاهرات “باسم الدِّين باكونا الحرامية” كان المقصود الإسلام السِّياسي عامةً، هذا جانب مِن اتخاذ القرار، والجانب الآخر أن الحزبين يتعرّضان لأزمة داخلية، ضمن النزاع على المراكز القيادية في الدَّولة العراقية. إنها مجرد ألعاب انتخابية، وتذاكٍ على النَّاس، وإلا فالوجوه معروفة، وما يجري سوى تدوير لها لا أكثر ولا أقل، والهدف البقاء على المراكز نفسها، للإخوان رئاسة البرلمان وللدعوة رئاسة الوزراء.

خلاصة ما يمكن استنتاجه من هذا البحث الذي تضمّنته دراسة رشيد الخيّون، الصادرة عن مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي، والمنشورة في بداية هذا الشهر، بأن هذه التمثيليات الكلامية، لا تعدو أن تكون مسرحيات ممجوجة، صبيانية وغير مقنعة، ذلك أن هذه الألعاب الانتخابية هي تذاكٍ على النَّاس الذين باتوا يعرفون كل شيء بسبب تكرار نفس المشهد، فالوجوه معروفة، وما يجري سوى تدوير لها ووضع طاقية هذا على رأس ذاك، لا أكثر ولا أقل. وهو ما يحيلنا إلى ما هو ظاهر ومعلوم ولا يمكن الاستغناء عنه صونا للوحدة الوطنية، ويتمثل في الكف عن استثمار الشعارات الوطنية خدمة لمشاريع طائفية.

العراق لا يمكن له أن يحل مشكلاته المطروحة والراهنة في ظل تحديات عاصفة على جميع المستويات دون أن يحل الوصايات السياسية على أساس طائفي، والتي من شأنها أن تفسد أي مشروع وطني حقيقي وطموح، ذلك أن الأولويات بالنسبة إلى الأحزاب الدينية هي المرجعيات الدينية الخارجية وليست المستحقات التنموية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية